كيف فاقم الإصلاح المالي على حساب الإصلاح الاقتصادي معاناة المصريين؟
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
كشفت خطة الإنقاذ المالي من أطراف دولية متعددة لمصر، والتي ظهرت بشكل مفاجئ وفي اللحظات الأخيرة من السقوط في هوة شبح الإفلاس، بقيادة دول ومؤسسات مالية دولية، عن عمق الأزمة الاقتصادية في البلاد وتدهور أوضاع المصريين إلى أدنى نقطة يمكن تحملها.
ومنذ بدء ما يسمى ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري مع صندوق النقد الدولي عام 2016 وخفض الجنيه 50 بالمئة أدى ذلك إلى نتائج اقتصادية وخيمة تسببت في موجة جديدة بعد 6 سنوات من أزمة مالية طاحنة تسببت في فجوة زمنية وسعرية في الأسعار في أقل من عام.
إزاء حديث الحكومة المصرية عن خططها للإصلاح المالي والنقدي من أجل تحسين بعض المؤشرات الاقتصادية، أعرب خبراء اقتصاد ومحللون ماليون لـ"عربي21" عن إحباطهم من تجاهل الإصلاح الاقتصادي الحقيقي الذي ينعكس على حياة المواطنين بزيادة الداخل وزيادة قدرته الشرائية.
وكانت مصر على شفا أزمة مالية كبرى قبل أن تنقذها حزمة مساعدات وقروض ووعود استثمارية بنحو 60 مليار دولار ، استحوذت الإمارات على أكثر من نصفها باستثمار 35 مليار دولار في قطاع العقارات بتطوير مدينة رأس الحكمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وكذلك قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار بدلا من 3 مليارات دولار ، ووعد من الاتحاد الأوروبي بتقديم قروض ومساعدات قدرها 8.1 مليار دولار، إضافة إلى تمويلات من البنك الدولي بأكثر من 6 مليارات دولار.
إصلاحات مالية ومعاناة اقتصادية
ومنذ رضوخ القاهرة لشروط صندوق النقد الدولي قبل 8 سنوات وعلى رأسها رفع الفائدة وخفض قيمة الجنيه واصلت الحكومة المصرية تقديم المزيد من التنازلات وخفضت قيمة العملة المحلية مجددا 150% وهبط الجنيه من مستوى 7 جنيهات إلى حوالي 48 جنيها، وزادت الفائدة إلى 28% وأصبحت معاناة المصريين الاقتصادية أكبر وأشد وأعمق وغير مسبوقة.
تجاوزت حكومة عبد الفتاح السيسي كل الخطوط الحمراء وذهبت إلى أبعد نقطة لم تجرؤ عليها الحكومات السابقة، مثل تحرير سعر الصرف وخفض الدعم وتحويل الدعم العيني إلى نقدي وإنهاء دعم الكهرباء والمياه ورفع أسعار جميع الخدمات ورسومها إلى أرقام فلكية ورفع أسعار الطاقة 600% منذ عام 2014 بدعوى تحقيق إصلاحات مالية وخفض عجز الموازنة ولكنه يزيد بدلا من أن ينخفض.
وكان الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة يبلغ 1200 جنيه عام 2013 أو ما يعادل 170 دولارا شهريا بسعر صرف العملة وقتها أما الآن فقد تضاعف 5 مرات إلى 6000 جنيه لكنه يعادل 128 دولار، أي أقل 30% عما كان عليه قبل نحو 11 عاما رغم زيادة الأسعار أكثر من 500%.
ويعتمد غالبية السكان البالغ عددهم نحو 106 ملايين على نظام دعم سلعي يغطي قليل من السلع الأساسية، وآخر للخبز، ويتجاوز عدد الفقراء رسميا 30 مليون شخص ولكن نسبة الفقر بحسب مؤسسات دولية أكبر من ذلك بكثير وتقترب من 60% لأنها لا تشمل تداعيات جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية وخفض العملة المحلية 4 مرات.
مصطفى مدبولي يقول خلال لقائه عددًا من التجار أن أسعار السلع لا بد أن تنخفض ليشعر المواطن بالأمل في حدوث تطور إيجابي.
إذا كان ذلك ضرورياً يا معالي #رئيس_الوزراء لماذا رفعت الحكومة سعر #السولار 21٪؟ ولماذا زادت الشركات الحكومة أسعار #السكر 33٪؟ ولماذا أصرت الحكومة على زيادة… pic.twitter.com/WwulC7SClr — Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) March 26, 2024
وظل التضخم طوال نحو سنتين عند أعلى مستويات مرتفعة، وصفها رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، خلال لقاء مع التجار لحثهم على خفض الأسعار، بأنها غير مسبوقة في تاريخ البلاد بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية وباقي السلع، وانتقد ارتفاع الأسعار إلى ما أسماه "الأرقام الفلكية".
لا إصلاح مالي بدون إصلاح اقتصادي
في تقديره يرى الخبير الاقتصادي اليساري، هاني الحسيني، أن "الحكومة المصرية غامرت بالدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي منذ عام 2016، ولا يمكن الاعتماد على الإصلاح المالي والسياسات النقدية دون الإصلاح الاقتصادي؛ لأن القاعدة الأساسية للموارد وتدفق الأموال الحقيقي وتحسين الأجور والدخل هو الإنتاج وزيادة الصادرات، هذا هو الاقتصاد الحقيقي من زراعة صناعة وتجارة خارجية وتكنولوجيا وغيره والخدمات ذات العائد والجدوى مثل السياحة".
وأعرب عن اعتقاده في حديثه لـ"عربي21": أن "تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين كان يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة لا الحديث عن تخفيف المعاناة عن المواطنين طوال الوقت، نحن بحاجة إلى رؤية شاملة للإصلاح الاقتصادي تتجاوز مفهومها الضيق لدى الحكومة المتمثل في توفير الأموال لتدبير الأمور اليومية ولكنها تسوء يوما تلو الآخر والناس أصبحت غير قادرة على تحمل إجراءات دون نتائج إيجابية ملموسة على أرض الواقع".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن "أي نجاح اقتصادي يشعر به في المقام الأول المواطن وليس بيانات حكومية، وطالبنا مرارا بتوحيد الموازنة العامة وتكون شاملة لزيادة الموارد وضم الصناديق الخاصة وأموال الهيئات وغيرها وعدم استقطاعها لصالح صناديق أخرى".
وطالب الحسيني "بضرورة استعادة القطاع الخاص دوره في النمو الاقتصادي، وتراجع دور الدولة والكيانات الموالية لها؛ لأن هناك كيانات تدير باسم الدولة، وتوفير فرص حقيقية، وترك المفاتيح الاقتصادية في أيدي الشركات ورجال الأعمال والمجتمع المدني".
شكوك حو تغيير المسار القديم
شكك نائب رئيس الوزراء ووزير التعاون الدولي سابقا، زياد بهاء الدين، في حدوث تغيير جذري في سياسات الحكومة الاقتصادية رغم حصولها على واحدة من أكبر حزم الاقتراض التي عرفتها مصر مؤخرا، والتي لم يكن هناك مفر من اللجوء إليها، وإلا كان السقوط في الهاوية أكيدًا.
مضيفا، في مقال له، لكن إذا كنا نجحنا في تجنب كارثة محققة بتدبير التمويل في اللحظة الأخيرة، فإن هذا لا يعنى الخروج من الأزمة، بل علينا انتهاز الفرصة واتخاذ الإجراءات وتطبيق السياسات اللازمة لتجنب العودة إلى ذات الوضع مرة أخرى ولبدء الإصلاح الاقتصادي الحقيقي والمستدام.
الحكومة سقطت في الإصلاح المالي والاقتصادي
اشترط خبير أسواق المال والخبير الاقتصادي، الدكتور وائل النحاس، "تحقيق نجاحات اقتصادية تنعكس على المواطنين بضرورة السيطرة على التضخم من خلال السيطرة في الأساس على الاقتراض والعجز الكلي للموازنة العامة، وتخفيض الدين العام، إلى جانب تصفية حساب السحب على المكشوف لدى البنك المركزي الذي يؤثر بالسلب على الأداء المالي، أزمتنا الحقيقية أننا غير قادرين على تحقيق نسب نمو فعلية والسيطرة على التضخم وعمل دخل حقيقي للفرد زيادة الأجور لا تعني تحسين الدخل ما نريده هو زيادة القوة الشرائية للعملة".
مضيفا لـ"عربي21": "الإصلاح المالي الذي تستهدفه الحكومة هو معالجة التشوهات المالية في أرقام الموازنة العامة للدولة وحتى الآن لم نحقق الإصلاح المالي المطلوب وفي كل مرة تعجز الحكومة عن السيطرة عن العجز وحتى بعد توحيد الموازنة وضم جميع الهيئات الاقتصادية والصناديق الخاصة زاد العجز"، مشيرا إلى أن "الإصلاح الاقتصادي يعني إصلاح أحوال المواطنين الاقتصادية من خلال زيادة موارد الدولة ولكن ليس على حساب المواطن عبر فرض الضرائب والرسوم والدمغات وتعظيم الاستثمارات المباشرة وتقليص العجز".
وصف النحاس التدفقات المالية الأخيرة التي حظيت بها مصر بأنها "قبلة الحياة و مجرد وعود من المؤسسات الدولية ولم يتحقق منها شيء غير جزء من أموال صفقة رأس الحكمة، ولم نحصل على دولار واحد حتى الآن نحن نعيش الآن بقوة دفع الصفقة مع سياسة الترويع التي تمارسها الدولة لتخلي المواطنين على الدولار، ولا يوجد تغيير حقيقي في المسار الاقتصادي ونسير على نفس المنوال وهو التوسع في الاقتراض وليس في الاستثمار الجاد الذي ينعكس على حياة المواطنين".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي الاقتصادية المصريين الإمارات السيسي التضخم مصر اقتصاد السيسي الإمارات تضخم المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صندوق النقد الدولی الإصلاح الاقتصادی الإصلاح المالی
إقرأ أيضاً:
اتساع الفجوة الاقتصادية بين الأميركيين يهدد آمال ترامب بالانتخابات النصفية
ينطلق دونالد ترامب في جولة انتخابية لترويج أجندته الاقتصادية، في حين يلقي الأميركيون باللوم عليه بشكل متزايد في ما تظهره البيانات من تراجع القدرة على تحمل تكاليف المعيشة.
وحسب فايننشال تايمز، تشير الأرقام الأخيرة إلى اقتصاد "متقلب" بوضوح، إذ يوسّع ضعف سوق العمل وارتفاع الأسعار المستمر الفجوة بين أصحاب الدخول الأعلى والأدنى.
يظهر تحليل أجراه بنك الاحتياطي الفدرالي في أتلانتا لبيانات مكتب إحصاءات العمل أنه بعد سنوات من النمو المتجاوز للمعدلات السائدة، تراجعت أجور أصحاب الدخول الأدنى في أميركا بشكل حاد مقارنة بأجور أصحاب الدخول الأعلى، وذلك يمحو كثيرا من التقدم المحرز خلال العقد الماضي في سد الفجوة.
ويقول الاقتصاديون إن هذا الاتجاه يسلط الضوء على أن أصحاب الدخول المنخفضة أكثر عرضة للضعف الأخير في سوق العمل الأميركي.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن الزميلة البارزة في مجلس العلاقات الخارجية ريبيكا باترسون قولها: "على الرغم من انخفاض معدل التضخم عما كان عليه بعد الجائحة، فإنه من الضروري رفع الأجور، الأمر الذي يستدعي وجود سوق عمل قوي.. يعتمد النمو الأميركي في توليد الثروة بشكل كبير حاليا على الذكاء الاصطناعي وما يرتبط به من استثمارات رأسمالية".
وأضافت أن "اعتماد أكبر اقتصاد في العالم على بضع عشرات من الشركات لا يبدو إدارة فعّالة للمخاطر الاقتصادية".
ومن المقرر أن يلقي الرئيس الأميركي اليوم الثلاثاء كلمة في ولاية بنسلفانيا -وهي ولاية حاسمة فاز بها عام 2024- حيث من المتوقع أن يردّ على الانتقادات الموجهة إليه بأن سياساته الاقتصادية لم تقدّم ما يكفي لمساعدة الأميركيين العاديين.
وكانت إدارة ترامب للاقتصاد أقوى حججه في السابق، لكن الفجوة المتسعة بين مرتفعي ومنخفضي الأجور تهدد الآن آفاق الجمهوريين في انتخابات منتصف المدة، وهو ما يتضح في نتائج الشركات الفصلية، واستطلاعات الرأي، وتقارير الوظائف.
إعلانوارتفع معدل البطالة بين العمال من أصل إسباني -الذين تأرجح دعمهم لترامب بشكل كبير في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- إلى أعلى مستوى له خلال العام عند 5.5% في سبتمبر/أيلول مقارنة مع 4.4% لإجمالي الأميركيين.
فجوة متسعةيسلّط أحدث استطلاع رأي أجرته جامعة ميشيغان الضوء على هذه الفجوة، ونقلت فايننشال تايمز عن مديرة مؤشر ثقة المستهلك بالجامعة جوان هسو قولها إنه منذ مايو/أيار تراجعت ثقة من لا يملكون أسهما بشكل عام، ولم تكن قراءتهم أفضل مما كانت عليه في "ذروة التضخم بعد الجائحة في منتصف عام 2022".
كان العكس صحيحا لمن يملكون أسهما، إذ "شهدوا ارتفاعا ملحوظا بشكل خاص لدى المشاركين الذين يمتلكون أعلى 20% من الأسهم"، على حد قولها.
وتعزز استطلاعات الرأي الأخيرة الصادرة عن مجلس المؤتمرات الشعور بأن الأسر الفقيرة تزداد تشاؤما بشأن الاقتصاد. فقد انخفض مؤشر ثقة المستهلك بشكل حاد في نوفمبر/تشرين الثاني، وعلى أساس المتوسط المتحرك لـ6 أشهر ظل المستهلكون الذين يقل دخلهم عن 15 ألف دولار الأقل تفاؤلا بين جميع فئات الدخل.
وكما كافح الرئيس السابق جو بايدن لإقناع الناخبين الأميركيين بأنهم أفضل حالا ماليا بوجوده في البيت الأبيض، يبدو أن ترامب يواجه تحديا مماثلا، وفق الصحيفة.
مساعي خفض الأسعارفي الوقت نفسه، سعت الإدارة إلى إظهار أنها تعمل على خفض الأسعار، إذ خفضت الرسوم الجمركية على العديد من الواردات الزراعية الشهر الماضي في محاولة لخفض فواتير البقالة، وهو ما كان مصدر قلق رئيسيا بين الناخبين الأميركيين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني طرح ترامب "أرباحا" ممولة من الرسوم الجمركية لا تقل عن ألفي دولار للفرد، ولا تشمل ذوي الدخل المرتفع، واقترح إعادة توجيه دعم الرعاية الصحية من شركات التأمين إلى حسابات التوفير للأميركيين.
ويتسرب هذا الضغط على ميزانيات الأسر الآن إلى الشركات الأميركية، خاصة في القطاعات التي تتعامل مباشرة مع المستهلكين.
وتقول الصحيفة إن الاستياء العام من أسلوب تعامل الحكومة مع الاقتصاد بلغ مستويات قياسية، مما يبرز المخاطر السياسية التي يواجهها الجمهوريون في محاولتهم الحفاظ على سيطرتهم على مجلسي الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
ومن المرجح أن يركز حزب الرئيس في حملته الانتخابية جزئيا على إنجازه التشريعي الأبرز: مشروع قانونه "الكبير والجميل" الذي أقر في يوليو/تموز، ولكن من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في عام 2026.
وفي حين يبقي مشروع القانون على التخفيضات الضريبية التي كشف عنها خلال الولاية الأولى للرئيس في البيت الأبيض، فإنه يفرض أيضا تخفيضات على برنامجي "ميديكيد" و"قسائم الطعام".
وذكر مكتب الميزانية بالكونغرس أن مشروع القانون من المرجح أن يخفّض موارد الأسر في أدنى عشر توزيع الدخل بمقدار 1600 دولار سنويا، مقارنة بزيادة قدرها نحو 12 ألف دولار لشريحة الـ10% الأعلى دخلا.
مع ذلك، تزعم إدارة ترامب أن القانون سيساعد ملايين العمال ذوي الأجور المنخفضة في قطاع الخدمات من خلال إعفاء الإكراميات من الضرائب، وأن الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية ستخلق وظائف ذات رواتب أفضل للطبقة العاملة من خلال تشجيع الشركات على إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة أيضا.
إعلان