(1) دفعتنى ردود الأفعال على حوار الاخت السفيرة سناء حمد العوض إلى إعادة الإستماع إليه مرة اخرى ،

وقد أساءني المثالية الزائدة والتى تتحدث عن علاقة القوى السياسية ومنهم الإسلاميين بقيادات فى الجيش ،

وهم يتجاهلون أن العالم كله يعرف أن حزب المؤتمر الوطني كان حاكما للبلاد ، بانقلاب عسكرى فى 1989م ، ونسوا مقولة دكتور حسن الترابي (ذهبت للسجن حبيسا وذهب للقصر رئيسا) ، وكأن السفيرة سناء أول من يكشف هذه الحقيقة ، ونسوا أن كل تكليفاتهم كانت بقرار سياسي بعد أن أمضوا خدمتهم العسكرية ، الفريق اول عوض ابن عوف أنهت خدمته وذهب سفيرا وأعيد للخدمة بقرار رئاسي ، والفريق أول صلاح قوش والفريق جلال الشيخ انتهت خدمتهم فى جهاز المخابرات وأنخرط الاول فى مجال الأعمال وتم تعيين الاخير معتمدا ، هل هذه معلومات خفية؟

والبعض يغفل (أن هؤلاء الضباط والقادة وعندما اصبح الأمر فى وجهة نظرهم بين خيارين الإنتماء الحزبي أو الولاء للمؤسسة اختاروا الأخيرة واطاحوا بالحزب وقيادته واودعوها السجن وسلموا الحكم لآخرين) .

. أليس تلك قضية النقاش الكبرى؟ ..

وهل خفى علاقة القوى السياسية بالمؤسسة العسكرية منذ محاولة انقلاب مقدم اسماعيل كبيدة 1957م واستلام الفريق عبود الحكم من حكومة حزب الأمة القومي وانقلاب النميري بمشاركة اليسار والقوميين العرب فى 1969م وانقلاب هاشم العطا الذي نفذه الحزب الشيوعي فى 1971م وانقلاب حسن حسين 1975م ومخاولة محمد نور سعد بترتيب الجبهة الوطنية (الأمة والحركة الاسلامية والحزب الوطنى الاتحادي) 1976م ، وانقلاب محمد عثمان كرار (البعثيين واطراف اخرى) 1990م ، وخلافها ، و أحد الأحزاب السياسية الآن رئيسه جنرال سابق فى الجيش .. ونشر الحزب الشيوعى تقريرا مفصلا عن تحقيقاته فى إنقلابه وكذلك فعل حزب البعث عن إنقلاب 28 رمضان ،

هذه قضية نقاش طويل ومهم .. وهذا محل حوارات للمستقبل ، اما الماضي فقد خاض كثر..
لقد توصلت الحركة الاسلامية خلال حوارات كثيرة إلى الفصل مع هذا الخيار ، وقد اختارت الحركة فى استراتيجيتها الجديدة الإبتعاد عن المؤسسة العسكرية فى سعيها للسلطة وان تكون الانتخابات هى معيارها ووسيلتها.. ولكن قبل ذلك سعت الحركة للسماع من هذا الطرف من قيادات اللجنة الأمنية ، لماذا حدث ما حدث؟ وهو ما تم تكليف السفيرة سناء به بحزء منه لظروف موضوعية فى ذلك الوقت العصيب ، و ليس فى حديثها ما يثير الضجة سوى هلع البعض من ردود أفعال الآخرين ؟ وتضخيم كلمة (تحقيق) ، هل هناك تحقيق يقوم به شخص واحد ؟ ، إنها إفادة ضمن أخريات لمعرفة تفاصيل ما جرى.. هل أرادوا طمر الحقيقة من خلال غبار الضوضاء وفش الضغائن..؟ أن النفس الإنسانية نزاعة لذلك ، ولكن لأهل المشروع عاصم النصح وإخلاص النوايا وحسن القصد في تجاوز ذلك وبتلطف الحوار إن أقتضى الحال..

هل الذين ظلوا ينادون بضرورة تجديد الدماء ودفع قيادة جديدة هم ذاتهم الذين يحتجون على تكليف سناء ؟ ..لا أستطيع أن استوعب هذه التناقضات..

وماذا عن الذين وقعوا وثيقة دستورية مع المؤسسة العسكرية وحكموا بها البلاد بلا شرعية؟ هل يحق لهم الحديث عن المدنية أو هذا الهياج.. ؟
هذا مدخل القول ، فماذا عن محتوى الحوار ..

(2)
لقد خرجت بإنطباع أنه حوار فى غاية الأهمية والموضوعية والوضوح فى تبيان الوقائع دون إستغراق فى التفاصيل أو تعميم فى النتائج..

وأهميته تنبع من فاعلية الحركة الاسلامية السودانية ودورها فى المشهد السياسي ، ومن خلال ابراز أحداث غيرت فى تاريخ السودان وذات صلة بالمستقبل ، ومن خلال كشف جوانب حاول البعض توظيفها لتنفيذ أجندته ومراميه..

ثم لأهمية هذه المرحلة ، والكثير من مراكز صناعة القرار فى العالم تبحث عن خيط ومعلومة ، عن أثر ، وتتبع تسريبات مكذوبة وتؤسس عليها مواقف ذات تأثير بالغ ، وكثير من اجهزة الإستخبارات العالمية اعتمدت المصادر المفتوحة ، من مواقع التواصل الإجتماعي ومن المهاتفات والرسائل واتجاهات البحث وردود الافعال ، وهذه ساحة محتوى متفاعل ، لا يمكن إغفالها..

ثم لماذا الصمت ، لقد شجع هذا الإنكفاء الآخرين على ترويج روايات كاذبة وساذجة عن الأحداث ، بل كان لهذا الصمت تأثير على الراى العام الداخلى لدرجة تصور أن الحركة الاسلامية والحزب فى حالة خضوع وإستسلام ، والقبول بأى خيار (القابلية للهزيمة) ، مع أن هناك إمكانية الدخول فى الساحة بخطاب واضح وكثيف لإحداث غلبة وترجيح ، وهذا متاح ومقبول..

لقد ارتبطت عضوية الحركة الاسلامية السودانية وكذلك الحزب باللقاءات الجمعية ، مما نسميه (التنوير) والحصول على المعلومة مباشرة وفى هذا تخصيص أو شعور بالخصوصية ، مع أن غالب تلك المعلومات متاحة ، فقد كان التنظيم يدير الدولة والشأن العام وبالتالي فإن المعلومات متاحة لأطراف كثيرة ومتعددة وليست حصرية..

وهذه العقلية ما زالت مسيطرة على البعض ممن يرى أن تكون كل المعلومات طى الكتمان..
ولذلك تلاحظ أن غالب نشاط البعض ، بل فى السودان عموما أن (أوسع النقاشات فى القروبات المغلقة (أى الواتساب) بينما صفحات الفضاء العام خالية من اى بوست أو تغريدة) ، وهذا فى رأى تقصير كبير ، ويفترض بأهل الرأى – وهم أهل لذلك – مخاطبة المجتمع وذلك مقتضى الأمر ..

الفضاءات العامة سيطر عليها الرعاع والغوغاء ، بينما غاب عنها أهل الحقيقة ، بل اصبحنا نتأثر بمنتوجهم ونتحاشى ردة فعله ، واصبح تعريف ناشط ومؤثر أكثر قوة من قيادي أو حركي وهذا حال عامة القوى السياسية والمجتمعية السودانية مع انها تسعى إلى قيادة الوعى..
(3)
و مع أن الحوار هو (حوار شخصية) وما ورد فيه هو تعبير عن رأى شخصى، لكن محتواه مهم وثري وابرز النقاط التالية :

– حيوية الحركة وفاعلية مؤسساتها.. و إعادة البناء والتعامل مع الواقع.. فقد دفعت الحركة بجيل جديد من قيادات الشبابية والحركة.

– بينت مواقف الحركة فى المنعطفات التاريخية ورؤيتها الإستراتيجية ذات البعد الوطنى (الحفاظ على الوطن ووحدة الأرض وسلامة المؤسسات).. وهو ما حواه بيان حزب المؤتمر الوطني يوم 13 ابريل 2019م (نتفهم ما حدث ، وندعو للحفاظ على وحدة البلاد ومؤسسات الدولة ، وندعو لاطلاق سراح قياداتنا وفك حصار دورنا) كل ذلك مع أن التوصيف لما حدث هو (إنقلاب على المؤسسات الدستورية والشرعية)..

– توضيح رؤية الحركة ومنظورها للمستقبل وعلاقاتها بالآخرين..
واعتقد أن المرحلة تتطلب المزيد من الظهور الإعلامي بالصفة التنظيمية وليس الشخصية ، وضرورة اثراء الساحة بالاراء..

لقد تمايزت الصفوف الآن وانتهت مرحلة التوازن الدقيق ، فليس بعد الحرب محاذير ، وليس بعد إشهار السلاح للإجهاز على الدولة السودانية ومؤسساتها مخاوف ، فالخيار وحيد هو الوقوف فى (خندق الوطن وأهله)..
(4)
يوم 22 فبراير الماضى كتبت وقائع وتفاصيل ما جرى فى ذلك اليوم من العام 2019م ، – – لانه فى راى – من أهم الأحداث والمحطات فيما جرى سابقا ولاحقا له ، ولكنني فضلت عدم النشر ، فقط حتى لا أشغل الساحة بنقاشات غير معركة الكرامة ، وهو تقدير شخصى ..
فقد ترددت الكثير من الروايات أن (المكتب القيادى) قد بدل وغير فى خطاب رئيس الجمهورية وأنه (عطل خيار الإنتقال) ، والحقيقة أن المكتب القيادى لم يبدل حرفا فى الخطاب ، لانه أصلا لم يعرض الرئيس خطابا وإنما خطوط عامة ، والنقاش أستغرق 30 دقيقة ، والتحفظ الوحيد كان على (إعلان الطوارىء) وتأثيراته السياسية والاقتصادية والقانونية وتم التأكيد على حصره على الجانب الاقتصادي فقط (تهريب العملة والسلع)..

كما أن هناك تجاهل إلى أن حوارات الرئيس البشير قبل ذلك الخطاب أستغرقت اسبوعا كاملا ألتقى خلاله شخصيات سياسية واجتماعية وصحفيين وآخرها لقاء تنسيقية قوى الحوار الوطني ..
هذا نموذج فقط للمعلومات الخاطئة المتداولة..
ومما يشار إليه وفى اليوم الثالث للتغيير ، كانت الخيارات والنقاشات تدور فى محورين :
– مسايرة التغيير وتفهم دوافعه والتواصل مع القوى السياسية والمجلس العسكرى ، وبالمناسبة لم تنقطع الإتصالات مع قوى حزبية كبيرة حتى صبيحة 11 ابريل 2019م ، وما بعد ذلك..

– والخيار الثاني مواجهة التغيير سلميا بقوة جماهيرية والخروج فى مظاهرات ومخاطبات وقوة جماهيرية ،
ولم يرد اي خيار ثالث ، وانتهى الأمر بترجيح الخيار الأول وصدر البيان يحمل تلك المعاني.. وقد عبر بروفيسور ابراهيم غندور عن ذلك بإشاراته لمفهوم (المعارضة المساندة) ، وتدركون ما جرى بعد ذلك من حملة واجراءات ضد الإسلاميين مؤسسات وأشخاص..

(5)
خلاصة القول وما فهمته ، أن موقف الإسلاميين مما سلف وما تلاه كالآتى :
أولا : لا علاقة لأى طرف حركي أو سياسي تنظيمي بما حدث يوم 11 أبريل 2019م ، وهذه حقيقة أملك الكثير من تفاصيلها ، فقد غادرت المركز العام فى الواحدة من صبيحة ذلك اليوم ، وبالإضافة لإفادات السفيرة سناء وبيان الحزب فى الريل 2019م وبيان الحركة فى يونيو 2019م ..
وثانيا: لن تكون المؤسسة العسكرية وسيلة للوصول للسلطة لدى الإسلاميين ، وخيارهم الوحيد هو الانتخابات ، وحتى المرحلة الإنتقالية ابتعدوا عنها ، وعن محاصصاتها..
وثالثا: ما جرى فى 15 ابريل 2023م ، هو مخطط إختطاف وطن بمقوماته وتراثه وتفتيت دولة بمواردها وقدراتها وقد تصدت له القوات المسلحة ، ودور الإسلاميين مثل بقية أهل السودان هو إسناد جيشهم وحماية أرضهم دون من أو إمتنان ، وإن أختار البعض إتخاذ المليشيا مطية للسلطة ، فإن الإسلاميين مثل كل الفصائل الوطنية الحية يدافعون عن تراب وطنهم..

وفى خاتمة القول ، من الضروري أن نتحدث ونحكي ونكشف بما يقوى العزم ويكشف الخفايا..
حيا الله السفيرة سناء حمد العوض..وحيا الله إخوانها الذين أتفقوا معها او أختلفوا فى الراي مشفقين أو مؤيدين وكلهم – إن خلصت النوايا- على حواف حوض واحد وعلينا ألا نهدم جوانبه.. اما قولنا للناعقين من مطايا المليشيا: تبا لكم حيث حللتم..
حفظ الله البلاد والعباد..

د.ابراهيم الصديق على
26 مارس 2024م

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الحرکة الاسلامیة القوى السیاسیة ما جرى ما حدث

إقرأ أيضاً:

الغارديان: قطاع غزة يواجه المجاعة وإسرائيل تنكر الحقيقة الجلية

دعت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إلى إنقاذ قطاع غزة، مشيرة إلى أن الفلسطينيين يحتاجون إلى أفعال وليس أقوال، وذلك على وقع تفاقم الكارثة الإنسانية على وقع استمرار العدوان الإسرائيلي الوحشي.

وأشارت الصحيفة في افتتاحية لها ترجمتها "عربي21"، إلى أن مسؤول السياسات الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، عبر عن مخاوفه على ألاف الأطفال الذي يواجهون الموت المحتوم في غزة حالة لم تصلهم المساعدات. لكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي يخشى من رؤية الساسة الأجانب صورا عدة كهذه.

وقالت الصحيفة إنه بعد شهرين من  قطع جميع الإمدادات، تنكر الحكومة الإسرائيلية الحقيقة الجلية: أن غزة على شفا مجاعة. لكن مساء الاثنين، أعلن رئيس الوزراء استئناف عمليات تسليم المساعدات "الحد الأدنى"، قائلا إن "أعظم أصدقاء بلاده في العالم" أبلغوه أنهم لا يستطيعون "قبول صور، جوع جماعي". وقد أدى رده الذي يخدم المصلحة إلى السماح لعدد قليل من الشاحنات بالعبور.

وبحسب ما ورد، سيسمح الآن بمرور 100 شاحنة يوميا - وهو أمر غير كاف على الإطلاق بالنظر إلى حجم الاحتياجات الهائل. وسيكون الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفا محفوفا بالمخاطر وصعبا على أي حال في ظل الهجوم الإسرائيلي المكثف. وقد تعهد نتنياهو بأن إسرائيل و "ستسيطر" على غزة بأكملها، حسب افتتاحية الصحيفة.


وتظهر كلماته أن الحلفاء الغربيين قادرون على تغيير السلوك الإسرائيلي، وأنهم غير مستعدين بما يكفي للقيام بذلك. وقالت الصحيفة إن قلة الإمدادات تهدف إلى ضمان استمرار الحرب التي تمكنه من البقاء سياسيا، لكنها أودت بحياة أكثر من 53,500 فلسطينيا.

ويقول باحثون إن عدد القتلى قد يكون أقل بكثير من التقديرات الحقيقية. وأخيرا، بدأ القادة الأجانب يتحركون بينما يتضور الفلسطينيون جوعا ويدركون فداحة الخطة الإسرائيلية.

وصفت بريطانيا وفرنسا وكندا الأوضاع في غزة بأنها لا تطاق وهددت باتخاذ المزيد من الإجراءات "الملموسة" إذا استمرت حملة إسرائيل "الفظيعة" ولم ترفع القيود المفروضة على المساعدات.
واتهم نتنياهو، الذي لم يندم على أفعاله، هذه الدول بـ"تقديم جائزة ضخمة" لحماس. وفي بيان منفصل، أدانت 23 دولة، من بينها أستراليا ونيوزيلندا، حصار المساعدات والهجوم العسكري.

ويوم الثلاثاء، أطلقت المفوضية الأوروبية مراجعة للعلاقات التجارية. وضغط أقارب الأسرى الإسرائيليين مرة أخرى من أجل وقف إطلاق النار والإفراج عنهم.

وقد اخترق الغضب الساحة السياسية الداخلية السائدة، حيث قال يائير غولان، زعيم الديمقراطيين في دولة الاحتلال، إن "إسرائيل على الطريق لتصبح دولة منبوذة".

وأضافت الصحيفة أن هذه الإدانة ليست نابعة من  من المعاناة المروعة في غزة ودعوات الوزراء الصريحة للتطهير العرقي فحسب، بل أيضا من تباعد جديد بين نتنياهو وإدارة ترامب.

ولم يكلف دونالد ترامب نفسه عناء زيارة إسرائيل، بل تجاوز أكثر من مرة مصالحها، بشأن سوريا والحوثيين وإيران، خلال جولته في الشرق الأوسط. لقد شجع نهج الحكومة الإسرائيلية الإبادة، وسيكون سعيدا برؤية غزة خالية من الفلسطينيين، لكنه ربما سئم الصراع.

وأفادت التقارير أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو اتصل بنتنياهو ثلاث مرات خلال 24 ساعة بشأن حصار المساعدات. يظهر العائد المحدود لجهوده أنه لا ينبغي المبالغة في تقدير هذا التحول في النهج. لا يزال الدعم اللافت لإسرائيل قائما في واشنطن حتى مع إعادة نظر الحكومات الأخرى، والناخبين الأمريكيين، في الأمر. ويجب على الآخرين أن يقرنوا الأقوال بالأفعال.

وأدان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، التصريحات "المُقززة" للوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش. لكن تعليق محادثات التجارة ليس بداية. وينطبق الأمر نفسه على معاقبة نشطاء المستوطنين: فقد صرح ديفيد كاميرون، بصفته وزيرا للخارجية، بأنه أراد فرض عقوبات على سموتريتش وزميله إيتمار بن غفير العام الماضي.

وشددت الصحيفة على أنه ينبغي على بريطانيا أن تحذو حذو فرنسا، التي قالت إنها "عازمة" على الاعتراف بدولة فلسطينية. والأهم من ذلك كله، عليها ضمان عدم وصول أي أسلحة، بما في ذلك قطع غيار طائرات إف-35 المقاتلة، إلى إسرائيل.

وإلى أن تفعل بريطانيا ذلك، ستكون متواطئة في هذه الجرائم. وتمتلك الولايات المتحدة القدرة على وقف المذبحة وتحقيق وقف إطلاق النار الذي تشتد الحاجة إليه. لكن ضغط الحلفاء الآخرين يمكن أن يحدث فرقا. إذا كانوا يهتمون بإنقاذ الأرواح، وليس فقط بمظهرهم - فقد حان الوقت لاتخاذ إجراء حاسم، حسب "الغارديان".

"حانت أخيرا لحظة الحساب"
وفي السياق قال الصحفي البريطاني والكاتب بصحيفة "الغارديان"، أوين جونز، إن "تجدد هجوم إسرائيل على غزة أثار إدانة دولية، لكن العديد من هؤلاء المنتقدين سيواجهون حسابهم الخاص"، مشيرا إلى أنه "حانت أخيرا لحظة الحساب: ليس فقط لنتنياهو، بل لمُمكّنيه أيضا".

وأضاف في مقال ترجمته "عربي21"، "فجأة، بدأ شيء ما يتغير. في الأسبوع الماضي، ألقى النائب المحافظ البريطاني كيت مالثاوس، وهو عضو في البرلمان من حزب المحافظين، مداخلة برلمانية مذهلة. ففي سؤال موجه إلى هاميش فالكونر، وزير شؤون الشرق الأوسط في حزب العمال، أشار إلى أن هناك صعوبة متزايدة في مواكبة المجازر في غزة، مضيفا أن الجرائم تحدث يوميا".

وأشار الكاتب إلى أنه "نظرا لأن بريطانيا وقّعت على اتفاقيات مختلفة تفرض التزاما إيجابيا بالعمل على منع الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم، سأل مالثاوس عن الاستشارات القانونية التي حصلت عليها الحكومة بشأن مسؤولية رئيس الوزراء، ووزير الخارجية، وفالكونر نفسه، والوزراء السابقين عندما يحين موعد الحساب".


ومن الواضح أن فكرة "الحساب" تشغل بال السياسيين الغربيين. ربما يبقيهم هذا الأمر ساهرين في الليل، حسب تعبير الكاتب.

وفي هذا الأسبوع، انضمت بريطانيا إلى فرنسا وكندا في إدانة معاناة غزة ووصفها بأنها "لا تطاق"، مهددة برد "ملموس" غير محدد إذا استمر الهجوم الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة.

وفي حديثه في مجلس العموم يوم الثلاثاء، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، أن بريطانيا ستعلق المحادثات التجارية مع إسرائيل، وستستدعي سفيرتها لدى المملكة المتحدة، وستفرض عقوبات على بعض المستوطنين المتطرفين. وقال في إشارة إلى حكومة بنيامين نتنياهو: "العالم يحكم. التاريخ سيحكم عليهم".

لامي محق، حسب الكاتب. لكن مُشكلته تكمن في أن هذا "الحكم" سيتجاوز بكثير الجناة المباشرين. سيشمل أيضا من مكن إسرائيل.

وقال الكاتب إنه ربما أعلن وزير الخارجية البريطاني عن إجراءاته بتبجح وثقل كبيرين، لكنها لم تكن سوى هراء رمزي. حتى ديفيد كاميرون حاول الذهاب إلى أبعد من ذلك قبل عام عندما كان وزيرا للخارجية، قبل أن يتخلى عن خطط فرض عقوبات مباشرة على اثنين من كبار وزراء الحكومة الإسرائيلية، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير. ومع إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد القيادة الإسرائيلية قبل ستة أشهر، فإن الذعر يندلع بوضوح في الحكومة.

ومع ذلك، فهي لا تزال لا تبذل كل ما في وسعها لوقف إسرائيل. في الأسبوع الماضي فقط، كانت بريطانيا في المحكمة تدافع عن استمرار تصدير بريطانيا لأجزاء من طائرات مقاتلة من طراز أف- 35 التي ينتهي بها المطاف في إسرائيل.

وأضاف الكاتب أن هذا الأمر يتجاوز مجرد الفشل في التصرف الآن. إنه يتعلق بما أدى بنا إلى هذه اللحظة. فمثلا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وافق ذات مرة على أنه من المناسب لإسرائيل فرض حصار على غزة وقطع الكهرباء والمياه، حيث قال سابقا "أعتقد أن لإسرائيل هذا الحق. إنه وضع مستمر".

وأضاف: "من الواضح أنه يجب القيام بكل شيء في إطار القانون الدولي".

وادعى ستارمر لاحقا أنه لم يقل شيئا من هذا القبيل، على الرغم من قوله. وخلال رئاسته للحزب انسحب عدد من أعضاء الحزب في المجالس المحلية، أغلبهم من المسلمين، بشكل جماعي مستائين [من موقف الحزب من الحرب]، وقال أحد مستشاريه بأن هذا كان "محاولة من حزب العمال للتخلص من البراغيث".

واتخذ إجراءات تأديبية ضد النواب المؤيدين لفلسطين. وعلقت حكومته 8% فقط من صفقات الأسلحة مع إسرائيل تحت ضغط قانوني هائل، ووافقت على معدات عسكرية في الأشهر الثلاثة التي تلت ذلك، أكثر مما وافق عليه المحافظون في السنوات الثلاث بين عامي 2020 و2023. لا شيء تفعله الحكومة الآن يُمكن أن يُغيّر هذه الحقائق من المحاسبة القادمة، حسب الكاتب.

وأشار المقال إلى أن نائب بريطاني آخر وقف من حزب المحافظين، إدوارد لي، الأسبوع الماضي، معلنا نفسه عضوا في جمعية "أصدقاء إسرائيل المحافظين لأكثر من 40 عاما، أي أطول من أي شخص هنا". كان سؤاله مباشرا: "متى لا تعتبر الإبادة الجماعية إبادة جماعية؟" وانضم إليه زميله المحافظ مارك بريتشارد، الذي أشار إلى أنه دعم إسرائيل لمدة 20 عاما "بأي ثمن تقريبا، بصراحة تامة".

وفي سحبه لهذا الدعم، ألمح هو أيضا إلى الحساب القادم: "أنا قلق حقا من أن هذه لحظة تاريخية ينظر فيها الناس إلى الوراء، ليجدوا أننا أخطأنا كدولة".

وقال الكاتب إنه يجب أن يتناسب حجم هذا الحساب مع حجم الجريمة. بعد شهر من الهجوم الإسرائيلي - الذي قتل بعده ما لا يقل عن 5139 مدنيا، وفقا لأرقام أساسية محافظة صادرة عن منظمة "إيروورز" غير الحكومية - نشرت مجلة "إيكونوميست" افتتاحية بعنوان "لماذا يجب على إسرائيل مواصلة القتال".

وبحسب الكاتب، فإن هناك عرض أحدث، صدر بعد فترة طويلة من محو المنطقة تقريبا من على وجه الأرض، بعنوان "يجب أن تنتهي الحرب في غزة". أو انظر إلى صحيفة "التايمز" التابعة لروبرت ميردوخ. فرغم أنها عادة ما تكون مؤيدا موثوقا لإسرائيل، إلا أنها تنشر الآن مقالات رأي تتساءل لماذا "نغض الطرف عن الفظائع في غزة".

تلوح حقيقة واضحة، وفقا للكاتب، وهي أن هذا سيذكر كإحدى أعظم جرائم التاريخ. تحذر الأمم المتحدة الآن من أن 14,000 طفلا رضيعا قد يموتون خلال 48 ساعة القادمة دون مساعدة. زعيم المعارضة الإسرائيلي والجنرال السابق يائير غولان - الذي قال في وقت سابق من هذا العام قائلا: "نود جميعا أن نستيقظ في صباح ربيعي لنجد أن 7 ملايين فلسطيني يعيشون بين البحر والنهر قد اختفوا ببساطة" - يعلن الآن أن بلاده "تقتل الأطفال كهواية".

وتابع الكاتب بالقول إنه ومع ذلك، تتصرف إسرائيل بحصانة. فبعد فرض حصار شامل منذ بداية آذار/ مارس، أعلن نتنياهو أمس أنه سيسمح بدخول "مساعدات إنسانية محدودة". لماذا؟ ليس لتخفيف معاناة الفلسطينيين، بل لأن حتى السياسيين المتحمسين المؤيدين لإسرائيل "حذروا من أنهم لا يستطيعون دعمنا إذا ظهرت صور المجاعة الجماعية".


وخزة إبرة، بمعنى آخر، لأغراض تجميلية. في هذه الأثناء، يعلن سموتريتش: "نحن نفكك غزة، ونتركها أكواما من الأنقاض، مع تدمير شامل [ليس له] سابقة عالمية. والعالم لا يوقفنا". ويتفاخر تسفي سوكوت، عضو الكنيست عن حزب سموتريتش، قائلا: "لقد اعتاد الجميع على فكرة أنه يمكنك قتل 100 من سكان غزة في ليلة واحدة ... ولا أحد في العالم يهتم".

في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لكاتب المقال بعنوان "إسرائيل واضحة بشأن نواياها في غزة - لا يمكن لقادة العالم أن يتظاهروا بالجهل بما هو آت". لماذا؟ لأن قادة إسرائيل ومسؤوليها أوضحوا بوضوح تام ما سيفعلونه منذ اليوم الأول.

وجاء في المقال: "مع اتضاح كارثة هجوم إسرائيل على غزة، سيصاب من شجعوه بالذعر من الضرر الذي لحق بسمعتهم، وسيبررون جهلهم السابق.. لا تدعوهم يفلتون من العقاب هذه المرة". وبينما يستعد أهل غزة الآن للأسوأ، لم يكن الشعور بالصواب يوما بهذه المرارة. لكن الأمر لم يتطلب بصيرة خاصة أو قدرة على التنبؤ، فهذه كارثة متنبأ بها منذ البداية.

مقالات مشابهة

  • مركبة «بيرسيفيرانس» الفضائية تلتقط صورة سيلفي لـ «شيطان غبار مريخي»
  • الطقس يتحوّل اعتباراً من الأحد... حرارة فوق المعدلات وغيوم وغبار!
  • الغارديان: قطاع غزة يواجه المجاعة وإسرائيل تنكر الحقيقة الجلية
  • انتشار وباء بين الدواجن | ما الحقيقة؟
  • تحذير من غبار في الطقس.. ما صحة التوقعات؟
  • في ذكرى رحيلها.. سناء يونس أيقونة الكوميديا الراقية التي سكنت قلوب الجمهور
  • الحكومة البريطانية تستدعي السفيرة الإسرائيلية تسيبي حوتوفلي بشأن توسيع العمليات العسكرية في غزة
  • بريطانيا تستدعي السفيرة الإسرائيلية في لندن بسبب العمليات العسكرية في غزة
  • النقيب الحسن لوزير العدل: للإسراع في محاكمة الموقوفين الإسلاميين
  • في ذكرى وفاتها.. قصة رحيل سناء يونس المأساوية