عقد الجامع الأزهر، في الليلة الثانية عشرة من شهر رمضان المبارك، عقب صلاة التراويح «ملتقى الأزهر.. قضايا إسلامية»، بمشاركة ‏الدكتور عطا السنباطي، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، وفضيلة الدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، وذلك بحضور جمعٍ من علماء وقيادات الأزهر الشريف، والمصلين الذين حضروا إلى ‏الجامع من شتى ربوع مصر ومن مختلف الدول العربية والإسلامية من المقيمين في مصر، وناقش الملتقى اليوم «حرمة الاحتكار».

ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية يناقش قضية الاحتكار ويبين حكم المحتكر

وأوضح الدكتور عطا السنباطي أن الواقع الذي نعيش فيه يشهد بأن هناك ما يسمى بالاحتكار وهو عبارة عن حبس السلع المعينة التي يحتاج إليها الناس بقصد تعطيش أو ما يسمى باحتياج الناس أو تعطيش السوق إليها، ثم بعد ذلك رفع السعر، ثم فرض ذلك على الناس، وإلحاق الضرر والأذى بهم، وقد حرمت الشريعة الإسلامية الاحتكار، ولم تحرمه فقط في السلع أو الخدمات؛ بل حرمته حتى في العلم، فنهت عن كتمان العلم، وقد قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}، فالمحتكر ملعون أيًّا كان الشيء المحتكر، وقال قال رسولنا الكريم ﷺ: (لا يحتكِرُ إلَّا خاطِئٌ)، فالمحتكر بذلك آثم مذنب بل مرتكب لكبيرة من الكبائر.

من جانبه، قال الدكتور علي مهدي إن المسلم مأمور بعبادة الله في كل أحواله ومعاملاته، فالمسلم يعبد الله عز وجل في بيعه وشرائه، وإذا كان البيع موافقًا لهدي الله وتعاليمه وليس به ما يخالف شريعتنا فنعم البيع وقد ربح وأفلح ببيعه وشرائه، وإذا كان على خلاف ذلك خاب وخسر، ولذلك ستجد في شريعتنا ما لا تجده في غيرها، والنبي ﷺ يقول: (رَحِمَ اللهُ عبدًا سَمْحًا إذا باع، سَمْحًا إذا اشْتَرى، سَمْحًا إذا قَضَى، سَمْحًا إذا اقْتَضَى)، فالسماحة مطلوبة في كل حياة المسلم والتعامل بالأخلاق أمر واجب في كل تعاملات الإنسان، مستنكرًا ما يحدث من ظاهرة غريبة عند بعض التجار حيث يفرحون للأخبار السلبية التي تُدخل الهم والغم على الناس من غلاء الأسعار وما شابه، فإذا جمع قسطًا كبيرًا من السلع يخزنها حتى إذا ارتفع سعره يفرح في مصائب الناس، وهذا خسران ومعصية بل كبيرة من الكبائر.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأزهر الجامع الازهر شهر رمضان ملتقى الأزهر صلاة التراويح س م ح ا إذا

إقرأ أيضاً:

الفتنة لم تكن يومًا نائمة!

يقول الله تعالى في محكم التنزيل:

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) صدق الله العظيم.

كما ورد في الأثر- وإن كان فيها اختلاف كبير- إلا أن البعض يرددها، وهي أن «الفتنة نائمة، لعن الله مَنْ أيقظها»، بالمقابل هناك رأي آخر من البعض يرى بأن «الفتنة لم تكن يومًا نائمة»، ومؤيدو هذا القول يؤكدون بأنها لا تنام أبدًا من منطلق أنها تعمل ضد الناس، وإذا كان لها من غفوة فهي غفوة في عقول البشر وليس في مكان آخر.

وقد اجتهد الكثير من العلماء والفقهاء وحتى بعض المفكرين في الحديث عن «الفتنة» وأثرها في حياة الناس، وشرحوا الأضرار النفسية المدمرة التي تصيب شظاياها مسافات بعيدة، واتفق عدد كبير منهم على تعريفها بأنها «كل ممارسة من شأنها إلحاق الظلم بالناس أفرادًا وجماعات»، وخص البعض «الظلم» على اعتباره هو رأس الفتنة وهو عنوانها الأبرز الذي يغذي مساحة شاسعة من النفوس بسماد الضغائن، وتحته تندرج ممارسات كثيرة تفتن الناس عن طريقها، وتقلق حياتهم وتحيلها إلى جحيم لا يُطاق، خاصة إذا تناولت بعض الأماكن الحساسة والمهمة في عمق العلاقة ما بين الإنسان ومجتمعه، أبرزها أماكن العرض والشرف والأمانة.

ومن المتعارف عليه بأن «الظلم» وإلقاء التهم بالآخرين يلحق ضررًا بعلاقات الناس بعضها ببعض، فالفتنة أشبه بالوشاية تعمل بنفس القوة والتأثير، فكم من واشٍ فرّق القلوب المجتمعة المترابطة، وهنا نذكر أمرًا مهمًا وهو «أن سليم القلب الذي يخشى الله يؤتمن حتى في عداوته، ومرضى القلوب لا يؤتمنون حتى في صداقتهم».

فالفتّان يحاول أن يحابي البعض ويفرّق الآخرين ليصفو له الجو والتقرب من أصحاب المصلحة، وهو بذلك يهضم حقوق الناس وامتيازاتهم وما يمكن أن يتمتعوا به في هذه الحياة، فبعض الناس يسخّر طاقته في أعمال الشر بحيث لا يرى الآخر نورًا في آخر النفق، بل كل الأشياء مظلمة، ولذا فإن قراراته تكون سوداء كالظلمة التي يتخيلها بعقله وقلبه لا بعينه.

يقول الكاتب والأكاديمي الفلسطيني عبد الستار قاسم في مقال نشره إلكترونيًا منذ نحو عشر سنوات، ومن إعجابي بما قال أقتبس جزءًا من حديثه: «نقول: إن الفتنة أشد من القتل. الفتنة أشد من القتل؛ لأنها تؤدي في النهاية إلى حصول مجازر ومذابح وتقضي على الأخضر واليابس في الدولة أو المجتمع». ويضيف: «الفتنة أشد من القتل؛ لأنها تؤدي إلى قتل العديد من الناس، وإذا أراد الناس أن يقوا أنفسهم شر الفتنة فإن عليهم أن يقضوا على صاحب الفتنة في مهده».

على الأرض، ما أكثر الفتّانين في هذه الحياة؟ وما أكثر الناس من يقتات من جيوب الفتنة! هم بارعون في السعي بين الناس بالباطل، يُلقي التهم جزافًا ويحرق قلوب الأبرياء بغير حق، تسمعهم تصدق أقوالهم، وعندما تزول الغمامة عن أفق السماء تجد نفسك قد أهلكت أنفسًا ما كان يجب أن تقدم على فعلتك، ليظل ذنب الخطيئة يلاحقك لسنوات طويلة وربما للأبد.

أعتقد أن الفتّانين هم أكثر الناس وصولًا إلى مراتب القربى من الآخرين الذين يحبون أن يصلهم كل شاردة وواردة، فكلما زادت الفتنة ارتقى البعض في مكانته، وأصبح مقربًا من الآخرين، لكن الفتنة من أشد أنواع الغدر والخسة والنذالة، فهناك من تأمنه على نفسك وعرضك ومالك وأسرارك، لكنه بالمقابل يفتن عليك ويقلب قلوب الآخرين عليك، ويشد أنظار المغرضين نحوك.

إذا كان البعض يفرّق ما بين «الفتنة والخيانة»، إلا أنهما يؤديان نفس الغرض، ويخرجان من منبع واحد، وهما أيضًا جزء لا يتجزأ من غرس السيوف في أجساد الآمنين، نبت خبيث يستشري في جسد المجتمع.

يقول ابن تيمية: «الفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها»، ومما ورد أيضًا قول حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: «إن الفتنة تُعرض على القلوب، فأيُّ قلب أُشربها نُكِتت فيه نكتة سوداء، فإن أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء، فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا، فلينظر، فإن كان يرى حرامًا ما كان يراه حلالًا، أو يرى حلالًا ما كان يراه حرامًا، فقد أصابته الفتنة».

في هذا الزمن كثرت فيه الفتن، وتقلبت القلوب على بعضها البعض، ودخل الناس في أورقة الباطل والظلم، لذا على الإنسان أن يحكّم عقله، وأن يتيقن مما يصله من الآخرين من فتن قد تمزق أواصر التعاون والتعاضد، فيكفي قوله تعالى خاتمة لحديثنا عندما يقول في كتابه العزيز:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».

مقالات مشابهة

  • هل هناك علامات تؤكد قبول العبادة؟.. الدكتور يسري جبر يجيب
  • الفتنة لم تكن يومًا نائمة!
  • الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية تهنئ الدكتور كامل إدريس لتعيينه رئيسا لمجلس الوزراء
  • ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟.. الدكتور شوقي علام يجيب
  • ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟.. الدكتور شوقي علام يجيب
  • حكم ترك طواف الوداع للحائض؟.. الدكتور شوقي علام يجيب
  • أمين «البحوث الإسلامية» يستقبل سفير سلطنة بروناي لبحث تعزيز التعاون العلمي والدعوي
  • ملتقى الجامع الأزهر: القيادة النبوية جمعت بين الحكمة والمبادرة والتخطيط والتوكل
  • أستاذ طب نفسي يوضح أسباب وطرق علاج الرهاب الاجتماعي
  • بحضور قيادات الأزهر والأوقاف.. إعلام الفيوم يناقش الخطاب الديني ومعركة الوعي