هل من أمل في مفاوضات سودانية؟
تاريخ النشر: 28th, March 2024 GMT
هل من أمل في مفاوضات سودانية؟
عثمان ميرغني
في إعلانه عن إمكانية استئناف محادثات منبر جدة بشأن أزمة الحرب السودانية في 18 أبريل (نيسان) المقبل، قال المبعوث الأميركي الخاص توم بيريلو أول من أمس إن هناك عدداً من العوامل التي تغيرت بما يجعل هذه اللحظة واعدة أكثر للتوصل إلى حل. لكنه وحتى لا يطلق العنان لأي تفاؤل مفرط، سرعان ما أضاف إن فرص النجاح لا تتجاوز 50 في المئة.
– ثانياً، جمعُ طرفي القتال على طاولة المفاوضات، والعمل على نزع العوامل التي تؤجج القتال بما في ذلك وقف التدخلات الخارجية وإمدادات السلاح، وهو ما كررته الإدارة الأميركية في عدة تصريحات وأشار إليه بيريلو أيضاً.
– ثالثاً، التسريع بالمسار الإنساني لضمان وصول المساعدات ومواجهة الوضع المتأزم وبشكل خاص في دارفور ومعسكرات اللاجئين. ولهذا الغرض اقترح بيريلو 18 أبريل (نيسان) المقبل موعداً مقترحاً لاستئناف منبر جدة، بحيث يأتي مباشرة بعد المؤتمر الإنساني الذي تستضيفه فرنسا في 15 أبريل لبحث الوضع الإغاثي لضحايا الحرب في السودان، وتحريك المساعدات بعد التحذيرات المتتالية من الأمم المتحدة بأنها لم تتلقَ سوى 4 في المئة فقط من المساهمات العاجلة التي طلبتها. بيريلو في شهره الأول في المنصب يبدي حماسة واضحة ومتوقعة لمهمته التي بدأها بجولة إقليمية واسعة ولقاءات متعددة مع الأطراف المدنية السودانية، لكنه حتماً سيكتشف، إن لم يكن قد اكتشف بعد، حجم تعقيدات الأزمة وصعوبة مهمته بسبب ضغط العامل الزمني في سنة الانتخابات الأميركية، وانشغال إدارة بايدن بحربي غزة وأوكرانيا. أضف إلى ذلك أنه يفتقر إلى الخبرة الكافية في الملف السوداني، ومهمته ستكون أصعب في ظل عدم وجود سفارة أميركية في الخرطوم تعينه بعد توزيع طاقم السفارة على عدد من العواصم بعد الحرب. المعين الأكبر لبيريلو هو الكونغرس الذي أبدى اهتماماً متزايداً بالأزمة السودانية في الآونة الأخيرة، وكان السبب في تعيين المبعوث الخاص من خلال الضغط المتواصل على البيت الأبيض، وإصدار قرارات خاصة بالأزمة آخرها الشهر الماضي حينما خطا المشرعون الأميركيون خطوة لافتة بتصنيفهم ممارسات قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في دارفور بـ«الإبادة الجماعية» الموجهة ضد مجموعات عرقية وقبلية بعينها، وتشبيه ذلك بما حدث في الإقليم في 2003 ودفع إدارة جورج بوش آنذاك إلى فرض عقوبات مع دعوات للمحاسبة وملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم. الواضح أن واشنطن تريد استخدام المحاسبة والعقوبات للضغط على الأطراف بالتوازي مع التحركات الدبلوماسية التي يقوم بها بيريلو، على أمل أن يدفع ذلك إلى التعجيل بإنهاء الحرب. وقد عبر عن هذا الأمر السناتور بن كاردين رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في مخاطبته للمجلس هذا الأسبوع قائلاً إن أميركا لا يمكن أن تبقى صامتة إزاء ما يجري في السودان، وإن عليها اتخاذ خطوات لإنهاء الحرب، وحث المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة الوضع الإنساني، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب. هل يكون ذلك كافياً؟ الصورة أعقد من ذلك بكثير، فإدارة بايدن لديها أولويات غير السودان في الوقت الراهن، وعدو بيريلو هو عامل الزمن في موسم الانتخابات الأميركية. أهم من ذلك أن الهوة بين مواقف الأطراف السودانية تبدو أوسع من أي وقت مضى منذ بدء هذه الحرب، والكثير يتوقف على ما سيحدث على الجبهة العسكرية في الأسابيع وربما الأيام القادمة.
الوسومالسودان الشرق الأوسط المبعوث الأمريكي المسار الإنساني توم بيرييلو دارفور عثمان ميرغني منبر جدةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان الشرق الأوسط المبعوث الأمريكي المسار الإنساني توم بيرييلو دارفور عثمان ميرغني منبر جدة الدعم السریع منبر جدة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
نظام SSSE السعودي.. كيف يمكن أن يُحوّل الرياضة إلى صناعة عالمية؟
في ظل استعدادات المملكة العربية السعودية لاستضافة أحداث رياضية عالمية ضخمة، مثل كأس آسيا 2027 وربما دورات أولمبية مستقبلية، تقف الرياضة السعودية أمام لحظة تحول مفصلية تتطلب أكثر من مجرد تنظيم بطولات أو بناء منشآت.
نحن بحاجة إلى رؤية مؤسسية متكاملة تنقل الرياضة من كونها نشاطًا مجتمعيًا إلى صناعة اقتصادية مستدامة.
وهنا، يبرز مفهوم “نظام بيئة قطاع الرياضة السعودي (SSSE – Saudi Sports Sector Ecosystem)” كإطار عمل استراتيجي يمكن أن يكون حجر الزاوية في بناء مستقبل رياضي عالمي للمملكة.الدرس الكتالوني: صناعة رياضية مدفوعة بالتكامل والتخطيط لناخذ مثالًا حيًا وناجحًا: إقليم كتالونيا في إسبانيا. هناك، تحوّلت الرياضة إلى محرك اقتصادي رئيسي بفضل دمجها الذكي مع قطاعات مثل السياحة والتعليم والابتكار.
أحدث الدراسات المتعلقة بكأس أمريكا للإبحار 2024 في برشلونة، وهي من أكبر الفعاليات الرياضية والسياحية في أوروبا، تشير إلى ما يلي:- الأثر الاقتصادي الإجمالي تجاوز 1.03 مليار يورو،- الحدث ساهم في خلق أكثر من 12,800 وظيفة جديدة،- القيمة الإعلامية العالمية بلغت حوالي 1.3 مليار يورو،- استقطب ما يقارب 1.8 مليون زائر، من بينهم أكثر من 460 ألف زائر متخصص في سياحة الأحداث.كل هذه النتائج لم تتحقق مصادفة، بل كانت ثمرة نموذج بيئي مؤسسي متكامل، يتضمن تشريعات واضحة مثل “قانون الرياضة الكتالوني” (3/2008)، وأدوات تنظيمية مثل مراقب الرياضة وسجل ROPEC المهني، بالإضافة إلى شراكات بين الجامعات والمراكز البحثية مثل INEFC وBarça Innovation Hub.
لقد تابعنا بإعجاب بالغ التقدم الملحوظ الذي تحقق في كتالونيا على صعيد الدمج بين الرياضة وسياحة الاجتماعات، ونرى أن النموذج الكتالوني، القائم على تكامل القطاعين العام والخاص في ترسيخ مكانة المنطقة عالميًا في استضافة الفعاليات الرياضية والسياحية، يُمثل رؤية ملهمة وقابلة للتطبيق في المملكة، لا سيما في مناطق مثل العلا، نيوم، أبها، والبحر الأحمر.الوضع في السعودية: فرص عظيمة تنتظر التنظيم رغم التطورات الكبيرة التي شهدتها الرياضة السعودية في السنوات الأخيرة، لا تزال هناك فجوات هيكلية تمنع تحقيق القفزة النوعية المطلوبة، مثل:
- غياب نموذج بيئي موثق يوضح العلاقة بين الجهات الحكومية، الأندية، الشركات، الأكاديميات، البلديات، واللجان الرياضية.
- عدم وجود سجل وظيفي رسمي للمهنيين الرياضيين أو نظام لتصنيف الكيانات حسب النشاط والمستوى.
- نقص في التشريعات الرياضية الحديثة، ما يؤثر على جذب الاستثمار والتعامل مع الشركات الدولية.
- غياب قواعد بيانات دقيقة عن حجم القطاع والعاملين فيه.- عدم وجود برامج دكتوراه أو مراكز بحث رياضي تخصصية.
ما الذي يمكن أن يقدمه SSSE؟ يأتي نظام SSSE ليعالج كل هذه التحديات في قالب واحد متكامل، فمن خلاله، يمكن:
- بناء قاعدة بيانات وطنية للكيانات والمهنيين الرياضيين.- تأسيس سجل رسمي ومهني للممارسين والكوادر.
- إنشاء إطار تشريعي متطور، يُبنى على نماذج دولية ناجحة مثل قانون كتالونيا.- إطلاق مراكز تدريب وبحث رياضي بالشراكة مع جهات دولية مرموقة.
- تصنيف الكيانات الرياضية بشكل علمي ومؤسسي لتحديد الاحتياج والتخصص.
الاستثمار: لماذا هو مُمكن الآن أكثر من أي وقت؟
تبني SSSE لا يعني فقط ترتيب البيت الداخلي، بل هو أيضًا مفتاح لجذب الاستثمار الرياضي الخاص والدولي.
فعندما يجد المستثمر بيئة منظمة وشفافة، يمكنه الدخول بمشاريع رياضية متنوعة: من شركات بيانات وتحليل أداء، إلى أكاديميات تدريب، ومراكز علاج وتأهيل رياضي، وتطبيقات رقمية، وبنية تحتية ذكية، وتسويق فعاليات.
مع تحول القطاع إلى بيئة قابلة للقياس، محمية قانونيًا، ومفتوحة للمنافسة، يمكن أن نرى قفزات في:
- مساهمة الرياضة في الناتج المحلي.- خلق وظائف مهنية مستقرة ومؤهلة.
- تصدير الكفاءات الرياضية السعودية عالميًا.
- تحوّل المملكة إلى مركز إقليمي لصناعة وتنظيم البطولات الدولية.الرياضة السعودية اليوم تقف على أعتاب فرصة تاريخية.
ليس المطلوب فقط المزيد من البطولات، بل منظومة تحكم وتدير وتنظم هذا النمو، لتضمن استدامته واستثماره.
نظام SSSE ليس رفاهية تنظيمية، بل ضرورة استراتيجية لبناء صناعة رياضية متكاملة ومربحة ومصدر فخر وطني.
تجربة كتالونيا تثبت أن الاستثمار في التنظيم والتشريع والمؤسسات يسبق المكاسب المادية، بل ويُسرّعها. والسعودية لديها اليوم كل المقومات لتكون “كتالونيا الشرق الأوسط” في الرياضة — بل وإبعد من ذلك.
نظام SSSE السعوديقد يعجبك أيضاًNo stories found.