أشاد موقع إنترسبت الإخباري الأميركي تحليلا لمغزى هجوم أول أمس الجمعة، الذي استهدف موقع رادار للدفاع الجوي بالقرب من مدينة أصفهان وسط إيران والذي قال مسؤولون أميركيون إن إسرائيل نفذته.

وذكر الموقع -في تقرير لاثنين من صحفييه الاستقصائيين- أن الهجوم قوبل بارتياح من وسائل الإعلام والحكومة بالولايات المتحدة لأنه تجنب بطريقة أو بأخرى إشعال حرب واسعة النطاق.

وسارعت منافذ إعلامية -مثل صحيفة نيويورك تايمز- إلى وصف الهجوم بأنه “مكبوح” و”محدود” النطاق، مشيرة إلى تصريحات إيرانية أفادت بأن الهجوم انطلق من داخل أراضيها واستُخدمت فيه طائرات مسيرة صغيرة بدلا من طائرات مقاتلة.

غير أن الموقع الأميركي يرى أن ما حدث، في الواقع، يبدو شبيها بحروب هذه الأيام التي تتسم في بعض الأحيان بإطلاق 300 صاروخ وطائرات مسيرة، وفي أحيان أخرى يكون الهجوم هزيلا ومحدَّد الهدف وتكتنفه السرية “فقد ولَّت أيام الجيوش الجرَّارة الغازية والمواجهات التقليدية بين قوتين” عسكريتين.

وأضاف الموقع أنه وطالما أن الخبراء والحكومة ووسائل الإعلام الأميركية لا ينشغلون إلا بالحروب ذات الطابع الذي عفا عليه الزمن، فإنها لن نرى الحرب التي تندلع أمام أعيننا، وفق التحليل الإخباري الذي يزعم كاتباه أن عدوى هذا المفهوم الخاطئ أصابت الحكومة في واشنطن.

وبينما تترقب وسائل الإعلام والعالم نشوب حرب واسعة النطاق بين إيران وإسرائيل -وفق تقرير إنترسبت- بل وينتابها القلق من أن تسفر المواجهة بينهما عن تصعيد نووي، فإن ما تغفل عنه تلك الدوائر أننا نخوض غمار حرب عالمية ثالثة بالفعل.

فالحرب العالمية الثالثة لا تُشبه الحروب التي نشبت قبل قرابة قرن من الزمان، من حيث تعداد الجيوش الهائلة وإقدام الإمبراطوريات على غزو القارات، بل هي حرب تدور رحاها في كل مكان من كوكبنا المضطرم بالصراعات المسلحة والمغمور بالأسلحة.

واستعرض التقرير المعارك التي تدور حاليا في بعض مناطق العالم. ففي الشرق الأوسط، وجدت الولايات المتحدة وتركيا والعراق، وحتى إيران، لأنفسها مواطئ أقدام في سوريا حيث الحرب الأهلية مستمرة دونما هوادة، وبالكاد يُلتفت إليها، ذلك أن الناس يبحثون في أماكن أخرى عن معارك شبيهة بالحرب العالمية الثانية.

وتشارك 10 دول في شن غارات جوية على أهداف لجماعة الحوثي في اليمن لمنعها من ضرب سفن تجارية في عرض البحر الأحمر. بيد أن الحرب العالمية الثالثة تقوم على إبقاء الأمور طي الكتمان، وفق تقرير إنترسبت.

وفي حين تحتل حرب إسرائيل على قطاع غزة، وصراعها مع إيران، صدارة الأخبار في الوقت الراهن، فهناك أيضا حرب الخنادق في أوكرانيا المستمرة لأكثر من عامين حيث كل الأنظار تترقب نصرا مؤزرا أو هزيمة نكراء.

ولكن الموقع الإخباري الأميركي يعتقد أن أكثر ما يميز الحرب العالمية الثالثة هي الهجمات التي دأبت أوكرانيا أو وكلاؤها على توجيهها بانتظام ضد أهداف داخل روسيا والتوغل في منطقتي بيلغورود وكورسك الروسيتين.

على أن الحقيقة -على حد تعبير التقرير- أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضالع فعلا في حرب عالمية ثالثة ضد روسيا. وفي الوقت نفسه، تنشر الولايات المتحدة قواتها في دول تمتد من النرويج إلى بلغاريا، وقد قامت خلال العامين الماضيين ببناء قاعدة جديدة رئيسية في بولندا.

الحرب الشاملة –أو بالأحرى الحرب العالمية الثالثة- ترسم صورة مربكة وتستحوذ على اهتمام العالم، ولا تترك مجالا يمكن للمرء أن يتخيل إمكانية القيام بشيء حيالها.

كما ظلت كل من إيران وكوريا الشمالية تدعمان المجهود الحربي الروسي بالطائرات المسيرة والصواريخ وقذائف المدفعية.

وبحسب التقرير، فإنه رغم أن الغزو الروسي “السافر” يبدو كأنه تجسيد للمفهوم القديم المتمثل في الجيوش المحتلة والحرب العالمية الثانية، فإن الواقع أن أوكرانيا لم تتحول قط إلى “أكبر معركة دبابات” على الإطلاق، كما توقع البعض، كما أنها لم “تتفاقم” لتصبح حربا نووية، ولم تكن حتى حاسمة.

وفي شبه الجزيرة الكورية، تواصل كوريا الشمالية إجراء التجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية بشكل غير معلن في المحيط، مما يثير التوتر.

وفي جزء آخر من القارة الآسيوية، يدور قتال بين الهند وباكستان في صراعهما على الحدود المشتركة، وتشتبك الهند مع الصين في مواجهة مشتعلة قد تفضي إلى حرب عالمية ثالثة.

وفي أفريقيا، تنشط الجيوش والجماعات “الإرهابية” والمسلحون والمرتزقة والمليشيات وقطاع الطرق والقراصنة والانفصاليون في أنغولا وبوركينا فاسو والكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والكونغو الديمقراطية والكونغو وإثيوبيا وكينيا ومدغشقر ومالي وموزمبيق والنيجر ونيجيريا ورواندا وجنوب السودان والسودان. وتتنافس الصين وروسيا على القواعد والنفوذ.

 

وفي أفريقيا أيضا، تنخرط أميركا وفرنسا وبريطانيا في قتال موسع ولكنه سري، يفترض أنه ضد “الإرهابيين” الإسلاميين، في حين أن النيران تشتعل في جميع أنحاء القارة، ولا يستطيع أي منها ادعاء أي انتصارات طويلة المدى على الجبهتين المزدوجتين لمكافحة “الإرهاب” وحفظ السلام، على حد تعبير تقرير إنترسبت.

والخلاصة، كما يراها الموقع الأميركي، أن الحرب الشاملة -أو بالأحرى الحرب العالمية الثالثة- ترسم صورة مربكة وتستحوذ على اهتمام العالم، ولا تترك مجالا يمكن للمرء أن يتخيل إمكانية القيام بشيء حيالها.

 

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

تحليل: مصادر قوة الحكومة التي غفلت عنها ذراع إيران

على إثر توقيع الهدنة مع الحكومة الشرعية في أبريل 2022، حاولت مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، أن تستعرض المزيد من قوتها العسكرية التي اعتقدت أنها وراء تحسين موقفها التفاوضي وإضعاف موقف الحكومة.

لكن المليشيا الحوثية لم تحسب حساب مصادر القوة التي تتمتع بها الحكومة الشرعية، خاصة بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي جمع أبرز القوى السياسية الفاعلة في الدولة المغدورة بانقلاب المليشيا عليها. حصل الحوثيون بموجب الهدنة على امتيازات تفاوضية وتنازلات من الجانب الحكومي أكثر مما كانت تتوقع، لكنها ظلت تطالب بالمزيد، مستخدمة القوة العسكرية أو مهددة باستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الوضع السيادي للدولة.

من تلك الامتيازات كان فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية، وقد رافق هذا الامتياز تنازل الجانب الحكومي أيضاً عن حق سيادي تمثل في قبول جوازات السفر الصادرة من مناطق سيطرة المليشيا الحوثية. ورغم أن مطار صنعاء ظل وما زال مفتوحاً أمام الرحلات التجارية إلى العاصمة الأردنية عمان، إلا أن مليشيا الحوثي لم تف بالتزامها في فتح الطرقات المغلقة في محافظات تعز ومأرب والبيضاء والحديدة، وهو ما نص عليه اتفاق هدنة أبريل.

مماطلة وغرور فارغ

على مدى ما يقارب 6 أشهر بعد اتفاق الهدنة، استمرت مليشيا الحوثي في التعنت ومحاولة فرض المزيد من المطالب، وقد أغراها بالتمادي في ذلك، الموقف الإقليمي والدولي المؤيد لتوجه إنهاء الحرب وإنعاش جهود إحلال السلام، خاصة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وانشغال المجتمع الدولي بها وبتأثيراتها المختلفة على الاستقرار والاقتصاد العالميين. استغلت مليشيا الحوثي هذا الانشغال وهذا التوجه لتقديم نفسها كبديل للسلطة الشرعية لليمن أو على الأقل ممثلا رئيسيا للدولة اليمنية، وبدأت بتصعيد مطالبتها بتقاسم إيرادات النفط مع السلطة الشرعية ودفع مرتبات الموظفين ورفع المزيد من القيود على حركة مطار صنعاء وميناء الحديدة. وفي أكتوبر 2022، وعقب تعثر التجديد الثالث للهدنة، أقدمت على قصف موانئ تصدير النفط والغاز في محافظتي حضرموت وشبوة، في عملية عدائية واضحة أدانها المجتمع الدولي، لكنه تغاضى عن تهديد المليشيا بشن المزيد من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة في حال استأنفت الحكومة تصدير النفط والغاز. كما تغاضى عن مماطلتها في فتح الطرقات المغلقة، وصرف مرتبات الموظفين من إيرادات ميناء الحديدة بحسب اتفاق استوكهولم 2018. وبالتزامن مع هذه الاعتداءات الاقتصادية والإنسانية التي تسببت بالكثير من الأزمات للحكومة الشرعية وللمواطنين في المناطق المحررة، حصلت مليشيا الحوثي على امتياز سياسي على مستوى التفاوض الثنائي مع المملكة العربية السعودية.

مبادرة المملكة العربية السعودية، أو بالأصح استجابتها للوساطة العمانية في التفاوض مع مليشيا الحوثي كان من نتائج التوجه الإقليمي والدولي لإنهاء الحرب في اليمن، لا سيما توجه الولايات المتحدة وبريطانيا، كما كان أيضا من نتائج الاتفاق السعودي الإيراني بوساطة صينية في مارس 2023. في أبريل من نفس العام، أرسلت الرياض وفدا سياسيا إلى صنعاء برئاسة سفيرها لدى اليمن محمد آل جابر ضمن مساعي حث مليشيا الحوثي على الجنوح إلى السلم، ثم في سبتمبر من نفس العام أيضا، استقبلت العاصمة السعودية وفدا حوثيا برئاسة كبير مفاوضي الجماعة محمد عبدالسلام، وهنا بلغ الغرور الحوثي ذروته، وظنت الجماعة أن مجلس القيادة الرئاسي في موقف ضعف لا يحسد عليه، وفي موقع ضغط من قبل السعودية وأمريكا وبريطانيا للقبول بما سميت لاحقا "خارطة الطريق" والتي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج في ديسمبر 2023.

طوق غزة 

باندلاع العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة رداً على هجوم السابع من أكتوبر، كانت مليشيا الحوثي على وشك السقوط في بؤرة غليان شعبي نتيجة سياسة التجويع التي انتهجتها مع الشعب اليمني بذريعة الحرب التي تخوضها. كانت الجماعة تعيش حالة من التخبط أمام الغضب الشعبي المتصاعد وبدأت الاحتجاجات تتزايد في مناطق سيطرتها والانتقادات تزداد حدة، حتى أعلن زعيم الجماعة انخراطها في الحرب ضد إسرائيل في إطار توجيهات إيران لأذرعها في المنطقة العربية بمهاجمة إسرائيل تحت لافتة مناصرة القضية الفلسطينية.

شكلت الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة طوق نجاة لمليشيا الحوثي التي شنت هجمات على السفن التجارية التي تزعم أنها مرتبطة بإسرائيل، وصولا إلى المواجهة مع القوات الأمريكية والبريطانية ضمن التحالف الذي شكلته واشنطن تحت اسم "حارس الازدهار" لحماية الملاحة الدولية وتقليص القوة العسكرية للحوثيين. 

حولت مليشيا الحوثي جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، إلى عملية ابتزاز للشعب اليمني، خاصة المواطنين في مناطق سيطرتها. ورغم الكلفة الكبيرة التي يدفعها الشعب بسبب استمرار هجماتها على سفن الشحن الدولي، ما زالت مستمرة في شن هذه الهجمات وتعمل على توسيع نطاقها. 

سوء تقدير

يرى عدد من المراقبين أنه منذ بدأت مليشيا الحوثي انقلابها على السلطة الشرعية وهي تسيئ تقدير المواقف على المدى الطويل، وتكتفي بما تظنه انتصارات آنية وتفوقاً عسكرياً على الحكومة الشرعية. وخلال السنتين الماضيتين وقعت المليشيا في عدة مواقف من سوء التقدير، ومنها حصارها الاقتصادي على المناطق المحررة بالتهديد باستهداف منشآت تصدير النفط، واعتداءاتها المتكررة على القوات الحكومية في خطوط التماس، وأخيرا وليس آخرا، مهاجمة السفن التجارية ومواجهة أمريكا وبريطانيا، وربط مصيرها، ومصير اليمنيين في مناطق سيطرتها، بإيران ومليشياتها في المنطقة. وعلى المستوى السيادي للدولة، احتكرت مليشيا الحوثي مزايا مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية في العاصمة صنعاء، وأبرزها قطاع الاتصالات والقطاع المصرفي، ولم تتورع عن الإضرار بهذين القطاعين واستثمارهما لصالح بناء وتطوير ترسانتها العسكرية التي تعتقد أنها مصدر قوتها الرئيسي إن لم يكن الوحيد.

وفي غمرة الغرور وسوء التقدير غفلت المليشيا الحوثية عن مصادر قوة السلطة الشرعية للدولة اليمنية التي انقلبت عليها بالحيلة وقوة السلاح، واستغلال تصدع التوافق بين القوى السياسية الوطنية. لكن مجرد عودة التوافق أو نسبة كافية منه إلى الصف الوطني الجمهوري، شمالاً وجنوباً، أسفرت عن ملامح قوة جعلت مليشيا الحوثي تتخبط في شر أعمالها ونواياها وسياستها العدائية تجاه اليمنيين. وما قرارات البنك المركزي لإصلاح القطاع المصرفي، وانضمام قطاعي الطيران والاتصالات إلى معركة تفعيل السيادة الوطنية، إلا مقدمة للقوة الهائلة للجمهورية اليمنية بسلطتها الشرعية العليا التي وضعت يدها ولو متأخراً على مكامن قوتها الحقيقية، وأهمها: التوافق الوطني وتفعيل الحق السيادي، وحماية مصالح الشعب ومكتسباته.

مقالات مشابهة

  • المحلل هال براندز: هكذا سيقودنا الذكاء الاصطناعي إلى الحرب العالمية الثالثة
  • موقع ألماني : تحركات أميركية لمنع مصادر مالية أخرى عن الحوثيين 
  • الحروب في السودان تؤكد هشاشة التكوين القومي وعجز الحكومات عن الحسم
  • لقاء نقابي ايراني - لبناني في جنيف: محور المقاومة يخوض معركة الانسانية
  • «واشنطن تايمز»: حماس تتبعت تحركات النشطاء والمعارضين
  • تقرير: إغلاق موقع تابع للجامعة الكولومبية الأمريكية بعد نشره مقالا لناشط فلسطيني
  • تأثير الحروب على العالم
  • عملية جديدة لـحزب الله.. دمّر التجهيزات التجسسية في هذا الموقع
  • «الاتصالات» تبحث مع مسؤولي شركة عالمية خطط التوسع لتصنيع الهواتف
  • تحليل: مصادر قوة الحكومة التي غفلت عنها ذراع إيران