إذاعة القرآن الكريم.. 60 عامًا فى سماء الذِكر الحكيم
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
وصلت بحناجرها الذهبية الآفاق وكانت قوة مصر الناعمة ومنبراً للتلاوة
«إذاعة القرآن الكريم من القاهرة»، عندما تسمع تلك العبارة فأنت فى حضرة الإذاعة الأقدم والأعرق عبر التاريخ، يستهل بها مقدمو برامج شبكة القرآن الكريم فقراتهم منذ إشراق شمس الأربعاء 25 من مارس لعام 1964، حين بُثت الموجة الأولى لأثير إذاعة القرآن، ولم تغب شمسها حتى اليوم، ملأت سماء الأمة الإسلامية بالسكينة والإيمان ورسالة الإسلام وحملت على عاتقها مهمة حفظ كتاب الله من أى تحريف ونشر آياته بأصوات كبار القراء طوال 6 عقود متتالية، وصل خلالها إرسالها إلى الملايين من أمة محمد فى بقاع الأرض، فكانت مشكاة تهدى من غياهب الجهل إلى نور العلم وتُرشدنا إلى مقتضى أوامر الله تبارك وتعالى.
الجمع الصوتى الأول للقرآن
فى أوائل الستينات انتشر نسخة من القرآن الكريم فى مصحف مذهب ولكن الغريب أنه كان رخيص الثمن مقارنة بفخامتها وتكلفة إنتاجها العالية، بل كان يوزع بشكل مجانى أحيانا، لنكتشف بعد قليل أنه يحمل آية محرفة، كلمة واحدة حُذفت من آية رقم 85 من سورة آل عمران حيث قال تعالى: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» وهنا تم تحريف الآية وطبعها دون كلمة «غير»، فأصبح المعنى مختلفاً تمامًا، واعتقد فاعلها أن هذا التحريف متقن، ولن يُثير الشكوك، فهى مجرد كلمة محذوفة من بين 77431 كلمة من كلمات القرآن الكريم، ولكن لم يدرى أنه كتاب الله المحفوظ، فتم بأمر الله اكتشاف التحريف وسحبت النسخ من الأسواق.
وبعد مشاورات عدة بين وزارة الأوقاف المتمثلة فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية والأزهر الشريف المتمثل فى هيئة كبار العلماء وصلت الآراء إلى ضرورة الجمع الصوتى للقرآن الكريم برواية حفص عن عاصم على اسطوانات توزع فى كافة أنحاء العالم كونها الوسيلة المثلى لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه والأكثر انتشارًا فى هذا العصر، وبالفعل تم التسجيل بصوت أدق وأصح القراء وهو الشيخ محمود خليل الحصرى ووزعت نسخ منه فى كافة المراكز الإسلامى فى العالم، وكان هذا أول جمع صوتى للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابى له فى عهد خليفة رسول الله - (صلى الله عليه وسلم) - أبى بكر الصديق، والجمع الثانى له فى أول مصحف بين دفتين على يد الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنهما.
تخصيص موجة لتلاوة القرآن
ولكن تبين فيما بعد أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة فى إنجاز الهدف نظرًا لأن الاسطوانات تتطلب إمكانيات مادية لإيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل الإسطوانات على نطاق شعبى وهو ما كانت تفتقر إليه الدول الإسلامية فى ذلك الوقت، ولذلك انتهى الأمر بقرار من جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية المصرية حينها بتخصيص موجة قصيرة، وأخرى متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذى سجله المجلس الأعلى للشئون الإسلامية على مدار 14 ساعة، وكان هذا الحل هو الأمثل لحفظ القرآن من أى تحريف ممكن لأن البث الإذاعى كان يمتد إلى الملايين من المسلمين فى آسيا وشمال أفريقيا ولا يتطلب إمكانيات مادية وأجهزة عالية التكلفة كالأسطوانات وكان الراديو حينها وسيلة منتشرة وفى المتناول.
البث الأول
وبعد موافقة الرئيس جمال عبدالناصر بدأ الإرسال الأول لإذاعة القرآن الكريم الساعة السادسة صباح الأربعاء 11 من ذى القعدة لسنة 1383 هجرية الموافق 25 مارس لسنة 1964 ميلاديًا، وهذا على فترتين، الفترة الأولى من السادسة صباحًا حتى الحادية عشر مساءً، والفترة الثانية من الثانية مساءً حتى الحادية عشر مساءً بمجمل 14 ساعة يوميًا على الموجتين الصغيرة والمتوسطة لتلاوة القرآن الكريم فقط، لتكون أول منبر يُقدم كتاب الله كاملًا بتسلسل السور والآيات، عابرًا للقارات واصلاً إلى كل مسلم على وجه أفريقيا وآسيا، وبعد ذلك توالى إنشاء عدة إذاعات للقرآن الكريم داخل وخارج العالم العربى على غِرار إذاعة القرآن الكريم فى القاهرة.
القوى الناعمة للدولة
بعدما خُصصت المحطة لتلاوة القرآن على مدى 14 ساعة يوميًا، تم إدخال البرامج إلى خارطتها الإذاعية بقرار سيادى فى عام 1966، ولتهوين الأثر السلبى للنكسة عام 1967 تم إدخال القرآن المجود بأصوات كبار القراء المصريين، وفى عام 1973 وبعد حرب أكتوبر تم مد إرسال الإذاعة ليصل إلى 19 ساعة، ثم مده الرئيس الراحل حسنى مبارك ليشمل اليوم بأكمله فى الاحتفال بعيد الإعلاميين عام 1996، فكانت شبكة القرآن الكريم هى مصدر من مصادر القوى الناعمة للدولة، وذو دور سياسى فعال يغفل عنه الكثيرون.
أول سيدة تعمل فى الإذاعة
«موسوعة الفقه الإسلامى» أشهر برامج محطة القرآن الكريم، ملأ بيوت المصريين بالصوت العذب لهاجر سعد الدين التى تردد صدى اسمها سنوات طويلة على أسماع كل رواد الإذاعة، كانت مقدمة البرنامج وأول سيدة تعمل فى إذاعة القرآن الكريم التى كانت ترفض عمل النساء بها، لتتخطى الحواجز وتكون أول صوت نسائى وبلا حجاب فى إذاعة القرآن، ولم تكتفى بكونها السيدة الأولى والأقدم فى تاريخ الإذاعة ولكنها تدرجت بلا واسطة إلى أن أصبحت رئيسة شبكة القرآن الكريم بأكملها وحصدت جائزة رسول السلام من الأمم المتحدة فى عام 1996.
مشاهير القراء فى إذاعة القرآن الكريم
ضمت الإذاعة المصرية كوكبة من ألمع قراء «دولة التلاوة» فى مصر، فجمعت بين تسجيلات شيوخ راحلين، وآخرين كانوا أحياء وقت تدشينها.
على رأس هؤلاء الشيوخ كل من: محمد رفعت، وأبوالعينين شعيشع، وطه الفشنى، ومحمد صديق المنشاوى، ومحمود خليل الحصرى، ومصطفى إسماعيل، وعبدالباسط عبدالصمد، ومحمود على البنا، كما ضمت الإذاعة كذلك الشيوخ: كامل يوسف البهتيمى، والشحات محمد أنور، ومحمد عبدالوهاب الطنطاوى، وأحمد نعينع، وعبدالفتاح الطاروطى، عبدالعظيم زاهر، كامل يوسف البهتيمى والشيخ محمــد محمود الطبلاوى وغيرهم الكثير، وكان من أشهر مقدمى البرامج الدكتورة هاجر سعد الدين، والاستاذ سعد المطعنى، والاستاذ شحاتة العرابى.
تحية عرفان وتقدير
وبمناسبة مرور 60 عاماً على انطلاق محطة القرآن الكريم فى البلاد وجه الأزهر تحية عرفان وتقدير لها كونها الإذاعة الأولى من نوعها بين إذاعات العالم؛ فهى الإذاعة الدينية الأعرق والأقدم، ولم يقتصر دورها على بثّ تسجيلاتِ القرآن الكريم دقيقةِ الأحكام، متميزةِ الأداء؛ بل كان لها دور فعال مؤثر فى ترسيخ الثقافة الإسلامية، وتصحيح المفاهيم الدينية، بالإضافة إلى إسهامها فى إبراز الدور الحضارى والثقافى لمصر فى محيطها العربى والإسلامي؛ فكانت أهم ركائز قوة مصر النَّاعمة، وارتبط وجدان المسلمين فى مصر والعالم بصوت هذه الإذاعة المباركة العريقة؛ حتى صار ما تقدمه من تلاوات وأصوات وبرامج وفقرات جزءًا من حياتهم فى حِلِّهم وترحالهم.
شبكة القرآن بعد التطور التكنولوجى
كانت موجات إذاعة القرآن الكريم الأقدم فى العالم الإسلامى التى تذيع القرآن الكريم، ويصل إرسالها إلى الملايين من المسلمين فى الدول العربية والإسلامية فى آسيا وشمال أفريقيا عبر الأثير، لكن بعد الطفرة التكنولوجية فى مجال الأقمار الصناعية أصبح إرسالها يصل إلى العالم أجمع وبصوت ذى جودة عالية، وبعد انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى أصبح الوصول أسهل لجميع سكان العالم.
والأن يمكنك أن تصل إلى البث المباشر لإذاعة القرآن الكريم عبر الانترنت من خلال «جوجل» أو «يوتيوب»، فضلًا عن موقعهم الإلكترونى وصفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى فيسبوك وغيره، بالإضافة إلى مكتبة عملاقة من تراث الإذاعة للبرامج والتسجيلات الصوتية بصوت كبار القراء وأدقهم وأبدعهم أصواتًا منذ بدايتها يمكنك الوصول إليها عبر المواقع المختلفة المختصة بالصوت والفيديو بكبسة زر، ولا تزال إذاعة القرآن الكريم هى النبراس الذى يهتدى به المسلمون بالهدى الإلهى، ومبتعدون عن التخبط فى ميادين الوهم والزيغ والضلال.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: إذاعة القرآن الكريم من القاهرة عبر التاريخ حملت على عاتقها إذاعة القرآن الکریم
إقرأ أيضاً:
جوعاهم في الجنة.. وبياناتنا في النار!
صراحة نيوز- بقلم / نضال
لن أكتب أرقامًا يتناقلها الإعلام والسياسيون والمنظمات الإنسانية، ولن أزيدها ولو بياناً واحداً؛ فهي كلها قاصرة، بعيدة عن الواقع في حقّ غزة. فأغلب دول العالم لم تتعلم العدَّ والحساب في عقولها في هذا الزمن لأكثر من أصابع اليد، فكانت الآلة الحاسبة بيد مالك الهيمنة الدولية هي من تقوم بكل أعمالنا الحسابية، دون أن نراجعها فكرياً وإنسانياً بقرار واحد نافذ ولو مرة واحدة. فكيف لعقولنا والعالم اجمع أن تستوعب أو تحاسب وتحسب حال أهل غزة وأطفالها، ونحن أشخاص في اغلبنا لا نملك، في حق كل بيان وتصريح، قبل كل فاعل، إلا أن نقول: “حسبنا الله ونِعم الوكيل”.
عالمنا هو عالمٌ منزوع النخوة والضمير، هو عالمٌ يُمتهن التسويف والتبرير، عالمٌ أكبر مواقفه كلمات في مجلس شيوخ، أو ندوة لمجموعة طلابية، أو مسيرة مليونية، أو خطاب في برلمان لدولة أوروبية، أو اجتماع لمن أطلقوا على أنفسهم منظمات حقوق إنسان او حماية دولية. عالم يعيش صحوة كاذبة وأغلبه عالمٌ يدّعي الصحوة — ولا أتحدث هنا عن الدين، فليس من حقي — عالمٌ تدير بعضَه عصابات، وتتناطح في غيره سياسات، وتتفرد في قوانينه وأحكامه أحياناً شخوصُ غباء وسماسرةُ فنادق وعقارات، حتى وصل بأرعنهم أن يرى في شخصٍ، هو أمكرُ نماذج القتل والدمار، أنه يستحق الترشح لجائزة “رجل السلام”! فياللعار!! فهل من عاقلٍ يقبل كل هذه الدسائس؟ أو يستوعب حال أطفالٍ في غزة يستشهدون لغياب لقمة عيش، أو شربة ماء، أو حبة دواء؟!
في غزة أطفال هم شهداء الإنسانية الصامتة.. في غزة، أطفالٌ لا يُستشهدون لنقص الغذاء، بل لنقص وجبة إنسانية في مجتمعٍ يدّعي أنه من الأخيار.. في غزة، أطفالٌ لا يُستشهدون لنقص شربة ماء، بل لجفاف ماء وجهِ عالمٍ لا ترى في ملامحه غير رعونة من يدّعون أنهم من الأبرار.. في غزة، أطفالٌ لا يُستشهدون لقلة أو ندرة أو تأخر وصول دواء، بقدر غياب جرعة مسؤولية دولية حقيقية تقف خلفهم، ومعهم، وتُسند آخر رمق حياة في أعلى نقطة في سمائهم فهم باذن الله من الأبرار. في غزة، جوعاهم في الجنة.. وبياناتُ العالم كلها رمادٌ وسط النار!
في دعم غزة، وبعد اشهر طويلة لن تجد كما هو الأردن، بكل طاقاته وفئاته ومؤسساته وأفراده، وفوق كل ذلك سياسته وقيادته، من يبذل ويعيش ما يُفترض أن يكون سكونَ ليله قبل حركة نهاره، في دعم وصمود وحياة أطفال ونساء وشيوخ بين القصف وركام الدمار، ممن أنهكتهم بياناتُ الشجب الدولية والاستنكار، والدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار، أو إغاثة من اختاره الله لجواره، رحمةً بهم ولهم، من العيش بين مجموعة من يدّعون أنهم بشر، ولكن في أغلبهم هم ثلة أشرار.
في غزة، متى سيستفيق العالم ويصل إلى مستوى الإنسانية أو الصدق في القرار؟ ومتى يتعلم العالم من الأردن ما يبذله، بكامل الهمّة والصدق والنخوة والإصرار، في زمنٍ غاب فيه كل الأخيار؟ في غزة اكبر من الشهادة والصمود، في غزة، شوكة اصحاب حق غرسها ابناؤها هم فقط وليس غيرهم، في حلق المستوطن والمحتل غصة، وكل اعوانه من عالم قائم على الاستهتار، بروح وبركة طفل شهيد يسكن ارضاً يدعي مغتصبها انه شعب الله المختار.