في ظل الضغوط لوقفها.. ما الدول التي تصدّر السلاح إلى إسرائيل؟
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
تتعرض الحكومات الغربية لضغوط متزايدة لوقف إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الطريقة التي تشن بها الحرب ضد حماس بغزة، خاصة في ظل الارتفاع الكبير في الخسائر بصفوف المدنيين والأوضاع الإنسانية المتدهورة بالقطاع، مع دخول الصراع شهره السابع.
وتعد إسرائيل مصدّرا رئيسيا للأسلحة، إلا أن جيشها يعتمد بشكل كبير على الطائرات المستوردة والقنابل الموجهة والصواريخ للقيام بما وصفه الخبراء بواحدة من أكثر الحملات الجوية كثافة وتدميرا في التاريخ الحديث، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وارتفعت دعوات الجماعات الحقوقية والمنظمات الحقوقية وأصوات بعض الساسة من حلفاء إسرائيل الغربيين، للمطالبة بتعليق صادرات الأسلحة، لأن إسرائيل تفشل، على حد تعبيرهم، في القيام بما يكفي لحماية أرواح المدنيين وضمان وصول ما يكفي من المساعدات الإنسانية إليهم.
والأسبوع الماضي، أيّد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حظر بيع الأسلحة إلى إسرائيل، حيث صوتت 28 دولة لصالحه، مقابل معارضة ست، وامتناع 13 أخرى عن التصويت.
وصوتت الولايات المتحدة وألمانيا – اللتان تصدران الغالبية العظمى من واردات الأسلحة الإسرائيلية – ضد القرار. وقالت ألمانيا، إنها فعلت ذلك لأن القرار لم يدن حماس صراحة.
ما الدول التي تصدر السلاح لإسرائيل؟تبقى الولايات المتحدة أكبر مورّد، حيث توفر ما يقدر بنحو 68 بالمئة من إجمالي الأسلحة الأجنبية المصدرة إلى إسرائيل، تليها ألمانيا، التي تصدّر حوالي 30 بالمئة وتعتبر أيضا موردا هاما.
وتتفاوت النسب بين دول بريطانيا وإيطاليا وأستراليا، على الرغم من أن وزيرة الخارجية الأسترالية، بيني وونغ، قالت إن بلادها لم تقدم أسلحة لإسرائيل منذ بداية الصراع في غزة.
وبالمقارنة مع الولايات المتحدة، تعد المملكة المتحدة موردا أصغر بكثير للأسلحة، بالرغم من أن القيمة الإجمالية لصادراتها إلى إسرائيل غير واضحة، وفقا لصحيفة "الغارديان".
وأعلنت كندا وهولندا واليابان وإسبانيا وبلجيكا أنها ستتوقف عن شحن الأسلحة إلى إسرائيل. في الدنمارك، هناك قضية معلقة في المحكمة قد تؤدي إلى اضطرار الحكومة إلى تعليق تصدير أجزاء الطائرات المقاتلة من طراز F35 إلى الولايات المتحدة، لأنها تبيع الطائرات النهائية إلى إسرائيل.
الولايات المتحدةتعد الولايات المتحدة أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، بعد أن ساعدتها في بناء واحد من أكثر الجيوش تطورا من الناحية التكنولوجية في العالم، بحسب "بي بي سي".
ووفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، استحوذت الولايات المتحدة على 69 بالمئة من واردات إسرائيل من الأسلحة بين عامي 2019 و2023.
وتقدم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.8 مليار دولار، بموجب اتفاق مدته 10 سنوات يهدف إلى السماح لحليفتها بالحفاظ على ما تسميه "التفوق العسكري النوعي" على الدول المجاورة.
وكانت إسرائيل أكبر متلق للدعم المالي الأميركي المخصص لدولة أجنبية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث توصلت بحلول عام 2023 بمبلغ تراكمي قدره 158 مليار دولار، بالأسعار الحالية المعدلة حسب التضخم، وفقا لصحيفة "الغارديان".
ووقع البلدان في عام 2016، مذكرة تفاهم مدتها عشر سنوات بشأن المساعدات العسكرية، التزمت واشنطن بموجبها بتقديم 38 مليار دولار من المساعدات حتى عام 2028، بما في ذلك 33 مليار دولار من منح التمويل العسكري الأجنبي، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار للدفاع الصاروخي.
وبعد الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر الماضي أكتوبر الماضي، أقر مجلس الشيوخ الأميركي، في فبراير، مشروع قانون، من شأنه توفير 14.1 مليار دولار من الإنفاق الإضافي.
وتشمل الحزمة التي لم يوافق عليها مجلس النواب: 4 مليارات دولار لتمويل أنظمة الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية" و"مقلاع داود"، و1.2 مليار دولار من تمويل البنتاغون لنظام الدفاع القائم على الليزر، و3.5 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي. و801.4 مليون دولار لشراء الذخيرة.
كانت رويترز قد ذكرت في الأول من أبريل أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس ما إذا كانت ستمضي قدما في إرسال حزمة أسلحة بقيمة 18 مليار دولار لإسرائيل تشمل عشرات من طائرات أف-15 التي تنتجها بوينغ.
يأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه بايدن ضغوطا من شركاء أجانب وجماعات معنية بحقوق الإنسان وبعض الديمقراطيين في الكونغرس لفرض شروط على إرسال الأسلحة لكبح جماح الهجوم الإسرائيلي على غزة.
قال أكبر عضو ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي الثلاثاء إنه لن يوافق على إرسال كميات كبيرة من الأسلحة إلى إسرائيل حتى يكون لديه مزيد من المعلومات حول كيفية استخدام إسرائيل لهذه الأسلحة.
وقال النائب غريغوري ميكس لـ سي.أن.أن: "أنتظر تأكيدات ... أريد التأكد من أنني أعرف أنواع الأسلحة والغرض الذي ستستخدم فيه الأسلحة".
يلزم القانون الأميركي بإخطار الكونغرس باتفاقات المبيعات العسكرية الكبيرة لدول أخرى، وله الحق في منع مثل هذه المبيعات من خلال تمرير قرار بعدم الموافقة على انتهاكات حقوق الإنسان أو مخاوف أخرى، غير أنه لم يتم على الإطلاق تمرير قرار مثل هذا ونجا من الفيتو الرئاسي.
وتسمح عملية المراجعة غير الرسمية للقادة الديمقراطيين والجمهوريين في لجان الشؤون الخارجية بفحص مثل هذه الاتفاقات قبل تقديم إخطار رسمي إلى الكونغرس، مما يعني أن أيا منهم يمكنه تعطيل اتفاق لشهور أو أكثر من خلال طلب مزيد من المعلومات. وميكس هو أحد هؤلاء المسؤولين الأربعة.
وقال ميكس إن هناك "ما يكفي من القصف العشوائي" في الحملة الإسرائيلية على غزة، مضيفا "لا أريد أن تستخدم إسرائيل هذا النوع من الأسلحة لإحداث مزيد من الموت. أريد التأكد من وصول المساعدات الإنسانية. لا أريد أن يموت الناس جوعا وأريد أن تطلق حماس سراح الرهائن".
وقال إنه سيقرر ما إذا كان سيوافق على إرسال الأسلحة أم لا بعد حصوله على مزيد من المعلومات.
تسعى إسرائيل إلى تعزيز أسطولها الكبير من الطائرات الحربية ليس فقط من أجل قتالها المستمر ضد حماس، بل لدرء أي تهديد آخر من جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة المتحالفة مع طهران على حدودها الشمالية وكذلك إيران نفسها، وهي خصم لها في المنطقة.
مزايا أميركية أخرىمكنت المساعدات الأميركية لإسرائيل من تطوير صناعة الأسلحة الخاصة بها إلى درجة أنها أصبحت الآن واحدة من أكبر مصدري الأسلحة في العالم.
وفي عام 2019، اشترى الجيش الأميركي معدات عسكرية إسرائيلية الصنع بقيمة 1.5 مليار دولار. وفتحت الشركات الإسرائيلية فروعا أميركية، مما أدى إلى تصنيع أنظمة الأسلحة التي تم تطويرها في الأصل في إسرائيل على الأراضي الأميركية.
وأدى الظهور المتزايد لمصنعي الأسلحة الإسرائيليين في الولايات المتحدة إلى زيادة الشراكات بين شركات الدفاع الإسرائيلية ونظيرتها الأميركية. وفي بعض الأحيان، أبرمت الشركات الإسرائيلية صفقات عسكرية مع حكومتها بتمويل من المساعدات العسكرية الأميركية، وفقا للمعطيات التي أوردتها صحيفة "الغارديان".
وتقدم واشنطن ميزة أخرى لإسرائيل تتمثل في "التفوق العسكري النوعي"، وهو مبدأ يهدف إلى منح إسرائيل ميزة دائمة في الأسلحة على جيرانها.
ويعود تاريخ الإجراء إلى حرب أكتوبر 1973، ويعني أنه في كل مرة تبيع فيها الولايات المتحدة أنظمة أسلحة رئيسية لدول الشرق الأوسط الأخرى، فإنها تزود إسرائيل أيضا بتكنولوجيا مقابلة.
ومن أوجه هذا الامتياز أيضا، أنه عندما تتلقى إسرائيل ودولة عربية نفس التكنولوجيا من الولايات المتحدة، يتم منح إسرائيل نسخة أكثر تقدما.
وتسمح واشنطن في بعض الأحيان لإسرائيل بتجربة تقنيات الأسلحة الأميركية. وأصبحت إسرائيل أول مشغل دولي لمقاتلة F-35 الأميركية الصنع، حيث طلبت 50 طرازا مما يعتبر أكثر الطائرات المقاتلة تطورا من الناحية التكنولوجية على الإطلاق.
ألمانياتعد ألمانيا ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، حيث تمثل 30 من الواردات بين عامي 2019 و2023، وفقًا لمعهد ستوكهولم.
واعتبارا من أوائل نوفمبر، بلغت قيمة مبيعات الدولة الأوروبية من الأسلحة لإسرائيل العام الماضي 326 مليون دولار، بزيادة 10 أضعاف مقارنة بعام 2022 – مع منح غالبية تراخيص التصدير هذه بعد هجمات 7 أكتوبر.
وشكلت مكونات أنظمة الدفاع الجوي ومعدات الاتصالات معظم المبيعات، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية.
وكان المستشار أولاف شولتز مؤيدا قويا لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس طوال الحرب، وعلى الرغم من أن لهجته بشأن التصرفات الإسرائيلية في غزة قد تغيرت في الأسابيع الأخيرة، إلا أنه لا يبدو أن مبيعات الأسلحة معرضة لخطر التعليق.
إيطالياتعد إيطاليا ثالث أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، لكنها تمثل 0.9 بالمئة فقط من الواردات الإسرائيلية بين عامي 2019 و2023. وبحسب ما ورد، فقد شملت هذه الواردات طائرات هليكوبتر ومدفعية بحرية.
وبلغت مبيعات الأسلحة الإيطالية إلى إسرائيل 14.8 مليون دولار العام الماضي، وفقا لمكتب الإحصاءات الوطني بالبلاد.
وتمت الموافقة على صادرات بقيمة 2.1 مليون يورو في الفترة ما بين أكتوبر وديسمبر، على الرغم من تأكيدات الحكومة بأنها تمنعها بموجب قانون يحظر مبيعات الأسلحة إلى البلدان التي تشن حروبا أو التي تنتهك حقوق الإنسان.
وقال وزير الدفاع جيدو كروسيتو، للبرلمان الشهر الماضي إن إيطاليا احترمت العقود القائمة بعد فحصها على أساس كل حالة على حدة، والتأكد من أنها "لا تتعلق بمواد يمكن استخدامها ضد المدنيين".
بريطانيا وكنداوتعتبر صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل "صغيرة نسبيا"، وفقًا لحكومة المملكة المتحدة، حيث وصلت في عام 2022 إلى 53 مليون دولار.
وتقول الحملة ضد تجارة الأسلحة (CAAT)، إنه منذ عام 2008، منحت المملكة المتحدة تراخيص تصدير أسلحة لإسرائيل بقيمة إجمالية قدرها 727 مليون دولار.
وكان معظمها مخصصا للمكونات المستخدمة في الطائرات الحربية الأميركية الصنع التي ينتهي بها الأمر في إسرائيل. لكن الحكومة البريطانية تتعرض لضغوط متزايدة لتعليق حتى تلك الصادرات.
وفي عام 2022، منحت الحكومة تراخيص لتصدير أسلحة بقيمة 42 مليون جنيه إسترليني، لكنها أصدرت أيضا 10 تراخيص "مفتوحة" ذات قيمة غير محدودة، ولا تنشر قيمة الصادرات الفعلية، وفقا لصحيفة الغارديان.
وكتب أكثر من 600 محام وأكاديمي وقاض متقاعد أن استمرار الإمدادات يضع البلاد في انتهاك للقانون الدولي. لكن وزير الخارجية ديفيد كاميرون، قال الثلاثاء إن المملكة المتحدة لن تعلق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
من جهتها، أعلنت الحكومة الكندية، التي بلغت قيمة مبيعاتها من الأسلحة إلى إسرائيل 15.7 مليون دولار في عام 2022، (أعلنت) شهر يناير، أنها علقت الموافقة على تصاريح خروج جديدة للأسلحة حتى تتمكن من التأكد من أنها تستخدم باحترام للقانون الكندي. ومع ذلك، ظلت التصاريح المقدمة مسبقا سارية المفعول.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الأسلحة إلى إسرائیل الولایات المتحدة المملکة المتحدة ملیار دولار من ملیون دولار من الأسلحة مزید من فی عام
إقرأ أيضاً:
فيروسات المستقبل.. السلاح الخفي في معركة البقاء
لم تعد الحروب الحديثة تُخاض على جبهات واضحة أو بخطوط تماس تقليدية، بل أصبحت مختبرات الأبحاث البيولوجية والجينية جبهات متقدمة في صراع القوى الدولية، ومع تسارع وتيرة التقدم في علوم الوراثة والتكنولوجيا الحيوية، تلوح في الأفق ملامح عصر جديد من الحروب، الحروب البيولوجية المستقبلية، التي قد تُعيد تشكيل النظام العالمي وتُحدث تحولات جذرية في مفاهيم الأمن القومي والسيادة.
التحول الجوهري في طبيعة الحرب البيولوجية المستقبلية يكمن في دقتها الانتقائية، ففيما كانت الأسلحة البيولوجية التقليدية تُطلق في نطاق واسع غير موجه، بات الآن بالإمكان استخدام أدوات مثل تقنية "كريسبر" لتعديل الجينات وتصميم فيروسات موجهة تصيب فئة بشرية معينة بناءً على خصائص وراثية محددة، كالسلالة أو العرق أو حتى التكوين الجيني لسكان منطقة بعينها.
في قلب هذه الحرب القادمة تقف البيانات الوراثية للبشر، باعتبارها الوقود الحقيقي للصراعات، ملايين الأشخاص أرسلوا عينات حمضهم النووي إلى شركات لتحليل الأنساب أو الأمراض الوراثية، هذه الشركات، رغم ما تعلنه من التزام بالخصوصية، قد تكون في يوم ما هدفًا للاختراق أو الشراء من قِبل جهات أمنية.
ويمكن استهداف مجموعات بشرية معينة بفيروسات مصممة بدقة. ويمكن معرفة نقاط ضعف الشعوب صحيًا، وتطوير أدوات قتل صامتة، وهذا النوع من الأسلحة يُحدث ثورة في موازين القوى، لأنه يتيح لدولة صغيرة أو تنظيم مسلح امتلاك قدرة تدميرية تضاهي النووي، ولكن دون الدمار الشامل للبنية التحتية أو الحاجة إلى جيوش ضخمة.
التهديد لا يأتي فقط من الدول العظمى التي تستثمر في البحث البيولوجي، بل من تعدد اللاعبين غير التقليديين، شركات التكنولوجيا الحيوية العابرة للحدود، التي تُجري تجارب على الجينات، أصبحت تملك بنوك بيانات ضخمة يمكن استخدامها لأغراض هجومية، كما أن السوق السوداء للفيروسات والمُعدلات الجينية باتت متاحة عبر الشبكة المظلمة.
والتقارير الاستخباراتية تؤكد أن بعض الدول استثمرت ملايين الدولارات في أبحاث الجينوم البشري بهدف جمع قاعدة بيانات جينية عالمية، يمكن من خلالها تطوير فيروسات مخصصة وهي ليست مجرد خيال علمي، بل مشروع يُطبخ في الخفاء على نار باردة.
والتنظيمات المتطرفة قد تستخدم فيروسًا مُهندَسًا كأداة إرهاب واسعة النطاق، بل إن بعض الفرضيات الاستخباراتية تتوقع هجمات بيولوجية بوساطة طائرات درون صغيرة تنشر رذاذًا معديًا في أماكن التجمعات.
وقد أظهرت جائحة كوفيد-19 هشاشة البنية الصحية العالمية، حتى في الدول المتقدمة، وكشفت مدى تداخل الأمن الصحي مع الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والجائحة كانت، في نظر كثير من المحللين الاستراتيجيين، محاكاة عملية لحرب بيولوجية محدودة.
فحرب بيولوجية واحدة قد تُسقط دولة قوية دون طلقة واحدة هذا يجعل بعض الدول تفكر بالبيولوجيا كأداة للانتقال من وضعية القُطر الصغير إلى لاعب إقليمي أو عالمي فإذا استطاعت دولة ما توجيه ضربة بيولوجية تُحدث انهيارًا اقتصاديًا في دولة عظمى، دون أن تُكتشف، فقد تحقق نفوذًا غير مسبوق دون الحاجة لمواجهة مباشرة.
ولو ظهر الآن فيروسًا أكثر فتكًا، مُصممًا في مختبرات عسكرية، لا يُظهر أعراضه إلا بعد أسبوعين من العدوى، يُصيب فئة عمرية منتجة، ويُطلق بهدوء في أحد المطارات الدولية لن يكون حجم الخسائر يُقاس بالموتى فقط، بل بالانهيار الكلي لسلاسل الإمداد، والثقة المجتمعية، وحتى استقرار الأنظمة السياسية.
وفي السنوات الأخيرة، ومع تنامي الصراعات الجيوسياسية وحمى سباق التسلح الصامت، تصاعد الحديث في أوساط المخابرات والمراكز البحثية عن تجارب بيولوجية سرية تجريها بعض الدول الكبرى، هدفها ليس العلاج، بل تطوير فيروسات معدلة وراثيًا لتُستخدم كأسلحة دمار شامل.
ويؤكد تقرير صادر عن "معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي" أن هناك دلائل متزايدة على أن بعض الدول تسعى لخلق "فيروسات ذكية"، يصعب اكتشافها، وتتميز بسرعة الانتشار، وارتفاع معدل الوفاة، وإمكانية برمجتها لاستهداف جينات معينة.
وفي أوائل عام 2024، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة التأهب القصوى بعد ظهور سلالة متحورة من فيروس "ماربورغ" في وسط إفريقيا، أُطلق عليها اسم “ماربورغ 2.0”، السلالة الجديدة لم تكن طبيعية في نمط تطورها، وهو ما أثار شكوكًا حول تدخل بشري في تعديل بنيتها الجينية.
وتمتاز هذه النسخة بسرعة الانتشار عبر الهواء وهو تطور خطير مقارنة بالسلالة الأصلية التي كانت تنتقل عبر سوائل الجسم فقط، ومع معدل وفاة يصل إلى 85% في الحالات المصابة، وغياب لقاح فعال حتى اللحظة، بدا العالم وكأنه على شفا كارثة بيولوجية.
لكن ما أثار الجدل أكثر، هو تسريب وثائق من مركز أبحاث في أوروبا الشرقية، تشير إلى تجربة سرية كانت تهدف لاختبار قدرة الفيروس على الانتشار في بيئات مغلقة كالمطارات والسجون، وهو ما أعاد إلى الأذهان كابوس "مختبرات الموت".
وفي جنوب آسيا، رُصدت حالات لفيروس "نيباه" المتحور، والذي تم تطويره في ظروف غامضة ليصبح أكثر مقاومة للأدوية وأسرع في الانتقال من إنسان لآخر والنسخة الجديدة، التي أُطلق عليها اسم "نيباه X"، تتسبب في تورم دماغي حاد يودي بحياة الضحية خلال أقل من 48 ساعة من ظهور الأعراض.
اللافت أن التحاليل الجينية أظهرت تلاعبًا واضحًا في الشيفرة الوراثية للفيروس، مما دفع جهات استخباراتية غربية إلى اتهام أطراف غير معلومة بتطوير الفيروس داخل مختبرات عسكرية، ربما بغرض اختباره كسلاح كتمهيد لحرب بيولوجية محتملة.
ما يجعل هذه الأسلحة البيولوجية الفيروسية أكثر خطورة من غيرها، هو أن اكتشافها يتم بعد فوات الأوان، فغالبًا ما يُعتقد أن انتشار الفيروس هو وباء طبيعي، حتى تتضح الحقيقة، ولا يمكن مواجهة هذه الفيروسات بأسلحة تقليدية، ولا حتى بالجيوش، مما يجعل الدول أمام خيارين الانهيار أو العزلة، ولعل ما حدث في أعقاب جائحة "كوفيد-19" يُعد تحذيرًا مبكرًا لما هو قادم لكن الفرق أن الفيروسات التي ظهرت مؤخرًا أكثر خبثًا، وأسرع فتكًا، وربما للأسف أكثر ذكاءً.
وفرض التوازن النووي حالة من الردع بين القوى العظمى، والعالم الآن بحاجة إلى مفهوم جديد للردع البيولوجي لكن التعقيد في الأسلحة البيولوجية يكمن في إمكانية إنكار استخدامها، وصعوبة تتبع مصدرها، مما يجعل المحاسبة الدولية شبه مستحيلة.
من هنا تنبع الحاجة إلى معاهدة دولية مُلزمة تُعزز الشفافية في الأبحاث البيولوجية، وتُنشئ هيئة تحقيق عالمية لديها صلاحية التفتيش الفوري على المختبرات، تمامًا كما هو الحال مع وكالة الطاقة الذرية.
وسيحتاج الأمن القومي في العقود القادمة إلى إعادة تعريف جذري. الجيوش التقليدية، مهما كانت قوتها، لن تستطيع حماية دولة من فيروس موجه، والمطلوب هو بنية تحتية للذكاء الحيوي، تُراقب التغيرات البيولوجية غير المعتادة، وتحلل التسلسل الجيني للفيروسات الجديدة فور ظهورها.
الدول الذكية لن تستثمر فقط في الطائرات والسفن، بل في قدرات رصد بيولوجي مبكر، وفي العلماء باعتبارهم جنود الخط الأمامي في الحروب القادمة والتي قد لا تصدر عنها أصوات انفجارات، ولا ترفع فيها رايات، لكنها ستكون الأكثر تأثيرًا في تاريخ البشرية، حرب تُخاض داخل خلايا الجسد، وميادينها مجهرية، ولكن عواقبها عالمية.