غزة- مع دقات الساعة الرابعة عصرا يبدأ محمد (اسم مستعار) -وهو أحد سكان مدينة غزة- بالمشاركة في مهمته اليومية المتمثلة بتأمين شاحنات المساعدات التي تصل إلى شمال القطاع قادمة من جنوبه.

ومهمة محمد لا تعد سهلة، بل محفوفة بخطر الموت، وهو ما يدفعه إلى الجلوس مع أطفاله الثلاثة قبل مغادرته البيت كي يلاعبهم ويقضي معهم أطول وقت ممكن، قبل أن يتجه إلى شارع صلاح الدين ويقترب قدر الإمكان من دوار الكويت الذي يعد النقطة الأولى لوصول شاحنات المساعدات.

يعمل محمد -الذي لم يفصح عن هويته خشية الاستهداف الإسرائيلي- ضمن اللجان العشائرية والشعبية التي تم تشكيلها بغرض تأمين شاحنات المساعدات الواصلة إلى شمالي القطاع، حيث تصر على الاستمرار في عملها رغم استمرار خطر استهدافها.

مهمة المخاطر

يشرح محمد في حديثه للجزيرة نت تفاصيل عمله قائلا "نحاول قدر الإمكان بسط السيطرة على المكان قبل عبور الشاحنات بوقت كبير حتى يتسنى لها الوصول إلى المخازن المعدة لها سابقا، لتفريغ حمولتها دون اعتراضها من قبل بعض العصابات التي تسعى لسرقتها ثم بيعها بأثمان مرتفعة دون مراعاة حاجة أبناء شعبها".

ويعد اقتراب أفراد التأمين من دواري الكويت والنابلسي عملا خطيرا، لكن محمد يبرر ذلك بقوله "نهدف إلى وصول أكبر قدر من المساعدات إلى مستحقيها"، مضيفا "على الرغم من صعوبة الأوضاع الأمنية وقصف الاحتلال لنا أثناء انتظار الشاحنات فإننا لم نفكر بالتراجع عن مهمتنا التي نعتبرها واجبا وطنيا وأخلاقيا وإنسانيا".

وعلى مدار شهور عدة كانت شاحنات المساعدات تتعرض للسطو من قبل أفراد وعصابات، وهو ما كان يحرم أكثر من 700 ألف مواطن في شمال قطاع غزة من حصتهم التموينية، الأمر الذي أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 28 طفلا نتيجة الجوع، كما تستهدف قوات الاحتلال أفراد اللجان العشائرية والشعبية، حيث استشهد العشرات منهم.

ويرى مراقبون أن إسرائيل تسعى إلى نشر الفوضى وتفكيك النسيج الاجتماعي من خلال السماح بدخول القليل من شاحنات المساعدات دون تأمين ثم استهداف أي جهة تعمل على حمايتها.

ولا يعلم أفراد اللجان موعد وصول الشاحنات بالضبط، ولذلك ينتظرونها لساعات طويلة في الطرقات ولأوقات قد تمتد إلى منتصف الليل أو ساعات الفجر الأولى، ولا يغادرون مواقعهم إلا بعد دخولها والعمل على تأمينها حتى وصولها إلى المخازن المعدة لها.

وعن تفاصيل الخطر، يشير محمد إلى أن معظم محاولات التأمين معرضة لقصف الاحتلال وناره، سواء من الدبابات أو الطائرات المسيّرة المعروفة باسم "كواد كابتر"، والتي تلعب دورا كبيرا في عرقلة عملية التأمين، حيث تطلق النار مباشرة على عناصر لجان تأمين المساعدات.

يخاطرون لتحقيق الأمان

يقول حسين (اسم مستعار) -وهو أحد أفراد لجان التأمين أيضا- إنهم يستمدون القوة على مواصلة هذا العمل الشاق والخطر من مساندة الأهالي لهم والآمال التي يعلقونها عليهم.

ويضيف للجزيرة نت أن "تحقيق مبدأ العدالة في توزيع المساعدات وإطعام أهلنا ووقف المجازر يدفعنا إلى مواصلة العمل، نحن نستمد القوة من الناس".

وردا على سؤاله عن إمكانية التوقف عن العمل بسبب مخاوفه من الاستهداف الإسرائيلي، يجيب حسين "بالطبع لا، لأنني بعملي الوطني والإنساني أساعد الناس بالثبات والصمود على أرضهم عن طريق حماية أقواتهم وإيصالها لهم".

بدوره، يقول الصحفي الفلسطيني المقيم في مدينة غزة محمد قريقع إن "أبطال تأمين المساعدات تمكنوا من تحقيق إنجازات كبيرة منذ بدء عملهم، أهمها إيصال الطحين والمساعدات لعشرات الآلاف من الأسر الجوعى، وهو ما أدى إلى خفض الأسعار بشكل كبير"، كما أنهم نجحوا بالحيلولة دون تشكل عصابات إجرامية منظمة تسلب المساعدات.

كما ذكر قريقع في حديثه مع الجزيرة نت أن "هؤلاء الأبطال نجحوا في حقن دماء السكان، حيث أبعدوهم عن نقاط الاحتكاك مع قوات الاحتلال، وبالتالي حالوا دون ارتكابه المجازر شبه اليومية بحقهم على دواري الكويت والنابلسي"، كما لفت إلى أنهم أفشلوا مخطط إسرائيل الرامي إلى نشر الفوضى والتفكك المجتمعي، وهو الأمر الذي كان يخشاه الجميع في شمالي القطاع.

وأظهرت بيانات نشرها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في مارس/آذار الماضي أن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل 563 فلسطينيا وأصاب 1523 آخرين خلال عملياته العسكرية التي استهدف فيها بشكل مباشر منتظري المساعدات ومراكز التوزيع والعاملين المسؤولين عن تنظيم وحماية المساعدات وتوزيعها في قطاع غزة.

وذكر التقرير أن من بين الضحايا 53 من العاملين في تأمين وتوزيع المساعدات، اثنان منهم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) و41 من أفراد الشرطة ولجان الحماية الشعبية المسؤولة عن تأمين توزيع المساعدات.

تأمين المساعدات ساهم بتخفيض الأسعار وأتاح لصاحب مطعم الفلافل أيمن الزبدة العودة للعمل (الجزيرة) تحسن وضع السوق

وانعكست عملية تأمين شاحنات المساعدات على حالة الأسواق، حيث أدت إلى خفض الأسعار جراء توفر السلع، وهو ما يؤكده بائع الفلافل أيمن الزبدة الذي توقف عن البيع قبل بدء عملية تأمين المساعدات لارتفاع سعر الحمص، لكنه عاد إلى العمل بعد نجاح اللجان الشعبية في عملها.

ويقول الزبدة للجزيرة نت "سعر الحمص وبقية السلع أصبح مناسبا، وأصبح الناس يستطيعون الشراء، سابقا لم يكونوا قادرين على شراء أي شيء"، مضيفا "تأمين المساعدات جيد، قبله كان الناس يذهبون إلى دواري النابلسي والكويت لأنه لم تكن هناك بضاعة في البلد، وكان يتم بيعها في السوق السوداء بأسعار كبيرة جدا".

كما أشاد التاجر محمد الزايغ -الذي يعمل في بيع المواد التموينية- بعملية تأمين المساعدات، متفقا مع الزبدة على أنها أدت إلى خفض الأسعار.

وقال الزايغ للجزيرة نت "كانت الأسعار عالية جدا، والآن أصبحت في متناول يد الجميع بفضل تأمين المساعدات"، مطالبا كافة الجهات ببذل كل جهد مستطاع لخفض الأسعار، لتمكين السكان من شراء احتياجاتهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات شاحنات المساعدات تأمین المساعدات للجزیرة نت وهو ما

إقرأ أيضاً:

داخلية غزة تصدر بياناً بشأن فوضى توزيع المساعدات

أصدرت وزارة الداخلية في غزة ، اليوم الخميس 31 يوليو 2025، بياناً صحفياً بشأن جريمة الاحتلال في صناعة فوضى المساعدات الإنسانية.

وفيما يلي نص الإعلان كما وصل "سوا":

بيان صادر عن وزارة الداخلية في غزة حول جريمة الاحتلال في صناعة فوضى المساعدات الإنسانية:

تتابع وزارة الداخلية والأمن الوطني السياسة التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي في هندسة التجويع لشعبنا في قطاع غزة، وصناعته لفوضى المساعدات الإنسانية عبر السماح بدخول محدود للمساعدات في ظل اشتداد المجاعة التي يعاني منها المواطنون، وحصار مشدد ومنع تدفق المواد الغذائية الأساسية منذ شهر مارس الماضي، وقد اتبع الاحتلال نهج استهداف منتسبي أجهزة وزارة الداخلية أثناء القيام بواجبهم في تأمين شاحنات المساعدات التي تشرف على توزيعها المؤسسات الدولية؛ كي لا تصل إلى مستحقيها بطريقة آمنة، وبذلك تستمر مظاهر الفوضى.

وأمام هذه السياسة الإجرامية التي استمرت خلال الشهور الماضية، آثرنا في وزارة الداخلية أن نعطي المساحة لمبادرات محلية كي تقوم بدورها في تأمين شاحنات المساعدات لدحض مبررات الاحتلال واتهاماته الكاذبة، وكان آخرها الدور الذي قامت به العائلات والعشائر في قطاع غزة، لكن الاحتلال أقدم على استهداف شباب العشائر والعائلات الفلسطينية التي أخذت على عاتقها القيام بهذا الواجب وقد ارتقى منهم عشرات الشهداء، مما أحبط مبادرة العائلات في القيام بدورها المجتمعي في هذه الظروف المعقدة.

إننا نحمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن نشر الفوضى في قطاع غزة، ورعايته لشبكات اللصوص والبلطجية في السيطرة على شاحنات المساعدات؛ لحرمان أكثر من 2 مليون مواطن من الحصول عليها بطريقة آمنة، وكي تستمر المجاعة في القطاع، في محاولة مكشوفة من الاحتلال لإعفاء نفسه من المسؤولية القانونية في استخدام التجويع كسلاح في وقت الحرب، وإننا في هذا الإطار نؤكد على ما يلي:

- أولاً: نترحم على أرواح شهداء جهاز الشرطة والأجهزة الأمنية الذين ارتقوا خلال تأمينهم شاحنات المساعدات الإنسانية، ونتقدم بخالص العزاء للعشائر والعائلات الفلسطينية التي فقدت شبابها وأبناءها خلال القيام بواجبهم في محاولة حماية شاحنات المساعدات وتأمين توزيعها على مستحقيها.

- ثانياً: إن الاحتلال لم يرق له أي مظهر من مظاهر النظام في مجتمعنا بقطاع غزة، ويعمد على الفور لإفشال كل محاولات ومبادرات إحلال النظام بغض النظر عن الجهة التي تقوم بذلك، في مسعى واضح لإبقاء حالة الفوضى هي السائدة في القطاع.

- ثالثاً: إن سماح الاحتلال بدخول عدد قليل من شاحنات المساعدات وسيطرة اللصوص والبلطجية عليها برعاية الاحتلال، لا يغير من واقع المجاعة المنتشرة في قطاع غزة شيء.

- رابعاً: ندعو المجتمع الدولي لممارسة أقصى درجات الضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل وقف استهداف الطواقم المدنية المكلفة بتأمين خط سير شاحنات المساعدات، والسماح بتدفقها بكميات كافية وتوزيعها عبر مؤسسات الأمم المتحدة صاحبة الخبرة الطويلة في هذا المجال؛ كي تصل إلى مستحقيها.

- خامساً: إن سياسة الاحتلال في رعاية اللصوص والبلطجية للسطو على شاحنات المساعدات، دفع عشرات آلاف المواطنين للنزول إلى الشوارع والاضطرار لقطع مسافات طويلة جداً وتعريض أنفسهم للخطر في محاولة لسد جوع أطفالهم، ما يتسبب بتلف جزء من تلك المساعدات بسبب التدافع والزحام، في الوقت الذي يقوم فيه الاحتلال باستهدافهم بشكل مباشر وارتكاب المجازر بقتل العشرات يومياً قرب المسارات المؤدية لدخول المساعدات، كما جرى أمس واليوم من مجازر في شمال القطاع ووسطه وجنوبه.

- سادساً: إن ادعاء الاحتلال بتوزيع المواد الغذائية من خلال ما يسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" سيئة الصيت والسمعة، هو مجرد وهم وخداع للرأي العام، في الوقت الذي يقتل فيه المئات من المواطنين خلال محاولتهم الحصول على ما يسد جوعهم من المؤسسة المذكورة التي أنشأها الاحتلال لأغراض مشبوهة وأهداف أمنية تخدم مخططاته الإجرامية.

- سابعاً: نحذر من استمرار عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات لما تمثله من خطورة على حياة المواطنين بسبب الاكتظاظ الشديد وانتشار خيام النازحين في كل مكان، وهي الطريقة التي يريدها الاحتلال لخلق مزيد من الفوضى بركض عشرات الآلاف خلف صناديق المساعدات ووقوع إصابات في الأرواح وأضرار في الممتلكات؛ كل ذلك في إطار تسويق الوهم لخداع الرأي العام العالمي والدولي.

- ثامناً: إن الشرطة والأجهزة الأمنية ستواصل القيام بواجبها في ملاحقة شبكات اللصوص والبلطجية عملاء الاحتلال، واتخاذ الإجراءات الميدانية المشددة بحقهم في ظل حالة الطوارئ التي نعيشها.

- تاسعاً: ندعو أبناء شعبنا جميعاً في محافظات قطاع غزة لتجنب التواجد في مسارات دخول شاحنات المساعدات حرصاً على حياتهم ومنعاً للفوضى التي يحاول الاحتلال ترسيخها في مجتمعنا؛ كي نفرض على الاحتلال تغيير المعادلة ووقف استهداف طواقم التأمين لضمان وصول المساعدات لجميع المواطنين في مناطق سكنهم بطريقة آمنة.

وزارة الداخلية والأمن الوطني

الخميس 31 يوليو 2025

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين أطباء بلا حدود: التجويع الإسرائيلي يفاقم سوء التغذية بين أطفال غزة صحة غزة تنشر أحدث إحصائية لعدد شهداء العدوان السعودية تُرحب بإعلان كندا ومالطا الاعتراف بدولة فلسطين في شهر أيلول المقبل الأكثر قراءة إسرائيل تخصص 274 مليون دولار لدعم الاستيطان في الضفة صحة غزة تعلن أحدث حصيلة لشهداء وإصابات الحرب إسرائيل تقرر إعادة وفدها التفاوضي من الدوحة بعد رد "حماس" مُنسق شؤون الأسرى الإسرائيليين يوضح لعائلاتهم الهدف من عودة فريق التفاوض عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تحذّر من الأسوأ.. تقارير وشهادات: المساعدات في قطاع غزة لم تنجح في وقف المأساة
  • «قضاء وقدر وليست محاولة اغتيال».. محمد رمضان ينعي أحد أفراد الألعاب النارية بعد وفاته
  • برعاية حمدان بن محمد.. انطلاق فعاليات «دبي مولاثون» غداً في 9 مراكز تجارية
  • داخلية غزة: نحمل الاحتلال مسؤولية نشر الفوضى ورعاية شبكات لصوص المساعدات
  • الداخلية بغزة: الاحتلال ينتهج سياسة لهندسة تجويع شعبنا
  • داخلية غزة تصدر بياناً بشأن فوضى توزيع المساعدات
  • «الصحة العالمية»: السلام أفضل دواء
  • «حشد»: الاحتلال يواصل استهداف المدنيين المجوّعين وعناصر تأمين المساعدات
  • رغم عراقيل الاحتلال.. شاحنات المساعدات المصرية تكسر حصار غزة
  • بدء تحرك شاحنات المساعدات من مصر باتجاه قطاع غزة (فيديو)