أحمد ياسر يكتب: أزمة السودان وأنظمة اللاجئين في العالم
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
يقترب الفصل العنيف الأخير من الصراع المستمر منذ عقود في السودان من الذكرى السنوية الأولى له، في أعقاب اندلاع الصراع في أبريل من العام الماضي.
ومع وجود 25 مليون شخص محتاج من أصل 49 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد الشاسعة…. أكبر أزمة إنسانية لدينا، ويتكامل مع ذلك أسرع وأكبر نزوح قسري في العالم بحوالي 8 ملايين شخص.
يوازيه عدم تراجع أعمال العنف أو ظهور أي آفاق للسلام ذات مصداقية، فإن هذه السجلات سوف تنهار مع تقدمنا نحو عام 2024، ومن المتوقع أن يصل عدد المحتاجين إلى 30 مليونا، في حين سيتجاوز عدد النازحين 10 ملايين.
ومع تفكك الدولة، أصبح الدمار وانعدام الأمن واسع النطاق، وأصبحت المستشفيات والمدارس وإمدادات المياه والبنوك والاتصالات ذكريات بعيدة، بينما يتعرض المواطنون للترويع والانتهاكات في منازلهم وأحيائهم.
الجوع والمرض يطاردان الأرض.. . إن الوصول إلى المساعدات مسألة حظ، حتى مع قيام المجموعات المحلية الشجاعة بمجازفات غير عادية من أجل جلب بعض المساعدة، ومن المفهوم أن الاهتمام الإنساني يتركز على المعاناة الجماعية داخل البلاد.
ومع ذلك، فإن التدفقات السكانية إلى الخارج من السودان تستحق أيضًا أن يتم تسليط الضوء عليها لأنها تمثل أفظع مظاهر المعاناة التي تجتاح الأمة.
لا أحد يهرب من بلده، ويتخلى عن كل ما يعتز به، في رحلات محفوفة بالمخاطر في أراضٍ أجنبية ما لم يكن في حالة يأس، ويشهد اللاجئون السودانيون على الفظائع الهائلة التي تعرضوا لها.
ليس العنف فحسب، بل أيضًا الأعمال الوحشية المنحرفة بما في ذلك العنف الجنسي والتعذيب والاختفاء والإعدام والمذابح… هذه تحدث على الصعيد الوطني.. ولكن عندما يتم استهدافهم على المستوى العرقي في دارفور على نطاق واسع، فإنهم يشبهون الإبادة الجماعية التي وقعت قبل عشرين عاماً، والتي لم تتم تسوية حسابها.
إن تاريخ السودان يدور حول تضخيم أخطاء الماضي، بدلاً من التعلم منها.
إن مشاكلها الدورية تعمل على تحسين الفظائع السابقة من خلال الممارسة، والمرحلة الحالية هي الأسوأ حتى الآن من حيث المعاناة غير المبررة التي يتعرض لها الناس.
هذا ليس كل شيء… أولئك الذين لديهم القوة والوسائل اللازمة للهروب يواجهون عقبات لا تصدق على طول الطريق إلى الحدود.. . إنهم يتعرضون للسرقة والاستغلال بشكل روتيني، ويراقب مفترسوهم النساء غير المصحوبات بذويهن والأطفال الصغار والمسنين.
عبور الحدود يجلب المزيد من الكوابيس، فالحدود تفتح وتغلق لمجرد نزوة، وأكثر اللحظات ضعفاً بالنسبة للاجئ هي الانتظار لفترة غير محددة للعبور، ربما بدون وثائق… والقليل من الكرامة التي قد يحتفظ بها اللاجئ السوداني بأعجوبة يتم التخلص منها على الحدود مع بدء صراع جديد… ويواجه رحمة الغرباء غير المؤكدة.
قد يتم الترحيب باللاجئين في البداية من قبل المجتمعات المضيفة التي لها تاريخ وهوية وثقافة مشتركة، والتي تأتي وتذهب دائمًا عبر حدود السودان الطويلة.. . لكن الهجرة التقليدية، التي تتأثر بالعوامل الموسمية، أصبحت مسمومة بسبب الصراعات المنتشرة…
لقد تصدعت شبكات التضامن الإقليمية، حيث يُنظر إلى تدفقات اللاجئين اليوم باعتبارها مصدر إزعاج أمني.
تشير التجربة العالمية إلى أن بئر التعاطف يجف في نهاية المطاف وأن جميع اللاجئين سيصمدون بعد الترحيب بهم، عاجلاً أم آجلاً، ومن يستطيع أن يلوم جيران السودان، الذين هم أنفسهم من بين الدول الأكثر فقراً وعدم استقراراً على وجه الأرض؟ خاصة وأن ضيوفهم المترددين يستمرون في القدوم.
فر حوالي 1.6 مليون شخص من السودان منذ أبريل 2023، ومن المحتمل أن يتضاعف هذا الرقم خلال العام، ويكشف تحليل الإحصائيات مدى تعقيد التدفقات السكانية… ثلث الذين فروا من السودان ليسوا سودانيين، بل مواطنين أجانب وعائدين، وقد نزح العديد منهم بشكل متكرر، يعد القفز برشاقة من المقلاة إلى النار – ثم العودة مرة أخرى – بمثابة استراتيجية بقاء ضرورية في جميع أنحاء المنطقة.
خذ على سبيل المثال 100 ألف عامل مهاجر من تشاد في دارفور، وكذلك 70 ألفًا فروا من الفظائع في تيغراي، ومع اشتعال النيران في ملاذاتهم السودانية، فهل يخاطرون بالعودة إلى ديارهم، التي لا توفر بالضرورة قدراً أكبر من الأمان أو الحياة القابلة للحياة؟
ويواجه 820 ألف مواطن من جنوب السودان فروا شمالاً هرباً من مشاكلهم الخاصة معضلة مماثلة أثناء عودتهم، بالنسبة لـ 200,000 لاجئ إريتري في السودان، فإن العودة إلى ديارهم ليست خيارًا ويجب عليهم الاستمرار في التجول.
ويؤدي الوافدون الجدد إلى تضخم أعداد اللاجئين السودانيين الموجودين مسبقاً، مثل 810,000 شخص عالقين لسنوات عديدة، معظمهم في المستوطنات الصحراوية في تشاد وأدغال جنوب السودان.
وللحديث بقية………
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.
الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.
بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.
الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.
دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.
الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.
وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.
لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.
وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.
ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.
ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.