الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر: الظن الجميل بالله يظهر أثره في سلوك المسلم مع الآخرين
تاريخ النشر: 21st, March 2024 GMT
عقد الجامع الأزهر، اليوم الخميس، فعاليات الملتقى الفقهي الحادي عشر، وجاء بعنوان "المسلم حسن الظن بالله"، شارك فيه الدكتور أبو بكر يحيى، أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون وعضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، والدكتور الأمير عبدالعال محمود، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، والدكتور عبدالله الحسيني، الباحث بالجامع الأزهر الشريف.
قال الدكتور أبو بكر يحيى إن حسن الظن بالله تعالى يكون بقدر معرفة الإنسان بربه وصفاته العلى، فيجب على المسلم السعي في التعرف على خالقه بحيث يقف على ما ينمي فيه هذا الظن الجميل بالله، فيعرف أن الله أرحم بعباده من الأم بولدها ويعرف أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، مضيفا أن الله يفرح بتوبة عبده فوق فرح الظمآن إذا ورد والغائب إذا وفد وأنه تعالى يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف أو يزيد ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو.
وأوضح أستاذ أصول الفقه أن الظن الجميل بالله يظهر أثره في سلوك المسلم مع الآخرين، فهو يستتبع حسن ظن بالخلق فيرى فيهم الخير قبل الشر والبراءة قبل الإدانة؛ فيدرك في معاملته للناس أمورا ثلاثة، أولها أن معاملته لهم على أنهم بشر يصدر منهم الخطأ كما صدر من أبيهم عليه السلام، وأننا مطالبون أن نحكم بناء على الظواهر لا على ما في مكنون القلوب، وأخيرا أن كل من آمن بالله ورسله لا يخلو حاله من خير وإن صدرت منه المعاصي والآثام.
ومن جانبه، بين الدكتور الأمير عبدالعال محمود أن حسنُ الظنِ بالله تعالى من العبادات القلبية الجليلة، التي ينبغي للمؤمنِ أن يملأ بها قلبَه في جميعِ أحوالِه، ومعناه: قوةُ اليقينِ بما وعد اللهُ تعالى عبادَه من سِعةِ كرمِه ورحمتِه، وفي الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فليظنَ بي ما شاء)، مضيفا أن الذي يدعو الله ينبغي أن يُحسنَ الظن بالإجابة، أي يكونَ على يقينٍ بأنه تعالى يجيبُ الداعي؛ حيث قال عزّ وجلّ:(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
وأضاف عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أنه إذا أذنب العبدُ وتاب واستغفر، ينبغي عليه أن يحسن الظن بالله في أن الله تعالى سيقبلُ توبته، وسيقيلُ عثرته، ويغفرُ ذنبَه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، موضحا ان سوءُ الظن، وهو أمر في غايةِ الخطورة؛ لأنه من علامات المنافقين، قال -تعالى-: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ).
وبدوره، أوضح الدكتور عبدالله الحسيني إن من أكبر أسباب الراحة في الدنيا والنجاة يوم القيامة: حسن الظن بالله، فالمؤمن في هذه الحياة عند حاجته يستعين بالله، وعند ضيقه يلجأ إلى الله، فهو الغني الذي لا تفنى خزائنه، مضيفا أن من صميم الإيمان أن يظن المؤمن بالله بما هو أهله وما يليق به سبحانه، فالله يعامل عباده بحسب ظنهم به، فمن أحسن الظن بربه وأيقن أنه علي كل شيء قدير ولا يعجزه شيء ، قادر علي إجابة الدعاء وتحقيق الرجاء ، بيده قبول الطاعات ومغفرة الخطايا ، تيقن أنه راحمه و فارج كربه وكاشف همه.
واختتم الباحث بالجامع الأزهر الشريف أن حسن الظن من أهم الأمور التي يصلح بها العبد من دينه ما أفسدته الدنيا، فبحس الظن تقوى علاقة المؤمن بربه، وبحسن الظن يدرك المسلم مقام ربه ويراقبه في كل تصرفاته، وبحسن الظن يجد المؤمن لذة في العبادة تعينه على أدائها بكل إخلاص وحب، فما أحوجنا إلى ذلك لا سيما في شهر رمضان المبارك.
ويواصل الجامع الأزهر خطته العلمية والدعوية لشهر رمضان بتوجيهات ورعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتتضمن: (١٣٠ مقرأة- ٥٢ ملتقى بعد الظهر- ٢٦ ملتقى بعد العصر- صلاة التراويح بالجامع الأزهر ومسجد مدينة البعوث الإسلامية ٢٠ ركعة يوميا بالقراءات العشر- ٣٠ درسًا مع التراويح- صلاة التهجد بالجامع الأزهر ومسجد مدينة البعوث في العشر الأواخر- تنظيم ٧ احتفالات متعلقة بمناسبات الشهر الكريم- ٥٠٠٠ وجبة إفطار يوميًّا للطلاب الوافدين، لتصل الوجبات لـ ١٥٠ ألف وجبة طوال الشهر الكريم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: بالجامع الأزهر حسن الظن بالله أن الله
إقرأ أيضاً:
ثلاثية الوجود.. ودعاوى الإلحاد
إنَّ الإيمان بالله -رغم اختلاف معتقداتنا نحن البشر فيه- راسخ في ضمائرنا؛ فالملحد المنكر لوجود الله - في البُعد الفلسفي- لا يختلف عنا - نحن المؤمنين - في إقراره بقوة مُوجِدة ومُنظِمة لهذا الكون العظيم، ولكنه أنكر الله واستبدل به أسماء مادية.
لقد طفق الملحد يؤول هذه القوة؛ قيومية الوجود المستقرة في نفسه بضروب مِن التأويل، فتارةً يستجدي العقل فلا يسعفه، وتارةً يلجأ إلى العلم فلا يجد فيه بغيته، ولا يلبث أنْ يستدعي تاريخ مبتدأ الإنسان؛ فيعلل به إلحاده، وأخيرًا.. يسبح في بحر التشريح البيولوجي للحيوان؛ ومنه الإنسان، فيتعسف في استنطاقه، ولست هنا مفندًا تأويلات الملحد، وإنَّما أتأمل حالةً مِن العلاقة بين الإنسان والكون وخالقهما، أزعم أنَّها تستوقف العاقل في رحلته المحدودة على الأرض، وكثيرًا ما تبلغ به مبلغ القلق الوجودي.
لقد كان الإنسان وكان الله حاضرًا في قلبه، فلا قلب خالٍ مِن وجود خالقه، ليس رأيًا أراه وحدي، ولا يقينا منعقدا به قلبي فحسب.. بل إقرار أقر به الإنسان منذ وجد وأينما وجد.
هناك ثلاث حقائق متلازمة: الله والإنسان والكون، إنَّها عَمَد الوجود، فلو زالت إحداها لانهدم صرحه، أقر المؤمن بها، وأنكر الملحد إحداها، فلا أدري أين قرار نفسه في هذه الحياة؟! هذه الحقائق الوجودية كنه إدراكها العقل. فالعقل.. وعينا به أنفسنا وعرفنا به ربنا وأدركنا به الكون مِن حولنا، وهو قاضٍ بوجود الله، وقاضٍ كذلك بعدله. وإنَّ العدل هو الميزان الذي تركّب عليه الوجود، وهو ما استلزم الجزاء الأخروي وأوجب الإيمان به، فلا يجوز في العقل أنَّ الكون المركَّب على ميزان القسط ينجو فيه الظالم بظلمه، وألّا يُنصَف المظلوم مِن ظالمه، مما استلزم - عقلا - أنْ نؤمن بالحساب الأخروي؛ وهذه ليست حجة الإيمان فحسب.. بل حجة الفلسفة، وقد محّصها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (ت:1804م) ببرهان العقل؛ لا بحجة الدين. وأما الدين فحجته الفطرة؛ وهي أرسخ في اليقين عندي.
أوجبت العقول الإيمان بالله، واختلفت في كيفية انغراسه فطرةً في النفس، ومتى حصل الانغراس؟ وليس المقام هنا تحقيق الرأي الأصوب مِن آراء لا يكاد العد يحصيها، فكما قال المتصوفة: الطرق إلى الله بعدد أنفاس البشر. فقصد المقال هو النظر في بعض دعاوى التي يرددها الملحد.
خلق الله الكون أطوارًا، والتطور سنة تحكم الكون بأسره؛ مِن أجرامه الضخمة حتى ذراته الدقيقة، وكان الإنسان واسطة عقد الكون وزينة وجوده، فلما استوى خِلقةً؛ بدنًا ونفسًا وعقلاً، نفخ الله فيه مِن روحه: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) [الحجر:29]، وهو سجود بمعنى الانقياد له؛ انقياد أساسه العقل وقوامه العلم ومساره الحرية. نتج عن النفخة الإلهية ثلاثة عناصر، ميزت الإنسان عن الحيوان: الإيمان والخُلُق والوعي. لقد اختلف الناس في أديانهم لكنهم أقروا بالله. وتباينوا في الالتزام بالأخلاق، واتفقوا بأنَّ أخلاق الخير حسنة وأخلاق الشر قبيحة. والناس جميعهم يتحركون بوعي؛ ومَن لم يكن واعيًا فمجنون.
وبعد؛ فأحصر ما برّر به الملاحدة إنكارهم وجود الله في ثلاث دعاوى:
- الخوف مِن الطبيعة: يرى أصحاب هذه الدعوى؛ أنَّ الإنسان في بدائيته واجه مخاطر قوى الطبيعة كالأعاصير والحرائق والثلوج، ولم يكن له حينها قدرة على مواجهتها.. بل ولا قدرة على إدراك طبيعة هذه القوى، وكان يتصور أنَّها تفعل ما تريد؛ بأقوى مما يفعل هو ويريد. ولأنَّه أدرك بأنَّ كثيرًا منها يأتي متعاقبًا خلال فصول السنة، ظن أنَّها تمتثل لما تأمرها به الأجرام السماوية، فلجأ إلى عبادتها.
ولكي ترضى عنه وتكف غضبها فعليه التقرب إليها بالصلوات والنُذُر والطقس والأضاحي، وأشاد لها المعابد وأقام لها الأنصاب والأصنام، وحج إليها، ومِن هذه المعبودات نشأ في وهمه وجود خالق أعلى للوجود.
إنَّ هذه الدعوى اجترحها بعض علماء الإناسة، ولا دليل علمي عليها. فعندما اكتشف الإنسان أنَّها أجرام طبيعية؛ تجري وفق نواميس كونية كلية، لا علاقة لها بـ«قوة ما ورائية»؛ لماذا لم يكف عن عبادته إياها؟ لقد استمر في عبادته حتى يومنا هذا، رغم التطور العلمي الهائل.
إنَّ دعوى الخوف مِن الطبيعة مع عدم ثبوتها علميًا؛ افتراض لا يملك سندًا مِن الترابط المنطقي، ورمي بمسلّمة وجودية راسخة في النفس في قعر اللامبالاة. ولماذا انتقل الإنسان مِن عبادة الأجرام المتشخَّصة إلى عبادة إله غير المُدرَك؟! فمِن المفترض عندما يبطل «سحر» الآلهة الجرمية؛ ألا يثق الإنسان بإله غير مُدرَك. المنطق يقول: إنَّ الإيمان بالله حقيقة كامنة في النفس؛ منغرسة فيها مَن خارجها؛ أي أنَّها مَن نفخة الروح الإلهية.
- الخوف مِن الموت: شكّل الموت هاجسًا وجوديًا للإنسان، وهذا أمر تفرضه طبيعته النفسية وحالته البيولوجية، لكي يحافظ على نوعه. وقد استغل منكرو وجود الله هذه الفطرة في الإنسان، وقالوا: لخوف الإنسان مِن الفناء وتعلقه بالبقاء؛ اخترع الإيمان بإله ترحل إليه «أرواح الميتين» ليكتب لها أو لأصحابها الخلود الأبدي.
وأقول: رغم أنَّ الخلود حقيقة تتبدى بصور مختلفة في معتقدات الأديان، إلا أنَّها ليست هي الدافع للإيمان بالله، وإنَّما هو العكس؛ فعندما آمن الإنسان بالله؛ آمن بأنَّه قادر حكيم وعادل رحيم، وهذه القدرة والرحمة والعدل استدعت إيمانه بالجزاء، ومع ذلك؛ ليس كل الناس يعتقدون بالجزاء الأخروي.. بل ليس كلهم يعتقدون بضرورة تحقق العدل، ورغم ذلك.. فكلهم يؤمنون بالله؛ وإنْ اختلفوا في تسميته ووصفه.
ثم أليس الملاحدة كغيرهم قد يهبون أنفسهم لتحقيق قضية يؤمنون بها، دون أنْ يهابوا الموت؟ فأين ذهب الخوف منهم؛ أم أنَّهم مِن جنس غير البشر، أم أنْ الإلحاد اختراع متأخر؟! فالإيمان بالله وإنكاره قديم قدم الإنسان، والفارق أنَّ الملحد ينكر وجود الله مع إيمانه بـ«قوى مادية» يُؤَوِل بها وجود الكون وقيوميته، لا تختلف عن «القوى الأسطورية» التي آمن بها الإنسان القديم؛ إلا في الاسم فحسب.
- تفسير المجهول: يذهب أصحاب هذه الدعوى إلى أنَّ الإنسان في نشأته الأولى واجهته ألغاز الحياة: مِن أين أتى الكون؟ وكيف وُجِد؟ وما مآله؟ وكيف تحدث الظواهر الطبيعية؟ فلمّا لم يجد لها جوابًا ماديًّا اتجه إلى الإيمان بإله خالق لها ومدبر لأمرها.
لعل أصحاب هذا الرأي يتصورون بأنَّ أبواب العلم فتحت بالأمس القريب، ولمّا يَقُرّ في عقول الناس؛ حتى يُطِير منها الإيمان بالله، ألا يعلم هؤلاء أنَّ العلم بدأ يشق سبيله مع بدء تعقّل الإنسان، تختلف أدوات العلم؛ ولكنه باستمرار يثير الأسئلة بقلق مُجهِز على المسلّمات.
كان الإنسان.. فكانت الأسئلة وحضرت الأجوبة بأدوات زمانهما، التي ليس لنا أنْ نقلل مِن شأنها لكوننا تطورنا في مراتب العلم وانكشاف المجهول، لو قُدِّر أنْ تصل إلينا معارف أقدم إنسان لمَا وجدنا اختلافًا كبيرًا بين تفكيرنا وتفكيره في النظر إلى القضايا الوجودية، والشاهد على هذا أساطير الأولين ومقولات الفلاسفة وأسفار النبيين ومعثورات الآثاريين، عند تحليل فحواها نجد ما تذكره مِن قضايا المجهول والمعلوم الكبرى هي ذاتها الموجودة الآن، وإنَّما الفرق في تفاصيلها وأسلوبها.
ثم إنَّ العلم نفسه - الكاشف للجهل - لم يقل إنَّه قادر على نفي وجود الله، وكل الجَهد أنْ قال بعضهم بأنَّ العلم لا يُثبِت وجود الله ولا ينفيه. وهذا يُتفهَّم؛ بكون الإيمان حقيقة نفسية وليس إثباتًا علميًا.
وأخيرًا.. لجأ بعض الملاحدة إلى الاستدلال بـ«نظرية التطور»، حيث رأوا فيها الدليل المُفحِم لإنكار وجود الله، باعتقاد أنَّ الكون قد تطور وفق نظام لا يحتاج إلى منظِّم، وهذه دعوى لها مقام آخر للحديث عنها.