40 عاما على إطلاقه.. ماذا تبقى من نقد العقل العربي للجابري؟
تاريخ النشر: 5th, July 2025 GMT
قبل 4 عقود، وبالتحديد في عام 1984، أطلق المفكر المغربي محمد عابد الجابري (1936-2010) مشروعا فكريا طموحا نابعا من هاجس التفكير في سبل تحقيق النهضة المنشودة في العالم العربي، وهو مشروع أثار نقاشا واسعا في الأوساط الأكاديمية وخارجها، لا يزال مفعوله قائما إلى الآن.
وانطلق الجابري في ذلك الطرح الجريء من فرضية أن مشروع النهضة العربية، الذي بدأ في أواخر القرن الـ19، ظل متعثرا لأنه لم ينبن على نقد العقل، وتساءل في مفتتح المشروع: "هل يمكن بناء نهضة بعقل غير ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه؟"
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كتاب “جيوبوليتيك”: منع الغرب للجنوب من النووي جانب من صراع الحضاراتlist 2 of 2كيف تستخدم الدول الجغرافيا لتعزيز القوة والنفوذ؟ استعراض شامل لمفهوم الجيوبولتكسend of listومنذ إطلاق المشروع، أصبح مصطلح "العقل العربي" دارج الاستعمال في أكثر من سياق، وتعدى المعنى الذي يقصده المؤلف، وهو "العقل الذي تكون وتشكل داخل الثقافة العربية، في الوقت ذاته الذي عمل هو نفسه على إنتاجها وإعادة إنتاجها".
أما مهمة نقد العقل العربي، فإنها تتمثل -في نظر الكاتب- في استئناف النظر في معطيات الثقافة العربية الإسلامية بمختلف فروعها، وتحديدا في كيان العقل العربي من جهة، وفي آلياته من جهة أخرى.
وبنى الجابري، وهو من مؤسسي الدرس الفلسفي في المغرب، ذلك المشروع الفكري على امتداد أكثر من 10 سنوات، وصدر في 4 أجزاء هي: "تكوين العقل العربي"، و**"بنية العقل العربي"، و"العقل السياسي العربي"، و"العقل الأخلاقي العربي"**.
وبقدر ما قوبلت تصورات الجابري بترحيب واسع لدى القراء في العالم العربي، وأعيد طبع كتبه عدة مرات في أكثر من بلد عربي، فإنها أثارت سجالات واسعة في الأوساط الأكاديمية والثقافية، إذ انبرت أسماء فكرية كبيرة لمناقشة تلك الأطروحات، إما لدحضها، أو لرصد ما تعتبره "قصورا مفاهيميا أو تاريخيا".
وكان المفكر السوري جورج طرابيشي (1939-2016) من أبرز من انتقدوا أفكار الجابري، وألف في هذا الصدد عدة كتب ضمن مشروع مضاد سماه "نقد نقد العقل العربي". كما دخل على الخط مفكرون وأكاديميون آخرون، من أبرزهم اللبناني علي حرب، والسوري طيب تيزيني، والمصري حسن حنفي.
إعلانوعلى إيقاع الثورة الإعلامية، وخاصة البث التلفزيوني منذ تسعينيات القرن الماضي، اتسع صدى أطروحات الجابري جماهيريا، ولا تزال الكثير من مداخلاته وتحليلاته متداولة على المنصات الرقمية.
وبعد هذه العقود الطويلة، بات من المشروع أن نتساءل عما تبقى من أفكار الجابري ورؤاه بشأن مآل النهضة وأدواتها، في سياق عربي ودولي تتنازعه أطراف وتكتلات متباينة المرجعيات الحضارية، وهاجسها المشترك هو البحث عن المزيد من النفوذ والسلطان.
لمناقشة مدى راهنية "نقد العقل العربي" معرفيا وسياسيا، تواصلت الجزيرة نت مع وجوه فكرية وأكاديمية من المشرق والمغرب، إضافة إلى باحث أميركي متخصص في أعمال الجابري، لتسليط المزيد من الأضواء، في سياق جديد، على ما اقترحه الجابري من أفكار وفرضيات لاستئناف القول في سؤال النهضة المتعثرة.
ومن بين المشاركين في هذا الملف، المفكر المغربي كمال عبد اللطيف، وهو أيضا من أعمدة الدرس الفلسفي بالمغرب، ومن المواكبين لمشروع الجابري. ويرى عبد اللطيف أن "استمرار حضوره (الجابري) رغم غيابه المادي، أثمر وما زال يثمر كثيرا من المعطيات التي يدركها جيدا الذين يؤمنون بدور الأفكار في التاريخ".
وفيما يلي عرض لأهم ما جاء في مساهمات من تواصلت معهم الجزيرة نت.
لا تزال أعمال المفكر المغربي محمد عابد الجابري تخاطبنا، تشخص أعطاب تفكيرنا، وتحاور مآلاتنا، كما تدعونا -بحس سياسي مباشر- إلى مزيد من التسلح بالخيارات والمواقف التي تساعدنا على بلوغ ما نتطلع إليه من تقدم.
ونستطيع اليوم بالذات، ونحن أمام آثاره الفكرية المتنوعة، أن نعلن أن ما وحد مساعيه الفكرية والسياسية هو رؤيته الخاصة للتنوير وأدواره في التاريخ، وهي رؤية تبلورت في أغلب أعماله، بانية عقلانية نقدية مماثلة في روحها العامة لخيارات فلسفة الأنوار، مع محاولة في تكييف هذه العقلانية مع جملة من المعطيات التاريخية، المختلفة عن سياقات وشروط أنوار القرن الـ18 في أوروبا.
كان الجابري يعي جيدا الأدوار التي لعبتها فلسفة الأنوار في الأزمنة الحديثة، كما كان يعي ضرورة إعادة بناء روحها في العمل والنظر، وبشكل يكافئ مقتضيات التغلب على أنماط التفكير السائدة في مجتمعنا. ولهذا السبب بالذات، تسلح بالنقد الأنواري، متوخيا محاصرة أشكال الهيمنة التي تمارسها القراءات المحافظة والجامدة لموروثنا الثقافي، بهدف تركيب قراءة نقدية لمنتوج العقل العربي، تؤهلنا لكسر قيود الماضي والانفتاح على مكاسب عالم جديد.
ساهمت الأعمال الفكرية التي أنتجها محمد عابد الجابري في بناء مجموعة من المواقف والاقتناعات الفكرية والتاريخية، في موضوع قراءة التراث العربي الإسلامي، والتفكير في مشروع النهضة العربية، وكذا في إشكالات الوضع السياسي المغربي. وقد تميزت هذه الأعمال بقدرتها الكبيرة على تحقيق نوع من الانخراط المنفعل والفاعل في فضاء الفكر المغربي والفكر العربي المعاصر.
إعلانوإذا كنا نؤمن بأن آثار الرجل، المتمثلة أساسا في مشروعه في نقد العقل العربي، تمتلك بعض مقومات الحضور في معارك الراهن العربي السياسية والفكرية، فإننا نتصور أن استمرار حضوره، رغم غيابه المادي، أثمر وما زال يثمر كثيرا من المعطيات التي يدركها جيدا الذين يؤمنون بدور الأفكار في التاريخ.
نفترض أن قوة الأثر التي تحملها أعماله، تأتي من كونها تعكس صورة من صور انخراطه في جدل تاريخي هم -ويهم- الحاضر العربي، ويتعلق الأمر بكيفيات مقاربته لأسئلة الموقف من التراث ومن الماضي. فقد اهتم الجابري طيلة 4 عقود من الزمن بأسئلة التراث، وذلك في ضوء عنايته بأسئلة النهضة والتقدم في العالم العربي.
ولم تكن عنايته بالموروث الثقافي العربي تندرج ضمن خطة في البحث التاريخي الموضوعي والمحايد، بحكم أن هذه المقاربة -في تصوره- لا تعد أمرا ممكنا، فنحن لا نستطيع -في نظره- استعادة الموروث الثقافي في الحاضر بمحتوى الماضي.
أرى أن المشروع النقدي لمحمد عابد الجابري لا يزال يضم العديد من الآليات المنهجية التي استثمرها في قراءته للتراث، والتي يمكن توظيفها لمواصلة التفكير الفلسفي النقدي اليوم، بمنطق النقد المزدوج.
فالفلسفة بالنسبة للجابري لم تكن ترفا فكريا، بل كانت أداة للمقاومة: مقاومة الاستبداد أولا، وتفكيك البنى الفكرية التي تدعمه، ثم مقاومة الفكر الاستعماري الذي يعد السبب الرئيسي لكثير من المآسي التي عاشتها الشعوب المستعمرة في أفريقيا والعالم العربي وأميركا اللاتينية.
لذا، لا يستغرب أن نجد تلقيا لمشروعه في أميركا اللاتينية، كما هو الحال مع الفيلسوف الأرجنتيني إنريكه دوسيل وآخرين، الذين استفادوا من فلسفة الجابري في نقد المركزية الأوروبية، بهدف نزع الطابع الاستعماري عن العقل.
ومن وجهة نظري، يمكن قراءة مشروع "نقد العقل العربي" بجميع أجزائه ضمن هذا الإطار الأوسع، أي مشروع "نزع الاستعمار عن العقل والمعرفة" عموما. وهو مشروع بدأه الجابري في كتاباته المبكرة عن الخطاب التربوي في المغرب، وتناوله لقضايا الهوية وحقوق الإنسان، وقراءته النقدية للتراث، إضافة إلى نقده لـ"ورثة الاستعمار" في الفضاء الثقافي المغربي والمغاربي والعربي والأفريقي.
وفي ظل التكالب المستمر للإمبريالية العالمية على ما يسمى بـ"الجنوب العالمي"، يظل المشروع النقدي للجابري يحتفظ براهنيته، خاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث سقطت أقنعة التحالف الغربي الصهيوني المتواطئ في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، متجاهلا كل القيم التي ادعى الدفاع عنها، مثل حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي.
هذا الوضع المتردي الذي تعيشه المنطقة العربية، والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني (وهو موضوع أساسي في فكر الجابري السياسي)، يجعل من عمله النقدي -الهادف إلى مناهضة كل أشكال الاستبداد والظلم- مصدرا مهما يمكن الاستفادة منه اليوم، دون التعامل معه كمصدر للحقيقة المطلقة.
كما أن دور الجابري في الفضاء العمومي المغربي والعربي، ليس كمنتج للمعرفة الفلسفية فحسب، بل كمثقف عمومي منخرط في الشأن السياسي والثقافي، انطلاقا من قناعته بـ"ممارسة السياسة بالثقافة"، يدعونا إلى العودة إلى إرثه الغني، سواء في سلسلة "مواقف" (التي تضم نحو 80 كتيبا)، أو في مئات المقالات والحوارات التي نشرها.
هذا الإرث يجسد نموذج "الفيلسوف العمومي" الذي أصبح نادرا في زمن سيولة الثقافة وسيطرة "ثقافة التفاهة". هذا البعد العملي في فلسفته، وتدخلاته النقدية في الفضاء العام، كان دائما يوجهه هاجس تحقيق الديمقراطية، التي كان يرى أنها تبدأ بـ"طلب الحق في الكلمة".
لقد خفتت كثيرا الحركية التي أحدثتها رباعية "نقد العقل العربي" زمن صدورها، مما يدل على أن القارئ العربي كان متعطشا لمشروع جديد يقطع مع الخطاب التراثي المؤدلج المعاد تدويره، من أجل فرض الأيديولوجيا السلفية من جهة، ومع خطابات تقتصر في دراسة التراث على قضاياه ومضامينه، بعيدا عن النظر في أنظمة الفكر التي أنتجته وتحكمت فيه.
إعلانويشار إلى أن هذه الحركية أثارت اهتماما واسعا، خاصة في الأوساط الأكاديمية، وانخرطت فيها الصحافة، مما كان جديرا بأن يطور الفكر العربي. لكن المآخذ الهيكلية التي اكتشفها القراء، المختصون أساسا، في مشروع الجابري، إضافة إلى عوامل أخرى، أسهمت في تبديد تلك الحركية وذلك الاهتمام.
ومن بين هذه العوامل "قصر نفس" القارئ العربي وقلة جديته. وحتى المختصون في الموضوع والناشرون في مجال نقد العقل، يظهرون وكأن كل واحد منهم يفكر ويكتب من قارة منعزلة تماما عن الآخر، لذلك يظل الفكر العربي المعاصر يدور في حلقة مفرغة.
أما في حال وجود "تفاعل" ما، فهو سلبي انتقادي لا يؤسس لتراكم معرفي نوعي كفيل بتحقيق التحولات في الفكر والمعرفة. يضاف إلى ذلك عامل آخر، هو انفتاح الإمكانيات التواصلية التقنية، إذ احتلت "وسائل التواصل الاجتماعي" ساحة الفكر، فخفتت الأصوات الجادة أو عادت إلى قواعد "الأكاديمية" لتحتمي بها، وانقطعت دونها السبل نحو إحداث الحركية الفكرية المنشودة في مجال الوعي العام.
بالنسبة لراهنية "نقد العقل العربي" سياسيا ومعرفيا، أعتقد أنه يصعب الحديث عن شقها السياسي، إذا كان المقصود بذلك موقع هذا المشروع وأضرابه في الحقل السياسي، فشؤون الفكر والمعرفة والوعي لم تكن يوما داخلة في مجال تداول السياسيين العرب عامة، إلا باعتبارها موضوعا "للتدجين"، وليس موضوعا للتفكير والتعقل والتطوير.
أما الراهنية المعرفية، فمؤكدة؛ فاليوم وغدا يحتاج الفكر العربي المعاصر حقا إلى أن يفكر في نفسه، وفيما ينتج من خطابات حتى يعي نقائصه واختلالاته، وإلى أن يؤسس لمشروع فلسفي يعي خصوصيات سياقاته بكل أبعادها، ويأخذها بعين الاعتبار فيما يفكر فيه وينتجه، وينخرط في الجهد الذي يبذله فلاسفة ومفكرو الجنوب العالمي من أجل تحرير المعرفة من كل أشكال الهيمنة الاستعمارية والاستلاب الذاتي.
زياد حافظ.. الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربييحتل المفكر محمد عابد الجابري مكانة مميزة بين الأعلام الفكرية العربية في العصر الحديث، حيث إن مؤلفاته ساهمت في تعميق الوعي بدور التراث الفكري العربي والإسلامي في تفسير حالة العرب والمسلمين.
ومما لا شك فيه أن مؤلفاته الموسوعية أصبحت مرجعا فكريا لمن يريد أن يقارب المشهد الفكري العربي، لا سيما في ثنائيات الحداثة والأصالة، والعقلانية والغيبية، والتراث والعصرنة، وهي ثنائيات عمت الفضاء الفكري العربي بعد الحرب العالمية الثانية كمحاولات لتفسير التراجع.
وجاء المشروع الذي أطلقه محمد عابد الجابري لتفكيك العقل العربي كمحاولة للإجابة على سؤال مفصلي: لماذا تأخر العرب بعدما كانوا هم من أنتج المعرفة ونقلوها إلى الغرب؟
لقد أدرك الجابري أهمية العقل معرفيا وسياسيا، وترجمها في دعوته لإيجاد الكتلة التاريخية بالمغرب في مواجهة التحديات الخارجية الاستعمارية والتغريبية.
ويسجل لمؤسسة محمد عابد الجابري، التي تأسست بعد وفاته، التقاط تلك الدعوة وإطلاقها مجددا كضرورة في مواجهة حملات التطبيع التي تفرض على الدول العربية. فتحالف مختلف المكونات السياسية والاجتماعية في الوطن العربي هو انعكاس لتلازم العقل مع الإيمان، وتجاوز التباينات الفكرية المصطنعة الوافدة من التوريد الغربي، والتي ساهمت في تعميم ثقافة التجزئة.
فالتراجع العربي هو من نتائج التجزئة، والتجزئة من منتوج الاستعمار، ونجاح الأخير في تعميق ثقافة الهزيمة ناتج عن الانشطار بين العقل والإيمان، أو بين الحداثة والتراث.
رسم الجابري إطارا معرفيا مختلفا في البحث عن أسباب الركود في الفكر العربي، وحاول أن يتوقف في مشروع "نقد العقل العربي" عند الأسباب التي حالت دون تطور "أدوات المعرفة" كالمفاهيم، والمناهج، والرؤية داخل الثقافة العربية.
وأصر على الكشف عن أسباب عدم تحقق نهضة فكرية وعلمية في العالم العربي، كما حصل في أوروبا. لذا كان طرحه لمسألة التأخر على الصعيد الإبستمولوجي يشكل الإطار الصحيح للبحث، بالنسبة إليه، من خلال التوجه المباشر إلى العقل العربي، الذي بدأ بالتقاعس إلى أن تخلى عن دوره.
من هنا جاء اهتمام الجابري بتكوين العقل العربي وبآلية اشتغاله، وحاول التمييز بين العقل والفكر عن طريق التمييز بين العقل المكون والعقل المكون، مفضلا التركيز على الأداة التي تنتج الأفكار أكثر من الأفكار نفسها.
إعلانوأشار إلى أن هناك تداخلا بين العقل كأداة تنتج الأفكار، وبين مجموع هذه الأفكار التي يتضمنها العقل، لافتا الانتباه إلى أن هذا التداخل مخفي وراء عملية المزج الحاصلة بين الفكر والأيديولوجيا.
كما يرى أن الفكر هو نتيجة للتفاعل مع المحيط الاجتماعي والثقافي الذي يتعامل معه، أي أن للمحيط الاجتماعي الثقافي دورا في عملية تكوين خصوصية الفكر.
لذا أكد الجابري على تاريخية العقل، لأنه مرتبط بالثقافة التي يعمل داخلها، رافضا إضفاء أي صبغة أخلاقية عليه، وركز على "النظرة العلمية المعاصرة للعقل"، من دون أن يجعل منها الحقيقة المطلقة.
جوردان كاينز.. باحث أميركي متخصص في أعمال الجابري
أنظر إلى مشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري "نقد العقل العربي" (وخاصة الجزأين الأول والثاني) من زاوية تربوية. وعلى غرار العمل الضخم للمؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون (1737-1794) حول سقوط روما، بعنوان "تاريخ تراجع وسقوط الإمبراطورية الرومانية"، يعد مشروع الجابري عملا موسوعيا مبنيا على أطروحة بسيطة نسبيا، إذ يروي قصة صعود وسقوط العقل البرهاني في العالم الإسلامي.
ويركز الجابري في الجزء الأول (تكوين العقل العربي) على ضرورة تصحيح مفهوم "الزمن الثقافي" العربي. وبالنسبة لي، فإنه من الواضح أن هذه القصة انبثقت من مشروعه التربوي الهادف إلى تقديم توجه ثقافي وتاريخي جديد للطلاب المغاربة من خلال النظام التعليمي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ورغم أن استخدامه الإجرائي للتاريخ تعرض للنقد، لا بد من الاعتراف بأن مفهوم "الزمن الثقافي" لطالما لعب دورا في التعليم الغربي، حيث يوجه الطلاب نحو قصة التقدم الحديث غير المقيد: عصور يونانية ورومانية مجيدة، تلتها عصور الظلام، ثم عودة ظافرة للعقل في عصر النهضة. وإلى جانب وظيفته التوجيهية، يقدم نقد الجابري التاريخي بيانا جريئا حول الحاضر، فهو بمثابة تحذير من مخاطر الجمع بين ادعاءات المعرفة الباطنية والسياسة.
يكتب التاريخ دائما من الحاضر، ويعكس نقد الجابري للعقل العربي بالفعل هموم عصره. ومع ذلك، فإن مشروعه الأساسي، الذي يدعو إلى قراءات جديدة للتاريخ في ضوء التحديات الراهنة، لا يزال وثيق الصلة بالواقع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فكر فی العالم العربی المفکر المغربی عبد اللطیف الجابری فی فی الفضاء فی مشروع أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
في الوهم السياسي .. !
يقول العلامة علي الوردي رحمه الله ان المفكر لا يصلح للسوق التجارية ومن يدخلها عليه ان يركن العقل جانبا . لان السوق لا يحتكم ويتحكم به العقل الا بجزء يسيير والبقية تمشي بهدی غريزة واستمكان باطني العودة فيه لمنطق العقل والياته الواقعية تقتل تلك الموهبة المهمة للتمكن بالسوق التجارية .
في السياسة ..
ينبغي نزع العقل الظاهر المجرد – بمعنی المبدا العام – وركنه جانبا كي يكون العامل في حقلها الغامض وميدانها الوعر قادر علی التحرر والتخلص من كثير القواعد المتحكمة بالذات غير القادرة علی قراءة المشهد السياسي والتعاطي مع مفرداته وفهم متطلباته بروح سياسية لا شخصية او اسرية او اوسع وابعد قليلا من ذلك ..
صحيح ان المشهد العراقي والعربي بنسب ما لا يعد انموذجا للقياس السياسي وفقا لاليات صناعة القوی وقياداتها ووجهتها ونهاياتها التي عادة ما تنتهي بالعزل او القتل او التوارث .. مما يفقد السياسي الحرية التي تعد من اهم متطلبات العمل السياسي فضلا عن سعة وعمق وبعد وثقة مرجعيته ..
بصورة عامة السياسة ترجمان فن الممكن لكنه ممكن وطني ابعد بكثير وارفع شرفا من قضية تمكن شخصي او ذاتي ضيق وربما مريض ..
فمن كان يريد ميزات المنصب لقصور اجتماعي او نفسي متوارث فان السياسية تغدو مجرد وسيلة مرحلية لا تسمن من جوع ولا تغني عن نقص ..
فيما تبقی السياسة سيف اعجاز ووحي ورسالة لمن يتحلی بالخلق والمبدا العام الذي لا تزيده السياسة الا تاكيد ولا يسلبه نزعها شيء ..