جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-27@17:25:26 GMT

أمة في قلب رجل

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

أمة في قلب رجل

 

 

الطليعة الشحرية

 

تُختصر وتُختزل الأمم بالمواقف والأفعال الثابتة على مبادئ الحق والعدالة والمساواة، واختلت موازين القيم اليوم وتكشفت هشاشة وتعفن قلب هذه الأمة.  تمر الأمة الإسلامية بسنوات ضعف جديدة مُنذ انهيار الدولة العثمانية ودخول المستعمر الإمبريالي وتقسيم الشرق إلى دويلات وإنشاء كيانات وظيفية بعضها حديث النشأة وفق أنظمة وانتماءات منقوصة.

سنوات الضعف التي تعيشها الأمة الإسلامية لم تنته ولم يستفق أحد من غيبوبته وسكرة مخدرات القوميات والنزاعات المذهبية والطائفية. تشبه سنوات الضعف للأمة الإسلامية بحرب الأفيون الأولى والثانية والتي أشعلتها القوى الاستعمارية البريطانية مع الصين وانتهت بسقوط سلالة تشينغ الصينية وانتهاء الإمبراطورية الصينية. تُعتبر حرب الأفيون من أقذر الحروب في التاريخ.

حرب الأفيون والشرق الأدنى

نشب نزاع مُسلح بين بريطانيا الاستعمارية وسلالة تشينغ ومن ثم انضمت فرنسا إلى جانب بريطانيا في حرب الأفيون الثانية وتعرف أيضًا باسم "حرب السّهم" أو "الحرب الأنجلو-فرنسية في الصين".

أدّت الحروب والمعاهدات التي فُرضت تباعًا إلى إضعاف أسرة تشينغ والحكومة الإمبراطورية الصينية، وأجبرت الصين على فتح موانئها أمام حركة التجارة الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، أخذت بريطانيا حقّ السيادة على هونغ كونغ.

وبنفس الخطوات التي أسقطت سلالة تشينغ الصينية تم إسقاط الدولة العثمانية وأضعاف الشرق الأوسط؛ فتاريخيا الشرق هو قلب الصراعات مُنذ بزوغ فجر الإمبراطوريات، فلا تتحققت سيطرة لأي تكتل أو قوة إلّا ببسط السيطرة على الشرق سواء كان بتحالفات أو معاهدات أو تشكيل مُعسكرات ولاء. وهناك من يدين بالولاء للدولة الرومانية وهناك من يدين بالولاء للدولة الساسانية، بينما ينشغل تلك التكتلات الوظيفية الموالية بخلق نزاعات قبلية وقومية، ومذهبية، وطائفية وحزبية. اللعبة ذاتها لم تتغير وإن تطورت مسمياتها.

الرجل المريض لم يُشفَ بعد..

سمى الأوربيون الدولة العثمانية إبان أفولها بـ"الرجل المريض" وهو تشبيه صائب، لكن تلك الصورة لم تنته؛ بل اختُزلت في إطار ومساحة العثمانيين، والحقيقة أنَّها صفة أوسع وأشمل للعالم الإسلامي اليوم. عالمٌ لم يشف من الاستعمار وتآمره، يتعايش مع سنوات الضعف بكل أريحية، وقسمٌ منهم تتم إبادته وترتكب المجازر بشكل مُتكرر منذ 7 من أكتوبر 2023، والكل متفرج ويدعو لضبط النفس. وهناك قسم آخر يُقتل ويُغتصب وبصمت في السودان وسوريا، أليس من الغريب أن تجتمع على هذه الأقسام جميعها صفة التفرُّج بصمت وكأنَّه شريط سينمائي أنتج لشارلي شبلن بالأبيض والأسود، البطل فيه صامت والجمهور يشيح بوجهه ويدعو الله بريبة القلق.

تفوقنا على أنفسنا اليوم بالقدرة على الحديث والانتقاد وللأسف نحو الاتجاه المعاكس. وعندما تُختزل قضية الأمة وتُقزّم وتُؤطر في نطاق قومي طائفي ضيق فما ذلك سوى عملية تهميش، وما يحصل اليوم في سوريا وغزة والسودان سيطال الجميع بلا استثناء إن لم ينبض القلب الضعيف للرجل المريض.

قلب الأمة في رجل

لا يتطاول التائهون في الأرض إلّا على العظماء، وموقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي والتزامه وثباته على الحق تجاه القضية الفلسطينية رغم أنوف المتصهينين العرب والكيانات الوظيفية المتصهينة الذين يحاولون التشويش على صوته، بإطلاق حملات وحرب إلكترونية شعواء وإن حاولت التشويه وتحريف الكلام أحيانا بأهمية ما يصرح به سماحته وخصوصًا في مثل هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها الأمة الإسلامية. سماحة الشيخ لا يتحدث من منطلق مذهبي أو من رؤية مقتصرة على منظورات أٌحادية، وإنما يتحدث بلسان وقلب الأمة الإسلامية ذات الإرث التاريخي الضخم والمتعدد الأقطاب، ولا يقبل المركزية والمقتصرة على قومية وعرقية وحزبية وطائفية لا تسمح بالشمولية. ولا ينسى كل من يحرك لجانه الإلكترونية بتخبط وعشوائية اعتدنا عليها من طُعم تائهة. مقولة سماحة الشيخ في أحد اللقاءات المتلفزة عند التطرق إلى المذهب مقولته الشهيرة "كلها ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسدِ".

الاصطفاف استراتيجي

في لحظات الانفلات والتحرر من الأطر العبثية المفروضة، نهرب أحيانًا من ضجيج وصخب هذا العالم المكتظ بالمسميات والألقاب، عالم يتقيأ فيه التائهون والمشوهون باحثين عن سلام التطبيع مع كيان لقيط، ويتحايلون على الأمة المريضة بعقلها الجمعي المُغيّب مؤقتًا، خشية الاستيقاظ القادم بعد أن تستفحل فوضى ربيعية أخرى.

بلاء هذه الأمة النائمة وجود كيانات وظيفية تائهة تقتات في غيها وطغيانها على البترودولار وتستمد وجودها من حداثة بلا أصالة، تعلم يقينًا أن مجرد فكرة اصطفاف استراتيجي شرق أوسطي إسلامي، يشمل كل الأقطاب- وإن تنوعت القوميات واختلفت المذاهب والطوائف- يقوِّض وجودها ككيان وظيفي يخدم مصالح المشروع الاستعماري الإمبريالي الصليبي الصهيوني. فيتضخ الدعم المنقطع النظير لتشكيل خلايا وذباب إلكتروني يُقلِّب ويُوجِّه الرأي العام.

ولذا يتوجب على العلماء والمفكرين والمثقفين والمنظرين والمشاهير في هذه الأمة إخراج رؤوسهم من جحر النعامة الذي دُفنوا فيه، فحق الكلمة واجب، والأخلاق الإنسانية تُحتم عليهم فض غبار الاستعمار الطوعي، والسعي لوضع مشروع استراتيجي تصطف حوله كل الأطياف والقوميات تحت لواء أممي.

ماذا لو- تخيل فقط- تجمعت القوميات والطوائف والمذاهب تحت تحالف استراتيجي شرق- أوسطي يشمل إيران وتركيا ودول الشرق الأوسط والتي هي نقطة التقاء للتدافع والصراع الحضاري تاريخيًا، فإذا تشكَّل هذا التحالف والتكتل بثقله السكاني المالي وثرواته  وارتحل به بحرية  الأفراد  والأفكار، فمن ستسوِّل له نفسه إعادة تشكيل الخريطة وإعادة التقسيم والتهجير والإبادة؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مجاهدو غزة يكتبون تاريخ الأمة من جديد

 

– في زمن التخاذل والصمت العربي الرسمي، وفي خضم عالم يغرق في ازدواجيته الأخلاقية، تظل غزة عنواناً للفداء، وصوتاً ناطقاً باسم الحق، وبوصلة لا تحيد في وجه الطغيان. لم تعد غزة مجرد مدينة أو قطاعاً محاصراً منذ سنوات، بل صارت رمزاً لمشروع مقاومة متجذّر، يتجاوز حدود الجغرافيا ليعيد تعريف الكرامة والحرية والرجولة في أمة أُريد لها أن تركع.

– لقد أذهل صمود المجاهدين في غزة العالم، ووقف العدو قبل الصديق أمام هذا الثبات المذهل الذي لا تفسّره موازين القوى المادية، بل موازين الإيمان والوعي والبصيرة. هؤلاء ليسوا جنوداً عاديين ولا مقاتلين مأجورين، بل حملة مشروع، ومجاهدون يحملون راية الأمة، ويقاتلون بالنيابة عن كرامة شعوب صمتت حكوماتها، وتنكرت لها أنظمتها.

– من يظن أنه سيُخضع هؤلاء فهو واهم، بل مجنون، فهؤلاء الذين خرجوا من أزقة المخيمات وتحت الحصار، صاغوا ملحمة ستتحدث عنها الأجيال. هم فتيةٌ آمنوا بربهم، فزادهم هدى، وثباتاً، وبصيرة لا تضاهى. يواجهون العدو الصهيوني المدجج بأعتى الأسلحة والمدعوم من الغرب، ولكنهم لم يهتزوا، ولم يتراجعوا، بل يسطرون أروع فصول البطولة والإيمان.

– وفي مقابل هذه الملحمة البطولية، يتجلى المشهد الدولي والعربي في أقبح صوره: أنظمة عربية تطبع مع العدو وتغض الطرف عن مجازره، فيما دول كبرى تُظهر تعاطفاً إعلامياً وتقدم الغطاء السياسي والعسكري للقاتل. لم يعد الغرب بحاجة لإخفاء نفاقه، فصوته يرتفع دفاعاً عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، بينما جثث الأطفال تُنتشل من تحت الأنقاض، ويُباد شعب بأكمله أمام أعين البشرية.

– أما الموقف العربي الرسمي، فهو مشلول، عاجز، بل ومشارك في بعض الأحيان بصمته وتواطئه. لكن ما زال هناك أمل متجدد في الشعوب الحيّة التي خرجت تهتف لفلسطين في الشوارع، وتضغط من أجل موقف أخلاقي يعيد التوازن للصوت العربي الغائب في المؤسسات الرسمية.

– وحدها جبهة اليمن المقاوم – وعلى رأسها السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي- وقفت بوضوح وقوة إلى جانب فلسطين. كانت المواقف المعلنة صريحة، والأفعال تسبق الأقوال. أطلقت صنعاء الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو العدو، لا لتُغير معادلة ميدانية فحسب، بل لتقول للعالم: إن هناك أمة لا تزال حيّة، تقف مع مظلوميها، وتقاتل مع قضاياها العادلة.

– ما يجري في غزة اليوم ليس معركة حدود، بل مواجهة بين مشروعين: مشروع الهيمنة الصهيونية الأمريكية الذي يسعى لإخضاع الشعوب ونهب مقدراتها، ومشروع قرآني تحمله قوى المقاومة، يبشّر بعالم جديد قوامه العدل والكرامة والحرية.

– المجاهدون في غزة ليسوا مجرد مقاتلين، إنهم طليعة أمة، وصفوة رجال، ومشروع مستقبلي يكتب بالدم والإيمان تاريخاً مختلفاً عن الهزائم المتراكمة. وكل شهيد يسقط، وكل بيت يُقصف، يزيد جذوة هذا المشروع اشتعالاً، ويُقرب لحظة النصر الحتمية التي لا شك فيها.

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • عيون الأمة الحارسة والمرابطة.. مشاتل التغيير (20)
  • رئيس مجلس النواب يهنئ الأمة الإسلامية بقرب حلول عيد الأضحي
  • الأمة متغافلة في نصرة الأقصى
  • ما يمكن الخروج به من لقاء مبارك الفاضل أنه رجل يفتقر المبدأ والحياء
  • صنعاء هي القمة
  • حركات المقاومة الفلسطينية تستنفر أبناء الأمة العربية والإسلامية للدفاع عن الأقصى.. وهذا ما حدث اليوم؟!
  • اختتام أنشطة الدورات الصيفية في حجة
  • أحزاب اللقاء المشترك: انتصار المقاومة اللبنانية على العدو علامة فارقة في تاريخ الأمة
  • مجاهدو غزة يكتبون تاريخ الأمة من جديد
  • غزة.. بين الخذلان والعزيمة