جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-12@06:33:33 GMT

الشرق الأوسط فوق صفيح ساخن

تاريخ النشر: 21st, April 2024 GMT

الشرق الأوسط فوق صفيح ساخن

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

لا شك أن العدوان الإسرائيلي النازي على الشعب الفلسطيني بلغ مُنتهاه، وقد وضع منطقة الشرق الأوسط كلها فوق صفيح ساخن، وأن كرة الثلج بدأت تتدحرج، وان الخيارات اصبحت مفتوحة امام الاحتمالات كافةً، ولن يتوان الكيان الصهيوني في دفعها خطوات للامام؛ حيث يسعى للتغطية على فشله الاستراتيجي في غزة التي وضعت علامة استفهام كبرى امام مشروعه الاستعماري، والطعن في مصداقية دوره الوظيفي في خدمة المشاريع الإمبريالية.

وما كان من البساطة تقبل زعزعة صورته أمام نفسه والآخرين، لذا يحاول التمرد على إحساسه الداخلي بالهزيمة وطمس ندوبها الراسخة على جبهته ومحوها من الذاكرة الجمعية، وهو بهذه الحالة النفسية والمعنوية الصعبة بادر يوم 1 أبريل بقصف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، بينهم قائد كبير في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيرني. وفي هذه العملية الإرهابية، تم خرق سيادة دولتين عضوين في الأمم المتحدة ومرّت دون إدانة من مجلس الأمن الدولي؛ حيث عرقلت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا البيان الذي قدمته روسيا؛ الأمر الذي يطرح سؤالًا حول جدوى وجود بلدان العالم الثالث في هذه المؤسسة الأممية.

والحقيقة أن الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أثار هذه القضية وإن بصيغة مختلفة. وأمام تلك العملية الإرهابية والصمت الغربي، جاء الرد الإيراني المدروس بعناية فائقة، وبقدر ما أكد مقدرتها وجهوزيتها للمواجهة بقدر ما حاول حصرها ضمن معادلة "فوق الصفر وتحت التوريط". ومعروف أن طهران تجيد إدارة الصراعات وتُتقِن لعبة التوازنات الدولية، وبصرف النظر عن رأي الآخرين، فإنَّ تقييمها لتلك العملية كان إيجابيًا ويحمل أبعادًا استراتيجية كبرى، ومن حيث لا يشعر الآخرون، استطلاع المناخات الإقليمية وآفاقها والتي ستكون أجواؤها- إذا ما تطورت الأحداث- ساحةَ صراعٍ بكل ما عليه من تبعات؛ وهي مسألة خطيرة.

لا ريب أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة محترمة وتعي مسؤولياتها جيدًا، وتدرك معنى الحرب وآثارها، ولا ترغب في جر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة، غير أنها لن تتردد في الدفاع عن سيادتها وحقها في الوجود بكرامة، وتلك هي صفات الشعوب الحرة ونظمها المعبرة عن إرادتها الوطنية.

وإذا كانت المعطيات الظاهرة تُعطي حيزًا واسعًا لإمكانية الاحتواء وحصر المواجهة في حدودها الراهنة، وحيث التصريحات الأمريكية توحي بذلك، خصوصًا وأن قرار الحرب هو بالأساس قرار أمريكي ولا يجرؤ الكيان الصهيوني الانفراد به والذهاب لحرب إقليمية دون الموافقة الأمريكية، مهما أدّعى خلاف ذلك.. إلّا أن ذلك وحده لا يُشكِّل ضامنًا وحيدًا، وأن التصريحات الأمريكية العلنية لا يمكن الركون إليها ولا يمكن فحصها بدقة خارج سياق التجربة التاريخية.

ويبدو أن المناخ الحالي شبيه إلى حد كبير بذلك الذي كان سائدًا قبل 5 يونيو 1967، لذا سيكون مفيدًا استعادة تلك الفترة لجهة الاستفادة من دروسها الثمينة؛ حيث تآمرت الولايات المتحدة الأمريكية حينها على الأمة العربية وذلك عبر المناشدات المستمرة للطرف العربي بضرورة ضبط النفس. والكل يذكر رسالة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون للرئيس المصري جمال عبد الناصر، يُطالِبه فيها بعدم بدء المعركة، على اعتبار أن القرار الإسرائيلي "في الجيب". ثم جاءت الضربة الإسرائيلية المفاجئة، وقد اتضح لاحقًا أن مناشدة الرئيس الأمريكي كانت مجرد مناورة خبيثة القصد منها تمكين الكيان الصهيوني من أخذ زمام المباغتة والمفاجأة التي تفعل فعلها في الحروب التقليدية الخاطفة. وإذا كان الوضع الراهن قد يراه البعض مختلفًا ولا مجال فيه للمقارنة، وأن الضربة الخاطفة غير مؤثرة؛ وذلك لعدة أسباب؛ منها: العامل الجغرافي؛ حيث تبعُد إيران حوالي 2000 كيلومتر تقريبًا، إلى جانب استعداد جبهات القتال المجاورة لفلسطين المحتلة بما تملكه من إمكانات وإرادة صلبة على الانخراط السريع في أي مواجهة. ومن ناحية أخرى حالة الإحباط والإرهاق التي يمر بها الجيش الإسرائيلي بعد 6 أشهر من الحرب وضعف جبهته الداخلية، التي هي في أسوأ حالاتها.

بَيْدَ أن العامل الأهم الذي يُرجِّح الخيارات يتمثل في قوة محور المقاومة، الذي يملك الكثير من المفاجآت، إضافة طبعًا للوضع الأمريكي غير المُهيَّأ لأسباب داخلية وخارجية معروفة. لكن كل هذه العوامل والأسباب على أهميتها، لا تُغْني عن ضرورة الحذر والاستفادة من دروس التجارب السابقة، بحيث لا تُؤخذ الدعوات الأمريكية للتهدئة على محمل الجد، وطالما قرار الحرب والسلم بيد المهووسين في البيت الأبيض، وهم المعروفين بعدم الاكتراث بالالتزامات القانونية والأخلاقية، فإن التنبؤ بما تحمله الأيام المقبلة يُعد في كل الأحوال مخاطرةً كبرى.. غير أن المؤكد أنه لن يثنيهم عن ارتكاب الحماقات وخوفهم على مصالحهم الاستراتيجية، ومنها حماية الكيان الصهيوني من نفسه في هذه المرحلة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الكيان الصهيوني والهزيمة الاستراتيجية

بعد أكثر من ثمانية أشهر من معركة طوفان الأقصى الكبرى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، والتي أفقدت العدو الإسرائيلي توازنه في أقل من ثلاث ساعات، جاء رد الكيان الصهيوني باستهداف المدنيين والبنية الأساسية بدلا من مواجهة المقاومة الفلسطينية، ومع ذلك فإن نتائج تلك المعركة أظهرت الوجه القبيح للكيان الصهيوني وقيادته السياسية والعسكرية من خلال السلوك الإجرامي في استهداف ما يقارب من ٤٠ ألف فلسطيني من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء وتدمير البنية الأساسية من مستشفيات ومنازل بل وأحياء سكنية كاملة علاوة على قيام الكيان الصهيوني باستهداف عشرات الصحفيين الفلسطينيين. وعلى ضوء ذلك فإن المجتمع الدولي لا يزال عاجزا عن لجم الجريمة الكبرى والإبادة الجماعية والتي ارتكبها النازي نتنياهو وكل مسؤولي الكيان الإسرائيلي في مشهد مخز شاهدته شعوب العالم قاطبة من الشرق والغرب، حيث انتفضت تلك الشعوب في مظاهرات عارمة هي الأكبر منذ حرب فيتنام.

إن الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني اعترف بها عدد من القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية السابقة وأن نتنياهو جر الكيان الصهيوني إلى كارثة بحيث أصبح الكيان وقيادته مطاردا من المحاكم الدولية خاصة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية في لاهاي من خلال إصدار مذكرات التوقيف. كما أصدرت الأمم المتحدة قائمة العار السوداء التي تصدرها الكيان الصهيوني باستهدافه آلاف الأطفال وقتلهم وهي جريمة بشعة سوف تظل تطارد المجرم القاتل نتنياهو وعصابته في الكيان المنبوذ وهذا المصطلح أصبح ملازما لوصف الكيان الصهيوني وسوف يستقر في أذهان أحرار العالم لعقود طويلة.

إن فلسفة الانتقام من الأبرياء العزل والذي أقدمت إسرائيل وكان آخرها مجزرة مخيم النصيرات يعطي مؤشرا على الجينات الإجرامية التي يحملها قيادات الكيان الصهيوني، بل إنهم غير مهتمين بالمحتجزين وأهاليهم الذين يتظاهرون بشكل يومي، كما أن الطيران الإسرائيلي قد قتل العشرات من المحتجزين. ومن هنا فإن الكيان الصهيوني دخل في دوامة الانتقام وأصبحت هناك مؤشرات على أن سقوط عصابة تل أبيب هي قادمة لا محالة، وأن تعنت نتنياهو حول وقف الحرب في قطاع غزة هو الخوف من تبعات ما بعد وقف إطلاق النار، لأن ذلك يعني تشكيل لجنة تحقيق داخلية لنتنياهو وبقية القيادات العسكرية حول الهزيمة الاستراتيجية التي مني بها الكيان الصهيوني وبشكل مخز يوم السابع من أكتوبر. كما أن نتنياهو يواجه قضايا فساد متعددة من المحاكم الإسرائيلية، وبالتالي فإن المشهد السياسي في الكيان الصهيوني مرتبك، وهناك استقالات متواصلة في حكومة نتنياهو المتطرفة.

إن المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية والمقاومة اليمنية شكلوا حزام مقاومة مثاليا وهي تجربة نموذجية حاصرت العدو الإسرائيلي وحتى الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي زودت إسرائيل بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية وكانت شريكا حقيقيا للعدوان على قطاع غزة وعموم فلسطين. ومن هنا فإن قطع الملاحة في البحر الأحمر لا يستهدف الملاحة في حد ذاتها ولكن يهدف إلى الضغط على الكيان الصهيوني لوقف العدوان السافر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفلسطين المحتلة. ولقد لعب الإعلام الدولي والعربي وشبكات التواصل الاجتماعي والهاتف الذكي دورا محوريا للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني في تعرية زيف السردية الصهيوينة وأصبح العالم مقتنعا بأن الكيان أصبح يشكل خطرا على السلام والأمن في المنطقة والعالم. ومن هنا فإن لجم هذا الكيان الصهيوني يعد ضرورة إستراتيجية وإنسانية، وفي تصوري بأن هذا الجيل من القيادات الصهيونية المتشددة سيظل ملطخا بالعار والجريمة في الذاكرة التاريخية الإنسانية. علاوة على أن معركة طوفان الأقصى ينبغي أن تشكل أيضا معركة للوعي العربي وأجياله الجديدة، كما أن تلك المعركة وما أدت إليه من هزيمة مذلة للجيش الإسرائيلي تحفز القيادات والجيوش العربية بأن سردية إسرائيل حول التفوق والغطرسة قد سقطت في السابع من أكتوبر وأن العسكرية الإسرائيلية يمكن هزيمتها بعد أن كسرت المقاومة الفلسطينية حاجز الخوف والرهبة التي صنعتها آلة الحرب النفسية الصهيونية على مدى عقود.

إن العدوان الصهيوني يتكبد يوميا المزيد من الخسائر وقد خسر أكثر من ثلث دبابات جيشه خاصة الميركافا والتي تقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات، كما أن هناك تدهورا في الروح المعنوية للضباط والجنود الذي أقدم العشرات منهم على الانتحار عدا على هروب عشرات اليهود من إلى الغرب خوفا من الحرب، كما أن الاقتصاد الصهيوني سجل تراجعا وتدهورا كبيرا وتوقفت عدد من الموانئ والسياحة وحتى الاستثمار كل ذلك بفعل ضربات المقاومة الفلسطينية والتي سوف يسجل لها التاريخ الحديث بأنها أنهت سطوة وأكذوبة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر ومن خلال حرب استنزاف تدخل شهرها التاسع وهي من أطول الحروب في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.

إن وقف إطلاق النار يلوح في الأفق بعد قرار مجلس الأمن الدولي وشعور واشنطن بأن الانتخابات الأمريكية على الأبواب وأن استمرار الحرب سوف يجعل الحزب الديموقراطي يخسر تلك الانتخابات، كما أن أحداث البحر الأحمر وضرب السفن الأمريكية والغربية من قبل أنصار الله في اليمن قد أحدث متغيرا استراتيجيا مهما، وأصبح هناك تهديد حقيقي لانسياب التجارة البحرية الدولية عبر البحر الأحمر وخليج عدن وحتى عبر البحر الأبيض المتوسط، وأمام كل هذه المتغيرات فإن الكيان الإسرائيلي أصبح محاصرا دوليا وممزقا داخليا وليس أمامه سوى وقف العدوان والتسليم بهزيمته الاستراتيجية التي تعد واضحة وموثقة على كل المستويات وأيضا تم توثيق جرائمه وانتهاكاته ضد الإنسانية وضد حقوق الإنسان في أكبر إبادة جماعية يشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

مقالات مشابهة

  • مركز “ويلسون”: اليمن قَلَبَ حسابات أمريكا الأمنية في الشرق الأوسط
  • الكيان الصهيوني والهزيمة الاستراتيجية
  • بلينكن: جميع الدول في الشرق الأوسط تؤيد الخطة الخاصة بغزة
  • العالم على صفيح ساخن| موجة حارة تضرب البلاد.. ارتفاع درجات الحرارة والذروة أول أيام العيد.. وخبراء: الغازات الدفيئة وزيادة الاستهلاك للمخلفات سبب الارتفاع لأرقام قياسية
  • وزير الخارجية الأمريكية يحضر مؤتمرًا في الأردن للاستجابة الإنسانية بغزة
  • بين مكامن الوجع وضِفاف النصر
  • القيم الأمريكية الغربية والنموذج (الصهيوني)..!
  • ”صنعاء على صفيح ساخن.. الرعب يسيطر على المليشيا الحوثية و حملة اعتقالات واسعة”
  • الشرق الأوسط يحل ثانيا.. أكبر عدد من النزاعات المسلحة منذ 78 عاما
  • انتخابات البرلمان الأوروبي على صفيح ساخن.. ومؤشرات على صعود اليمين المتطرف