الأردن يسعى لاحتواء الاضطرابات مع تزايد المظاهرات الداعمة لغزة
تاريخ النشر: 29th, March 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، للصحفية، سارة دعدوش، قالت فيه إن "مئات المتظاهرين تجمعوا في العاصمة الأردنية، الثلاثاء، لليلة الثالثة على التوالي، للمطالبة بإنهاء الحرب الإسرائيلية في غزة، واشتبكوا مع شرطة مكافحة الشغب التي تحمل الهراوات قبل أن ينهمر الغاز المسيل للدموع عليهم".
وعاد المتظاهرون إلى الشوارع، مساء الأربعاء، حيث هتفوا "افتحوا الحدود".
لكن المشاهد هذا الأسبوع بدت أكثر عفوية، والحشود أكبر، والغضب أكثر حدة، مما أرسل موجات من الصدمة عبر المؤسسة الأمنية القوية في البلاد.
وقال العميد السابق في مديرية المخابرات العامة الأردنية ومؤسس مركز شرفات لدراسة العولمة والإرهاب، سعود الشرفات، إن "الأردن في وضع لا يحسد عليه". فالصراع الطاحن في غزة، وارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين، يختبران "قدرة الدولة على الحفاظ على الإيقاع السائد الآن، حتى لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة".
إلى ذلك، تحتل المملكة الأردنية موقعا فريدا في منطقة الشرق الأوسط. وهي حليف وثيق وطويل الأمد للولايات المتحدة، وتتلقى أكثر من مليار دولار سنويا في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية.
وفي عام 1994، وقّع الأردن معاهدة سلام مع جارته دولة الاحتلال الإسرائيلي. لكن التهجير الجماعي للفلسطينيين خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، المعروفة باسم "النكبة"، أدّى إلى تغيير التركيبة السكانية للبلاد إلى الأبد.
ويستضيف الأردن أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني، مُعظمهم يحملون الجنسية الأردنية. فيما يقدّر المحللون أن نصف السكان من أصل فلسطيني. بالنسبة للكثيرين في البلاد، جغرافيا وعاطفيا، تبدو الحرب في غزة قريبة جدا.
وقد سمحت السلطات الأردنية، التي لا تظهر عادة سوى القليل من التسامح مع المظاهرات العامة، بالاحتجاجات الأسبوعية، بعد صلاة الجمعة.
وقال شرفات: "يبدو أنه مع مرور الوقت تعلمت المؤسسات الحكومية الدروس وبدأت بإعطاء مساحة للناس، لتخفيف التوتر".
ومع ذلك، حاولت الحكومة أيضا احتواء الاضطرابات، ومنعت أي ازدحام بالقرب من المنطقة الحدودية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي أو اقتحامها. وأحبطت شرطة مكافحة الشغب عدة محاولات قام بها متظاهرون في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر للوصول إلى حدود البلاد مع الضفة الغربية.
وفي الشهر نفسه، قالت مديرية الأمن العام الأردنية إن "المتظاهرين اعتدوا على أفراد الأمن العام وأصابوهم، وألقوا زجاجات مولوتوف وألحقوا أضرارا بالممتلكات العامة والخاصة".
وقال محامون أردنيون، يمثلون المحتجزين لـ"هيومن رايتس ووتش"، هذا الشهر إنه "من المحتمل أن يكون مئات الأشخاص قد اعتقلوا بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات أو مناصرة الفلسطينيين عبر الإنترنت".
وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة: "تدوس السلطات الأردنية الحق في حرية التعبير والتجمع في محاولة لإخماد النشاط المتعلق بغزة". كما ساعدت مناصرة الحكومة العلنية لغزة التي مزقتها الحرب في السيطرة على الغضب الشعبي.
وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، من أوائل المسؤولين العرب الذين قالوا إن "حرب إسرائيل في غزة تستوفي التعريف القانوني للإبادة الجماعية"، وهو اتهام وصفته إسرائيل بأنه "شائن". وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن إلغاء الاتفاق الاقتصادي المثير للجدل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي بموجبه كان الأردن سيوفر الطاقة لجارته مقابل المياه.
وقال لقناة "الجزيرة": "في ذلك الوقت إن مثل هذه المشاريع الإقليمية، لن تستمر، بينما تستمر الحرب"، مضيفا أن "الأردن يركز بالكامل على إنهاء البربرية الانتقامية الإسرائيلية في غزة".
لكن جيليان شويدلر، وهي الأستاذة في كلية هانتر ومؤلفة كتاب عن الاحتجاجات في الأردن، قالت إن "هناك حدودا للمدى الذي ترغب الحكومة في الذهاب إليه، بعد أن ربطت رؤيتها السياسية والاقتصادية بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل". مضيفة أن "هذه العلاقات ليست سهلة الفك".
وبعد اجتماع في البيت الأبيض، الشهر الماضي، كان العاهل الأردني، الملك عبد الله صريحا والرئيس بايدن يقف إلى جانبه: "لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي ونترك هذا الأمر يستمر، نحن بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار الآن، هذه الحرب يجب أن تنتهي".
وفي الأسابيع الستة التي تلت ذلك، فشلت جولات متعددة من الدبلوماسية المكّوكية التي قام بها المسؤولون الأميركيون والعرب والإسرائيليون في التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار.
ومع تزايد السخط العام، أصبحت المؤسسة الأمنية في الأردن متوترة. وبلغ معدل البطالة أكثر من 22 في المئة العام الماضي. العديد من الشباب عاطلون عن العمل. وهناك مخاوف من أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة معارضة قمعت منذ فترة طويلة وحليفة لحماس، تلعب دورا في الاحتجاجات، على أمل حشد الدعم قبل الانتخابات العامة في آب/ أغسطس.
وهتف بعض المتظاهرين ليلة الثلاثاء، "نحن رجالك يا سنوار"، في إشارة إلى يحيى السنوار، وهو زعيم حماس الذي خطط لعملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وما زال طليقا في غزة.
وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية، السبت، أن سفارتها في دولة الاحتلال الإسرائيلي تتابع تقارير في وسائل إعلام عبرية تفيد باعتقال مسلحين بالقرب من قرية الفصايل بالضفة الغربية، بزعم عبورهما الحدود الأردنية.
وقال شرفات إن "القلق واضح بين صناع القرار في الحكومة". مضيفا أن "إرسال شرطة مكافحة الشغب بانتظام يشكل استنزافا ماليا للاقتصاد الأردني الصغير والمتعثر".
وتابع بأن "هناك العبء العاطفي على عاتق الشرطة نفسها، والعديد منهم فلسطينيون أيضا". وبعد الصيام من شروق الشمس حتى غروبها في شهر رمضان المبارك، يقضي هؤلاء لياليهم الآن في الاشتباك مع المتظاهرين.
ومع استمرار الحرب، أصبح المتظاهرون أكثر جرأة: فقد أعقب إلغاء صفقة المياه مقابل الطاقة مطالب عامة متزايدة بإلغاء معاهدة السلام الأردنية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع تهديد جيش الاحتلال الآن بغزو رفح، التي يسكنها حوالي 1.4 مليون فلسطيني نازح، قال شرفات إن "الضغط الشعبي سيزداد".
وقال: "الموقف الأردني حاليا في أزمة، في معرفة كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة، وكيفية التعامل مع الاحتجاجات. المجال الذي يتعين على الحكومة المناورة فيه ضيق للغاية.".
وقالت شويدلر إنها "تتوقّع المزيد من الشيء نفسه، إدانة حادة لإسرائيل، وتوتّر العلاقات الدبلوماسية الرسمية لفترة من الوقت، ولكن تغيير طفيف في السياسة أو العلاقات مع إسرائيل".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة عم ان الاردن غزة عم ان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال الإسرائیلی فی غزة
إقرأ أيضاً:
مستشار نتنياهو يكشف ملامح رؤيته في غزة: لا دولة فلسطينية أو إعمار دون نزع السلاح
كشف رون دريمر، وزير الشؤون الاستراتيجية وأحد أبرز مهندسي السياسة الإسرائيلية في مكتب نتنياهو، عن خطوط عريضة لرؤية الاحتلال الإسرائيلي لما بعد الحرب في غزة، متحدثا بوضوح عن رفض إقامة دولة فلسطينية، واشتراط نزع سلاح المقاومة، كشرط لأي إعمار أو ترتيبات إدارية في القطاع.
وفي إحدى الحلقات الحوارية عبر بودكاست نُشر مؤخرًا، قال دريمر إن السعودية لن توافق على تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي ما لم تكن غزة قد وُضعت على طريق "تسوية ما"، لكنه استدرك قائلاً إن "القتال العنيف في غزة بات من الماضي"، في إشارة إلى دخول المرحلة السياسية من المعركة، رغم تعثّر محادثات الهدنة.
ملامح "الحد الأدنى" من الأهداف
تحدث دريمر بـ"إيجابية" عن الصفقة التي كانت مطروحة قبل أيام، والتي كان من المفترض أن تؤدي إلى استعادة نصف الأسرى (أحياء وجثامين) مقابل هدنة مدتها 60 يومًا، تُستأنف خلالها مباحثات لإنهاء الحرب إذا توفرت ظروف تحقيق "الحد الأدنى من الأهداف".
وحدد دريمر هذه الأهداف بـ: ( تفكيك البنية العسكرية لحماس - إقصاء الحركة عن الحكم في غزة - ضمان ألا يشكل القطاع تهديدًا أمنيًا للاحتلال الإسرائيلي).
كما رفض فكرة تكرار "نموذج حزب الله في لبنان" داخل غزة، معتبرًا أن مجرد بقاء حماس كسلطة أمر غير مقبول.
وفي رد على تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن، الذي قال إن "حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها"، شبّه دريمر حماس بـ"النازيين"، موضحا أن القضاء على الحركة لا يعني محوها فكريا، بل نزع سلطتها وقدرتها العسكرية، كما جرى في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أن حماس موجودة في الضفة الغربية وتركيا وقطر، لكنها لم تنفذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر إلا من غزة، لأنها كانت تملك السلطة والقدرة هناك.
لا احتلال.. ولا إعمار مع السلاح
نفى دريمر نية الاحتلال الإسرائيلي احتلال غزة أو البقاء فيها عسكريًا، لكنه شدد على أن أي جهة ستتولى إدارة القطاع يجب أن تتولى أولًا تجريده من السلاح، ثم الانخراط في عملية "نزع التطرف"، بحسب تعبيره، من خلال تغيير المناهج التعليمية، بالتعاون مع شركاء عرب مثل الإمارات، وأثنى على "الإصلاحات" السعودية في هذا السياق.
وأكد أن "من نفذ هجوم السابع من أكتوبر لن يكون له مكان في غزة"، تمامًا كما لم يبقَ للنازيين أي وجود في ألمانيا، على حد قوله.
قال دريمر صراحة إن إقامة دولة فلسطينية "غير مطروحة على الإطلاق" في المدى المنظور، مضيفًا أن "نسبة تأييد الجمهور الإسرائيلي لذلك أقل من صفر".
وأضاف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يمنح الفلسطينيين "فيتو" على اتفاقات التطبيع الجارية مع دول عربية، في إشارة إلى تقاطع المواقف بين الاحتلال الإسرائيلي وإدارة ترامب.
وأشار إلى أن تقليص قدرات حماس سيُسهّل على أي جهة "محلية أو إقليمية" إدارة غزة لاحقًا، دون الحاجة إلى تدخلات عسكرية إسرائيلية متكررة، قد تُقوّض أي سلطة مستقبلية.
الغزيون "كان يجب تهجيرهم"
عبّر دريمر عن رفض الاحتلال الإسرائيلي لإعمار غزة في ظل وجود أكثر من 20 ألف مسلح، وقال إنه "لا أحد سيموّل إعمار القطاع إذا كانت الحرب ستعود بعد عشر سنوات".
واعتبر أن "حرب الجبهات السبع" شارفت على نهايتها، وأن الحرب في غزة هي الأخيرة لعقود، رغم تراجعه لاحقًا بالتعبير عن احتمال وقوع حروب لاحقة.
وانتقد دريمر مصر لإغلاقها معبر رفح أمام المدنيين خلال الحرب، قائلًا إن "استقبال المدنيين مؤقتًا في سيناء كان سيساهم في تقليل الخسائر البشرية، وتسريع إنهاء الحرب"، معتبرًا أن الغزيين كانوا سيعودون لاحقًا، وكان يمكن تجنيبهم ويلات الحرب.
اغتيالات بـ"ميزان خسائر".. وتجويع محسوب
كشف دريمر أن الاغتيالات الإسرائيلية تُدار بمنطق "حجم الهدف"، ما يبرر برأيه مقتل عشرات المدنيين عند استهداف قائد ميداني كبير، تحت مظلة "الحرب على الإرهاب".
وفي واحدة من أكثر التصريحات إثارة للجدل، اعترف بأن الاحتلال الإسرائيلي يراقب مستوى الغذاء في غزة ويسمح بإدخال كميات محدودة عندما تسوء الأوضاع بشكل قد يستفز الرأي العام العالمي، قائلاً: "نخنق الناس دون أن نتركهم يموتون، حتى نتفادى الضغوط الدولية".
يشير مراقبون إلى أن أهمية تصريحات دريمر لا تنبع فقط من محتواها، بل من كونه مهندس السياسة الإسرائيلية في الكواليس، والمبعوث الدائم لتنسيق المواقف مع واشنطن، مما يجعل رؤيته مؤشّرًا دقيقًا على الاتجاهات الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية، في وقت يتركّز فيه اهتمام الإعلام على شخصيات هامشية مثل بن غفير أو ليبرمان.
وبينما تتعثر مفاوضات الهدنة، ويضاعف الاحتلال الإسرائيلي ضغطه العسكري والسياسي على غزة، تكشف تصريحات دريمر عن طبيعة المعادلات القاسية التي ترسمها تل أبيب لما بعد الحرب، في ظل تجاهل دولي متواصل للجرائم والانتهاكات، وتواطؤ معلن أو صامت من حلفاء إسرائيل في الغرب.