د. عبدالله باحجاج

بعد منخفض المطير الاستثنائي، وخسائره البشرية والمادية الحكومية والخاصة والاجتماعية، وترقبنا خلال الساعات المقبلة لمنخفض جوي جديد، يترسخُ مفهوم توالي أو تتابع الأنواء المناخية ليس سنويًا وحسب؛ بل داخل كل سنة.

ومنذ عام 2007، وبلادنا تتعرض للأنواء بمختلف صورها، من منخفضات وعواصف وأعاصير، ومن الأوزان التي تُدمِّر المُكتسبات الوطنية والمُمتلكات الفردية.

ونسخة "المطير" تجعلنا لا نفرِّق بين المنخفضات والأعاصير، فقوة سيولِهِ الجارفة والتدميرية من وزن الأعاصير؛ فهو الأعلى في كمية هطول الأمطار بمعدل 302 ملم، وبعض المراجع تقول إن بلادنا من أكثر الدول العربية تعرضًا للأعاصير والعواصف المدارية على مدار 140 عامًا تقريبًا.

لسنا في حاجة للاستدلال على ظاهرة الأنواء المناخية في بلادنا أكثر من موقعها الجغرافي التي تطل سواحلها الشرقية الجنوبية على بحر العرب وبحر عُمان المتصلين بالمحيط الهندي، والذي هو منشأ الأنواء المناخية، وكفى بهذه الخصوصية الجغرافية لتطوير تجربة البلاد في إدارة الأنواء المناخية قبل وبعد حدوثها، إلى مستوى مفهوم التوالي المُقلق داخل السنة الواحدة. وغالبًا ما تقع خلال فترتين في السنة؛ الأولى ما بين مايو ويونيو، والثانية ما بين سبتمبر وأكتوبر. وهذا ما يستدعي التسليم بالمفهوم نفسه، واعتبار بلادنا منطقة أنواء مناخية من الوزن الثقيل.

وقد يتساءل البعض عن الأثر المترتب على هذا التسليم؟ لذا نحصرها في النقاط التالية:

أولًا: تغيير بوصلة الفكر التنموي، وجعل الأنواء المناخية مرجعية للتنمية الحديثة، بمعنى أن أي مشروع أو تخطيط سكني واقتصادي واجتماعي جديد ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار المواصفات التي تتلاءم مع الأنواء المناخية.

ثانيًا: مراجعة التخطيط العمراني القائم للمنشآت الحكومية والخاصة والمساكن الاجتماعية والعمل على حمايتها من فيضانات مياه السدود والأدوية.

ثالثًا: تخزين المياه ومن ثم الاستفادة منها في التنمية الشاملة على أن تكون هناك رؤية واضحة لهذه الاستفادة مُسبقًا.

رابعًا: الانتقال من المركزية مع عدم التمركز، إلى اللامركزية مع المرجعية المركزية، فهذه قد أصبحت صيرورة وفق مفهوم التوالي، تجعل من كل محافظة من محافظات البلاد تتحمل مسؤولية تخطيط وتنظيم وإدارة الأنواء المناخية لا مركزيًا. وسياق المفهوم نفسه يعد زمن الانتقال حدثًا عاجلًا للتغييرات المناخية المُتسارعة والمُتعاقبة. لذلك هناك حاجة لأن تضع كل محافظة خارطة عاجلة لمخاطر السدود والأودية، والعمل وفق خطة زمنية قصيرة ومتوسطة الأجل على توسعة الأودية والتأكد من سلامة السدود التي بُنِيَت منذ عقود من الزمن، ونقل المساكن والمنشآت التي تقع في قلب المخاطر الدائمة.

إلى جانب إيلاء الاهتمام بالجهات اللامركزية وتأهيلها لكل الاحتمالات، وهذا من الحتميات التي نرى أنه ينبغي الانفتاح عليها كأكبر الدروس التي نخرج بها من تجربتنا مع الأنواء المناخية قديمها وحديثها وآفاق مستقبلها، وذلك استفادةً من تجربة البلاد الناجحة مع الأنواء المناخية منذ "جونو 2007"، ومرورًا بأعاصير "فيت 2010"، و"مكونو 2018"، و"شاهين 2021"؛ فتصبح البلاد معها ذات خبرة احترافية عميقة بمؤسسات دائمة عُرفت بالتطور المتعاقب منذ عام 1977 أثناء إعصار مصيرة وبعض قرى محافظة ظفار؛ مثل اللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة ولجانها الفرعية في المحافظات، والمركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة، وغيرها من مؤسسات، وهي دائمًا ما تكون في قلب الحدث، وأدوارها في الأعاصير والمنخفضات محط الإشادة على الدوام.

لكنَّ الهاجس الوطني الآن وفق تحديات التوالي ومساواة تأثير المنخفضات بتأثير الأعاصير- منخفض المطير نموذجًا- يُعلي من شأن اللامركزية في تحمُّل مسؤولية صناعة الفعل في مختلف مراحله على المستويات التالية: التفكير والتخطيط وتهيئة نطاقها الترابي المشرف عليه إداريًا؛ لجعل الأنواء المناخية حدثًا اعتياديًا أو على الأقل بأقل الخسائر المادية. أما البشرية- فدون شك- فإن سقوط الضحايا في نسخة المطير يُعد الاستثناء في إدارة البلاد الناجحة في التعامل مع الأعاصير للأسباب المعروفة للكل، رغم أن سقوط الضحايا لم تسلم منه الأنواء المناخية السابقة.

غير أنَّ الفارق، أن منخفض المطير طال أرواحًا بريئة؛ نتيجة عدم تعطيل الدراسة، رغم التحذير من المنخفض الخطير. وفي غيره، راحت أرواحٌ استهزأ أصحابها بالأنواء، ولم ينصاعوا للتحذيرات؛ لذلك ينبغي وضع خطة إعلامية لمخاطبة الوعي الاجتماعي، وجعلها ضمن المقررات الدراسية لضمان ترجمتها في السلوك والأفعال الاجتماعية، إذا ما اعتبرنا الأنواء المناخية ظاهرةً متتالية في السنة مرتين أو أكثر. هنا تظهر اللامركزية باعتبارها الخيار الأنسب الذي يُراهَن عليه في صيرورة التوالي، وهذه المسؤولية تدخل في صلب تحوُّل البلاد الى نظام المحافظات الذي يمنح كل محافظة صلاحيات في إدارة شؤونها؛ اعتدادًا بالخصوصيات الجهوية والترابية وحاجياتها التنموية.

إننا نُجدِّد اقتراحنا القديم بإقامة مركز تخطيط إقليمي في كل محافظة، يتبع المحافظ مباشرة، ويتولى مسؤوليات التخطيط ودراسة احتياجات المحافظات التنموية والاستثمارية عامةً وفق المرجعيات الوطنية، وظاهرة توالي الأنواء المناخية، وجعل الأنواء المناخية حدثًا اعتياديًا أو بأقل التداعيات في كل القطاعات، ففي القطاع التعليمي مثلًا، ظهر عدم جاهزية كل المدارس الحكومية والخاصة للتعلم عن بعد، كما ظهرت الحاجة إلى تمكين كل محافظة من الأجهزة التي تتنبأ بحالة الطقس في كل نطاقها الترابي... والقائمة طويلة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حجاج اليمن يتوجهون إلى مزدلفة بعد قضاء ركن الحج الأعظم

بدأ حجاج بيت الله الحرام بعد غروب شمس، السبت، التوجه إلى مشعر الله الحرام مزدلفة وسط منظومة من الإجراءات الصحية والتدابير الوقائية والخدمات المتكاملة، بعد أن منّ الله عليهم بالوقوف على صعيد عرفات، وقضاء ركن الحج الأعظم.

وكان وزير الأوقاف والإرشاد، رئيس مكتب شؤون حجاج اليمن، الدكتور محمد شبيبة، قد تفقد حجاج بلادنا في مشعر عرفات، واطلع على سير الخدمات المقدمة لهم.

واطمأن الوزير خلال الزيارة التي رافقه فيها وكيل قطاع الحج والعمرة الدكتور مختار الرباش، على مستوى الخدمات المقدمة لحجاج بلادنا، والتي تأتي وفق أعلى المعايير والمواصفات، في إطار الخطة التطويرية لوزارة الأوقاف في تحسين خدماتها.

وأكد الوزير شبيبة، حرص الوزارة على أداء واجبها في متابعة سير أداء حجاج بلادنا لمناسكهم لحظة بلحظة، وتعمل جاهدة لحل أي مشاكل طارئة.. مشيراً إلى أن الوزارة ولجانها الميدانية وكذا الجهات المنظمة للحج، لا تدخر جهدًا في رعاية الحجاج وضمان خدمتهم وتحركاتهم بسلاسة وانسيابية.. لافتا إلى أن موسم الحج يشهد كل عامٍ مزيداً من التطوير والرعاية.

وعبر حجاج اليمن عن فرحتهم وسعادتهم بوصولهم إلى المشاعر المقدسة لأداء فريضة الحج، مشيدين بالخدمات المقدمة لهم سواء من السلطات السعودية أو بعثة الحج اليمنية.

وبلغ عدد الحجاج اليمنيين هذا العام 24255 حاجا، وثمن الحجاج جهود وزارة الأوقاف والإرشاد والخدمات المقدمة لهم منذ مغادرتهم ديارهم.. مشيدين كذلك بالتسهيلات المقدمة لهم منذ وصولهم إلى المشاعر المقدسة في مختلف مناسك الحج، من خدمات متنوعة، واهتمام كبير من قبل الأشقاء في المملكة العربية السعودية طوال رحلتهم الإيمانية.

ونوه حجاج اليمن، بمنظومة الإجراءات والخدمات المتكاملة التي تقدمها الجهات المعنية في المملكة العربية السعودية لخدمة الحجاج من مختلف الدول ليؤدوا مناسكهم بسلام وبكل يسر وسهولة.

وابتهل الحجاج، بالدعاء إلى الله تعالى، أن يحفظ اليمن ويديم عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار.. داعين الله أن يمن عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة.


مقالات مشابهة

  • إليسا تهنئ جمهورها بعيد الأضحى: إن شاء الله يعم السلام  في كل بلادنا العربية
  • «التحالف الوطني» يوزع الهدايا على الأطفال في محافظة المنيا
  • عضو بـ«التحالف الوطني» يوزع لحوم الأضاحي على 500 ألف مواطن بجميع المحافظات
  • أمانة التحالف الوطني بالقليوبية توزع الهدايا على المصليين بمناسبة عيد الأضحى
  • بركة ساكن: كل قطرة دم سُفكت في بلادنا، طوال هذه الحرب يتحمل وزرها الجنجويد وقحت
  • حجاج اليمن يتوجهون إلى مزدلفة بعد قضاء ركن الحج الأعظم
  • ليس الخرطوم وحدها التي تتمادى في نقض العهود: جوزيف لاقو قال الدينكا بهم جوع للحكم
  • التحالف الوطني يهدي أهالي الإسكندرية فرش مسجد العزيز الرحمن
  • ذي قار تقترب من الـ50 مئوية.. الأنواء الجوية تنشر درجات الحرارة المتوقعة ليوم غد
  • حظك اليوم برج السرطان الجمعة 14-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي