عادة "حق الملح" في عيد الفطر.. تكريم للمرأة أم ترسيخ للنظام الذكوري؟ هذا رأي التونسيين والتونسيات
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
مع حلول عيد الفطر، يعود الحديث من جديد عن "حق الملح" هذه العادة التي تختص فيها تونس وتتمثل في تقديم هدية قيمة للمرأة بعد صلاة عيد الفطر، تقديراً لتعبها خلال شهر رمضان، وتكون غالبا مصوغاً ذهبياً.
رغم تراجع ممارسة بعض العادات والتقاليد الاحتفالية في تونس واقترابها من الاندثار، تبدو عادة "حق الملح" صامدة، بل أخذت أشكالاً أكثر معاصرة، وتحولت من الذهب والفضة إلى هدايا عصرية متنوعة تتفاخر بها السيدات في فيديوهات براقة على وسائل التواصل الاجتماعي.
"حق الملح" تسمية رمزية تعود إلى اضطرار الزوجة في غالب الأحيان، عند إعدادها الطعام لأسرتها، إلى تذوّق الأكل على طرف اللسان للتأكد من اعتدال ملوحته قبل تقديمه، وهي مهارة محفوفة بمخاطر خسران الصيام، وقد ذهبت بعض الدراسات الجندرية للقول بأنها عبارة عن التضحية بالديني في سبيل الاجتماعي، أي برضا الله في سبيل رضا الزوج.
وتتمثل هذه العادة في تقديم هدية قيمة للمرأة التي أطعمت العائلة في شهر الصيام، وتكون غالباً قطعة من الذهب يهديها رب الأسرة لها صباح العيد، كما تقتضي الطقوس.
الحكاية الفلكلورية تروي أن تاجراً ثرياً كان يوزع "مهبة العيد" على أطفاله، وهي دراهم من الفضة والذهب، حين سقطت قطعة منها في فنجان القهوة، فقالت الزوجة مازحة: هذا نصيبي.
لكن أثناء غسلها للفنجان، وجدت الزوجة أن القطعة النقدية صغيرة جداً، فعادت إليه محتجة بالقول "هذا المبلغ لا يساوي حتى حق الملح" الذي تذوقته، أي ثمنه، فعوضها الزوج بدينار من الذهب ". لتصبح هذه العادة متوارثة في الأعياد، فبعد العودة من صلاة الفطر، حين ينتهي الزوج من شرب قهوته، وتذوق الحلوى المنزلية، لا يُعيد الفنجان فارغاً وإنما يضع بداخله قطعة من الذهب أو الفضة أو مبلغاً مالياً، تعبيراً منه عن شكره وتقديره لتعب زوجته في شهر الصيام.
تكريم للمرأة أم تثبيت النظام الذكوري؟وفي حين يحافظ البعض على هذا الموروث ويعتبرونه جزءاً من الهوية التونسية، يرى المهتمون بالدراسات الجندرية أن مثل هذه العادات التي تجاوزها الزمن، تثبّت فكرة "الأدوار الاجتماعية" والأنظمة التراتبية داخل العائلة والتي تختص فيها المرأة بالأعمال المنزلية والرعاية.
بعض الدراسات الأنثربولوجية اهتمت بموضوع "حق الملح" لدراسة دور المجتمع في تشكيل الهوية الجندرية للأفراد، وتوزيع الأدوار والمراتب وإعادة إنتاجها. ففي حين يبدو"حق الملح" تكريماً للمرأة واعترافا بقيمتها وبأهمية الأدوار التي تقوم بها، فهي تخفي آلية ثقافية ناعمة لتثبيت نظام اجتماعي ذكوري تراتبي يسخر المرأة للخدمة ويجعل كمال أنوثتها في أن تكون ربة بيت ناجحة تحوز الرضى.
وإذا تجاوزنا البعد الأخلاقي الذي يدور حوله ظاهر هذه العادة والمتمثل في الإيثار والاعتراف بتضحية الفرد( الزوجة) من أجل رعاية العائلة، نجد أن باطنها يتشابك فيه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، فكلمة "حق" في الدارجة التونسية تعني "الثمن" والثمن غالباً جزء من عملية تجارية قائمة على البيع والشراء، على التبادل والمقايضة، التي تكون في ظاهرها طوعية ولكنها في الحقيقة تقوم على جملة من الالتزامات.
وإذا ما عدنا إلى بحث مارسيل موس Marcel Mauss حول "الهبة" في المجتمعات التقليدية، نجد أن هذه العملية مبنية على (العطاء/واجب القبول/واجب إعادة العطاء) حيث تقدم الزوجة جملة من الهدايا بعضها رمزي وبعضها مادي، من خلال تذوقها الطعام وهي صائمة، وتأمين الأعمال المنزلية، وقد يبدو هنا تقديم القهوة والحلويات المستوى المادي الأكثر بروزاً لفعل العطاء. لكن الزوجة تكشف أيضاً انتظاراتها من عادة "حق الملح"، أما الزوج فيقبل هذا العطاء ويرد عليه بالمال والحلي.
آراء التونسيين والتونسياتولكن كيف نفهم إقبال بعض النساء اليوم من مختلف المستويات الاجتماعية على التفاخر بتلقي"حق الملح" وعرض ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، في عصر النضال من أجل المساواة والتخلص من الفجوة التي خلقها المجتمع بين الجنسين؟
تحدثت يورونيوز إلى عدد من التونسيات والتونسيين، للوقوف على آرائهم في مثل هذه الطقوس المتوارثة حتى اليوم.
ولا يبدو زميلنا سامي فرادي (56 سنة)، معنياً بالموضوع، ويرى أن الهدايا لتي يقدمها لا ترتبط بمناسبات، يقول "ذلك عائد لسببين اثنين، أولهما ذاتي ويتماشى مع تفكيري، فالهدية تعبير عن مشاعر آنية صادقة لا تحتاح برمجة مسبقة، والثاني موضوعي وهو أنك اذا ارتبطت بالمواعيد ستطالب بالهدايا في كل مناسبة أي كل يوم، حيث أصبحت المناسبات بحساب أيام السنة.." ويضيف سامي ضاحكاً: إن شاء الله أيامنا كلها أعياد.
تقول ليلى عيسى عمري (43 عاماً) من تونس العاصمة، إنها لم تسمع عن "حق الملح" إلا منذ عامين على مواقع التواصل، وتضيف: "حين استتفسرت أمي وخالاتي حول الموضوع، اكتشفت أن جدي كان يحرص على إعطاء "المهبة" لجدتي بعد عودته من صلاة العيد، ولم يتخلَّ عن تلك العادة طوال حياته، وقالت إحدى خالاتي مازحة +جدك كان رومانسي+. وسكت لأن أبي وزوجي ليسا رومانسيين، أما أخي فقد قال إنه الأحق بالهدية لأنه هو من يتذوق الطعام".
وتقول رحاب (30 عاماً) من عين دراهم: المرأة في تونس لم تعد مجبرة على إعداد الفطور وحدها، إذ أصبح الجميع يشارك في ذلك من أطفال وزوج، وبعيداً عن العادات والتقاليد، أرى أن حق الملح هدية لطيفة تدخل البهجة على القلب وتظل في النهاية لمن استطاع إليها سبيلا.
أما روضة تركي (45 عاماً) من مدينة صفاقس، فترى أن زوجها يستحق حق الملح بالقدر نفسه الذي تستحقه هي، وفي منشور على فيسبوك، وضعت ورقة نقدية من فئة خمسين ديناراً في فنجان القهوة وكتبت: "حضرت حق اللملح لزوجي الذي شاركني تحضير الطبق الرئيسي والسلطة طيلة شهر رمضان في حين اكتفيت أنا بإعداد بالشوربة والبريك. وأضافت: نحن النساء لا ننكر الجميل.
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شاهد: تحت كسوف نادر للشمس.. وحدها الحمم البركانية تضيء سماء آيسلندا فيديو: توقيف مروري يتحول إلى جريمة مروعة وشرطة شيكاغو تطلق 100 رصاصة النزيف الاقتصادي يبلغ 56 مليار دولار.. تعرّف على خسائر إسرائيل بعد 6 أشهر من الحرب في غزة عيد الفطر تقاليد وممارسات رمضان نسوية تونسالمصدر: euronews
كلمات دلالية: السياسة الأوروبية السياسة الأوروبية السياسة الأوروبية عيد الفطر رمضان نسوية تونس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قطاع غزة غزة إسرائيل عيد الفطر حركة حماس الشرق الأوسط الضفة الغربية إيطاليا حزب الله مجاعة السياسة الأوروبية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة إسرائيل قطاع غزة عيد الفطر حركة حماس السياسة الأوروبية یعرض الآن Next هذه العادة عید الفطر من الذهب
إقرأ أيضاً:
سوريا وثروتها المخبأة.. مناجم عملاقة تشكل رافعة اقتصادية واعدة بمرحلة إعادة الإعمار
تضم سوريا بين ثراها الطبيعية مجموعة من أبرز 5 مناجم تمتلك احتياطيات ضخمة ومتنوعة تشمل الفوسفات، الملح، الرخام، الحجر الكلسي، والبازلت، ما يجعلها من الركائز الاقتصادية الحيوية في البلاد، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار.
وبحسب تقرير منصة “الطاقة”، تتميز هذه المناجم بتنوع جيولوجي عميق يفتح آفاقاً استثمارية واعدة رغم التحديات الأمنية والاقتصادية، ويؤكد التقرير أن هذه المناجم تمثل رافعة استراتيجية أساسية للاقتصاد السوري.
وعلى رأس هذه المناجم يأتي منجم الشرقية أو “الصوانة الشرقية” الذي يبعد 45 كيلومتراً جنوب غربي تدمر، ويُعد الأكبر من حيث الاحتياطيات بإجمالي 858 مليون طن من الفوسفات القابل للاستثمار، بطاقة إنتاجية تصل إلى 1.5 مليون طن سنوياً، ويتم استخراج الفوسفات فيه عبر تقنيات متطورة ونقله إلى مصانع الأسمدة في حمص وميناء طرطوس.
يليه منجم خنيفيس، الذي بدأ العمل فيه في السبعينيات، ويتميز بارتفاع جودة خامس أكسيد الفوسفور بين 28% و34%، مع احتياطات تصل إلى 24.6 مليون طن، وطاقة إنتاجية سنوية تبلغ نحو مليون طن، إضافة إلى معمل تجفيف بطاقة 650 ألف طن.
ومنجم الجبول في سبخة الجبول جنوب شرقي حلب، هو من أكبر مصادر الملح الصناعي في سوريا، ويحتوي على نحو 350 مليون طن من الاحتياطيات، ويستخدم الملح في الصناعات الكيميائية والغذائية، إضافة إلى دعمه للاقتصاد المحلي.
أما الرخام والحجر الكلسي فموزعة في محافظات عدة كحلب واللاذقية وإدلب وحمص، وتتنوع أنواعهما وألوانه، مستخدمين في الإكساءات، الأرضيات، والديكور، بينما يُستخرج الحجر الكلسي من مناطق مثل كفربهم وأوغاريت ويُستخدم في صناعة الأسمنت والبناء.
وفي الجنوب السوري، تنتشر صخور البازلت في محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة، وهي مادة أساسية في البناء وصناعة الأسمنت والزلط، حيث يتم استخراجها من خلال الحفر والتفجير قبل تشكيلها في المعامل.
وتؤكد منصة “الطاقة” أن هذه المناجم ليست مجرد موارد طبيعية فحسب، بل تشكل مستقبل الاقتصاد السوري الواعد في مرحلة التعافي، خاصة مع الاهتمام الدولي المتزايد بقطاع التعدين، ما يجعل الاستثمار الأمثل في هذه المناجم ضرورة لتعزيز النمو الاقتصادي والتصدير ضمن بيئة قانونية واقتصادية ملائمة.