جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-04@23:52:06 GMT

رسالة

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

رسالة

 

د. صالح الفهدي

توقَّفتُ عند رسالة صادرة من مكتبِ أحد الولاةِ أَبانَ فيها كثرة الشكاوي التي تصلُ بلدية الولاية فيما يشكِّلُ "ظاهرةً" حسبَ وصفه، موصيًا المشايخ والرُّشداء في الولاية بحل الإشكاليات الناجمة بين النَّاس دون الحاجة إلى رفع الشكوى إلى البلدية التي تشغلها مثل هذه الشَّكاوى التافهة؛ بل والكيدية في بعضها، وقد استوقفتُ عند الرسالةِ لأقول فيها مقالةً ترومُ تفنيدِ أسبابِ تلك "الظاهرة" التي تؤثِّرُ  كما جاءَ في الرسالة سلبًا على تلاحم أبناء المجتمع.

نذكرُ أولًا الدور الرائد الذي كانت تقومُ به "السَّبلة العُمانية" وهي أحد أهم مرتكزات الثقافة العمانية، وواحدة من أهم روافد التربية الاجتماعية. في هذه السبلة التي تعتبر مجلسًا محليًّا تُطرحُ جميع القضايا والإشكاليات، أكان ذلك فيما يتعلَّقُ بالبلدةِ أم الأفراد فيتمُّ حلَّها من قبل الرُّشداءِ في تلك البلدة، وقد شهدنا في صِغرنا هذه التجربة التي ترسَّخت بقيمها في وجداننا؛ بل إن السبلة قد تجاوزت نطاق ما يدورُ في البلدةِ من قضايا؛ حيث استدعى أهل بلدةٍ ذات مرة مدير إحدى المدارس ليناقشوا معه خلافًا مع بعض أبناءِ البلدة في المدرسة وليحلُّوا ذلك الخلاف بعد أن فهموا أساسه من المديرِ ومن أبنائهم.

ثم ظهرت أنظمةٌ مؤسسيةٌ تتعلَّق بالدولة العصرية، فلم يعد للسَّبلةِ ذلك الدور الرائد والنافذ الذي كانت تقوم به في المجتمع، في مقابل ظهور المؤسسات الأُخرى كالادعاء العام، ومراكز الشرطة، والبلدية وغيرها، وهنا غابَ الأفرادُ المؤثِّرون (الشيخ والرشيد وأهل الرأي) من المشهد الاجتماعي، وتلك طبيعة دولة المؤسسات، وسيرورة الحياة.

الأمر الآخر لم يكن من السَّهلِ سابقًا للفرد أن يدَّعي أمرًا قد يكون كيديًا أو تافهًا في حضرةِ أهل بلدتهِ ضدَّ قريبٍ له؛ سواءً في الرَّحم أو الجوار لأنه يعلمُ أثرُ الموقف الاجتماعي الذي سيتَّخذُ ضدَّهُ من أهل بلدتهِ في حالِ ادعائه الزائف، وحجَّتهِ الباطلة المكشوفة. أما اليوم فلم يعد يواجهُ ذلك المشهد الاجتماعي المُحرج، ولا يرى تلك الوجوه التي قد يشعر نحوها بالخزي والخجل، وإنما يجدُ وحدةً حكوميةً لا يشعرُ فيها بالحرج من تقديمِ شكوى ضدَّ أخيهِ، أو قريبهِ، أو جارهِ، وقد أتاحت بعض الجهات السبيل واسعًا لكلِّ من جاءها يشتكي؛ وهذا ما شجَّعَ كل صاحبِ ادَّعاءٍ تافهٍ أن يضيِّعَ أوقاتَ موظِّفيها!

الأمر الثالث أنَّ تلك "الظاهرة" إنَّما تعبِّرُ عن هشاشة القيم الاجتماعية وما يعتري المجتمع من ضعف قيمي، وهذا مردَّهُ إلى سطحيَّة فهم الدين الذي يحسبه البعض عباداتٍ مجرَّدةٍ، فينتهي من صلاتهِ ويستقلُّ سيارته ليشتكي من أخيه، أو جاره، دون أن يرفَّ له جفنٌ، أو يشعر ضميره بالاستحياء، أو يبينَ على وجهه الحرج!

وعلاجُ ذلك في وجهة نظري يجب أن يكون عبرَ ثلاثة مسارات:

أولًا: النصحُ من قِبَلِ أهل الرُّشدِ والرأي وهذا يستدعي وجود ما يشبه لجان التوفيق والمصالحة تُنشئها كلَّ بلدةٍ ومنطقة وتُمنح صلاحيات أشبه بتلك الممنوحة لهذه اللِّجان من قِبل المحاكم، لتعالج القضايا المحلية الناشئة بين أفراد مجتمع القرية، ويتم انتقاؤهم بالترشيح. فإذا كانت هناك إشادة بما تقوم به لجان التوفيق والمصالحة، فهذا يدلُّ على قيمة ما يُمكن أن تفعله اللجان المحليَّة لحلِّ القضايا الناشئة.

ثانيًا: تعزيز القيم الاجتماعية؛ فالمُجتمع العُماني مجتمعٌ مُحافظٌ متديِّن، على أنَّ البعضَ لا يفهم من الدين إلا القشور، أو يقتصرُ على العبادات في حين أنَّ "الدين المُعاملة"، وأن العبادات مقصدها استقامة العلاقات السوية بين أفراد المجتمع الواحد الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم كـ"الجسد الواحد"، والقيم التي أبانها الدين الحنيف لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع كثيرة لا تعد على سبيل المثال ما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَا هُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ". (رواه مسلم). ولتفعيل هذا المسار يجب أن يمكَّن الوعَّاظ والخطباء من التركيز على تدعيم القيم الاجتماعية المؤيَّدةِ بالنصِّ والسنة المباركة.

ثالثًا: المسار الإجرائي لأيَّة قضية شكوى؛ حيث لا يجب التجاوب مع أيَّة قضيَّة تافهة تُرفع، ولا يجب إيلاء الاهتمام بأيَّة قضية كيدية تصل الجهات المعنية، فبعض الأفراد قد استسهلوا الأمر فأصبحوا رسلُ فتنةٍ وباطل لا يعنيهم جارٌ ولا قريب، وهؤلاءِ يُفترض أن يردعوا بقوةِ القانون إن هم استمرأوا الادعاء الزائف، والشكاوي الكيدية.

إنَّ كلَّ "ظاهرةٍ" يجب أن تعالج جذريًا في المجتمع حتى لا تتشعب في المجتمع فيكون علاجها بعد استفحالها وعمقها مستحيلًا لأنها تنكثُ النسيج الاجتماعي الذي يصعبُ إعادتهُ إلى الحالة المترابطة التي كانَ عليها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«الاتصال الحكومي 2025» تعزز المسؤولية الاجتماعية والتضامن الإنساني

الشارقة (الاتحاد)

أخبار ذات صلة انطلاق مخيّم مستكشف الفضاء الصيفي في دبي سفارة رواندا لدى الدولة تحتفل بيومها الوطني

تسلط جائزة الشارقة للاتصال الحكومي لعام 2025، الضوء على التميّز في المبادرات الاتصالية على مستوى العالم، حيث تركز في هذه الدورة على الحملات التي تعزّز القيم المجتمعية، والتضامن الإنساني، والهوية الثقافية، وتخصص من بين فئاتها الـ23، فئتين مؤثرتين هما: «فئة أفضل ممارسة اتصالية في دعم المسؤولية الاجتماعية» و«فئة أفضل حملات تعزيز الهوية الثقافية واللغة العربية».
وتستهدف هاتان الفئتان بشكل خاص، الجهات الحكومية، والمنظمات الدولية، والقطاع الخاص، وتستقبل الطلبات حتى 24 يوليو المقبل عبر الموقع https://gca.sgmb.ae/en، مجسدة بذلك رؤية الجائزة التي تعتبر الاتصال ركيزة أساسية لدفع عجلة التقدم المجتمعي، سواء من خلال ترسيخ المبادئ الإنسانية، أو صون الهوية العربية الأصيلة في ظل التحوّلات العالمية المتسارعة.
وتُكرّم فئة «أفضل ممارسة اتصالية في دعم المسؤولية الاجتماعية» الجهات الحكومية، والمؤسسات الخاصة، والمنظمات الدولية التي أطلقت حملات اتصالية أحدثت أثراً واضحاً وقابلاً للقياس على الرفاه الاجتماعي. ويجب أن تعتمد الحملات المؤهلة لهذه الفئة على استراتيجية اتصال متكاملة تقوم على ممارسات أخلاقية، ومشاركة مجتمعية فعّالة، واستخدام وسائل تواصل مبتكرة، حيث سيتم تقييم الترشيحات بناءً على أثرها طويل المدى، وقدرتها على بناء الشراكات، ونجاحها في تعزيز الوعي الاجتماعي، وإحداث التغيير.
ويعتمد التقييم على عشرة معايير أساسية، تشمل الابتكار، واستخدام أدوات الاتصال الحديثة، والنتائج الاجتماعية الملموسة، والتوافق الأخلاقي، وغيرها من المعايير، كما سيركّز أعضاء لجنة التحكيم بشكل خاص على قدرة الحملة على قياس أثرها واستدامتها، من خلال التعاون والنجاحات الموثقة.
وتسعى جائزة الشارقة للاتصال الحكومي إلى تكريم الحملات التي تعزّز الدور المحوري للغة العربية في تشكيل الهوية الوطنية والإرث الجماعي.
وتؤكد علياء بوغانم السويدي، مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، حرص جائزة الشارقة للاتصال الحكومي على ترسيخ دور الاتصال الهادف في خدمة المجتمع والهوية.
وتستقبل الجائزة الترشيحات من جميع أنحاء العالم، شرط أن تكون الحملات قد أُطلقت، أو تم تحديثها بشكل جوهري خلال العامين الماضيين. ويجب أن تتضمن ملفات التقديم وصفاً تفصيلياً من 1000 كلمة، إلى جانب مستندات داعمة مثل الصور، أو الإحصاءات، أو التقارير، أو مقاطع الفيديو. كما ينبغي أن يحتوي كل ملف على ملخص تنفيذي من 250 كلمة، يوضح الأهداف الرئيسة للحملة، والأدوات المستخدمة، والجمهور المستهدف، والإنجازات المحققة.
وفي دورتها الثانية عشرة، تواصل جائزة الشارقة للاتصال الحكومي، ترسيخ مكانتها كمعيار عالمي للتميّز في هذا المجال، بعد أن استقطبت أكثر من 3800 مشاركة من 44 دولة في عام 2024. وسيُعلَن عن الفائزين خلال فعاليات المنتدى الدولي للاتصال الحكومي الذي يُقام في سبتمبر 2025 بمركز إكسبو الشارقة.

مقالات مشابهة

  • «الاتصال الحكومي 2025» تعزز المسؤولية الاجتماعية والتضامن الإنساني
  • "البيجيدي" يتهم حكومة اخنوش بالتخلي عن التزاماتها الاجتماعية
  • بطالة الشباب والنساء بالمغرب تُفاقم الأزمة الاجتماعية
  • دراسة تحليلية حول ظاهرة ثقافة التصلب في المجتمع العراقي وأبعادها الاجتماعية
  • مدين يعلن دعمه لشيرين عبد الوهاب بعد الانتقادات التي طالتها في مهرجان "موازين": "ميجا ستار وحالة استثنائية بمشاعرها وصوتها"
  • يعلن الصندوق الاجتماعي فرع ذمار البيضاء عن مناقصة
  • التأمينات الاجتماعية.. خطوات بسيطة لتعديل حسابك البنكي
  • الشؤون الاجتماعية تفتح ملف الأطفال المفقودين زمن النظام البائد
  • مختص: تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية للصالح العام
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!