ترسيخ سيادة القانون ضرورة لازمة لتحقيق الإصلاح المؤسسى
تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT
كلما فكرت فى كلمة «إصلاح» ألحت على الخاطر كلمات مصاحبة، ربما أبرزها كلمة «قانون»، ذلك لأنه لا إصلاح مؤسسيًا حقيقيًا دون إنفاذ تام للقانون بما يجعله سائدًا ومهيمنًا وحاكمًا لكل إجراء وتطبيق.
وكثيرًا ما أكرر أن سيادة القانون هى الإطار الحاكم لدولة المؤسسات العصرية التى نرجوها. لا تقدم ولا عدالة بعيدًا عن تغليب القانون، والاحتكام إليه، فوجود مرجعية ضامنة للحقوق والإلتزامات هو السبيل والضمان الأمثل للعدل المرجو.
ولا شك أن النظر إلى مستوى إنفاذ القانون وسيادته فى بلد ما يتطلب قياسًا للوقوف على إذا ما كان هذا البلد فى حاجة لسياسات إصلاحية حقيقية أم لا، وربما يُعد أبرز معيار للقياس هو تقرير مشروع العدالة الدولية، والصادر لعام 2022/ 2023 والذى يُصنف 142 دولة فى العالم فيما يخص سيادة القانون، ودوره فى تحقيق العدالة.
إننا لا نستغرب قطعًا أن نجد دولة مثل الدنمارك، وهى دولة رائدة فى التنمية المستدامة تحتل المركز الأول عالميًا فى تقرير العدالة، ذلك لأن منظومة القانون وتطبيقه فيها يمثل صورة نموذجية مبهرة. كما لا نستغرب أن تليها فى التصنيف دول أخرى متقدمة مثل النرويج، ثم فنلندا، والسويد، وألمانيا، ولكسمبورج، وهولندا، ونيوزيلندا، واستونيا، ثم إيرلندا فى المركز العاشر.
كما لا نستغرب أن يتضمن الترتيب التالى كلا من النمسا، كندا، استراليا، اليابان، المملكة المتحدة، بلغاريا، سنغافورة، ليتوانيا، كوريا الجنوبية، والتشيك، فهى جميعًا دول تتمتع بفعالية كبيرة لمؤسساتها وإنفاذ حقيقى للقانون.
ويبدو منطقيًا أن تأتى دولة مثل الإمارات العربية المتحدة كأفضل دولة عربية فيما يخص العدالة والقانون، إذ تأتى فى المركز الـ37، كذلك تأتى رواندا كأفضل دولة إفريقية فى هذا الشأن باحتلالها المركز الـ41.
لكن ما يبدو مزعجًا لنا هو أن مصر ـ مع كل الإصلاحات الجارية والمشروعات العملاقة والسعى الحثيث للتنمية ـ مازالت تحتل مركزًا متأخرًا فى هذا التقرير، إذ تأتى فى المركز الـ136 عالميًا، لتتقدم عليها دول عربية وإفريقية عديدة مثل الكويت، الأردن، تونس، جنوب إفريقيا، الجزائر، المغرب، ولبنان.
وإذا كان لنا أن نفكر تفصيليًا فيما اعتمد عليه التقرير من مؤشرات لقياس تطبيق العدالة، فسنجد أن هناك ثمانية محاور أساسية تمثل نقاط للتقدم فى المؤشر العالمي، وهى بالترتيب: الرقابة على الحكومة، غياب الفساد، الحكومة المنفتحة، الحقوق الأساسية، الأمن العام، إنفاذ القانون، العدالة المدنية، والعدالة الجنائية.
ووفقًا للمحور الأول، فإن تراجع حرية التعبير وتراجع فاعلية المجتمع المدنى فى مصر أدى لضعف الرقابة على أداء الحكومة ما جعل مصر تحتل المركز الـ140.
لكنها حققت فى المحور الثاني، وهو غياب الفساد نتائج أفضل، إذ جاءت فى المركز الـ104. أما فيما يخص الحكومة المنفتحة فقد جاءت مصر فى المركز الـ140، كذلك فإنها فيما يخص الحقوق الأساسية فقد جاءت فى المركز الـ138
ثم نجد ترتيبها أفضل كثيرا فيما يخص تحقيق الأمن، إذ تأتى فى المركز الـ112، وتحتل الترتيب الـ131 فيما يخص إنفاذ القانون، والمركز الـ127 فيما يخص العدالة المدنية، ثم نجدها فى المركز الـ108فيما يخص العدالة الجنائية.
ولا شك أن ذلك يدفعنا للتفكير والبحث فيما يجب فعله لترسيخ سيادة القانون، وتفعيل الإصلاح المؤسسي، متذكرين فى هذا الصدد مقولة الرئيس لى كون يون، مؤسس سنغافورة الحديثة التى تقول «إن تغيير حكومة بعد حكومة فى ذات المناخ يؤدى إلى فشل ذريع ونتائج مشابهة ما لم يكن هذا التغيير مصحوبًا بتغيير مؤسسى حقيقي».
وسلامٌ على الأمة المصرية
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د هانى سرى الدين اصلاح سیادة القانون فى المرکز فیما یخص ا فیما
إقرأ أيضاً:
جمانة نظمي: إصلاح قوانين الإيجار القديم ضرورة تشريعية.. والتوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين لا يحتمل التأجيل
يعد ملف الإيجار القديم من أكتر القضايا التي تثير جدل كبير في المجتمع، لأنه يهم حياة ملايين المواطنين، سواء من الملاك أو المستأجرين.
تتقاطع في هذا الملف مصالح متضادة، وتتشابك فيه الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، مما يجعله من أعقد القضايا التي تواجه الشارع المصري في الوقت الراهن.
وتزداد حساسية القضية في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة التي تمر بها البلاد، والتي تضع المواطن البسيط في مواجهة قلق دائم بشأن خطر فقدان المأوى وعدم وجود البديل المناسب.
قالت جمانة نظمي، معيدة بكلية العلوم السياسية، جامعة بدر ان تعود أزمة الإيجار القديم إلى عقود مضت، حين أقرت تشريعات استثنائية لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر في ظل أزمة سكنية حادة، ومع مرور الزمن، أصبحت هذه القوانين عبئًا على سوق العقارات، إذ أدت إلى تشوهات عميقة في العلاقة بين الطرفين، وخلقت أوضاعًا غير متوازنة بين حقوق الملاك ومصالح المستأجرين، واليوم، أصبح من الضروري إعادة النظر في هذه التشريعات بما يحقق العدالة والاستقرار الاجتماعي، ويراعي المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على المجتمع المصري.
وأوضحت قائلة انطلقت أولى جلسات لجنة الإسكان بمجلس النواب لمناقشة مشروعي قانون الإيجار القديم المحالين من الحكومة في 4 مايو 2025، وقد أبدى عدد من النواب اعتراضهم على الصيغة الحكومية المقترحة، معتبرين أنها تهدد استقرار ملايين الأسر المستأجرة وتفتقر إلى العدالة الاجتماعية، كما انتقدوا غياب الدراسات الاقتصادية والاجتماعية الكافية التي تدعم تطبيق القانون، بالإضافة إلى افتقار الحكومة للبيانات الدقيقة حول أعداد المستأجرين الأصليين والأجيال التالية.
وتابعت قائلة في هذا السياق، تم طرح إلغاء المادة 2 المتعلقة بمدة الفترة الانتقالية وهي سبع سنوات وأيضًا تتعلق بما يخص الجيل الثاني بعد المستأجر الأصلي، كما أوصت المحكمة الدستورية العليا، كذلك، اقترح البعض فترة انتقالية تصل إلى عشر سنوات، بينما رأى آخرون ضرورة تمديدها حتى وفاة المستأجر الأصلي.
وأكدت ان النواب خلال المناقشات أبرزوا عدة تحفظات، من بينها افتقار المشروع لدراسات اقتصادية واجتماعية تدعم تطبيقه، وعدم وضوح آليات تنفيذ المواد المتعلقة بتوفير السكن البديل وتعويض المتضررين، كما أشاروا إلى أن المذكرة الإيضاحية المصاحبة لم تتضمن بيانات كافية حول الآثار المتوقعة لتطبيق المادة الخامسة التي تنص على إنهاء العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات، ما أثار تساؤلات حول مدى واقعية تطبيق القانون دون خطة تنفيذية واضحة.”
وأشارت نظمي إلى أن الحكومة، على لسان وزير شؤون المجالس النيابية، أكدت أن مشروع القانون جاء استجابة لحكم المحكمة الدستورية العليا، وأنها لا تفرض قانونًا جاهزًا، بل تطرح رؤيتها للحوار المؤسسي مع البرلمان.
وأضافت شدد وزير الإسكان على أن الدولة تضع البعد الإنساني والاجتماعي في الحسبان، ولن تسمح بإخراج أي مواطن من منزله دون توفير بديل مناسب، مع التزام الوزارة بتشكيل لجان ميدانية لتقييم الحالات الواقعية وتحديد المستحقين للدعم أو التعويض، وأوضح أن تحرير العلاقة الإيجارية لن يتم إلا بعد ضمان توفير بديل مناسب لكل مستأجر متضرر، وأن الدولة لن تتنصل من مسؤولياتها الاجتماعية.”
وتابعت لا تزال مشكلة افتقار الحكومة للبيانات الدقيقة حول أعداد المستأجرين الأصليين والأجيال التالية تمثل تحديًا كبيرًا أمام البرلمان والحكومة، فقد وصف رئيس مجلس النواب البيانات المقدمة بأنها غير دقيقة وغير كافية، وطالب بتأجيل المناقشات حتى توافر المعلومات المطلوبة، وهو ما يعكس حرص المجلس على إصدار قانون متوازن يحمي حقوق الجميع ويستند إلى أسس علمية، وأشار رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن عدد الأسر المستأجرة إيجارًا قديمًا يبلغ نحو مليون و600 ألف أسرة، إلا أن البيانات حول المستأجرين الأصليين والأجيال التالية ما زالت محل جدل ونقاش.
وأكدت جمانة نظمي على أهمية الحفاظ على التوازن بين حقوق المالك وظروف المستأجر، مع ضرورة التزام الحكومة بتوفير بدائل سكنية مناسبة، ومد الفترة الانتقالية قبل إنهاء عقود الإيجار القديم إلى عشر سنوات، مراعاة للبعد الإنساني والاجتماعي، خاصة بالنسبة لكبار السن والأسر الأكثر احتياجًا.
وأضافت أن القضية تمثل رأيًا عامًا وتمس كل مواطن مصري، وأن التعامل معها يجب أن يتم بحذر وتدرج، مع ضرورة الحوار المجتمعي الواسع والاستماع إلى كافة الآراء والخبرات.
وأردفت أكد وزير الإسكان أن البعد المجتمعي يحتل أولوية قصوى في تنفيذ القانون، وأن لجانًا سيتم تشكيلها تحت إشراف المحافظين لتقييم الحالات الواقعية للوحدات المؤجرة، وذلك لضمان العدالة الاجتماعية وتحديد المستحقين للدعم، كما أشار إلى أن الدولة نفذت ما يقرب من خمسة ملايين وحدة سكنية خلال السنوات العشر الأخيرة، ما يوفر قاعدة جيدة لتوفير البدائل السكنية للمستحقين، وأن الفترة الانتقالية المقترحة لإنهاء العلاقة الإيجارية تم تحديدها وفقًا للمتطلبات الفعلية، وستتم مراجعتها بناءً على الرصد الميداني المستمر.
وقالت نظمي رغم التوترات اللحظية التي شهدتها جلسات البرلمان، إلا أن المتوقع هو حدوث تعاون وتنسيق كبيرين بين الحكومة والبرلمان المصري لحل الأزمة، خاصة مع استعداد الحكومة لتقديم بيانات أكثر دقة وتفصيلًا في الجلسات القادمة، كما ينتظر أن يتحلى البرلمان بآفاق أوسع للنقاش الديمقراطي وتبادل الآراء والخبرات بموضوعية، مع استمرار التنسيق بين الجانبين للرصد والتقييم حتى بعد إقرار القانون، تحسبًا لأي مستجدات أو تغييرات في الظروف.
واختتمت جمانة نظمي تصريحاتها قائلة أعلنت الحكومة التزامها بعدم الإضرار بالمواطن أو حرمانه من حقوقه أو من الحياة الكريمة، بل أكدت أنها تعمل على توفير التسهيلات قدر الإمكان، مع إعطاء الأولوية للمتضررين الأكثر احتياجًا في الحصول على تعويض أو بدائل سكنية، وتعهدت بتكثيف العمل على ذلك بعد الموافقة على مشروع القانون، مع ضرورة التحلي بالتيقظ والمرونة والمتابعة المستدامة وتحديث المعلومات بشكل دائم.
وأكدت في ختام حديثها أن إصلاح منظومة الإيجار القديم في مصر يمثل تحديًا تشريعيًا واجتماعيًا واقتصاديًا بالغ التعقيد، يتطلب تضافر الجهود بين الحكومة والبرلمان، وتوفير بيانات دقيقة، وحوارًا مجتمعيًا واسعًا، مع التزام راسخ بعدم الإضرار بأي طرف، وضمان حق المواطن في السكن الكريم والاستقرار الاجتماعي، القضية ليست مجرد ملف تشريعي، بل هي قضية رأي عام تمس كل بيت مصري، ويجب أن يكون التعامل معها على قدر عالٍ من المسؤولية والوعي والعدالة.