دستور خروف لا للمقاومة !!
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
حيدر عبدالجبار البطاط
بعد أن انتهى الجزار من سن سكينه وتجهيز مفاصل الذبح !!
دخل وسط الحظيرة .
أدركت الأغنام من إحساسها الفطري أن الموت سيأتي حتمًا ، وسيتم اختيار أحد الخراف ... وأمسك الجزار بقرني احدهم وأخرجه من الحظيرة .
لكن هذا الكبش كان صغيراً وله هيكل قوي ، لذلك تجاهل مواد دستور الخراف .!!
(المادة الأولى - 3 تقول )
عندما يختارك الجزار لا تقاوم لأن هذا سيغضب الجزار ويعرض حياتك وحياة أفراد القطيع للخطر ؟؟
قال الكبش في نفسه .
نهض الكبش و فاجأ الجزار و هرب من يديه ليدخل وسط القطيع .. ونجح في الهروب من الموت الذي كان ينتظره !!
لم ينتبه الجزار لما حدث ، حيث كانت الحظيرة مكتظة بالأغنام ، فأخذ الجزار خروفًا آخر وسحبه من قرنيه وأخرجه من الحظيرة و كان الأخير مسالما ولم يبدي أية مقاومة إلا صوتا خافتا يودع فيه بقية القطيع .
وهكذا بقيت الخراف في الحظيرة تنتظر الموت الواحد تلو الآخر !!
فكر الكبش الصغير في طريقة للخروج من حظيرة الموت وإخراج بقية القطيع معه !!
كانت الخراف تنظر إلى الخروف الصغير وهو ينطح سياج الحظيرة الخشبي ، مندهشات من جرأته وتهوره ، و كان الحاجز الخشبي ليس قوياً !!
الجزار كان يعرف ان الخراف جبانه جدًا !!
لدرجة أنهم لم يحاولوا الهروب ، ونجح الكبش في كسر الجدار ودعا الرفاق للهروب !!
لكنهم كانوا جميعا يشتمونه و يرجفون خوفًا من أن يكتشف الجزار ما حدث !!
تجمع أفراد القطيع و تحدثوا مع بعضهم البعض عما اقترحه عليهم ذلك الكبش ليخرجوا من الحظيرة وينقذوا أنفسهم من سكين الجزار !!
القرار النهائي جاء بالإجماع مخيبا للآمال ولكن غير مفاجئ للكبش الشجاع …؟؟؟
وفي صباح اليوم التالي جاء الجزار إلى الحظيرة ليبدأ عمله .. و كانت المفاجأة !!
سور الحظيرة مكسور ولكن القطيع داخل الحظيرة ولم يهرب منه أحد .. !!
و المفاجأة الثانية كانت عندما رأى في وسط الحظيرة خروف ميت .. ؟؟
جسده مغطى بجروح حيث تم نطحه بقوة !!
كانت الأغنام تنظر بكل فخر واعتزاز إلى ما فعلته بذلك الخروف ( الإرهابي ) الذي حاول إفساد علاقة الجزار بالقطيع وتعريض حياتها للخطر !!!
كانت سعادة الجزار تفوق الوصف .. حتى أنه بدأ يتحدث إلى القطيع بكلمات الإعجاب والثناء ... يا قطيع ... كم أنا فخور بكم وكم يزداد احترامي لكم في كل مرة أتعامل معكم .. أيها الخراف الجميله .. عندي بشرى تسعدكم جميعاً .. تقديراً لتعاونكم الذي لا مثيل له !!
إبتداءً من هذا الصباح لن أسحب أياً منكم إلى المسلخ بالقوة كما فعلت من قبل .
اكتشفت أنني كنت قاسياً عليكم ... وهذا يضر بكرامتكم .. كل ما عليكم فعله يا أيها الخرفان أن تنظروا إلى سكيني المعلقة على باب المسلخ ..
إذا لم ترونها معلقة فذلك يعني أني أنتظركم داخل المسلخ ؟؟
و يجب على كل واحد منكم ان يأتي بعد الآخر .. وتجنبوا الازدحام .. في الختام لا أنسى أن أشيد بدستوركم العظيم ... نعم للسلام … لا .. للمقاومة !!
كم جزار بيننا اليوم …. وما اكثر الخراف …!!!
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
الجزار .. رحيل الفنان و صمود التجربة
الجزار .. رحيل الفنان و صمود التجربة
محمد كبسور
استطاع الفنان السوداني الراحل محمد فيصل الجزار و عبر صوته الجميل و موسيقاه المتفردة ، كسر النمط الفني التقليدي الذي كان سائداً في السودان.
و في خلال وقت قصير، وصل الجزار بأغنياته ذات النكهة الشرقية و اللمسات الغربية لقلوب قطاع واسع من الشباب.
و عُرف الجزار بشغفه للموسيقى وإبداعه في تقديم أعمال فنية ذات جودة عالية، و هو ما جعله يحظى بشعبية كبيرة و احترام واضح.
استفاد الجزار من الوسائط الحديثة و ثورة الانترنت في توصيل أغنياته لجمهور عريض متجاوزاً المنابر الرسمية التي تفرض نوعاً من القيود علي أي منتج و ترهنه لذوق الحرس القديم.
و اللافت في تجربة الجزار انه انعتق من تأثير الفنانين محمود عبد العزيز و جمال فرفور و اللذين سبقاه في الظهور و أثّرا علي اغلب الفنانين الذين ترافق ظهورهم و صعود الجزار.
و لعل عامل الدراسة كان له أثره الكبير في حالة الجزار و في استقلالية أعماله الإبداعية، إذ درس التوزيع الموسيقي وهندسة الصوت. كما اظهر الجزار اهتمامًا خاصًا بالتفاصيل الموسيقية مثل الهارموني والزخارف الصوتية. و هو ما أعطي تجربته بعداً علمياً و جمالياً اضافياً و أسهم في تميزها و صمودها.
و كان الجزار من أوائل الفنانين الذين وظّفوا التكنولوجيا في الموسيقى، وهو ما أسهم في تطوير البنية الفنية لأعماله.
و لطالما لاحقت الجزار اتهامات من منافسيه علي شاكلة أن تسجيلاته لم تكن بصوته الحقيقي. و هو ما ظل ينفيه باستمرار و بشكل عملي من خلال ظهوره في الحفلات الحية.
يعتبر الجزار في ذات الخط الذي انتهجه ربشة و محمد الأمين و الهادي الجبل و شرحبيل احمد و غيرهم من الفنانين الذين اهتموا بنوع من الربط ما بين الموسيقي السودانية الخماسية و رصيفتها العربية ذات السلم السباعي.
و لعل تجربة الجزار قد شجّعت عدداً مقدّراً من الفنانين الشباب، خصوصاً الذين يغنون بمصاحبة آلة الجيتار، علي الانخراط في تعريب “او سبعنة” الغناء السوداني.
و لعل من أمثلة المتأثرين بنمط الجزار الفنان محمد عثمان و الذي ارتبط بثنائية غنائية رائعة مع الجزار و كانا جزءً من “فرقة السودانيين” التي حملت لونية الجزار و وضعت بصمة علي خارطة الغناء الجماعي في السودان.
تربّع الجزار علي عرش الأغنية لفترة من الزمن بدأت مع مطلع الألفية ، لكنه تراجع نسبياً لصالح مطربين آخرين. و إن لم يتراجع حضوره كملحن مميّز و موزّع بارع يمتلك طابع خاص و موسيقي مميّزة. كما صمدت تجربته من خلال ما لحنه من اغنيات لفنانين آخرين و من خلال الإعلانات التجارية اذ ارتبط اسمه
بإعلانات كبريات الشركات السودانية خصوصا قطاع الاتصالات، و هو ما عزز من شعبيته وأبقاه حاضراً في الذاكرة الجماعية.
ربما لم تعتني تجربة الجزار كثيراً بالمفردة المغناة، و لكن المؤكد انها اهتمت جداً بالتأليف و التوزيع الموسيقيين، و هو ما ظهر بوضوح في تناوله لمجموعة من الأغنيات القديمة و المدائح النبوية و محاولة تحديث موسيقاها، كما ظهر من خلال اغنياته الخاصة التي ارتكنت في نجاحها علي اللحن و الأداء و التوزيع.
وُلِد محمد فيصل سعد الملقب بـ”الجزار” عام 1986/1/31م في العاصمة السودانية الخرطوم. و نشأ و ترعرع في حي الصحافة شرق. و بدأ شغفه بالموسيقى باكراً، و دعمه بدراسة التوزيع الموسيقي و هندسة الصوت في مصر.
توفي الجزار صباح الأربعاء 14 مايو 2025 بمدينة القضارف شرقي السودان و التي انتقل إليها بعد اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، حيث ترك خلفه مركزه المتخصص في الموسيقى والإنتاج الفني و منزله.
تغني الجزار بالعديد من الأغنيات التي حاول أن يضع فيها بصمته المجدِّدة مثل “يا غريب عن ديارك”، “أشوفك”، “أرحل”، “السويتو أنت”، “طار الكلام”، “ناديت عليك”، “من الأسكلا والحلا”،”إن شاء الله يضوي ليك”،”يا مارّة بي بابنا”،”ملك الطيور”، “أسمر جميل” (بتوزيع جديد لأغنية الفنان السوداني الكبير إبراهيم الكاشف)، و غيرها من أغنيات.
كما وزّع أعمالاً مدائحية بطابع عصري، مثل “مكاشفي القوم” و “بعد صليت”.
تعاون مع عدد من الفنانين الشباب أمثال طه سليمان، معتز صباحي، حسين الصادق. و قدّم الجزار مجموعة من الأعمال الغنائية التي لاقت رواجاً واسعاً، خاصة تلك التي جمعته بفنانات بارزات مثل أفراح عصام، نسرين هندي، سامية الهندي، الفنانة الإثيوبية حليمة.
نال الجزار احترام كبار الفنانين، واختاره الراحل محمود عبد العزيز للمشاركة في برنامج “مع محمود” بقناة الشروق.
يعد الجزار احد أبرز مؤسسي فرقة سودانيز باند.
و برغم موته المبكر و الفاجع إلا أن التاريخ سيكتب اسم الجزار من ضمن الفنانين المتمرّدين الذين أثّروا بنسبة مقدرة في تطوير الأغنية السودانية. و ستبقى أعماله شاهدًا على مسيرة فنية قصيرة، لكنها ثرية بالإبداع.
رحم الله محمد فيصل الجزار و اسكنه فسيح جناته.
الوسومالشاب الفنان رحيل كبسور محمد الجزار