الثورة نت:
2025-08-02@23:19:26 GMT

غزة .. وإسقاط الأسطورة

تاريخ النشر: 3rd, August 2025 GMT

 

 

على مدار المواجهات المتكررة مع قطاع غزة، برزت بوضوح إخفاقات الاحتلال الصهيوني في تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية، لتتوج هذه الإخفاقات اليوم بطوفان الأقصى ومحرقة غزة الكبرى. لم يعد هذا مجرد انطباع فلسطيني أو رؤية ميدانية محدودة، بل تحول إلى واقع ملموس يعترف به قادة الاحتلال ومفكروه الاستراتيجيون، الذين يعترفون بسقوط ما كان يُعتبر “الجيش” الأسطورة، الذي استند لسنوات على الردع والقوة العسكرية الساحقة.


كشفت غزة هشاشة تلك الأسطورة، وأظهرت أن الاعتماد على قواعد الاشتباك التقليدية وكثافة النيران والعمليات العسكرية الممنهجة ضد المدنيين لا تحقق الانتصار ولا تؤسس لمعادلات مستقبلية ناجحة. إذ تجاوزت المقاومة الفلسطينية، من خلال إرادتها الصلبة وقدراتها التكتيكية، الحواجز التقنية والجدران الذكية، لتضرب العمق الاستراتيجي للكيان المحتل وتضعه أمام تآكل متسارع على الصعد العسكرية والسياسية والاجتماعية.
في ظل هذه المعطيات، يواجه القرار الصهيوني أزمة استراتيجية عميقة، حيث تجلت حالة الانقسام والتباين داخل المجتمع وأطيافه السياسية المتطرفة، ما أدى إلى تعثر في صياغة موقف حاسم تجاه ملف غزة، وفتح الباب أمام سيناريوهات محفوفة بالمخاطر لاستعادة الردع المفقود، التي يراها محللون عسكريون (إسرائيليون) مغامرات قد تفضي إلى كارثة.
وفي هذا السياق، تبدو محاولات الاحتلال في قتل المدنيين وتجويع السكان، من أعلى المستويات السياسية إلى القيادة العسكرية، مساعي يائسة لإعادة رسم صورة “إسرائيل القادرة”. غير أن المعطيات الميدانية تؤكد أن إسقاط غزة بات مستحيلاً، وأي مغامرة من هذا النوع قد تمثل المسمار الأخير في نعش الكيان الظالم الذي لم يكتب له الاستمرار لما بعد العقد الثامن.
اعترافات متزايدة من داخل الأوساط الأمنية والسياسية الصهيونية تكشف عن فشل الاستراتيجية الحربية، التي تحولت من شعارات “النصر الكامل” و”إبادة المقاومة” إلى أعباء ثقيلة مع تزايد الخسائر البشرية واستنزاف القوات، وتراجع الدعم الدولي، وانهيار صورة الجيش في أعين الرأي العام العالمي وحتى داخل صفوف الجيش نفسه، مع تحميل نتنياهو المسؤولية المباشرة عن هذا الفشل المستمر، والذي بات سؤالاً وجودياً للكيان الصهيوني بأسره.
(إسرائيل) اليوم أمام خيارات ضيقة ومأزق مركب، إما الهزيمة الاستراتيجية، وفق تحذيرات قيادات عسكرية غربية، وما يعنيه ذلك من انهيارات داخلية وتراجع على الساحة الإقليمية والدولية، أو الدخول في إدارة صراع مستدام بحدود ضيقة، تعتمد على ردع هش لا يتجاوز إطار التغطية الإعلامية والتصريحات السياسية، فيما الشعب الفلسطيني يثبت أن المقاومة التي تقاتل من أجل الوجود لا تُقهَر.
مع استمرار مأساة غزة، تتسارع الأحداث نحو أسوأ السيناريوهات المحتملة لانهيار الكيان الصهيوني، بدءاً من تصاعد الوعي الوطني الفلسطيني الذي يحول الهوية إلى مشروع تحرر ذكي وشامل، مروراً بهجمات نوعية تعرقل العمق الصهيوني تكنولوجياً ونفسياً، وانهيار الجبهة الداخلية بإشكالات نفسية وهجرات متزايدة، وصولاً إلى انكشاف الفساد الداخلي وتفكك الثقة في المؤسسات العسكرية والقضائية.
في ظل تصاعد الضغوط الديموغرافية، وتراجع الردع النووي، وامتداد حالات التمرد داخل صفوف الجنود، وانهيار الاقتصاد، تتجه (إسرائيل) نحو فوضى سياسية واجتماعية مفتوحة، تعززها انتفاضات داخلية وعمليات مقاومة في العمق، ما يؤدي إلى تدهور الأمن الداخلي وتزايد حالة الرعب بين المستوطنين، في وقت تخسر فيه تل أبيب حلفاءها الدوليين وتُترك لمواجهة مصيرها المحتوم.
في المحصلة، فرضت غزة معادلة جديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث لم تعد (إسرائيل) وحدها من يحدد قواعد اللعبة، بل باتت المقاومة الفلسطينية طرفاً فاعلاً قادراً على هدم الأساطير السياسية والعسكرية، وخلق مآلات معقدة تتطلب من صناع القرار الإقليميين والدوليين إعادة تقييم مواقفهم. ويبقى السؤال المصيري: هل سيتجه الإقليم إلى استثمار هذا الواقع الجديد نحو إدارة تفاوضية متوازنة تنهي محرقة غزة، أم سيغرقون المنطقة في أزمات متتالية تهدد استقرارها بأسره.

*رئيس مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

محاضرة للدكتور إبراهيم دراجي حول المشاركة السياسية للمرأة السورية

دمشق -سانا

نظّم الصالون الثقافي في جمعية تاء مبسوطة ندوة حوارية للباحث الدكتور إبراهيم دراجي بعنوان المشاركة السياسية للمرأة السورية في قاعة بغداد بفندق غولدن مزة، بحضور عدد من الناشطات والمهتمين.

مقالات مشابهة

  • المقاومة تستهدف مقر قيادة للعدو الصهيوني في خان يونس
  • الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تحذر من اختفاء أوكرانيا كدولة
  • أسبوع مصيري| خلافات في إسرائيل بين القيادة السياسية والعسكرية.. ما القصة؟
  • شاهد.. ذكرى اغتيال هنية حاضرة بالمغرب وفعاليات تندد بجرائم إسرائيل
  • تشاؤم في إسرائيل من عودة المفاوضات.. ماذا بشأن العملية العسكرية؟
  • محاضرة للدكتور إبراهيم دراجي حول المشاركة السياسية للمرأة السورية
  • ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط لحرف البوصلة
  • ضياء رشوان: جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني تستحق الغضب والتظاهر
  • قوات القاسم تعرض مشاهداً لقصف تحشدات العدو الصهيوني بجباليا البلد