على الجميع ان يتوقف عن تحميل الثورة والجمهورية والوحدة مألات ما نحن فيه اليوم ، فجميعها مشاريع سياسية، لها انصارها واعدائها، وبالضرورة ستواجه تحديات، في صراع بين الانصار والاعداء، وهذا شيء طبيعي في أي تحول سياسي، هناك قوى تفقد مصالحها في التحول وتقاوم، وهناك من يتطلع بقناعة في التحول لتلبية احتجاجاته، ويبقى النصر مرهون بمصداقية الايمان بالقيمة والهدف الذي يحمله التحول.
فثورة سبتمبر واكتوبر مشروع تحرري واحد من الإمامة والاستعمار، لتحقيق الجمهورية( الدولة الوطنية) التي يتطلع اليها الثوار والمناضلين، و أي فشل لهذا التحول السياسية ليس في الثورة ولا في الجمهورية، بل النظام الذي انتجته التحالفات ما بعد الثورة، وتسلق الاعداء الى الصفوف الامامية، ليبقى الصراع محتدم بين الانصار والاعداء، من يسعى للانتصار للثورة وتحقيق الجمهورية، ومن يحاول طعن الثورة للقضاء على الجمهورية، واستمرت الثورة اكتوبر في الجنوب تقاوم مخلفات الاستعمار، وسبتمبر في الشمال تقاوم مخلفات الإمامة.
فالوحدة كانت الركيزة المكملة للثورة لتدعيم الجمهورية، ولكنها قامت على نظامين متهالكين، نظام في الجنوب انهكته الصراعات، بحكم سيطرة الجبهة القومية وثقافة تقديس الفكر، الذي لا يقبل الاخر ولا التغيير ولا التحول ، ونظام الشمال انهكته القوى التقليدية وتمسكها بالإرث القديم، وتقديس حكم الطائفة، وعسكرة القبيلة، وفي النظامين فقدت المؤسسات العسكرية والامنية من الولاء الوطني، وصار الولاء للحزب في الجنوب والطائفة في الشمال، وقامت الوحدة على نظامين هش، تصارعا على سلطتها وكانت حرب 94م ، وانتصرت الطائفة والقبيلة على الحزب، فاستهدفت الدولة ومؤسساتها, وبإيعاز من استخبارات الاعداء تم تصفيت مؤسسات الحزب، والابقاء على تسيد القبيلة، ليخدم نمط دول الاقليم كما شكلها المستعمر، وهو النمط الذي يخدم اعداء المشروع العربي والاسلامي و الوحدة العربية والاسلامية، ويدعوا للتطبيع مع الصهاينة ، فبدأت مرحلة القضاء على فكرة الوحدة من نفوس وضمائر وعقول الكثير من المصابين مما حدث وما زال يحدث لليوم.
من السخف ان يذهب البعض بالقول ان ما حدث للجنوب كان بسبب الوحدة اليمنية، الوحدة التي كانت الضامن الوحيد لمشروع الدولة الوطنية والديمقراطية والتعدد السياسي والتنوع الثقافي والفكري، وترسيخ دولة النظام والقانون، والذي حدث ان المتشدقون بالوحدة حينها ليس لديهم ايمان راسخ بقيمها، فانتصر عليهم الطرف الاخر، واكبر دليل على ذلك انهم تخلوا عنها، بل يعلنونها ليل ونهار، وعادوا الى اصولهم الحقيقية كقبائل وفئويات صغيرة، تتقاتل على قطعة ارض وفيد وجبايات، كعصابات وقطاع طرق، صار الجنوب اليوم يعود لما قبل الدولة، مرهون لكل ما هو سلبي في الشمال، متجاهلا كل ما هو ايجابي، حتى ترسخت فيهم كل افكار القوى التقليدية في الشمال ، كترسيخ فكرة الاحتواء والاقصاء والتسلط والاستبداد، ويتم القضاء على الكفاءات والمهنية والكوادر، ليستبدلوا بما هو اسوأ ، في تدمير واضح لمبدأ النظام والقانون والنظام المؤسسي، ومبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، فلم يعد لدينا شمال ولا جنوب، صار الوطن بيد قوى تافهة توافقت مع بعضها شمالا وجنوبا، واستهدفت كل ما كان قد انجز منذ الاستقلال والتحرر من الإمامة، انجازات اسلافنا وثمرات تضحياتهم الجسام ، والمؤسف ان نفقد احترامنا للثورة و للجمهورية و للوحدة، فقد اصاب البعض مرض الاتهام، فتخلوا عن قيمهم ومبادئهم، وعادوا ليتخندقوا في مناطقهم الجغرافية والقبلية، وتخلو عن كل شيء حتى الهوية، قلبوا مزبلة التاريخ بحثا عن ما يرضي غرورهم في هوية من مقلب نفايات الارث القديم، واعادة الروح لمشروع استعماري منتهي الصلاحية، افشله ابطال الامس ورجال الثورة الابية، ومع الاسف صاروا يصارعون الزمن والحضارة، ويصارعوننا بعد ان توسعت حجم الهوة، واثخن المجتمع بكل ما هو سيء ومسيئ، صارت العنصرية والكراهية ثقافتهم .
لم يسقط الجميع في هذه التفاهة، بل ما زال البعض متمسكا بقيمه واهدافه وتطلعاته بدولة وطنية و وحدة عادلة وحكم رشيد، لتكن اليمن سندا لمشروع الامة العربية والاسلامية، ومنارة تنير طريقهما كما كانت وما زالت عدن، ترفض ما يحدث وتشمخ بمواقف وطنية صادمة للتافهين من قوى الارتهان والتبعية اليوم، المطبعين مع الصهاينة الذي باعوا الوطن والهوية، وصاروا اتباع في مشروع اعداء الامة، النصر للوطن و وحدته وسيادته والعار لكل منبطح سقط في وحل التبعية .
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الثورة الوحدة اليمنية فی الشمال
إقرأ أيضاً:
في ذكرى 22 مايو .. الوحدة اليمنية: الحلم والخيبة… وآفاق المستقبل
كتب / أزال عمر الجاوي
في الثاني والعشرين من مايو عام 1990، ارتفع علم الحلم اليمني الكبير، حين أُعلنت الوحدة بين شطري اليمن، الشمالي والجنوبي، بعد عقود من الانقسام ومحطات متقطعة من الحروب والصراعات، وتبادلات باردة وساخنة في الجغرافيا والذاكرة. كان ذلك الإعلان لحظة فرح شعبية جارفة، عبّرت عن توق عميق في نفوس اليمنيين لوطن واحد، وهوية جامعة، ومصير مشترك.
لقد كان يومًا من العناق والدموع والفرحة الغامرة، لقد كان “عيد الأعياد” بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
لكن، كما هو شأن الأحداث الكبرى، لم تكن هذه الوحدة نهاية الطريق، بل بداية مسار معقّد، اختلط فيه الأمل بالخوف، والمكاسب بالإخفاقات، والثورة بالإحباط. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، لا تزال الوحدة اليمنية تثير أسئلة كبرى: هل كانت فعلًا وحدة على أسس صحيحة؟ هل حافظت على مضمونها؟ ما الذي تبقّى منها؟ وما السبيل لصياغة مستقبل لا يكرر أخطاء الماضي؟
والاهم من كل ذلك هل كان 22 مايو حقًا يومًا للوحدة أم يومًا لتكريس الانقسام والانفصال؟
أولًا: إيجابيات الوحدة اليمنية
رغم كل ما آلت إليه الأمور، لا يمكن إنكار أن الوحدة في بدايتها مثّلت:
•تتويجًا لحلم تاريخي جمع اليمنيين، توارثته الأجيال منذ ما قبل التشطير، من أيام دولة الأئمة في الشمال والاحتلال البريطاني في الجنوب.
•فتح آفاقًا جديدة أمام مشروع دولة وطنية جامعة، توظف الخبرات وتوحد الموارد البشرية والاقتصادية ضمن إطار مؤسسي حديث.
•إنهاء حالة العداء المزمن بين النظامين الشمالي والجنوبي، وما تسبّب به من حروب استنزافية في السبعينيات والثمانينيات، او هكذا اعتقدنا في حينه على الاقل.
•إشعال موجة تفاؤل شعبي، انطلقت فيها مشاريع اقتصادية واستثمارية، وبدأت الحياة السياسية في التشكّل بصيغة تعددية نسبية من خلال أول انتخابات تنافسية.
•إعادة وصل الجنوب بمحيطه الطبيعي والاجتماعي والتاريخي، بعد عقود من العزلة والانغلاق الأيديولوجي.
ثانيًا: إخفاقات وسلبيات الوحدة
لكن الواقع خذل الحلم سريعًا، وبدأت التشققات تظهر باكرًا، وكان أبرزها:
•فرض الوحدة بصيغة اندماجية قسرية لم تراعِ خصوصية الشطر الجنوبي ولا اختلاف بنيته المؤسسية والسياسية، ما خلق شعورًا متزايدًا بالهيمنة والتهميش.
•سيطرة مراكز القوى القبلية والدينية والعسكرية من الشمال على مفاصل الدولة، خصوصًا بعد حرب 1994 التي حُسمت بالقوة، وأدخلت الجنوب في مرحلة من الإقصاء والنهب الممنهج للثروات.
•فشل النظام السياسي بعد الوحدة في بناء دولة مؤسسات، وتحوله تدريجيًا إلى سلطة عائلية قبلية، أجهضت مشروع الوحدة الحقيقي لصالح مشروع التمكين والاستئثار.
•استثمار الخلافات بدل معالجتها، مما حوّل الوحدة من مشروع وطني إلى عبء نفسي واجتماعي، لا سيما لدى الجنوبيين، وظهر ذلك جليًا في انطلاق الحراك الجنوبي عام 2007، كمحصلة طبيعية لفقدان الثقة بوحدة لم تضمن العدالة أو المواطنة المتساوية.
وبدلاً من أن يكون ذلك ناقوس خطر يستدعي المعالجة الشاملة، قوبل بالقمع والإصرار على تكريس الأخطاء وتسريع وتيرتها.
ثالثًا: آفاق الوحدة… هل من مستقبل؟
اليوم، وقد تهاوت الدولة اليمنية بالكامل تحت أنقاض الحرب منذ 2015، وتعالت الأصوات الجنوبية مطالبة بفك الارتباط، يُطرح السؤال بمرارة: هل انتهت الوحدة اليمنية؟
الإجابة ليست سهلة. لكن من المؤكد أن صيغة الوحدة التي قامت في 1990 قد تم تقويضها عمليًا بحرب 1994، ولا يمكن إحياؤها بذات الأساليب القديمة. ومع ذلك، لا يزال هناك مجال لتفكير جديد يحافظ على جوهر الوحدة الوطنية، دون التمسك بالقوالب الجامدة التي أصبحت من الماضي.
ما هو المطلوب إذًا؟
1.الاعتراف بالواقع كما هو، لا كما كان:
هناك جنوب اليوم يطالب بالاستقلال (كاملًا أو جزئيًا)، وهناك شمال متناحر غارق في صراعات سلطوية. هذا الواقع يجب أن يُقرأ، لا يُكفّر.
2.إعادة تعريف الوحدة:
وفقًا لثوابت واحدية الشعب اجتماعيًا وثقافيًا، ومتغيرات السياسة وشكل الدولة، وعلى قاعدة تحترم الخصوصيات، وتمنع عودة الإقصاء والاستحواذ، وتضمن التوازن في إدارة السلطة والثروة.
3.مصارحة وطنية تاريخية:
تعيد قراءة ما حدث في 1990 و1994 وما تلاهما، بعقل وقلب مفتوحين، بعيدًا عن التقديس أو التخوين، من أجل تحديد المسؤوليات واستكشاف البدائل.
4.التأسيس لمشروع وطني جامع:
تكون فيه الوحدة خيارًا حرًا، لا مفروضًا، وتنبني على أساس المواطنة المتساوية، والعدالة، والديمقراطية، ووفق ضمانات واضحة وقابلة للتنفيذ.
ختامًا :
الوحدة ليست مجرد شعار، بل مسؤولية تاريخية ومشروع لبناء المستقبل. ما لم تتحوّل إلى عقد شراكة عادل بين مكونات الشعب، فإنها ستظل عبئًا يضاف إلى ذاكرة جريحة. أما إذا أُعيد بناؤها على أسس جديدة، فقد تكون المفتاح الأخير للخروج من نفق الحروب والأزمات، نحو التنمية والازدهار والاستقرار.
في ذكرى 22 مايو، لا نحتاج إلى تمجيد الماضي، ولا إلى جلد الذات، بل إلى شجاعة النقد، ووضوح الرؤية، واستحضار الإنسان اليمني كمعيار لأي مشروع وطني مستقبلي.
إن لم تكن الوحدة مشروعًا إنسانيًا عادلًا، فستبقى ذكرى مؤلمة وباب صراع مفتوح وحلمًا مؤجلاً يتبدد مع الزمن.