الإعلام الرياضي السعودي وخدمة الخصوم: جرس إنذار
تاريخ النشر: 3rd, July 2025 GMT
أحدثت رؤية السعودية 2030 تحولًا جذريًا تجاوز حدود التنمية المحلية، لتصل بصداها إلى العالم أجمع، حيث باتت الدول المتقدمة تراقب وتنبهر بثمارها المتحققة قبل حلول موعدها. وفي قلب هذا التحول، برزت الرياضة كأداة استراتيجية تعكس طموح المملكة، لا سيما بعد إعلان استضافتها المرتقبة لكأس العالم 2034. هذا التقدم اللافت لم يمر مرور الكرام، بل دفع بعض الخصوم لتكثيف حملاتهم ومحاولاتهم لتشويه الصورة، مما يُبرز الحاجة الملحة إلى إعلام رياضي متزن وواعٍ.
سواء رضينا بذلك أم لا، فقد أصبح الإعلام الرياضي اليوم سلاحًا ذا حدّين. من جهة، هو أداة قوية يمكنها توحيد الصف الوطني، ورفع الوعي الرياضي، ودعم الأندية والنجوم، والارتقاء بالحوار الرياضي نحو آفاق أوسع وأكثر نضجًا. ومن جهة أخرى، قد يتحول إلى منصة تهدم ما تبنيه المملكة من إنجازات رياضية وتنموية، حين يُستغل من قبل خصوم الوطن في بثّ التشويش والتشكيك. فالخطر الأكبر يكمن في أن أعداء السعودية باتوا يستشهدون بما يقوله بعض إعلامنا الرياضي، ويقدّمونه للعالم على أنه دليل داخلي ضد المشروع الرياضي الوطني، فيقولون: لسنا نحن من نشكك، بل هم من يفعلون ذلك. وهنا تحديدًا تكمن الخطورة.
أصبح من الواضح أن بعض الأصوات في الإعلام الرياضي السعودي لا تهدف لخدمة الرياضة أو الجمهور، بل تسعى وراء مكاسب ضيقة مثل زيادة المشاهدات، تصدر الترند، وتحقيق أرباح إعلانية، حتى لو كان الثمن إثارة الجدل والمشاكل المفتعلة. الأسوأ أن بعضهم أدمن هذا الأسلوب، وكأن النجاح لا يُصنع إلا وسط الصراعات والشتائم والسخرية. بل وتجاوز الأمر ذلك، فأنشأ البعض حسابات وهمية لتضخيم آرائهم، مدعومين بجماعة تروّج لهم وتساندهم في كل ما يثيرونه من فوضى. وهنا تصبح الحاجة ملحّة لتدخل الجهات المختصة، لإعادة توجيه بوصلة الإعلام الرياضي نحو مهنية مسؤولة ومنضبطة.
يقول بعضهم: “هذه الرياضة وهذه عمايلها”، وكأن كل فوضى مبررة، لكن بنظرة الخبير تدرك أن ما يحدث ليس مجرد فوضى مهنية، بل تهديد حقيقي. هذه الفوضى تتيح لخصوم مشروعنا الرياضي استغلال المحتوى داخليًا وخارجيًا، وبناء روايات تسيء لهذا المشروع. حقا، إن ما تحققه السعودية اليوم من نجاحات في استقطاب النجوم، وتحقيق البطولات سواء على مستوى الأندية والمنتخبات ليس إنجازًا عابرًا، بل مكسبًا استراتيجيًا يستحق الحماية لا الهدم، خصوصًا من الداخل من خلال بعض الأصوات التي تنتهج خطابا انفعاليت أو إعلام غير منضبط. ولذا، تبرز الحاجة إلى “ضبط” الإعلام الرياضي، ليس بمنع الرأي أو خنق الأصوات، بل بوضع معايير تميّز بين النقد الحقيقي وبين الاستعراض لأجل الترند. معايير تُبعد من يتاجرون بالصوت العالي، وتدعم من يقدّم المصلحة العامة على مكاسبه الشخصية. إعلامنا الرياضي يجب أن يكون جزءًا من المسيرة، داعمًا لا مثقلًا، شريكًا لا خصمًا.
أعلم أن هناك الكثير من البرامج تم إطلاقها لكنها تحتاج لمتابعة وتفعيلها للارتقاء بالمحتوى والمسؤولية. ومن ذلك إعادة النظر اعتماد الإعلاميين الرياضيين، وتنظيم برنامج تطوير المحللين والمقدّمين مع جهات عالمية، وتطوير عمل مراكز رصد المخالفات الإعلامية، وإطلاق منصة أخلاقيات الإعلام الرياضي بميثاق شرف ملزم. إنه من الضروري أيضًا دعم صناعة محتوى بديل ومهني يُركّز على التحليل والوعي، وإطلاق برنامج لتأهيل الشباب الجامعي للعمل الإعلامي باحتراف. وأخيرًا، تنظيم منتديات حوار دورية تجمع الإعلاميين بالمسؤولين لرسم مستقبل مشترك. هذه المبادرات لا تضبط الإعلام فقط، بل تمكّنه ليواكب تطلعات الرياضة السعودية ويعكس صورتها الطموحة بمهنية ومسؤولية عالية.
بقي القول، إن الإعلام الرياضي السعودي يقف اليوم أمام مسؤولية وطنية تتجاوز حدود الترفيه والتحليل الفني والمناكفات، ليصبح جزءًا من مشروع نهضة شاملة تقوده المملكة في مجالات عديدة. كما أن نجاح الأندية والبطولات والنجوم يجب أن يوازيه نضج في الطرح الإعلامي، وانضباط في الخطاب، وتحرر من منطق الإثارة لأجل الحضور. نحن بحاجة إلى إعلام يعزز الوحدة، ويرتقي بالذوق العام، ويعبّر عن وطن طموح يستثمر في الرياضة كقوة ناعمة. ولأكون أكثر وضوحا. فنحن نحتاج ضبط لهذا الإعلام وهذا لا يعني تكميمه، بل توجيهه نحو دوره الحقيقي في أن يكون صوتًا واعيًا، وواجهةً مشرّفة لمشروع بحجم رؤية السعودية ٢٠٣٠.
الإعلام الرياضي السعوديقد يعجبك أيضاًNo stories found.المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: الإعلام الرياضي السعودي الإعلام الریاضی
إقرأ أيضاً:
نظام SSSE السعودي.. كيف يمكن أن يُحوّل الرياضة إلى صناعة عالمية؟
في ظل استعدادات المملكة العربية السعودية لاستضافة أحداث رياضية عالمية ضخمة، مثل كأس آسيا 2027 وربما دورات أولمبية مستقبلية، تقف الرياضة السعودية أمام لحظة تحول مفصلية تتطلب أكثر من مجرد تنظيم بطولات أو بناء منشآت.
نحن بحاجة إلى رؤية مؤسسية متكاملة تنقل الرياضة من كونها نشاطًا مجتمعيًا إلى صناعة اقتصادية مستدامة.
وهنا، يبرز مفهوم “نظام بيئة قطاع الرياضة السعودي (SSSE – Saudi Sports Sector Ecosystem)” كإطار عمل استراتيجي يمكن أن يكون حجر الزاوية في بناء مستقبل رياضي عالمي للمملكة.الدرس الكتالوني: صناعة رياضية مدفوعة بالتكامل والتخطيط لناخذ مثالًا حيًا وناجحًا: إقليم كتالونيا في إسبانيا. هناك، تحوّلت الرياضة إلى محرك اقتصادي رئيسي بفضل دمجها الذكي مع قطاعات مثل السياحة والتعليم والابتكار.
أحدث الدراسات المتعلقة بكأس أمريكا للإبحار 2024 في برشلونة، وهي من أكبر الفعاليات الرياضية والسياحية في أوروبا، تشير إلى ما يلي:- الأثر الاقتصادي الإجمالي تجاوز 1.03 مليار يورو،- الحدث ساهم في خلق أكثر من 12,800 وظيفة جديدة،- القيمة الإعلامية العالمية بلغت حوالي 1.3 مليار يورو،- استقطب ما يقارب 1.8 مليون زائر، من بينهم أكثر من 460 ألف زائر متخصص في سياحة الأحداث.كل هذه النتائج لم تتحقق مصادفة، بل كانت ثمرة نموذج بيئي مؤسسي متكامل، يتضمن تشريعات واضحة مثل “قانون الرياضة الكتالوني” (3/2008)، وأدوات تنظيمية مثل مراقب الرياضة وسجل ROPEC المهني، بالإضافة إلى شراكات بين الجامعات والمراكز البحثية مثل INEFC وBarça Innovation Hub.
لقد تابعنا بإعجاب بالغ التقدم الملحوظ الذي تحقق في كتالونيا على صعيد الدمج بين الرياضة وسياحة الاجتماعات، ونرى أن النموذج الكتالوني، القائم على تكامل القطاعين العام والخاص في ترسيخ مكانة المنطقة عالميًا في استضافة الفعاليات الرياضية والسياحية، يُمثل رؤية ملهمة وقابلة للتطبيق في المملكة، لا سيما في مناطق مثل العلا، نيوم، أبها، والبحر الأحمر.الوضع في السعودية: فرص عظيمة تنتظر التنظيم رغم التطورات الكبيرة التي شهدتها الرياضة السعودية في السنوات الأخيرة، لا تزال هناك فجوات هيكلية تمنع تحقيق القفزة النوعية المطلوبة، مثل:
- غياب نموذج بيئي موثق يوضح العلاقة بين الجهات الحكومية، الأندية، الشركات، الأكاديميات، البلديات، واللجان الرياضية.
- عدم وجود سجل وظيفي رسمي للمهنيين الرياضيين أو نظام لتصنيف الكيانات حسب النشاط والمستوى.
- نقص في التشريعات الرياضية الحديثة، ما يؤثر على جذب الاستثمار والتعامل مع الشركات الدولية.
- غياب قواعد بيانات دقيقة عن حجم القطاع والعاملين فيه.- عدم وجود برامج دكتوراه أو مراكز بحث رياضي تخصصية.
ما الذي يمكن أن يقدمه SSSE؟ يأتي نظام SSSE ليعالج كل هذه التحديات في قالب واحد متكامل، فمن خلاله، يمكن:
- بناء قاعدة بيانات وطنية للكيانات والمهنيين الرياضيين.- تأسيس سجل رسمي ومهني للممارسين والكوادر.
- إنشاء إطار تشريعي متطور، يُبنى على نماذج دولية ناجحة مثل قانون كتالونيا.- إطلاق مراكز تدريب وبحث رياضي بالشراكة مع جهات دولية مرموقة.
- تصنيف الكيانات الرياضية بشكل علمي ومؤسسي لتحديد الاحتياج والتخصص.
الاستثمار: لماذا هو مُمكن الآن أكثر من أي وقت؟
تبني SSSE لا يعني فقط ترتيب البيت الداخلي، بل هو أيضًا مفتاح لجذب الاستثمار الرياضي الخاص والدولي.
فعندما يجد المستثمر بيئة منظمة وشفافة، يمكنه الدخول بمشاريع رياضية متنوعة: من شركات بيانات وتحليل أداء، إلى أكاديميات تدريب، ومراكز علاج وتأهيل رياضي، وتطبيقات رقمية، وبنية تحتية ذكية، وتسويق فعاليات.
مع تحول القطاع إلى بيئة قابلة للقياس، محمية قانونيًا، ومفتوحة للمنافسة، يمكن أن نرى قفزات في:
- مساهمة الرياضة في الناتج المحلي.- خلق وظائف مهنية مستقرة ومؤهلة.
- تصدير الكفاءات الرياضية السعودية عالميًا.
- تحوّل المملكة إلى مركز إقليمي لصناعة وتنظيم البطولات الدولية.الرياضة السعودية اليوم تقف على أعتاب فرصة تاريخية.
ليس المطلوب فقط المزيد من البطولات، بل منظومة تحكم وتدير وتنظم هذا النمو، لتضمن استدامته واستثماره.
نظام SSSE ليس رفاهية تنظيمية، بل ضرورة استراتيجية لبناء صناعة رياضية متكاملة ومربحة ومصدر فخر وطني.
تجربة كتالونيا تثبت أن الاستثمار في التنظيم والتشريع والمؤسسات يسبق المكاسب المادية، بل ويُسرّعها. والسعودية لديها اليوم كل المقومات لتكون “كتالونيا الشرق الأوسط” في الرياضة — بل وإبعد من ذلك.
نظام SSSE السعوديقد يعجبك أيضاًNo stories found.