جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-14@05:35:31 GMT

رسالة

تاريخ النشر: 30th, March 2024 GMT

رسالة

 

د. صالح الفهدي

توقَّفتُ عند رسالة صادرة من مكتبِ أحد الولاةِ أَبانَ فيها كثرة الشكاوي التي تصلُ بلدية الولاية فيما يشكِّلُ "ظاهرةً" حسبَ وصفه، موصيًا المشايخ والرُّشداء في الولاية بحل الإشكاليات الناجمة بين النَّاس دون الحاجة إلى رفع الشكوى إلى البلدية التي تشغلها مثل هذه الشَّكاوى التافهة؛ بل والكيدية في بعضها، وقد استوقفتُ عند الرسالةِ لأقول فيها مقالةً ترومُ تفنيدِ أسبابِ تلك "الظاهرة" التي تؤثِّرُ  كما جاءَ في الرسالة سلبًا على تلاحم أبناء المجتمع.

نذكرُ أولًا الدور الرائد الذي كانت تقومُ به "السَّبلة العُمانية" وهي أحد أهم مرتكزات الثقافة العمانية، وواحدة من أهم روافد التربية الاجتماعية. في هذه السبلة التي تعتبر مجلسًا محليًّا تُطرحُ جميع القضايا والإشكاليات، أكان ذلك فيما يتعلَّقُ بالبلدةِ أم الأفراد فيتمُّ حلَّها من قبل الرُّشداءِ في تلك البلدة، وقد شهدنا في صِغرنا هذه التجربة التي ترسَّخت بقيمها في وجداننا؛ بل إن السبلة قد تجاوزت نطاق ما يدورُ في البلدةِ من قضايا؛ حيث استدعى أهل بلدةٍ ذات مرة مدير إحدى المدارس ليناقشوا معه خلافًا مع بعض أبناءِ البلدة في المدرسة وليحلُّوا ذلك الخلاف بعد أن فهموا أساسه من المديرِ ومن أبنائهم.

ثم ظهرت أنظمةٌ مؤسسيةٌ تتعلَّق بالدولة العصرية، فلم يعد للسَّبلةِ ذلك الدور الرائد والنافذ الذي كانت تقوم به في المجتمع، في مقابل ظهور المؤسسات الأُخرى كالادعاء العام، ومراكز الشرطة، والبلدية وغيرها، وهنا غابَ الأفرادُ المؤثِّرون (الشيخ والرشيد وأهل الرأي) من المشهد الاجتماعي، وتلك طبيعة دولة المؤسسات، وسيرورة الحياة.

الأمر الآخر لم يكن من السَّهلِ سابقًا للفرد أن يدَّعي أمرًا قد يكون كيديًا أو تافهًا في حضرةِ أهل بلدتهِ ضدَّ قريبٍ له؛ سواءً في الرَّحم أو الجوار لأنه يعلمُ أثرُ الموقف الاجتماعي الذي سيتَّخذُ ضدَّهُ من أهل بلدتهِ في حالِ ادعائه الزائف، وحجَّتهِ الباطلة المكشوفة. أما اليوم فلم يعد يواجهُ ذلك المشهد الاجتماعي المُحرج، ولا يرى تلك الوجوه التي قد يشعر نحوها بالخزي والخجل، وإنما يجدُ وحدةً حكوميةً لا يشعرُ فيها بالحرج من تقديمِ شكوى ضدَّ أخيهِ، أو قريبهِ، أو جارهِ، وقد أتاحت بعض الجهات السبيل واسعًا لكلِّ من جاءها يشتكي؛ وهذا ما شجَّعَ كل صاحبِ ادَّعاءٍ تافهٍ أن يضيِّعَ أوقاتَ موظِّفيها!

الأمر الثالث أنَّ تلك "الظاهرة" إنَّما تعبِّرُ عن هشاشة القيم الاجتماعية وما يعتري المجتمع من ضعف قيمي، وهذا مردَّهُ إلى سطحيَّة فهم الدين الذي يحسبه البعض عباداتٍ مجرَّدةٍ، فينتهي من صلاتهِ ويستقلُّ سيارته ليشتكي من أخيه، أو جاره، دون أن يرفَّ له جفنٌ، أو يشعر ضميره بالاستحياء، أو يبينَ على وجهه الحرج!

وعلاجُ ذلك في وجهة نظري يجب أن يكون عبرَ ثلاثة مسارات:

أولًا: النصحُ من قِبَلِ أهل الرُّشدِ والرأي وهذا يستدعي وجود ما يشبه لجان التوفيق والمصالحة تُنشئها كلَّ بلدةٍ ومنطقة وتُمنح صلاحيات أشبه بتلك الممنوحة لهذه اللِّجان من قِبل المحاكم، لتعالج القضايا المحلية الناشئة بين أفراد مجتمع القرية، ويتم انتقاؤهم بالترشيح. فإذا كانت هناك إشادة بما تقوم به لجان التوفيق والمصالحة، فهذا يدلُّ على قيمة ما يُمكن أن تفعله اللجان المحليَّة لحلِّ القضايا الناشئة.

ثانيًا: تعزيز القيم الاجتماعية؛ فالمُجتمع العُماني مجتمعٌ مُحافظٌ متديِّن، على أنَّ البعضَ لا يفهم من الدين إلا القشور، أو يقتصرُ على العبادات في حين أنَّ "الدين المُعاملة"، وأن العبادات مقصدها استقامة العلاقات السوية بين أفراد المجتمع الواحد الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم كـ"الجسد الواحد"، والقيم التي أبانها الدين الحنيف لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع كثيرة لا تعد على سبيل المثال ما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وَلا يبِعْ بعْضُكُمْ عَلَى بيْعِ بعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، التَّقْوَى هَا هُنا ويُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مرَّاتٍ بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ". (رواه مسلم). ولتفعيل هذا المسار يجب أن يمكَّن الوعَّاظ والخطباء من التركيز على تدعيم القيم الاجتماعية المؤيَّدةِ بالنصِّ والسنة المباركة.

ثالثًا: المسار الإجرائي لأيَّة قضية شكوى؛ حيث لا يجب التجاوب مع أيَّة قضيَّة تافهة تُرفع، ولا يجب إيلاء الاهتمام بأيَّة قضية كيدية تصل الجهات المعنية، فبعض الأفراد قد استسهلوا الأمر فأصبحوا رسلُ فتنةٍ وباطل لا يعنيهم جارٌ ولا قريب، وهؤلاءِ يُفترض أن يردعوا بقوةِ القانون إن هم استمرأوا الادعاء الزائف، والشكاوي الكيدية.

إنَّ كلَّ "ظاهرةٍ" يجب أن تعالج جذريًا في المجتمع حتى لا تتشعب في المجتمع فيكون علاجها بعد استفحالها وعمقها مستحيلًا لأنها تنكثُ النسيج الاجتماعي الذي يصعبُ إعادتهُ إلى الحالة المترابطة التي كانَ عليها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أخنوش : حكومتنا أوفت بوعودها وتنزيل الدولة الاجتماعية ماضٍ وفق التوجيهات الملكية

زنقة20ا الناظور

أكد عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة، من مدينة الناظور اليوم السبت، أن الحكومة أوفت بالتزاماتها التي قدمتها للمغاربة خلال استحقاقات سنة 2021، مشيرا إلى أن تنزيل ركائز “الدولة الاجتماعية” يتم وفق التوجيهات الملكية، ومعبّراً عن رفضه لما اعتبره محاولات التشويش والتقليل من المنجزات الحكومية.

وخلال لقاء جمعه بمنتخبي ومناضلي الحزب بالجهة الشرقية، ذكّر أخنوش بالشعار الذي رافق البرنامج الانتخابي لحزب التجمع الوطني للأحرار، “الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان”، مبرزا أن هذا التوجه انعكس على عدد من الإجراءات المتخذة في قطاعي التعليم والصحة.

وأوضح رئيس الحكومة أن إصلاح منظومة التربية والتكوين انطلق بإعادة الاعتبار لنساء ورجال التعليم، حيث استفاد أزيد من 330 ألف موظف من زيادات في الأجور لا تقل عن 1500 درهم، إلى جانب إحداث وتوسيع المدارس الجماعاتية والداخليات، بهدف تقليص الفوارق المجالية وتسهيل الولوج إلى التعليم بالعالم القروي.

وعلى المستوى الاجتماعي، أشار أخنوش إلى أن تعميم التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر أصبح واقعاً تستفيد منه ملايين الأسر المغربية، في إطار ورش وطني يهدف إلى تعزيز الحماية الاجتماعية وضمان كرامة المواطنين.

وفي حديثه عن الوضع الاقتصادي، استحضر رئيس الحكومة عدداً من المؤشرات، من بينها تسجيل الناتج الداخلي الخام نمواً بنسبة 7.9 في المائة خلال مطلع سنة 2024، وتحسن القدرة الشرائية بنسبة 5.1 في المائة، إلى جانب ارتفاع استثمارات المقاولات بنسبة 20 في المائة.

واعتبر أخنوش أن هذه المعطيات تعكس مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني، مؤكداً أن المواطن المغربي قادر على التمييز بين العمل الميداني والخطاب القائم على الشعارات.

كما توقف عند الدينامية التنموية التي تعرفها الجهة الشرقية، مسجلاً وعي الحكومة بإكراهات التشغيل بالمنطقة، ومستعرضاً عدداً من المشاريع الكبرى، وفي مقدمتها مشروع ميناء “الناظور غرب المتوسط” والمناطق الصناعية المرتبطة به، التي شرعت في استقطاب استثمارات دولية في مجالات متعددة، من بينها صناعة السيارات والطيران.

وبخصوص إشكالية الماء، أكد أخنوش أن الحكومة تعمل على تنزيل مشاريع تحلية مياه البحر والربط المائي بحوض ملوية، بهدف ضمان التزود بالماء الصالح للشرب والحفاظ على النشاط الفلاحي.

وختم رئيس الحكومة كلمته بالتأكيد على أن مختلف الأوراش الحكومية تنفذ في إطار رؤية استراتيجية مستلهمة من التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، مشدداً على استمرار الحكومة في تنفيذ برامجها، مع الانفتاح على النقد المسؤول والبنّاء.

مقالات مشابهة

  • تحولات مفهوم الاستثمار الاجتماعي واحتياجات المجتمع
  • البنك الأهلي يستعرض مبادرات المسؤولية الاجتماعية والابتكار المجتمعي
  • أخنوش : حكومتنا أوفت بوعودها وتنزيل الدولة الاجتماعية ماضٍ وفق التوجيهات الملكية
  • التأمينات الاجتماعية توضح الإجراء في حالة طلب إلغاء مدة الاشتراك
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • معهد إعداد القادة يبحث التعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
  • تفاصيل وشروط التسجيل في برنامج النخبة التأمينات الاجتماعية
  • الخدمات الاجتماعية العسكرية تكرّم عددا من ذوي الإعاقة من منتسبي القوات المسلحة
  • «إعداد القادة» يبحث سبل التعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية
  • وزير العمل: ننتظر إقرار الموازنة أو تخصيص مالي لشمول فئات جديدة بالرعاية الاجتماعية