درس التراويح بالجامع الأزهر: القرآن مأدبة الله.. من تمسك به عصمه
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
قال الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على أروقة الجامع الأزهر، إن المؤمن في شهر رمضان يزداد قربا من كتاب الله عز وجل، ففي كل يوم من أيامه يقرأ ويستمع ويستنشق عبير القرآن الكريم، موضحا أن القرآن، كما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه هو مأدبة الله إلى الخلق، وأنه على المسلم أن يتعلم منه ما استطاع ، قائلا" إن هذا القرآن هو النور المبين وهو الشفاء من كل داء، من تمسك به عصمه الله.
وأوضح الدكتور عبد المنعم، خلال درس التراويح بالجامع الأزهر اليوم،أن القرآن الكريم يضم قصصا وعجائب يجب ألا تمر علينا مرور الكرام، حيث أننا لو وقفنا على قصة واحدة سوف نستنشق عبيرها ونتأدب بآدابها، والتي منها قصص سيدنا موسى عليه السلام، والتي تعد من أكثر القصص التي وردت في القرآن الكريم، مسلطا الضوء على قصة سيدنا موسى مع الخضر عليهما السلام، حيث جاء فيها الكثير من العبر والآداب، ومنها الآداب التي تتعلق بطلب العلم، للطالب وللمعلم.
وبيّن المشرف العام على أروقة الجامع الأزهر، أن سيدنا موسى عليه السلام سافر سفرا طويلا لكي يتعلم من سيدنا الخضر عليه السلام، حيث وجهه ربنا عز وجل حتى يذهب إلى مجمع البحرين، لدرجة أنه قال " لن أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو امضي حقبا" أي دهرا طويلا، حتى التقى بالخضر عليه السلام، والذي آته الله علما أكثر من علم موسى عليه السلام، مع أن موسي رسول ونبي وكليم، إلأ أن الخضر كان أعلم منه، فقال "هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا"، فهذا سؤال طيب، فيه طلب ورجاء من نبي لأستاذ له أعلم منه، حيث أن موسى ترك إرادته وعزيمته ولم يقل "أريد أن أتبعك"، بما يوضح أنه يعلم مكانة الأستاذ، الذي قال له " إنك لن تستطيع معي صبرا" وهذا يعني أن طلب العلم يحتاج إلى صبر وسفر ومشقة وإقامة، مؤكدا أن هذا التعب وتلك المشقة تزيد طالب العلم رفعة وكرامة، بينها قوله تعالى "يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجامع الأزهر الأزهر أروقة الجامع الأزهر شهر رمضان القرآن درس التراويح علیه السلام
إقرأ أيضاً:
الابتلاء سنة الأنبياء.. والتمكين وعد الله لا يخلفه
لم تكن أصنام "اللات" و"العزى" سوى حجارة صامتة، تجسّد جهالة مرحلة ما قبل النور، لكنّ التاريخ يعيد دورته بوجه آخر. فالعرب الذين حطّم الإسلام قيود عبوديتهم الأولى، يعودون اليوم إلى طقوس خضوع مختلفة، أكثر حداثة في الشكل، وأشد امتهانا في الجوهر. إنهم يسجدون لواشنطن، ويُقبّلون يد تل أبيب، ويقيمون ولاءهم السياسي على عتبات العواصم الغربية.
لقد استبدل كثير من الحكام الدين بالدولار، والكرامة بتحالفات مشروطة، والقرآن بنشرات الأخبار. قُوّضت الأصنام، نعم، لكن تم تشييد أخرى: عملاقة، إسمنتية، لا تُعبد علنا، بل تُهاب وتُطاع باسم "المصالح العليا".
الهيمنة تصوغ العبيد بثوب السيادة
منذ اكتشاف النفط، ساد وهمٌ بأن الثروة تعني السيادة، وأن القصور تصنع الهيبة. لكن هذه الفرضية سرعان ما انهارت أمام اختبارات التاريخ. القرآن الكريم نفسه نَبَّه إلى هذا حين قال: "مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعا" (فاطر: 10). فالعزة لا تُشترى، بل تُكتسب بالإيمان والعدل والموقف، غير أن كثيرا من الأنظمة صدّقت أن الثراء يكفي لصناعة القوة، فاستبدلت العزة بالرياء، وتحولت النعمة إلى نقمة حين اقترنت بالخضوع.
ورثة فرعون
ما قاله فرعون قديما: "أنا ربكم الأعلى" (النازعات: 24)، يُقال اليوم بصيغ دبلوماسية ناعمة؛ حكّام يبررون استبدادهم بذريعة "الاستقرار"، ويتكئون على تحالفات مع قوى الهيمنة كأنها قدر لا يُرد. لكنّ القرآن يُذَكّر بأن فرعون لم يسقط بثورة جياع، بل بضعف مظلومين آمنوا بوعد الله: "فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ.." (الشعراء: 60-61). فالمعادلات المادية ليست وحدها موازين النصر، وهذا ما تجاهله أولئك الذين ربطوا مصيرهم بالغرب بدلا من شعوبهم.
قارون في ثوب معاصر
قارون، الذي فُتن بثروته فخسف الله به وبداره الأرض، لم يكن حكاية رمزية فحسب، بل نموذجا متكررا في السياق العربي الحديث. نرى اليوم حكّاما يتفاخرون بالأبراج والأرقام والأرصدة، وكأن المال يمنحهم الشرعية ويمنع عنهم عاقبة الحساب، "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ" (القصص: 81). لكن لا القصور تحمي من الزلازل، ولا المليارات تؤخّر لحظة السقوط.
الدرس المنسي من سبأ
في قصة سبأ، اجتمعت الخيرات والسلطة، لكن البركة تلاشت حين أعرض القوم عن شكر النعمة. جاءهم سيل العرم، فمحا كل ما ظنوه دائما، "فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ" "سبأ: 16". فهل نحتاج إلى عاصفة جديدة لنتعلّم الدرس ذاته؟ الثروات لا تصنع حضارة إذا غاب عنها البصيرة، وانفصلت عن عدالة السياسة ونقاء الروح. المفكر الجزائري مالك بن نبي أشار بدقة إلى هذه الإشكالية حين قال: "الثروة التي لا تصنع الوعي، تصنع التبعية".
مصر وذاكرة الفرعون
من أرض الكنانة بدأ الخلاص، حين واجه موسى طغيان فرعون، لكن المفارقة أن مصر اليوم تمضي نحو استنساخ النموذج ذاته؛ مدن ذكية تُبنى على خرائط الفقر، ومشاريع عملاقة تُلمّع واجهات متصدعة اجتماعيا. والغائب الأكبر هو النداء الإلهي الذي قال: "وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ" (الأعراف: 137). لم تعد المسألة تنموية بقدر ما هي بنيوية، ترتبط بإرادة سياسية مغيبة عن أولويات الأمة.
من يقرأ القرآن لا تفوته حقيقة أن مصائر الطغاة ليست مجرد قصص وعظية، بل هي سننٌ ربانية تمهل ولا تهمل. القصور مهما علت، يطويها التراب، وكل استعلاء لا يستند إلى الحق، هو هبوط مؤجل. وما نشهده اليوم لا يمكن وصفه بالانحدار السياسي فحسب، بل هو ارتداد عن لحظة التنوير التي فجّرها الوحي يوم نزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.
الرسول ومعاناة الطغيان: العزة تبدأ من اليقين
لم تكن العزة شعارا مرفوعا في صدر الإسلام، بل كانت طريقا محفوفا بالألم، محفورا بالدموع والجراح. لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنوف الأذى ما لم يتحمله بشر، لا لذنب جناه، بل لأنه قال: ربّي الله. شُجّ وجهه في أُحد، أوذي في الطائف، حُوصِر في الشِّعب ثلاث سنين، مات عمه وزوجه في عام واحد، لكنه ثبت. لم تهتزّ في قلبه ذرة يقين، لأنه يعلم أن الله لا يُخلف وعده.
قال الصحابي خباب بن الأرتّ: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: لقد كان مَن قبلكم يُؤتى بأمشاط الحديد، ما يصرفه ذلك عن دينه.. ولكنكم تستعجلون" (رواه البخاري). هكذا كانت التربية النبوية: الصبر مع وضوح البوصلة.
إن حكمة الله في الابتلاء ليست تعذيبا، بل تمييزا. لا يولد النصر من رحم الوفرة، بل من عمق المحنة، وإن الأمة التي تستبدل هذا اليقين بالارتهان للخارج، لن تحصد إلا الخيبة. العزة لا تُستورد، ولا تُنتزع من بين ركام التحالفات، بل تُولد من قلب مؤمن بأن الكرامة لا تُشترى، وأن القرآن ليس وثيقة تراث، بل دستور نجاة.