ريادة الأعمال المجتمعية والفرص الممكنة في سلطنة عُمان
تاريخ النشر: 21st, June 2025 GMT
دعيت الأسبوع الفائت للحديث في جلسة نظمتها مديرية الثقافة والرياضة والشباب بشمال الباطنة حول (ريادة الأعمال الاجتماعية)، وذلك على هامش احتفائها بيوم الشباب الخليجي، حيث ركز الحوار على تأصيل المفهوم، وتتبع جذوره في التاريخ والممارسات، إضافة إلى النماذج البارزة عالميًا التي تمثله، وصولًا إلى سياقاته المحلية من مبادرات، ومأسسة وتنظيم، عوضًا عن التحديات التي تحول دون تبلوره وتطوره.
تاريخيًا تطور مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية انطلاقًا من محرك مهم وهو «عدم المساواة في المجتمع الحديث». وأخذ يترسخ مؤسسيًا بفعل مرور المجتمعات عمومًا بتحولات في بنيتها الديموغرافية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تلك التحولات بدورها أنتجت احتياجات ورغبات متفاوتة لا تستطيع الدولة بمؤسساتها وخدماتها بالضرورة تلبيتها، كما أنها قد لا تنتج من قبل السوق التقليدية (القطاع الخاص)، أو قد يتطلب الوصول إليها تكاليف كبيرة على المستفيد منها أو طالب الخدمة. واجتهدت الكثير من الأدبيات في محاولة وضع خصائص وسمات لرواد الأعمال المجتمعيين، ولمؤسسات ريادة الأعمال الاجتماعية، ومن بينها محاولة موشيه شارير وميري ليرنر لـ«قياس نجاح المشاريع الاجتماعية التي بدأها رواد الأعمال الاجتماعيون الأفراد»، حيث تم تحديد ثمانية عوامل نجاح رئيسية للمشاريع الاجتماعية وهي: «الشبكة الاجتماعية لرجال الأعمال (قوة العلاقات الاجتماعية وتوسعها) - التفاني الكامل لنجاح المشروع - قاعدة رأس المال المتاحة في مرحلة التأسيس - قبول فكرة المشروع في الخطاب العام (المجتمع) - تكوين فريق المغامرة، بما في ذلك نسبة المتطوعين إلى الموظفين ذوي الرواتب - تشكيل تعاونات طويلة الأمد في القطاعين العام وغير الربحي - قدرة المشروع على الصمود في وجه اختبار السوق - الخبرة الإدارية السابقة لرجال الأعمال (رائد العمل المجتمعي).
ما يعنينا هو ماهية الفرص المتاحة لتبلور مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية (بشكل مؤسسي) في سلطنة عُمان، والأصل أن المفهوم كممارسات وقيم متجذر في المجتمع وله أبعاد عديدة، غير أن الانتقال إلى أن تكون ريادة الأعمال المجتمعية اقتصادًا قائمًا من ناحية، وتكون كياناتها المؤسسية أكثر وضوحًا واتساقًا مع المفهوم من ناحية أخرى، وتوجه بشكل فاعل لأغراض الاستدامة كونها عناصر تتطلب تحولًا في الممارسات الحالية. وما يُلح على هذا التحول هو ثلاثة محركات مهمة: أولًا توسع حاجيات ورغبات المجتمع نتيجة التحولات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية فيه، وثانيًا محدودية دور الدولة والسوق التقليدي في تلبية الرغبات المتزايدة، والحاجات النوعية الناشئة لدى بعض فئات المجتمع، عوضًا عن القضايا والظواهر المجتمعية الطارئة، وثالثًا هو تبلور الفكر الريادي واكتمال دعائم تلك المنظومة وخاصة لدى فئة الشباب. وبقدر ما تنشأ اليوم من احتياجات اجتماعية صاعدة، بقدر ما يفرز التغير الاجتماعي في المجتمع العُماني فرصًا لبروز أشكال ريادية جديدة في العمل المجتمعي، فملفات مثل الاستثمار في الشيخوخة النشطة، وتعزيز مبادئ الثقافة المالية لأفراد المجتمع، وتسويق أنشطة الأسر المنتجة، وتعميم ثقافة الحصانة السيبرانية والوعي بأمن المعلومات والخصوصية، وتمكين الشباب من المهارات المتقدمة للانخراط في سوق العمل، والاستثمار النوعي في الطفولة المبكرة والخدمات المتصلة بها، وتمكين العمل الحر والاستثمار في المواهب الشبابية، والإدماج الاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة، وصناعة المحتوى الرقمي الموجه للأغراض الاجتماعية، ودمج المجتمعات في عمليات التنمية المحلية ومشروعاتها كلها نماذج لفرص يتيحها التحول الراهن في الدولة والمجتمع لصالح نشوء أفكار ريادية تخدم العمل المجتمعي، وتبقى أسلحة رائد العمل المجتمعي ثلاثة حسب تصورنا: العين الاجتماعية الحاذقة، والإيمان بالقضية التي ينشط فيها ويبادر لأجلها، واليقين بأهمية التغيير الاجتماعي وصناعة الأثر المنشود.
على الجانب الآخر تتطلب المرحلة المقبلة إعادة التفكير في اللوائح والنظم والتشريعات التي يمكن أن تتعامل مع هذا الشكل من أشكال الأنشطة، وذلك لتعزيز دورها ومساهمتها الاقتصادية أيضًا جنبًا إلى جنب مع إحداث الأثر الاجتماعي، فالدول التي التي ركزت اهتمامها في السنوات الأخيرة لتعزيز وترسيخ ودعم المؤسسات القائمة على هذا المفهوم استفادت بشكل مباشر من تطور مساهمته في الاقتصاد العالمي التي وصلت في 2024 إلى نحو 1.9% في الاقتصاد العالمي، وقدرته على تخليق الوظائف والتي تقدر بنحو 210 ملايين وظيفة حول العالم، ومساهمته في تأسيس كيانات مستدامة تحرك الدورة الاقتصادية. كما أن نشر الوعي بالمفهوم وممارساته وأفضل نظم الحوكمة التي توجهه وتوسيع نطاق التدريب للفئات الشابة على أساسياته كلها تعد عناصر مهمة للحصول على ثمار هذا النوع من الريادة المجتمعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ریادة الأعمال المجتمعیة العمل المجتمعی فی المجتمع
إقرأ أيضاً:
لقاءٌ بصلالة يناقش تحديات سوق العمل بمشاركة أصحاب الأعمال
نظمت وزارة العمل اليوم لقاءً مع أصحاب وصاحبات الأعمال في محافظة ظفار بمشاركة غرفة تجارة وصناعة عُمان لمناقشة تحديات سوق العمل بمجمع السُّلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بصلالة.
وأشار معالي الدكتور محاد بن سعيد باعوين وزير العمل إلى ما تقوم به وزارة العمل في الوقت الراھن من جھود تعزّز تطویر أدوات سوق العمل والدعم الذي تقدمه لمؤسسات القطاع الخاص والتسھیلات المتاحة للمنشآت بالإضافة إلى قانون العمل والتشریعات المنظمة لسوق العمل التي من شأنھا العمل على الاستقرار ومواكبة التقدّم الذي یشھده السوق العالمي.
وأوضح معاليه خلال اللقاء الذي جاء ضمن فعاليات ملتقى العمل ٢٠٢٥ بأن الظروف الراھنة تدعو إلى تسريع وتيرة العمل، لما نشھده من تحدیات وتقدّم ھائل يصب في مصلحة الأسواق، ودعم المورد البشري، كونه الصانع الحقيقي لھذا التطور والتقدم، عن طريق مبادرات التوظيف التي تتبناھا وزارة العمل بشراكة حقيقية مع القطاع الخاص.
كما أكد معالي الأستاذ الدكتور وزير العمل على أھمیة دور القطاع الخاص في محافظة ظفار الذي ينمو بوتيرة سريعة خاصة في المجال السياحي ودور المحافظة في تعزيز قطاع العمل والجھود التي تبذلھا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكوادرھا الوطنية العاملة في منشآت وشركات القطاع الخاص مشيرًا إلى أهمية تكثيف الاھتمام بمشروعات رواد الأعمال المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والابتكار ودعم برامج التدريب.
تضمن اللقاء مناقشة التحديات التي تواجه أصحاب الأعمال لا سیما في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكیفیة تبسيط الإجراءات للاستفادة من التسھیلات المتاحة لھم لإنشاء مشروعات جدیدة وآليات تطويرها إلى جانب موضوع التعمين في بعض الأنشطة وسبل تطوير سوق العمل العُماني.