د. صالح الفهدي
نشأنا في مجتمعٍ فاضلٍ، طاهرٍ، تربَّى على خُلُق الحياء، وهو الخُلق الذي استمدَّه من دينهِ الإسلامي الحنيف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكلِّ دينٍ خُلقًا، وخُلقُ الإسلامِ الحياء" (رواه الإِمام مالك)، ويقول:"إنَّ الله حَيِيٌّ ستِّير"، فتوارثنا هذا الحياء من آبائنا الأفاضل، وأُمهاتنا الشريفات، معتزِّينَ بهذا الخُلق؛ فإِن تكلَّمنا تجنَّبنا الحديثَ فيما يُشينُ ذكرهُ، ويُعيبُ الإِفصاحُ عنه، ولا يحبَّذُ التطرقَ إليهِ، ليس لأنه محرَّمٌ، ولا لأنَّه ممنوعٌ، ولكنَّه لا يجب أن يُطرح على مسامع العامة لأنه يخدشُ أدبهم، ويؤذي أخلاقياتهم، وينتهكُ حياءهم.
لكن البعضَ يتعذَّرُ بمقولة: "لا حياء في الدين" حينما يعترضُ على من يناقشُ على مسمع العموم موضوعًا يعدُّ من المواضيع التي يتحسَّسُ منها المجتمع باعتبارها من مصونات الأمور، وخواصِّ الأحاديث، فيريد بهذا أن يُمزِّقَ المجتمع حجابَ الحياءِ حتى لا يتحسَّسَ، ولا يستحي، فيصبح كل موضوعٍ مُشاعًا في النقاش، ومفتوحًا للحوار، لا حرمة فيه، ولا حدود!، كيف تصدقُ العبارة "لا حياء في الدين" والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: "إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ "(أخرجه البخاري)؟! كيف بالعبارة أن تكون صحيحة والحياءُ هو خُلقُ الدين؟!، أمَّا الصحيحُ فيها فهو النقاشُ بغرض التَّعلم وفي حدود معينة، وبأسلوبٍ مهذب الألفاظ، مؤدب العبارات، ولكن أن يتم طرح مواضيع يعتبرها المجتمع من خصوصياته التي يثير الحديث فيها حساسيته الأخلاقية فإنَّ ذلك انتهاكٌ لحرمة المجتمع وآدابه، وتعدٍّ على القيم الفاضلة التي نشأ عليها.
يطرحُ البعض في لقاءاتهم الإِعلامية مواضيعَ لا يراعون فيها خُلق الحياء في المجتمع بحجَّة أنَّ هذه مواضيع تهم النَّاس، ولكن يغلبُ على البعضِ من طرحها -دون تعميم- نيَّة إثارة الجدلِ، والحصول على الشهرة على حساب انتهاك حرمات المجتمع.
أما البعضُ الآخر فلا يكترثُ في المجالسِ العامَّةِ التي يحضرها أطفالٌ، وفتيانٌ غير راشدين، بالنُّكتِ الداعرة التي يُلقيها، والعبارات البذيئة التي يتفكَّهُ بها، وهذا خُلقٌ غير خليقٍ بالرجل، ناهيكم أنه ليس من شيم وأخلاق الإِنسان العماني.
في المجتمعات الغربية غاب سُقُف الأخلاق والتواصل والملبس؛ فأصبح كل موضوعٍ لديهم على حساسيته وخصوصيته عرضةً للنقاش فلا سلمت أعراض، ولا بقي شرف، ولا صينت خصوصيات، أما لغتهم فصارت بذيئة الألفاظ، ساقطة العبارات، وهذه عندهم هي صور التحضُّر، والعصرنة!
لقد علَّمنا المولى- عزَّ وجل- في كتابه الكريم الرقي بالأسلوبِ، واستخدام التورية التي يرادُ بها السِّترُ والخفاء، ولهذا سَتر بألفاظٍ مقاربةٍ بعض المعاني؛ مراعاةً للحياءِ في بعض الأُمور الخاصَّة، وتلك أدبياتٌ لا يجب أن تغيبَ عن مجتمعاتنا المسلمة.
أما عن الدراما فإِننا في كلِّ شهرٍ فضيل- ويا للتناقضُ- نواجهُ سيلًا من المسلسلات التي تحملُ في طيَّاتها أخلاقيات منحدرة، وسلوكيات منحرفة بحجة أن هذا هو "الواقع" وهو في الحقيقة تسويق للإنحدار والتهتك، والقيم الغربية الساقطة!
من المؤسف أن بعض المسلسلات الخليجية لا تراعي الأخلاقيات والآداب الخاصة بالمجتمعات الخليجية التي يأتي الحياءُ على رأسِ أخلاقها، فتطرحُ قضايا تسمِّيها "جريئة" وهي في الأصل "وضيعة" وما أسمتها "جريئة" إلّا لأنها "تجترئ" بها على كرامة المجتمع والمتمثلة في دينه وخلقه وأدبه وعاداته، فيضرب المنتجون بكلِّ ذلك في عرضِ الحائط بحجَّة أن "هذا ما يريده الجمهور" وبداعي التسويق والإتجار بالمنتج الفني، بغية الحصول على المادة في نهاية الأمر دون اكتراث بقيم وأخلاقيات المجتمع بما فيه من نشءٍ يتربَّى على مشاهدة هذه المسلسلات السيئة في طرحها الذي لا ينتمي إلى الفن الراقي الهادف إلى إنارةِ وعي الإنسان، والإرتقاء بعقليته، وذوقهِ، وأخلاقه.
يقول الكاتب والباحث في شؤون المجتمع عبدالله النعيمي: "الانحلال الأخلاقي الذي يتم تمريره عبر المسلسلات الخليجية أخطر علينا بكثير من الانحلال الذي يتم تمريره عبر المسلسلات الإسبانية والأمريكية، لأنه انحلال ينطق بلهجتنا، ويتم تصويره في بيئتنا، ويتم تجسيده بواسطة أشخاص يشبهوننا. في الماضي كنا نقول عن مشاهد العري والألفاظ البذيئة أنها تمثل مجتمعات الغرب، لكن ماذا سنقول عنها عندما تأتي ضمن سياق مسلسل خليجي أبطاله عرب ومسلمين؟ خذوا نظرة سريعة على مسلسلات رمضان، ولاحظوا المشاهد التي يتم تطبيعها شيئًا فشيئًا، والأفكار التي يتم تمريرها .لا أحب تضخيم الأمور، لكن كل المؤشرات تقول أن المجتمع الخليجي مُستهدف في هويته الثقافية وخصوصيته الاجتماعية، وأن الأجيال الناشئة تتشرب من الأفكار الغربية بنهم، وسط صمت، ولا مبالاة من الجميع".
لا نشكُّ أن هناك استهدافًا لقيم المجتمعات الخليجية من الخارج، لكن الأشد وطأة هو الاستهداف الداخلي وذلك من خلال مسلسلات انتهكت حرمات الأدب والأخلاق في المجتمع الخليجي، وهذا ما دفع وزارة الإعلام الكويتية إلى إيقاف أحد المسلسلات لما احتواه من جميع السلوكيات المنحرفة القذرة، وأعلنت الوزارة في بيانها الرسمي "اتخاذ إجراءات ضد العمل معبرة عن رفضها لأي أعمال فنية تُسيء إلى دولة الكويت أو تمس أخلاقيات المجتمع"، وشددت "على أن الأعمال الفنية يجب أن تحمل رسائل أخلاقية راقية وتحترم خصوصيات المجتمعات، وأن تبتعد عن المساس بالثوابت".
إنَّ لكل مجتمعٍ هُويَّة محمَّلةٍ بالقيم التي تصون آدابه وأخلاقه وعاداته، عليه أن يحافظَ عليها من الخدش، والانتهاك، والتعدّي، فإن فرَّطَ فيها بالسكوت عمَّا يمسُّ خصوصيته وثوابته بذريعةٍ من الذرائع فإنَّ سيتحمل العواقب الشنيئة الناتجة عن تواطئه المتعمد، وغضِّه النظر المقصود، وإن هو انتصر لهويَّته فقد انتصرَ لوجودهِ وحضارته وبقائه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
3 حالات يحق فيها للمالك طرد المستأجر بقانون الإيجار القديم
تضمنت المادة الثانية من قانون الإيجار القديم الجديد إلزام جميع المستأجرين بإنهاء عقود الإيجار الخاصة بالأماكن المؤجرة لغرض السكن بعد مرور 7 سنوات من تاريخ بدء العمل بالقانون، في حين تنص على انتهاء عقود الأماكن المؤجرة لغير غرض السكن بعد خمس سنوات، ما لم يتفق الطرفان على إنهائها قبل انقضاء تلك المدة.
ويعكس هذا النص تحولًا قانونيًا جوهريًا نحو وضع سقف زمني واضح لعقود الإيجار القديمة، بما يتيح للمالك استرداد وحدته بعد فترة محددة دون الدخول في نزاعات قضائية طويلة، وفي الوقت ذاته يمنح المستأجر مهلة كافية لترتيب أوضاعه أو البحث عن بديل مناسب.نقيب أطباء الأسنان يعلن رفضه تعديلات قانون الإيجار القديم
المصرى للدراسات الاقتصادية يناقش تعديلات الإيجار القديم فى ندوة غدا
لو مستأجر شوف هتدفع كام بقانون الإيجار القديم 2025
آليات جديدة لتشكيل اللجنة المختصة بتصنيف أماكن الإيجار القديم.. اعرفها
أشارت المادة السابعة من القانون نفسه إلى الحالات التي يجوز فيها إخلاء المكان قبل انتهاء المدة المنصوص عليها في المادة الثانية، وذلك دون الإخلال بالأسباب الأخرى الواردة في المادة 18 من قانون رقم 136 لسنة 1981، وتشمل الحالات التالية:
ترك المكان مغلقًا لمدة تزيد على سنة دون وجود مبرر مقبول، سواء من المستأجر الأصلي أو من امتد إليه العقد.امتلاك المستأجر أو من امتد إليه العقد لوحدة أخرى (سكنية أو غير سكنية) تصلح للاستخدام في ذات الغرض الذي تم تأجير الوحدة الحالية من أجله، وبالتالي تنتفي الحاجة للوحدة المؤجرة.في حالة الامتناع عن الإخلاء بعد تحقق الشروط، يكون من حق المالك أو المؤجر التقدم إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة بطلب أمر طرد الممتنع عن الإخلاء، دون أن يتعارض ذلك مع المطالبة بالتعويض إن كان له مقتضى قانوني.للمستأجر الحق في رفع دعوىينص القانون أيضًا على أن المستأجر أو من امتد إليه العقد يملك حق اللجوء إلى القضاء ورفع دعوى موضوعية أمام المحكمة المختصة وفقًا للإجراءات التقليدية، وذلك إذا رأى أن هناك مبررًا للطعن على قرار الإخلاء.
لكن، وبشكل واضح، فإن رفع هذه الدعوى لا يوقف تنفيذ أمر قاضي الأمور الوقتية بشأن الطرد، أي أن المالك يمكنه استصدار أمر بالإخلاء فور تحقق إحدى الحالات الثلاث المشار إليها، حتى لو بادر المستأجر لاحقًا باللجوء إلى القضاء.
وكانت قد أعلنت لجنة الإسكان بمجلس النواب، بالاشتراك مع لجنتي الإدارة المحلية والشؤون الدستورية والتشريعية، الموافقة رسميا على مشروع قانون جديد لتعديل أحكام الإيجار القديم، المقدم من الحكومة، في خطوة تستهدف إعادة التوازن بين المالك والمستأجر، وفقًا لمستجدات الواقع الاقتصادي.
يأتي ذلك في أعقاب تقديم الحكومة تعديلات جديدة تتعلق بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، سواء لغرض السكنى أو لغير السكنى، وفقًا للقوانين السارية منذ عقود طويلة، أبرزها القانون رقم 49 لسنة 1977، والقانون رقم 136 لسنة 1981.
سريان القانون على عقود السكني وغير السكنيينص مشروع القانون الجديد على سريان أحكامه على الأماكن المؤجرة لغرض السكنى، وكذلك الأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، وذلك بموجب القانونين رقم 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، واللذَين ينظمان العلاقة بين المالك والمستأجر.
اقرأ أيضًا:
تحدد المادة الثانية من مشروع القانون أن عقود الإيجار للأماكن الخاضعة لأحكامه، والمخصصة للسكنى، تنتهي بعد مرور 7 سنوات من تاريخ سريان القانون.
أما العقود الخاصة بالأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، فتنتهي بعد 5 سنوات من تاريخ العمل بالقانون، ما لم يتم الاتفاق بين الطرفين على إنهائها قبل ذلك.
لجان الحصر وتقسيم المناطقتنص المادة الثالثة على تشكيل لجان حصر بقرار من المحافظ المختص، تكون مهمتها تقسيم المناطق التي بها أماكن مؤجرة للسكنى، إلى ثلاث فئات: مناطق متميزة، ومناطق متوسطة، ومناطق اقتصادية.
وتتم عملية التقسيم بناءً على عدة معايير، من بينها الموقع الجغرافي، ومستوى البناء، ونوعية المواد المستخدمة، ومتوسط مساحات الوحدات، والمرافق المتوفرة، وشبكات الطرق ووسائل المواصلات، إضافة إلى القيمة الإيجارية السنوية للعقارات المبنية طبقًا لقانون الضريبة العقارية رقم 196 لسنة 2008.
ويصدر رئيس مجلس الوزراء قواعد عمل هذه اللجان، على أن تُنهي أعمالها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ بدء سريان القانون، مع إمكانية تمديد الفترة بقرار من رئيس مجلس الوزراء مرة واحدة فقط.
ويصدر المحافظ المختص قرارًا بنتائج عمل اللجنة، وينشر في الوقائع المصرية ويُعلن في وحدات الإدارة المحلية.
تعديل القيمة الإيجارية للمساكنبحسب المادة الرابعة، تُحتسب القيمة الإيجارية القانونية الجديدة للأماكن المؤجرة لغرض السكنى، ابتداءً من أول شهر بعد بدء سريان القانون، بواقع عشرين ضعف القيمة الإيجارية القانونية الحالية، في المناطق المتميزة، على ألا تقل عن 1000 جنيه شهريًا.
أما في المناطق المتوسطة والاقتصادية، فتكون بواقع عشرة أمثال القيمة الإيجارية، على ألا تقل عن 400 جنيه في المناطق المتوسطة، و250 جنيهًا في المناطق الاقتصادية.
ويلتزم المستأجر أو من امتد إليه العقد بسداد مبلغ شهري مؤقت قدره 250 جنيهًا إلى حين انتهاء لجان الحصر من أعمالها.
بعد ذلك، يُطالب بسداد الفروق المستحقة، إن وُجدت، على أقساط شهرية توازي عدد الشهور التي استحقت عنها.
تعديلات الإيجار لغير السكنىتوضح المادة الخامسة أن القيمة الإيجارية القانونية للأماكن المؤجرة للأشخاص الطبيعيين لغير غرض السكنى، ستصبح خمسة أمثال القيمة السارية ابتداءً من أول شهر بعد بدء سريان القانون.
زيادة سنوية في الإيجاركما نصت المادة السادسة على أن تزداد القيمة الإيجارية السنوية للمساكن والأماكن غير السكنية بنسبة 15% سنويًا، بشكل دوري، بما يحقق التوازن بين حقوق المالك والمستأجر.
أولوية تخصيص وحدات بديلةتتيح المادة الثامنة للمستأجر أو من امتد إليه العقد تقديم طلب لتخصيص وحدة بديلة، سواء كانت سكنية أو غير سكنية، إيجارًا أو تمليكًا، من الوحدات المتوفرة لدى الدولة، شرط تقديم إقرار بالإخلاء وتسليم الوحدة الحالية.
وتمنح الأولوية في التخصيص للفئات الأولى بالرعاية، وعلى رأسهم المستأجر الأصلي وزوجه ووالداه، ممن امتد لهم العقد.
ويصدر رئيس مجلس الوزراء قرارًا بقواعد تلقّي الطلبات والبت فيها خلال شهر من تاريخ سريان القانون، كما تمنح الدولة أولوية في تخصيص وحدات بديلة عند الإعلان عن توفرها، مع مراعاة موقع الوحدة القديمة ودرجة الزحام.
إلغاء القوانين السابقةتنص المادة التاسعة على إلغاء القوانين أرقام 49 لسنة 1977، و136 لسنة 1981، و6 لسنة 1997، وذلك بعد مرور سبع سنوات من تاريخ سريان القانون الجديد، كما يُلغى أي نص قانوني يتعارض مع أحكامه.
بدء سريان القانونتختتم المادة العاشرة بأن القانون يُنشر في الجريدة الرسمية، ويبدأ العمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.
أبرز التعديلات الجوهريةانتهاء عقود الإيجار القديمة خلال 5 إلى 7 سنواتمضاعفة القيمة الإيجارية إلى 10 و20 ضعفًازيادة سنوية بنسبة 15%حالات محددة للإخلاء الفوريإعطاء أولوية في تخصيص وحدات بديلة للمستأجرين