في تطور غير مسبوق، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2728، الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة وسط حرب إبادة إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. ويمثل هذا القرار، الذي يتميز بتوقيته خلال شهر رمضان، تحولا محوريا في الاستجابة الدولية لهذه الحرب، وعزلة أمريكية وإسرائيلية غير مسبوقة في المحافل الدولية.



امتنعت الولايات المتحدة، الحليف الوثيق لإسرائيل تاريخيا، عن التصويت، وهي خطوة تحيد عن مواقفها السابقة في تقويض جميع مشاريع قرارات مجلس الأمن التي دعت إلى وقف إطلاق النار في غزة. ولا يمكن اعتبار هذا الموقف تحولا استراتيجيا في العلاقة بين إسرائيل وواشنطن، بل هي رسالة أمريكية إلى نتنياهو مفادها بأنّ صبر واشنطن بدأ بالنفاد وبأن الولايات المتحدة لا تزال تدعم جرائم إسرائيل في غزة إلا أنها لا توافق على التهور الإسرائيلي خصوصا فيما يتعلق بالهجوم على رفح.

الولايات المتحدة تحمي إسرائيل من نفسها
لا يمكن اعتبار هذا الموقف تحولا استراتيجيا في العلاقة بين إسرائيل وواشنطن، بل هي رسالة أمريكية إلى نتنياهو مفادها بأنّ صبر واشنطن بدأ بالنفاد وبأن الولايات المتحدة لا تزال تدعم جرائم إسرائيل في غزة إلا أنها لا توافق على التهور الإسرائيلي خصوصا فيما يتعلق بالهجوم على رفح
يؤكد القرار، الذي اقترحه الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، على الحاجة الماسة إلى وقف فوري للأعمال العدائية في غزة. فهو لا يؤكد على الوقف الفوري للعدوان فحسب، بل يؤكد أيضا على أهمية السلام المستقر والمستدام، ويدعو إلى إزالة الحواجز التي تحول دون إيصال المساعدات الإنسانية. تمت الموافقة على هذا القرار بتأييد ساحق، حيث حصل على موافقة 14 من أصل 15 عضوا في المجلس، بينما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت.

ويكشف السياق الكامن وراء امتناع الولايات المتحدة عن التصويت عن استراتيجية دقيقة تهدف إلى إعادة ضبط مدى مشاركتها ودعمها لإسرائيل في حربها على غزة. وعلى الرغم من امتناعها عن التصويت، فقد أوضحت الولايات المتحدة أن موقفها تجاه إسرائيل لم يتغير. ويتجلى ذلك في سعيها لتعديل صيغة القرار الذي كان ينص على "وقف دائم لإطلاق النار"، حيث اختارت الولايات المتحدة بدلا من ذلك لغة تشير إلى وقف للأعمال العدائية دون الالتزام بحل طويل الأمد.

وفي أعقاب تبني القرار، علقت ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، بأن قرار مجلس الأمن لا يحمل صفة الإلزامية. لكن المندوبة الأمريكية وجميع الحاضرين في الجلسة يدركون جيدا بأنّ جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة بطبيعتها، وهي من الممكن أن تتطور إذا ما رفض المعنيون الالتزام بها، وعدم الالتزام يعني بأن تتم مناقشة فرض هذا القرار تحت الفصل السابع، لأن ما ترتكبه إسرائيل في غزة هو إخلال بالسلم والأمن العالميين وهذا ما يتطلب مشاركة أوسع وأكثر فعالية من قبل مجلس الأمن. ولكن المندوبة الأمريكية سعت من خلال هذه المحاولة الفاشلة إلى تفريغ القرار من مضمونه والحفاظ على النفوذ في المفاوضات المستقبلية، وخاصة فيما يتعلق بالمحتجزين.

وتشير هذه الخطوة من جانب الولايات المتحدة إلى محاولة معقدة لتحقيق التوازن في علاقاتها الدبلوماسية ومسؤولياتها. فهي تهدف إلى حماية إسرائيل من تهورها وعنادها والعزلة الدولية التي تواجهها، كما يتضح من المناقشات الداخلية بين المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، والتي فشل فيها الأمريكيون في أكثر من مرة بإقناع إسرائيل بأنّ حربها على غزة فشلت وهي لن تحقق أي هدف من أهدافها ولا بد من البحث عن حلول أخرى.

إن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت جاء بعد فشل إدارة بايدن إقناع نتنياهو بأنّ الهجوم على رفح وتعريض حياة أكثر من مليون ونصف لاجئ للخطر والتهجير يعني عزلة دولية كاملة وبأن الولايات المتحدة لا تستطيع التغطية على هذا الحجم من الإبادة. ومن ناحية أخرى، يشكل الامتناع عن التصويت بمثابة رسالة تحذيرية لإسرائيل، ويعكس تضاؤل الصبر إزاء ما تعتبره الولايات المتحدة تعنتا إسرائيليا. ويتردد صدى هذا الشعور تجاه التعنت الإسرائيلي من خلال شبه إجماع في الأوساط السياسية الأمريكية، بما في ذلك تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي حذر من تضاؤل الدعم الدولي لإسرائيل بسبب أعمالها العسكرية المستمرة في غزة، وحث إسرائيل على وقف الحرب على غزة والعودة إلى عملية السلام.

إعادة النظر بالنظام العالمي الأممي لمنع الجريمة الإسرائيلية المنظمة والممنهجة

يتم تقسيم الأدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تنخرط الأخيرة في أعمال يصفها العديد من المراقبين والنقاد الدوليين بأنها جرائم وحروب إبادة ضد الفلسطينيين، وتوفر الأولى دعما عسكريا لا غنى عنه وغطاء سياسيا في المحافل الدولية المحورية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ويسلط تقسيم الأدوار هذا الضوء على التواطؤ المروع بينهما للعمل بشكل فعال ومشترك على تحييد أي رادع ضد الجريمة الإسرائيلية المنظمة على نطاق عالمي
في عصر أصبحت فيه الدبلوماسية العالمية والدفاع عن حقوق الإنسان أكثر أهمية من أي وقت مضى، يجد النظام الدولي، بقيادة الأمم المتحدة، نفسه غارقا في مستنقع من عدم الكفاءة والتسييس. ويتجلى هذا الفشل بشكل صارخ في دعم الولايات المتحدة الثابت للجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يلقي بظلال طويلة على قدرة الأمم المتحدة على التصرف بشكل محايد وفعال. إن الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة لا يشجع إسرائيل فحسب، بل يعيق أيضا أي تقدم ملموس نحو معالجة الأزمات الإنسانية، وخاصة في غزة. ويتطلب التفاعل بين هذه الديناميكيات إعادة تقييم وتصحيح عاجلين للنظام الدولي لمنع المزيد من تفاقم هذه الأزمات.

يتم تقسيم الأدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث تنخرط الأخيرة في أعمال يصفها العديد من المراقبين والنقاد الدوليين بأنها جرائم وحروب إبادة ضد الفلسطينيين، وتوفر الأولى دعما عسكريا لا غنى عنه وغطاء سياسيا في المحافل الدولية المحورية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن. ويسلط تقسيم الأدوار هذا الضوء على التواطؤ المروع بينهما للعمل بشكل فعال ومشترك على تحييد أي رادع ضد الجريمة الإسرائيلية المنظمة على نطاق عالمي. ويدفع هذا الواقع القاتم إلى إجراء فحص نقدي لمدى ملاءمة الولايات المتحدة كدولة مضيفة للأمم المتحدة، مما يشير إلى وجوب نقل هذه الهيئة الدولية الحيوية إلى دول أخرى، مثل الصين أو روسيا أو دول أخرى قد توفر منصة جيوسياسية أكثر توازنا لمعالجة القضايا العالمية.

إن تشكيل جبهة المقاومة العالمية (على المستوى السياسي والدبلوماسي والحراك الشعبي) يظهر كإجراء مضاد إلزامي وضروري للجرائم المنهجية والتصفية العرقية التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. والفكرة ليست نظرية بل هي تنبع من الحاجة الماسة إلى دعم القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان، ومن الممكن أن يكون مثل هذا التحالف بمثابة حافز للتضامن العالمي ضد الإجراءات الأحادية التي تعرض السلام والأمن العالميين للخطر.

إن توصيف إسرائيل والصهيونية ضمن هذا الخطاب يؤطرهما ككيانات تشكل تهديدات كبيرة للسلام العالمي ومستقبل الأطفال. إن تشبيه الصهيونية وإسرائيل باعتبارهما سرطانا خبيثا يسلط الضوء على التهديد الوجودي الذي تشكله هذه الأيديولوجيات، ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل وربما على نطاق عالمي. إن الدعوة الموجهة إلى شعوب العالم المتعاطفة للرد على "النظام الإسرائيلي المحتل والمزيف" هي مثلما يفعل المرء مع الغدد السرطانية، وهي بمثابة نداء للتضامن الدولي واتخاذ إجراءات أشبه بالتدخل الطبي ضد ورم خبيث.

الترتيبات الجيوسياسية والمؤسسية الحالية تتطلب إعادة تقييم عميقة وفورية. إن التطلع إلى الأمام لا بد أن يشتمل على فحص نقدي لأدوار ومسؤوليات الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية، وإعادة تنشيط المعايير القانونية والأخلاقية الدولية، وتجديد الالتزام بالسلام والأمن والكرامة الإنسانية على مستوى العالم
ويقدم تقرير مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، بعنوان "تشريح الإبادة الجماعية"، تقييما نقديا قائما على الأدلة للوضع الحالي في غزة وعجز المجتمع الدولي عن وقف هذه الانتهاكات. إن النتائج التي توصلت إليها ألبانيز، والتي تشير إلى أن الجرائم الإسرائيلية في غزة يمكن تفسيرها على أنها أعمال إبادة جماعية، تضيف صوتا موثوقا إلى الأصوات الأخرى التي تدعو إلى إعادة تقييم عاجلة لتصرفات إسرائيل بموجب القانون الدولي. ويتناول التقرير بالتفصيل الطبيعة الثلاثية لأعمال الإبادة الجماعية، التي تشمل قتل أعضاء الجماعة، والتسبب في ضرر جسيم لسلامتهم الجسدية أو العقلية، وفرض شروط عمدا لتدمير الجماعة جسديا.

إن الحرب المستمرة على غزة، والتي اتسمت بعدد هائل من الضحايا وتحذيرات من المجاعة، تشكل شهادة قاتمة على الحاجة الماسة إلى نهج دولي مُعاد ضبطه لحل الصراعات وتقديم المساعدات الإنسانية. إن الجرائم الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 32 ألف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء، والإصابات التي لحقت بحوالي 75 ألف فرد، تؤكد الضرورات الإنسانية والأخلاقية الملحة التي تواجه المجتمع العالمي.

وفي ضوء هذه الاعتبارات، فإن الترتيبات الجيوسياسية والمؤسسية الحالية تتطلب إعادة تقييم عميقة وفورية. إن التطلع إلى الأمام لا بد أن يشتمل على فحص نقدي لأدوار ومسؤوليات الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية، وإعادة تنشيط المعايير القانونية والأخلاقية الدولية، وتجديد الالتزام بالسلام والأمن والكرامة الإنسانية على مستوى العالم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مجلس الأمن غزة إسرائيلية الإبادة الجماعية إسرائيل امريكا غزة مجلس الأمن الإبادة الجماعية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة لا الأمم المتحدة إعادة تقییم مجلس الأمن إسرائیل فی عن التصویت على غزة إلى وقف فی غزة

إقرأ أيضاً:

كيف تشارك الولايات المتحدة في الجهد الاستخباري بحثا عن الأسرى؟

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا استعرضت فيه مساهمة الولايات المتحدة مع جيش الاحتلال في البحث عن أسراه في غزة.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي أعده مراسلها للشؤون الأمنية، شين هاريس، "منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كثفت الولايات المتحدة جمع المعلومات الاستخبارية عن حماس في غزة، وشاركت كمية غير عادية من لقطات مسيّرات التجسس، وصور الأقمار الصناعية، واعتراضات الاتصالات، وتحليل البيانات باستخدام برامج متقدمة، بعضها مدعوم ببرامج الذكاء الاصطناعي المتقدمة".

وقال هاريس إنه استند في تقريره إلى "مقابلات مع أكثر من عشرة مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين حاليين وسابقين في واشنطن وتل أبيب والقدس تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم".

وبحسب التقرير قال مسؤولون "إسرائيليون" في مقابلات، "إنهم ممتنون للمساعدة الأمريكية، التي منحت الإسرائيليين في بعض الحالات قدرات فريدة كانوا يفتقرون إليها قبل هجمات حماس المفاجئة عبر الحدود، لكنهم دافعوا أيضا عن براعتهم التجسسية، وأصروا على أن الولايات المتحدة، في معظم الأحيان، لا تمنحهم أي شيء لا يمكنهم الحصول عليه بأنفسهم".



وأشار هاريس إلى "أن الشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل متوترة في بعض الأحيان حيث يشعر بعض المسؤولين الأميركيين بالإحباط بسبب طلب إسرائيل المزيد من المعلومات الاستخباراتية حيث يفترض الإسرائيليون أن الولايات المتحدة ربما تحجب عنهم بعض المعلومات".

وفي مؤتمر صحفي في البيت الأبيض الشهر الماضي، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إن واشنطن "قدمت مجموعة مكثفة من الأصول والقدرات والخبرات"، وأن المعلومات الاستخباراتية: "ليست مقيدة أو مشروطة بأي شيء آخر.. نحن لا نمنع أي شيء"، بحسب التقرير.

وأكد هاريس، "أن إدارة بايدن منعت إسرائيل من استخدام أي معلومات استخباراتية تقدمها الولايات المتحدة لاستهداف مقاتلي حماس النظاميين في العمليات العسكرية. وأنه سيتم استخدام المعلومات الاستخبارية فقط لتحديد مكان الرهائن، ثمانية منهم يحملون الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى القيادة العليا لحماس - بما في ذلك يحيى السنوار ومحمد ضيف".

وصنفت وزارة الخارجية الرجلين في عام 2015 على أنهما "إرهابيان" وفق التقرير.

وتأكد مقتل ثلاثة من الأسرى الأمريكيين الثمانية، وما زالت جثثهم محتجزة في غزة، وفقا لمسؤولين إسرائيليين.


وقال هاريس، "إن الولايات المتحدة قدمت بعض المعلومات الاستخبارية التي استخدمت لتحديد مكان أربعة رهائن إسرائيليين وإنقاذهم في نهاية المطاف الأسبوع الماضي، بحسب تقرير لواشنطن بوست. ويبدو أن المعلومات، التي تضمنت صورا علوية، كانت ثانوية مقارنة بما جمعته إسرائيل بنفسها قبل العملية، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 270 فلسطينيا، وفقا لمسؤولي الصحة في غزة، مما يجعلها واحدة من أكثر الأحداث دموية. في الحرب المستمرة منذ ثمانية أشهر".

ونَقل عن مسؤولين حاليين وسابقين قولهم أنه قبل هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لم يكن مجتمع الاستخبارات الأمريكي يعتبر حماس هدفا ذا أولوية، لكن تغير ذلك على الفور تقريبا بعد الهجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي,

وبيّن، أن "أفرادا من قيادة العمليات الخاصة المشتركة للجيش الأمريكي (JSOC) بدأوا العمل جنبا إلى جنب مع ضباط وكالة المخابرات المركزية في محطة الوكالة في إسرائيل"، وفقا لمسؤولين أمريكيين.

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين إن أفرادا من وكالة الاستخبارات الدفاعية بدأوا الاجتماع مع نظرائهم في البلاد "بشكل يومي".

وأشار إلى أن وزارة الخارجية أرسلت مبعوثا خاصا للأسرى التقى علنا بالمسؤول الإسرائيلي الرئيسي الذي يشرف على جهود إنقاذهم كما أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي يعملون أيضا في إسرائيل للتحقيق في هجمات حماس على المواطنين الأمريكيين والمساعدة في جهود استعادة المحتجزين.

وذكر التقرير أن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين حاليين وسابقين قالوا إنه في الأسابيع الأولى من الحرب، طلب المسؤولون الإسرائيليون المكلفون بتحديد مكان الرهائن في قطاع غزة المكتظ بالسكان معلومات محددة من الولايات المتحدة للمساعدة في سد الفجوات فيما عرفوه من مصادرهم الخاصة.

وتضمن ذلك معلومات محددة، بالإضافة إلى تقنيات وخبرات لتحليل كميات كبيرة من الصور وإضافة تحديثات لإنشاء صور أكثر تفصيلا، بما في ذلك صور ثلاثية الأبعاد، للتضاريس في غزة.

ونقل التقرير عن أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين قوله إنهم قدموا لنا بعض "القدرات التي لم تكن لدينا قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر". وعن مسؤول إسرائيلي كبير آخر قوله أن الولايات المتحدة قدمت صورا فضائية مفصلة للغاية تفتقر إليها إسرائيل.

وبحسب التقرير فقد أكد سوليفان، مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، أن القوات الأمريكية لم تشارك في مهمة تحرير الأسرى الأربعة، حيث قال: "لم تكن هناك قوات أمريكية، ولم تكن هناك قوات أمريكية على الأرض تشارك في هذه العملية".

وقال سوليفان لبرنامج "حالة الاتحاد" على شبكة سي إن إن يوم الأحد: "لم نشارك عسكريا في هذه العملية". وأشار إلى أننا "قدمنا الدعم بشكل عام لقوات الدفاع الإسرائيلية حتى نتمكن من محاولة إعادة جميع الرهائن إلى الوطن، بما في ذلك الرهائن الأمريكيين الذين ما زالوا محتجزين".


وأضاف هاريس، أنه بالإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية، كان هذا الدعم يتألف من أعضاء قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC)، وهي قوة عمليات خاصة تتمتع بخبرة عميقة في عمليات إنقاذ الرهائن.

وقال مسؤولون أمريكيون إن أعضاء المجموعة يعملون في إسرائيل، بالشراكة مع ضباط المخابرات الأمريكية، بعد وقت قصير من بدء الحرب.

وأوضح أن قوات قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC) كانت في تشرين الأول/ أكتوبر في المنطقة مستعدة للانتشار في غزة لإنقاذ المواطنين الأمريكيين الذين تحتجزهم حماس، حسبما قال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون مطلعون على التخطيط لما كان يمكن أن يكون مهمة خطيرة للغاية.

ونقل عن أحد المسؤولين قوله: "إذا تمكنا من الحصول من جانب واحد على معلومات يمكننا التصرف بناء عليها، واعتقدنا أنه يمكننا بالفعل إخراج مواطنين أمريكيين أحياء، فيمكننا أن نتحرك، لكن لم يكن هناك سوى القليل جدا من المعلومات على وجه التحديد حول الرهائن الأمريكيين".

وأشار إلى أن عملية إنقاذ الأسرى الأسبوع الماضي اعتمدت على معلومات دقيقة حول موقع الأسرى وهذا المستوى من المعلومات الاستخباراتية "القابلة للتنفيذ" هو شيء افتقرت إليه إسرائيل لسنوات في غزة، بسبب الاعتماد المفرط على التكنولوجيا والفشل في بناء شبكة من الجواسيس على الأرض.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في إن ندرة الاستخبارات البشرية كانت مسؤولة جزئيا عن فشل إسرائيل في اكتشاف وفهم تخطيط حماس لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وقد سلطت الجهود الأخيرة لتحديد مكان الأسرى الضوء على أهمية المعلومات البشرية.

وزعم التقرير، أن الاحتلال استعاد الشهر الماضي رفات بعض الأسرى بعد استجواب أحد مقاتلي حماس، بحسب مسؤولين أمنيين في دولة الاحتلال.

وذكر هاريس، أن محللي المخابرات الإسرائيلية عثروا أيضا على معلومات استخباراتية مفيدة بين الخوادم وأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وغيرها من الوثائق التي تم العثور عليها من مخابئ حماس أو مراكز القيادة، بحسب المسؤولين الذين أشاروا إلى أن المحللين الأميركيين ساعدوا في التنقيب في هذه المصادر عن أدلة حول مكان وجود الأسرى.



وقال أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين إن دمج المعلومات التي تم الحصول عليها من السجلات الإلكترونية والمادية مع مصادر استخباراتية أخرى ساعد إسرائيل في تحديد موقع الأسرى خلال عمليتي الإنقاذ اللتين سبقتا العملية الأسبوع الماضي.

كما نقل عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين قولهم إن  جهاز المخابرات أصبح يعتمد بشكل مفرط على التكنولوجيا لجمع المعلومات الاستخبارية، في حين ضمر التحليل، كما أن دور الوحدة 8200 العسكرية التي حظيت بشهرة كبيرة، كان تاريخيا جمع المعلومات ومشاركتها مع عناصر أخرى في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي.

وتابع، ولكن تغير هذا في السنوات الأخيرة، بحسب عضو سابق شغل منصبا قياديا، وأصبحت الوحدة 8200 تقرر من يتلقى أي جزء من المعلومات.

وقال المسؤول السابق إنها الآن جعلت من أولوياتها تطوير تكنولوجيا جديدة والمساهمة بمعلوماتها الاستخبارية في ما يعرف باسم "المجمع"، وهو مستودع يمكن لعناصر الاستخبارات الأخرى أن تأخذ منه المعلومات.

وردد مسؤولون حاليون وسابقون آخرون هذا النقد، قائلين إن جواسيس إسرائيل الإلكترونيين نسوا كيفية القيام بوظائف الاستخبارات الأساسية. حيث كان المجتمع غارقا في البيانات، لكنه كان يفتقر إلى تحليلها. وقال العضو السابق: "لقد أصبح النظام فاسدا"، بحسب تقرير واشنطن بوست.

وأشار التقرير إلى أن متحدثا باسم الجيش الإسرائيلي وصف هذه الانتقادات بأنها "كاذبة" في بيان له، وقال إنها "تضر بالمجهود الحربي لأفراد الخدمة، الذين عملوا طوال الأشهر [الثمانية] الماضية، في الساحتين القريبة والبعيدة، لمساعدة القوات. في البر والجو والبحر ولحماية شعب إسرائيل".

و"ما أدى إلى تفاقم المشكلة أن المسؤولين الإسرائيليين تمسكوا بمفهوم أساسي مفاده أن حماس كانت مهتمة بالثراء وحكم غزة أكثر من مهاجمة إسرائيل"، وفق التقرير.

كما ذكر أن مسؤولا استخباراتيا كبيرا سابق قال: "اعتقدنا أن حماس لن تجرؤ على الهجوم". لقد حطمت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر هذه الفكرة وجعلت حماس أولوية قصوى بالنسبة لإسرائيل، وكذلك لشركائها في الولايات المتحدة، بحسب التقرير.

ونقل عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين قولهم إن أي معلومات استخباراتية تقدمها الولايات المتحدة، أو تتيح لإسرائيل الوصول إليها بشكل مباشر، ستستخدم فقط في جهود تحديد مكان الأسرى وتعقب قيادة حماس. وأنه يُحظر على إسرائيل استخدام أي معلومات أمريكية لاستهداف أعضاء حماس النظاميين في أي عمليات عسكرية، بما في ذلك الغارات الجوية.

وقد تم توضيح القواعد الخاصة بكيفية تقديم المعلومات الاستخبارية واستخدامها في ترتيبات رسمية طويلة الأمد يتم فحصها من قبل المحامين في مجتمع الاستخبارات الأمريكي، بالإضافة إلى التوجيهات الجديدة من البيت الأبيض في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بحسب تقرير الصحيفة.

وأشار إلى أنه من الناحية العملية، فإن الأمر يعود لأمانة إسرائيل بعدم استخدام المعلومات الاستخباراتية التي تقدمها الولايات المتحدة لأغراض محظورة، كما قال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون مطلعون على علاقة تبادل المعلومات الاستخبارية.



وأوضح، أن النائب جيسون كرو (ديمقراطي عن كولورادو)، عضو لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، تساءل كيف يمكن لمسؤولي الإدارة التأكد من أن إسرائيل لا تستخدم المعلومات الاستخبارية التي تتلقاها كجزء من حملتها العسكرية ضد حماس، والتي أسفرت عن عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين.

وشارك كرو، وهو من قدامى المحاربين في الجيش، في صياغة تشريع صدر العام الماضي يلزم مدير المخابرات الوطنية بإخطار الكونغرس إذا أدت المعلومات الاستخبارية التي تقدمها الولايات المتحدة لدولة أخرى إلى سقوط ضحايا من المدنيين.

وقال كرو في بيان لصحيفة واشنطن بوست: "رئيس الوزراء [بنيامين] نتنياهو يتبع استراتيجية فاشلة في غزة.  إن الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين، والمجاعة، والافتقار إلى استراتيجية متماسكة تثير قلقا عميقا. سأواصل إجراء رقابة قوية لضمان أن تبادل المعلومات الاستخبارية يتماشى مع المصالح الأمريكية".

وأشار بعض المسؤولين إلى أن المعلومات المتعلقة بمواقع الرهائن المحتملة يمكن أن يكون لها أيضا غرض مزدوج: سيتم تطويق الرهائن من قبل مقاتلي حماس، الذين يحرسونهم ويستخدمونهم كدروع بشرية. ويشعر بعض المسؤولين بالقلق من أن الولايات المتحدة لا تملك رقابة كافية لضمان عدم استخدام إسرائيل لمعلومات الرهائن كمعلومات استهداف فعلية لأعضاء حماس من المستوى الأدنى.

وقال أحد الأعضاء العاملين في الوحدة 8200  إن الوكالات الإسرائيلية "حريصة للغاية على عدم استخدام ما تقدمه لها الولايات المتحدة عمليا إذا لم يكن ذلك مسموحا به. إن تبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة أمر جيد للغاية. هناك علاقات مباشرة على مستوى العمل، ومن المهم الحفاظ عليها".

مقالات مشابهة

  • شـواطئ.. إعادة النظر في النظام الدولي الجديد (4)
  • ماذا تفعل الاستخبارات الأمريكية في غزة؟
  • حرب إبادة في غزة وعقوبات أميركية على جماعة إسرائيلية متطرفة ..صحيفة مشهورة تفضح المستور
  • كيف تشارك الولايات المتحدة في الجهد الاستخباري بحثا عن الأسرى؟
  • ‏هيئة البث الإسرائيلية: الولايات المتحدة حذرت إسرائيل من أن أي خطوة عسكرية في لبنان قد تخرج عن السيطرة
  • لجنة الخدمات بمجلس الدولة تبحث تقييم حالة الأمن الغذائي في ليبيا
  • أردوغان يتهم الولايات المتحدة بالوقوف الدائم خلف إسرائيل في حربها على غزة
  • أردوغان يطالب الولايات المتحدة ومجلس الأمن بالضغط على إسرائيل بشأن غزة
  • موقع بريطاني: الحرب الإسرائيلية على غزة تعيد إلى الأذهان أهوال الإبادة الجماعية في البوسنة
  • جلسة مرتقبة في مجلس الأمن اليوم تناقش آخر مستجدات الوضع في اليمن