رغم ما تسطره النصوص والاتفاقيات الدولية من قواعد والتزامات على عمل البعثات الدبلوماسية والسفارات في الدول المستضيفة لها، إلا أن الواقع يقول إن الدول لا تلتزم جميعها بمقتضيات تلك القواعد والاتفاقيات، ويترتب على ذلك في أحيان كثيرة توترات وأزمات دبلوماسية شديدة، وحتى فرض أجندات ونفوذ على الدول المستضيفة.

وهذا حال الدول الإفريقية التي انتفض العديد منها في وجه النفوذ الفرنسي، التي أصبحت تواجه الآن معضلة جديدة بسبب عزم النظام الأوكراني افتتاح سفارات له في بلدان القارة السمراء، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام الأوكرانية.

ففي شهر أبريل الجاري لوحده افتتحت أوكرانيا 3 سفارات في كل من ساحل العاج وجمهورية رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتعتزم فتح ممثليات أخرى في القارة الإفريقية بحسب ما أفاد به نائب وزير الخارجية الأوكراني.

واعتبر مراقبون أن الانتفاضة الكبيرة التي يواجهها النفوذ الفرنسي في القارة الإفريقية، دفع بواشنطن لإرسال أوكرانيا إلى الساحة من أجل ملء الفراغ الذي خلفته باريس، تحت عنوان مجابهة النفوذ الروسي.

قال المحلل السياسي والباحث في الشؤون الإفريقية، محمد خالد، إن قبول الدول الإفريقية بافتتاح السفارات الأوكرانية على أراضيها ينتهك حياد هذه الدول تجاه الحرب الدائرة شرقي أوكرانيا، خصوصًا وأن التوسع الكبير للتمثيل الدبلوماسي الأوكراني في القارة الإفريقية هدفه المعلن مجابهة النفوذ الروسي والصيني.

وأكد المحلل السياسي، أن الهدف غير المعلن لتوسيع أوكرانيا تمثيلها في الدول الإفريقية بهذا الشكل المتسارع يهدف لتعويض النفوذ الغربي الذي ينحسر تدريجيًا مع خسارة فرنسا لمصالحها في دول الساحل الإفريقي.

وكان نائب وزير الخارجية الأوكراني مكسيم صبح قد ألقى الضوء على استعداد بلاده للتعاون في مجال الغذاء خلال حفل افتتاح السفارة الأوكرانية في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الإقتصادية لساحل العاج، قائلًا أن «الحرب تدور في مكان بعيد، لكن الزيادة الكارثية في أسعار المواد الغذائية أثرت بالفعل في حياة ملايين الأسر الإفريقية»، الأمر الذي أستهجنه العديد من المراقبين، كون أوكرانيا بطبيعة الحال تعاني من أزمات اقتصادية ضخمة وتعتمد بشكل كامل على المساعدات الغربية.

وتعليقًا على ذلك قال الباحث والمشارك في المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية، محمد المصري، أن التغول الأوكراني الدبلوماسي في دول القارة الإفريقية سيتبعه انتشار خطير للمرتزقة الأوكران في المنطقة، مضيفًا أن أوكرانيا دولة غير قادرة على التعاون في المشاريع السياسية أو الاقتصادية، ولكنها تستطيع تمرير الأجندات الغربية في المنطقة وكبح جماح الشعوب الإفريقية التي تنتفض بوجه النفوذ الفرنسي والغربي.

وأشار المصري إلى أن أحد الأهداف الأوكرانية الرئيسية في الدول الإفريقية المستضيفة لسفاراتها هو جمع المعلومات الإستخباراتية والتوغل في المؤسسات الحكومية وإقامة جسر اتصالات مع ساسة ومفكرين وحتى معارضين، لكسب النفوذ والتحكم بسياسات حكومات الدول المستضيفة.

اقرأ أيضاًرئيس الوزراء البريطاني يؤكد دعم بلاده الثابث لأوكرانيا

الصين تحذر واشنطن: أزمة أوكرانيا لن تحل بتشويه سمعة الآخرين

ضابط إسباني: أوكرانيا غير قادرة على هزيمة روسيا

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: أوكرانيا القارة الإفريقية النظام الأوكراني وسائل الإعلام الأوكرانية النفوذ الروسي السفارة الأوكرانية القارة الإفریقیة الدول الإفریقیة

إقرأ أيضاً:

القاهرة وبكين.. تحالف اقتصادي يصوغ خريطة النفوذ الجديد

في خضم التحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، تتسارع الدول لإعادة ضبط بوصلتها نحو شركاء جدد أكثر مرونة واستعدادًا للاستثمار طويل الأمد. وفي هذا السياق، تسعى مصر إلى تعزيز تموضعها الاقتصادي والدبلوماسي من خلال تقوية شراكتها مع الصين، ليس فقط عبر التبادل التجاري، بل بإعادة تشكيل منظومة الاستثمارات والمصالح المشتركة. ويبدو أن القاهرة لم تعد تنظر إلى بكين كشريك تجاري تقليدي، بل كمحور استراتيجي يواكب طموحاتها نحو تنويع مصادر التمويل، وجذب رؤوس الأموال، وتوسيع النفوذ الجغرافي والاقتصادي في الشرق الأوسط وأفريقيا.

شراكة قيد التوسيع.. من المرتبة العاشرة إلى المراكز الخمسة الأولى

تكثف مصر من جهودها لتوسيع شراكتها مع الصين، في خطوة تهدف إلى جعلها ضمن أكبر خمسة مستثمرين في البلاد، بعد أن احتلت المرتبة العاشرة لفترة طويلة. لم تعد التحركات المصرية مقتصرة على التعاون القطاعي المحدود، بل باتت تتحرك ضمن رؤية أوسع لإعادة رسم خارطة الاستثمارات الصينية على أراضيها، بالتوازي مع توجه القاهرة نحو تموضع دولي أكثر استقلالًا، بعيدًا عن الاعتماد الحصري على الشركاء التقليديين.

زيارة رسمية واتفاقيات نوعية

زيارة رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، إلى القاهرة مؤخرًا، شكلت محطة مفصلية في مسار الشراكة، حيث شهدت توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات حيوية، من بينها التنمية الخضراء، التجارة الإلكترونية، والمساعدات الإنمائية. ووفق وكالة أنباء "شينخوا"، فإن هذه الشراكة لا تقتصر على الجوانب الاقتصادية، بل تمتد إلى التنسيق السياسي، خاصة في دعم الصين للقضايا العربية وعلى رأسها فلسطين، مقابل دعم مصر لمبدأ "صين واحدة".

أرقام تتصاعد.. ولكن ما زال الطريق طويلًا

بحسب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري، المهندس حسن الخطيب، بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين نحو 17 مليار دولار في 2024، مقارنة بـ16 مليارًا في 2023، بنسبة نمو 6%. ومع ذلك، شدد الخطيب على أن الأرقام لا تزال دون الإمكانات الحقيقية للبلدين. وتستضيف مصر أكثر من 3,050 شركة صينية بإجمالي استثمارات مباشرة بلغت 1.2 مليار دولار حتى فبراير 2025، تشمل علامات مثل "هواوي" و"أوبو" و"هاير" و"ميديا".

مستهدفات استثمارية طموحة

عبد العزيز الشريف، رئيس جهاز التمثيل التجاري، كشف عن خطة لمضاعفة الاستثمارات الصينية إلى 16 مليار دولار خلال أربع سنوات، مقارنة بـ8 مليارات حاليًا، مع هدف جذب استثمارات مباشرة بقيمة 15 مليار دولار خلال العام الحالي وحده. وأوضح الشريف أن السياسات الحمائية الأمريكية شجعت العديد من الشركات الصينية على التوجه نحو مصر كسوق تصنيعي بديل.

مشاريع عملاقة ومجالات متنوعة

الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين، التي أُعلن عنها رسميًا عام 2014، تجسدت في مشاريع ضخمة أبرزها منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، التي تنفذها شركة "CSCEC" الصينية بكلفة 3.8 مليار دولار. وفي قطاع النقل، دخل القطار الكهربائي الرابط بين القاهرة الكبرى والعاصمة الإدارية مرحلة التشغيل في 2024، باستثمارات تجاوزت 1.2 مليار دولار وبمشاركة 15 شركة صينية.

وفي مجال الطاقة، وُقّعت اتفاقية لبناء محطة رياح بقدرة 1100 ميغاواط في خليج السويس بين شركة "سويس" وشركة "باور كونستراكشن" الصينية، وهي من أكبر مشاريع الطاقة المتجددة في المنطقة.

ميزة الصين.. التنفيذ السريع

أحمد منير عز الدين، رئيس لجنة تنمية العلاقات مع الصين بجمعية رجال الأعمال المصريين، أشار إلى أن الميزة التنافسية للصين تكمن في سرعة تنفيذ المصانع والمشاريع الكبرى. وأكد أن مصر بحاجة ماسة للاستثمار المباشر بالعملة الصعبة، لتعويض تراجع إيرادات قناة السويس، مشيرًا إلى اهتمام الشركات الصينية بقطاعات الإلكترونيات، والمنسوجات، والملابس الجاهزة.

بوابة جيوسياسية لآسيا وإفريقيا

يرى الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن مصر تمثل حلقة وصل استراتيجية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، ما يعزز جاذبيتها ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، خاصة مع تلاقي أهدافها مع رؤية مصر 2030 في مجالات البنية التحتية والتنمية الصناعية. هذه الجغرافيا تمنح مصر فرصة التحول إلى منصة تصديرية للصناعات الصينية نحو الأسواق الإقليمية والدولية.

خارطة الاستثمارات.. من القناة إلى العاصمة

باتت الاستثمارات الصينية تغطي مناطق استراتيجية مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والعلمين الجديدة، والمدن الذكية والعاصمة الإدارية، بإجمالي استثمارات تقترب من 9 مليارات دولار. وبحسب مصطفى إبراهيم، نائب رئيس مجلس الأعمال المصري الصيني، فإن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس جذبت 128 مشروعًا استثماريًا خلال عامين، شكلت الاستثمارات الصينية منها 40%.

كما يجري الإعداد لتحالف مصري صيني لاستصلاح مليون فدان باستثمارات تصل إلى 7 مليارات دولار، ما يعزز الأمن الغذائي ويخلق فرص عمل ضخمة.

تقليص العجز التجاري واستراتيجية العملات المحلية

ورغم الشراكة المتنامية، يبقى العجز التجاري لصالح الصين، حيث يتجاوز 15 مليار دولار. لذلك، تدفع مصر باتجاه تعزيز الاستثمارات المباشرة كبديل لهذا العجز. ودعا عبد العزيز الشريف إلى تفعيل آلية التبادل التجاري بالعملات المحلية، وخاصة اليوان، للحد من الاعتماد على الدولار وتعزيز الاستقرار المالي.

اتفاق مالي نوعي وتنسيق مؤسسي

في خطوة تحمل دلالات استراتيجية، وقّع البنك المركزي المصري مذكرة تفاهم مع بنك الشعب الصيني لتعزيز التعاون المالي، تشمل التسوية بالعملات المحلية، وتبادل الخبرات في العملات الرقمية والتقنيات المالية. واعتبر ضياء حلمي، الأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية، هذه الخطوة "إشارة ثقة طال انتظارها"، تمهّد لتعاون أعمق وتنسيق أكثر شمولًا.

الشراكة المصرية الصينية لم تعد مجرد علاقات تجارية، بل تحوّلت إلى رافعة استراتيجية تحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية وجيوسياسية. وفي ظل التحولات العالمية، قد تمثل هذه الشراكة حجر زاوية في إعادة تعريف التموضع المصري دوليًا، وبوابة اقتصادية نحو عالم متعدد الأقطاب.

 وفي هذا السياق، يعلّق الدكتور عادل عامر، المحلل الاقتصادي، على أبعاد هذه الشراكة المتنامية ورهانات مصر المستقبلية على العملاق الآسيوي.

وأكد الدكتور عادل عامر، المحلل الاقتصادي، أن الخطوات المصرية لتعزيز الشراكة مع الصين تمثل نقلة نوعية في السياسة الاقتصادية الخارجية، مشيرًا إلى أن استهداف بكين لتكون ضمن أكبر خمسة مستثمرين في مصر يؤكد وضوح الرؤية المصرية نحو تنويع الشركاء وفتح آفاق جديدة للاستثمار. وأضاف أن هذه الجهود تتجاوز التعاون التقليدي لتصل إلى إعادة صياغة العلاقات الاستثمارية على أسس استراتيجية تتكامل مع رؤية مصر 2030، وتعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود في وجه الأزمات العالمية.

وأضاف عامر في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن توقيع الاتفاقيات الأخيرة مع الصين في مجالات متعددة، وعلى رأسها التنمية الخضراء والطاقة والبنية التحتية، يعكس إدراكًا مصريًا ذكيًا لأهمية جذب رؤوس الأموال النوعية، لافتًا إلى أن التركيز على الاستثمارات الإنتاجية وليس الاستهلاكية يمثل خطوة إيجابية نحو تقليص العجز التجاري مع الصين.

كما أشار إلى أهمية اتفاق التسوية بالعملات المحلية مع بنك الشعب الصيني، مؤكدًا أن هذا الاتفاق يفتح الباب أمام استقلال مالي أكبر لمصر ويقلل من الضغط على الاحتياطي النقدي، وهو ما يعزز استقرار الاقتصاد المصري على المدى المتوسط والطويل.

طباعة شارك الاقتصاد مصر بكين الاقتصاد المصري الصين القاهرة

مقالات مشابهة

  • الجبهة الوطنية: الدول التي تسقط لا تنهض مجددا وتجربة مصر العمرانية هي الأنجح
  • محلل سياسي: موقف المملكة من القضية الفلسطينية ثابت لا يتأثر بالمتغيرات
  • لأول مرة.. هولندا تدرج الاحتلال الاسرئيلي ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • القاهرة وبكين.. تحالف اقتصادي يصوغ خريطة النفوذ الجديد
  • واضح يحذر من اتساع الفجوة الرقمية خاصة في الدول النامية
  • لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • محمود مسلم: انتخابات مجلس الشيوخ مختلفة حيث تعتمد على الشخصيات العامة التي لها ثقل سياسي في الشارع
  • عاجل | الوكالة الوطنية للأمن في هولندا: إدراج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • هولندا تدرج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • جنوب أفريقيا تشيد بالجهود المصرية في تعزيز التنمية بالقارة ودفع التعاون