حين تتحول المناسبات إلى مصانع للأفكار والإبداع
تاريخ النشر: 13th, October 2025 GMT
في زمن تتسارع فيه وتيرة التطور، وتتنافس فيه الدول على الابتكار والمعرفة، حان الوقت لأن نعيد النظر في الطريقة التي نقيم بها مناسباتنا ودعواتنا الخاصة. لقد آن الأوان أن تتحول اللقاءات الاجتماعية والفعاليات من مجرد مناسبات للتعارف والمجاملات إلى منصات لإظهار الابتكارات، وتشجيع المبدعين ودعم أصحاب الأفكار الخلاقة.
كم من مناسبة تُصرف فيها الأموال على مظاهر الزينة والطعام والضيافة، وتنتهي دون أن تترك أثرًا فكريًا أو قيمة معرفية! بينما لو خُصص جزء يسير من تلك الجهود لتقديم فقرة عن ابتكار جديد، أو عرض مشروع شبابي، أو تكريم طالب موهوب، لأصبح لكل لقاء معنى أعمق وأثر أبقى.
وكل مناسبة عائلية، وكل تجمع مجتمعي وفعالية أن يحمل بصمته في دعم الإبداع. فبدل أن يكون الحديث عن المأكولات أو المظاهر، يكون عن فكرة ناجحة، أو تجربة تطويرية، أو منتج محلي جدير بالفخر. بل يمكن تحويل الدعوات إلى منابر للابتكار عبر تخصيص ركن للمواهب، أو فقرة قصيرة بعنوان “ابتكار الشهر”، أو حتى مبادرة صغيرة لدعم مشروع مبدع من بين الحضور.
الإبداع لا يولد من المؤسسات الكبرى وحدها، بل من البيوت والمجالس التي تُقدّر الفكر وتحتفي بالعقول. والمجتمع الذي يجعل من مناسباته منابر للأفكار، هو المجتمع الذي يصنع مستقبله بنفسه، ويزرع في أبنائه قيمة العمل والعلم لا المظاهر.
إن تحويل المناسبات إلى مصانع للأفكار لا يحتاج إلا إلى نية صادقة وفكر واعٍ يدرك أن الكلمة قد تبني مشروعًا، وأن تشجيع شاب مبتكر قد يصنع إنجاز وطن. ومن هنا يأتي دور الرواد وأصحاب الفكر في المجتمع – أمثال أصحاب الديوانيات الاقتصادية والثقافية – في أن يقودوا هذا التحول، ويجعلوا من لقاءاتهم مصدر إلهام حقيقيًا.
فلتكن مناسباتنا من الآن ليست فقط مجالس ضيافة، بل مجالس نهضة، يخرج منها فكر، وتُزرع فيها بذرة ابتكار، وتُكرَّم فيها العقول قبل الأسماء.
فبهذا وحده نصنع الفرق، ونرتقي بوطننا إلى مصاف الأمم المبدعة
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
حين تتحول المشاعر المقدسة إلى أداة للتجنيد لاختراق ساحة التأثير اليمني
في مشهد يتداخل فيه الاستغلال الديني مع دهاء المخابرات، خرجت إلى العلن معلومات خطيرة تفيد بقيام المخابرات السعودية والاماراتية، بتنسيق من عناصر مدفوعة باستقطاب مجموعة من مؤثري التواصل الاجتماعي في اليمن، إلى السعودية، والسفر إلى دول مثل مصر وغيرها، ولكن خلف ستار الدين، كان السيناريو مختلفاً تماماً.
يمانيون / خاص
ففي كواليس هذه الرحلة، التي كان يُفترض بها أن تكون دينية وإنسانية، جلس المؤثرون مع عناصر تابعة للاستخبارات السعودية والإماراتية، وهناك، لم يُطلب منهم شيئًا يتعلق بالإيمان أو الإنسانية، بل كانت الأوامر واضحة، عودوا إلى صنعاء، وابدأوا التحريض على الوضع المعيشي في مناطقكم بطريقة تُلهب الشارع، لكن دون أن تذكروا من حاصر ومن نهب ومن دمّر.
الخطورة لا تكمن فقط في محاولة توظيف المؤثرين لخلق خطاب سخط اصطناعي ضد حكومة صنعاء، بل في الطريقة الملتوية التي تم بها ذلك، تحويل شعيرة دينية إلى بوابة تجنيد واختراق ناعم، يُظهر كيف لم تعد أدوات الحرب التي يستخدمها العدو محصورة في الطائرات والصواريخ، بل أصبحت الآن تمر عبر هواتف الآيفون والسامسونج وعدسات السناب شات والتيك توك ومنصات الإكس والفيس.
في عرف الحروب النفسية الحديثة، ما حدث يُعد تصعيداً نوعياً وخطيراً، إذ لم تكتفِ السعودية والامارات، بحصار اليمن وتجويعه وتدمير بنيته التحتية، بل تسعى اليوم لاختراق وجدانه، وتفكيك وعيه الجمعي من الداخل، عبر أدوات ناعمة وبعض المؤثرين الذين أصبحوا دون وعي البعض، سلاحًا في يد العدو.
المفارقة القاتلة أن المطلوب من هؤلاء المؤثرين أن يتحولوا إلى أبواق لإثارة السخط ، من بوابة المعاناة متناسين من هو أصل هذه الأزمة ومن فرض الحصار على بلادهم ، ومن يسيطر على موانئهم ، وينهب الثروات، ومنع الرواتب، ودمر الاقتصاد.
السخط هنا ليس عفوياً، بل منتجٌ إعلامي خطير أُريد له أن يبدو محلياً وبريئاً، لكنه يحمل بصمات من يديرون العدوان والحصار خلف الستار.
بعض المؤثرين، تنومسوا على أنفسهم، أي أن ضمائرهم رفضت التجاوب مع هذا النوع من الاستخدام القذر، رفضوا أن يكونوا أبواقاً للعدو، وفضلوا الصمت والانسحاب، بكرامة.
لكن ويا للأسف أن البعض الآخر، باع ضميره ووطنه بثمن بخس، ارتضى أن يكون جسراً يُمرّر عليه خطاب الفتنة والتشويه والتضليل، مقابل مزايا وقتية أو وعود براقة، وهو ما يفتح الباب لنقاش واسع، من يحاسب هؤلاء؟ وهل هناك وعي جمعي كافٍ لتمييز المؤثر الحقيقي من المؤثر المأجور؟
ما حدث ليس مجرد واقعة عابرة، إنه كشف لنوع جديد من أساليب الحرب القذرة التي يديرها العدوان ومرتزقته على بلدنا، حرب على الوعي والهوية والذاكرة الجمعية لليمنيين، حرب تستهدف زراعة الشك في الثوابت، وخلق رأي عام يُدين نفسه وينسى من يقتله يوميًا.
وإذا ما تمادت هذه الأدوات دون ردع، فإن الجبهة الداخلية التي هي عماد الصمود في وجه العدوان، ستُصبح عرضة للتآكل، ليس بالرصاص، بل بالكلمة الملفّقة، والمقطع المنتقى، والتغريدة التي تُدار من غرف سوداء.
نحن اليوم أمام واقع جديد، تزداد فيه أهمية الإعلام الرقمي، لكنه في الوقت نفسه بات أكثر عرضة للاختراق والتوظيف من قبل العدو، ويجب أن يكون لدى المجتمع وعي نقدي، وسلطة أخلاقية جماعية تردع من يبيع صوته وصورته ضد بلده.
إن مواجهة مثل هذه المخططات لا يكون فقط بتكذيب الخبر أو إنكار الواقعة، بل بخلق بيئة ترفض التطبيع مع المحتوى المدفوع والمُسخّر لتدمير الذات، وتدعو المؤثرين إلى الترفع عن لعب دور في مسرح خُطط له في الخارج.