جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-11@13:10:00 GMT

رسالة

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

رسالة

 

د. صالح الفهدي

توقَّفتُ عند رسالة صادرة من مكتبِ أحد الولاةِ أَبانَ فيها كثرة الشكاوي التي تصلُ بلدية الولاية فيما يشكِّلُ "ظاهرةً" حسبَ وصفه، موصيًا المشايخ والرُّشداء في الولاية بحل الإشكاليات الناجمة بين النَّاس دون الحاجة إلى رفع الشكوى إلى البلدية التي تشغلها مثل هذه الشَّكاوى التافهة؛ بل والكيدية في بعضها، وقد استوقفتُ عند الرسالةِ لأقول فيها مقالةً ترومُ تفنيدِ أسبابِ تلك "الظاهرة" التي تؤثِّرُ  كما جاءَ في الرسالة سلبًا على تلاحم أبناء المجتمع.

نذكرُ أولًا الدور الرائد الذي كانت تقومُ به "السَّبلة العُمانية" وهي أحد أهم مرتكزات الثقافة العمانية، وواحدة من أهم روافد التربية الاجتماعية. في هذه السبلة التي تعتبر مجلسًا محليًّا تُطرحُ جميع القضايا والإشكاليات، أكان ذلك فيما يتعلَّقُ بالبلدةِ أم الأفراد فيتمُّ حلَّها من قبل الرُّشداءِ في تلك البلدة، وقد شهدنا في صِغرنا هذه التجربة التي ترسَّخت بقيمها في وجداننا؛ بل إن السبلة قد تجاوزت نطاق ما يدورُ في البلدةِ من قضايا؛ حيث استدعى أهل بلدةٍ ذات مرة مدير إحدى المدارس ليناقشوا معه خلافًا مع بعض أبناءِ البلدة في المدرسة وليحلُّوا ذلك الخلاف بعد أن فهموا أساسه من المديرِ ومن أبنائهم.

ثم ظهرت أنظمةٌ مؤسسيةٌ تتعلَّق بالدولة العصرية، فلم يعد للسَّبلةِ ذلك الدور الرائد والنافذ الذي كانت تقوم به في المجتمع، في مقابل ظهور المؤسسات الأُخرى كالادعاء العام، ومراكز الشرطة، والبلدية وغيرها، وهنا غابَ الأفرادُ المؤثِّرون (الشيخ والرشيد وأهل الرأي) من المشهد الاجتماعي، وتلك طبيعة دولة المؤسسات، وسيرورة الحياة.

الأمر الآخر لم يكن من السَّهلِ سابقًا للفرد أن يدَّعي أمرًا قد يكون كيديًا أو تافهًا في حضرةِ أهل بلدتهِ ضدَّ قريبٍ له؛ سواءً في الرَّحم أو الجوار لأنه يعلمُ أثرُ الموقف الاجتماعي الذي سيتَّخذُ ضدَّهُ من أهل بلدتهِ في حالِ ادعائه الزائف، وحجَّتهِ الباطلة المكشوفة. أما اليوم فلم يعد يواجهُ ذلك المشهد الاجتماعي المُحرج، ولا يرى تلك الوجوه التي قد يشعر نحوها بالخزي والخجل، وإنما يجدُ وحدةً حكوميةً لا يشعرُ فيها بالحرج من تقديمِ شكوى ضدَّ أخيهِ، أو قريبهِ، أو جارهِ، وقد أتاحت بعض الجهات السبيل واسعًا لكلِّ من جاءها يشتكي؛ وهذا ما شجَّعَ كل صاحبِ ادَّعاءٍ تافهٍ أن يضيِّعَ أوقاتَ موظِّفيها!

الأمر الثالث أنَّ تلك "الظاهرة" إنَّما تعبِّرُ عن هشاشة القيم الاجتماعية وما يعتري المجتمع من ضعف قيمي، وهذا مردَّهُ إلى سطحيَّة فهم الدين الذي يحسبه البعض عباداتٍ مجرَّدةٍ، فينتهي من صلاتهِ ويستقلُّ سيارته ليشتكي من أخيه، أو جاره، دون أن يرفَّ له جفنٌ، أو يشعر ضميره بالاستحياء، أو يبينَ على وجهه الحرج!

وعلاجُ ذلك في وجهة نظري يجب أن يكون عبرَ ثلاثة مسارات:

أولًا: النصحُ من قِبَلِ أهل الرُّشدِ والرأي وهذا يستدعي وجود ما يشبه لجان التوفيق والمصالحة تُنشئها كلَّ بلدةٍ ومنطقة وتُمنح صلاحيات أشبه بتلك الممنوحة لهذه اللِّجان من قِبل المحاكم، لتعالج القضايا المحلية الناشئة بين أفراد مجتمع القرية، ويتم انتقاؤهم بالترشيح. فإذا كانت هناك إشادة بما تقوم به لجان التوفيق والمصالحة، فهذا يدلُّ على قيمة ما يُمكن أن تفعله اللجان المحليَّة لحلِّ القضايا الناشئة.

ثانيًا: تعزيز القيم الاجتماعية؛ فالمُجتمع العُماني مجتمعٌ مُحافظٌ متديِّن، على أنَّ البعضَ لا يفهم من الدين إلا القشور، أو يقتصرُ على العبادات في حين أنَّ "الدين المُعاملة"، وأن العبادات مقصدها استقامة العلاقات السوية بين أفراد المجتمع الواحد الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم كـ"الجسد الواحد"، والقيم التي أبانها الدين الحنيف لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع كثيرة لا تعد على سبيل المثال ما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَا هُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ". (رواه مسلم). ولتفعيل هذا المسار يجب أن يمكَّن الوعَّاظ والخطباء من التركيز على تدعيم القيم الاجتماعية المؤيَّدةِ بالنصِّ والسنة المباركة.

ثالثًا: المسار الإجرائي لأيَّة قضية شكوى؛ حيث لا يجب التجاوب مع أيَّة قضيَّة تافهة تُرفع، ولا يجب إيلاء الاهتمام بأيَّة قضية كيدية تصل الجهات المعنية، فبعض الأفراد قد استسهلوا الأمر فأصبحوا رسلُ فتنةٍ وباطل لا يعنيهم جارٌ ولا قريب، وهؤلاءِ يُفترض أن يردعوا بقوةِ القانون إن هم استمرأوا الادعاء الزائف، والشكاوي الكيدية.

إنَّ كلَّ "ظاهرةٍ" يجب أن تعالج جذريًا في المجتمع حتى لا تتشعب في المجتمع فيكون علاجها بعد استفحالها وعمقها مستحيلًا لأنها تنكثُ النسيج الاجتماعي الذي يصعبُ إعادتهُ إلى الحالة المترابطة التي كانَ عليها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لانا الشريف وجه الطفولة بغزة الذي شوهته الحرب الإسرائيلية

في قطاع غزة، حيث يصبح الخوف جزءا من الحياة اليومية للأطفال، تجسد الطفلة الفلسطينية لانا الشريف، البالغة من العمر 10 سنوات، مأساة الطفولة في ظل القصف والحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام ونصف العام.

كانت لانا، التي عرفت بجمالها وبراءتها، تعيش حياة هادئة في مدينة رفح إلى أن دمرت الحرب طفولتها، وغزا الشيب رأسها في عمر مبكر، وانتشرت بقع بيضاء في جسدها الهزيل نتيجة الصدمة النفسية الهائلة التي تعرضت لها عندما دمر البيت المجاور لمنزل عائلتها في قصف إسرائيلي.

عاشت لانا بعدها نوبات فزع وكوابيس غزت أحلامها، ما أثر على حالتها الجسدية والنفسية، وأفقدها الشعور بالأمان والطفولة التي تستحقها، فتعبر لانا عن ألمها بحزن قائلة: "الناس لم يعودوا يحبونني كما كانوا من قبل، لم أعد تلك الطفلة الجميلة."

"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني"

الطفلة لانا الشريف 10 سنوات أصيبت بمرض البُهاق نتيجة نوبات هلع وخوف شديد
ناجم عن قــ.. ــصف اســ.. ــرا.ئيلي عنيف???? pic.twitter.com/ewAzv66gAv

— ☠️EMA إيما (@ghost_girl2023) May 10, 2025

هذه الكلمات أشعلت تعاطفا واسعا عبر منصات التواصل، حيث أصبح اسمها رمزا لمعاناة الأطفال في غزة.

بسبب الخوف الشديد من القصـ.ف شابَ شعر الطفلة لانا الشريف، وأُصيبَت بمرض البُهاق.

تحدثوا عن هذه الأوجاع المنسية ليكون الكلام شاهدًا لكم. pic.twitter.com/NdMlfF94AI

— معين الكحلوت , من غزة ???????? ???? (@Moin_Awad) May 10, 2025

إعلان

ومع انتشار المقطع على منصات التواصل دان النشطاء ما تفعله إسرائيل بأطفال غزة قائلين "اغتالوا الطفولة البريئة"، بحسب تعبيرهم، مطالبين بتسليط الضوء على قصة لانا لتوثيق حجم المعاناة التي يقاسيها أطفال قطاع غزة وعائلاتهم.

وعلى منصة إكس كتب العديد من المدونين أن ملامح لانا ليست مجرد صورة، بل هي شهادة حية على الانتهاكات الممنهجة بحق أطفال غزة.

واعتبر بعض الناشطين أن "لانا لم يقتلها القصف، لكن قتلها الخوف وقلة الحيلة في عالم تفتقد فيه الإنسانية."

عمرها عشر سنوات، لكن عيناها تحكيان عن عمرٍ أثقلته الصدمات.
لانا، الطفلة الوحيدة لوالديها، لم ترَ من الحرب إلا ما يُفقد الكبار توازنهم، فكيف بطفلة ما زالت تخط أولى خطواتها نحو الحياة؟
كانت في بيتها حين انهار المنزل المجاور، بفعل صواريخ الاحتلال، ليتحوّل صوت الانفجار إلى رفيق يومي… pic.twitter.com/vCueqbJbBz

— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) May 6, 2025

في ظل الحصار المستمر الذي يفاقم معاناة سكان القطاع، دعا مؤثرون وصحافيون إلى ضرورة فتح المعابر لإخراج الأطفال الذين هم في حاجة ماسة إلى العلاج، مؤكدين أن غياب الإمكانيات الطبية المناسبة داخل غزة يجعل من الصعب معالجة الحالات الطارئة التي تسببها الحرب للصغار.

وقال مغردون إن قصة لانا ليست استثناء فهي تمثل آلاف الأطفال في قطاع غزة الذين عايشوا الموت دون أن يزهق أرواحهم، لكنه "اغتال طفولتهم"، كما وصفها أحد المدونين.

الطفلة الصغيرة لانا الشريف حكاية وجـ ـع أكبر من عمرها لم تُصب بشظايا ص/روخ لكنها أُصيبت بشيء لا يُرى… شيء يُمزق الداخل ويُغير الملامح. الخوف الشديد من القـ ـصف لم يترك لها خياراً… شاب شعرها في لحظات كما لو أن الزمان مرّ بها دفعة واحدة وأصابها مرض "البُهاق"، pic.twitter.com/6Yv0H5wQga

— إيهاب الحلو (@Ehabhelou) May 10, 2025

إعلان

وأضاف آخرون أن قصة لانا الشريف تبقى مثالا مأساويا على الوجه الحقيقي للحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث تتحول البراءة إلى خوف، والجمال إلى ألم، والطفولة إلى ذكريات مغتصبة.

وفي الوقت الذي يتداول فيه العالم صور الطفلة عبر الإنترنت، يبقى السؤال الأكبر: متى ينتهي هذا الكابوس الإسرائيلي الذي يطارد جيلا بأكمله في غزة؟>

"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني”..????
شايف #الخوف بس ايش بعمل فقط الخوف ????????
كم مرة خوفنا وخافت اطفالنا في عامين
"كنت جميلة… والآن لا أحد يحبني”.. بهذه الكلمات تصف الطفلة لانا الشريف (10 سنوات) ألمها، بعد إصابتها بمرض البُهاق نتيجة نوبات هلع وخوف شديد، ناجم عن قصـ ف إسر ائيلي… pic.twitter.com/hWliOGkt72

— ثائر البنا، غزة ???????? (@thaeralbannaa) May 10, 2025

ويتحدث تقرير صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن ارتكاب أكثر من 11,859 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية، بينها 2,172 عائلة أبيدت بالكامل بقتل جميع أفرادها.

في خيام تفتقد إلى أبسط متطلبات الحياة، يعيش الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم وأطرافهم معاناة يومية تضاعفها استمرارية القصف وشح الموارد.

 

مقالات مشابهة

  • لانا الشريف وجه الطفولة بغزة الذي شوهته الحرب الإسرائيلية
  • وزيرة التضامن الاجتماعي: تكافل وكرامة أكبر فكرة للحماية الاجتماعية في مصر
  • الأونروا: إطالة أمد حصار غزة يزيد الضرر الذي لا يمكن إصلاحه
  • انتهاء وقف اطلاق النار الذي أعلنته روسيا لمدة 72 ساعة في أوكرانيا
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • نقابة الصحفيين السودانيين تعرب عن بالغ قلقها إزاء الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزارة الإعلام
  • الحبل الأميركي الذي قد يشنق نتنياهو
  • حمدان بن محمد: على خطى محمد بن راشد تعلمنا أن المجتمع المتماسك هو الذي يبني الأمل
  • التنين الصيني الذي يريد أن يبتلع أفريقيا
  • الفاتيكان يختار أول بابا أمريكي عبر التاريخ.. وهذ اللقب الذي سيحمله