الشيخ الدكتور عبدالحي يوسف يرثي الشيخ عبدالمجيد الزنداني
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
الشيخ العلامة عبد المجيد الزنداني رحمه الله تعالى رأيته في منى في أول حجة لي عام 1403 وأنا – حينذاك – طالب في الجامعة الإسلامية، وقد حججت في معسكر يضم جامعات الخليج العربي، حيث ألقى علينا الشيخ محاضرة فريدة تناولت ضروباً من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وختم محاضرته بحثِّنا على التبرع للجهاد حينها في أفغانستان.
زرته بعدها – بنحو من خمس وعشرين سنة – في مكتبه بجامعة الإيمان بصنعاء؛ فرأيت رجلاً فارع الطول قوي البنية حاضر الذهن سريع البديهة دائم التبسُّم، يلقى زواره بحفاوة ويكرم وفادتهم ويقبل عليهم مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفرد لنا من وقته نحواً من ثلاث ساعات يحادثنا ويداعبنا ويفيض علينا مما رزقه الله من علم نافع وخبرة واسعة.
وحين كنت رئيساً لقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم اتصلت به أستأذنه في طباعة كتابه (بينات الرسول صلى الله عليه وسلم) ليستفيد منه طلاب الجامعة، فلم يتردد رحمه الله تعالى في القبول دون قيد أو شرط، بل رحب بذلك منشرح الصدر قرير العين، يرجو ما عند الله من أجر وثواب.
وحين ألقيت عصا الترحال في استنبول تتابعت لقاءاتي بالشيخ المبارك بعدما وهن عظمه وكبرت سنه، لكن الابتسامة ما فارقت محياه والبشر لم يبرح وجهه الوضاء، وكنت – حين ألقاه – أشعر أني مع الأب الشفوق الحاني، لما يشيِّعك به من كلمات التشجيع وما يشعرك به من اهتمام وإقبال.
وكان رحمه الله تعالى فتى الفتيان حين يُدعى إلى أمر فيه نصر للإسلام؛ فحين أسِّست الهيئة العالمية لأنصار النبي صلى الله عليه وسلم ودعي إلى المشاركة في مسيرة رداً على الرسوم المسيئة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وكان أقصى أمل شيخنا محمد الصغير أن يظهر الشيخ في مقدمة المسيرة – لما له من رمزية وتاريخ – لكنه رحمه الله أبى إلا أن يكون متحدثاً رغم ما اعترى صحته من ضعف وعلل، ومن آخر اللقاءات التي جمعتنا مسيرة لنصرة غزة في الحرب الأخيرة التي ما تزال تدور رحاها، ورأيته – رحمة الله عليه –يهتز باكياً حين يسمع آيات من صدر سورة الإسراء تتلى في تلك المسيرة، فهو الأواه الحليم الخاشع، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا
وما زال أهل الفضل يعرفون للشيخ قدره ومكانته؛ حتى إن الرئيس رجب أردوغان – حين لقيناه قبل نحو عام – كانت له حفاوة خاصة بالشيخ الزنداني وإقبال عليه؛ وما ذاك إلا اعتراف بالفضل لأهله فهو العالم العامل، والناصح الأمين، والمجاهد المتفرد، والساعي بالإصلاح في الأرض، والداعي إلى الله على بصيرة
وقد خلَّف الشيخ ذرية صالحة من أهل العلم والفضل، يكونون – بإذن الله تعالى – امتداداً لدعوته واستمراراً لمسيرته، وصدقة جارية يثقل الله بها ميزانه
فيا آل الزنداني: إن في الله تعالى خلفاً من كل هالك وعوضاً من كل تالف، وإنما المصاب من حرم الثواب، فما كان هُلْك الشيخ بالأمر الهين، بل نعلم يقيناً أن علماً غزيراً قد ذهب وقدوة حسنة قد أَفَلَت، لكنها سنة الله في الأولين والآخرين؛ فاستعينوا بالله واصبروا، وليكن عزاؤكم في كثرة الداعين لشيخنا والمترحمين عليه والذاكرين إياه بالخير من صفوة المسلمين، وصدق نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال (أنتم شهداء الله في الأرض)؛ فأحسن الله عزاءكم، وعظم أجركم، وغفر لشيخنا، وأجزل له المثوبة، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وجيراناً خيراً من جيرانه، وجعل مرضه كفارة وطهورا، والحمد لله على ما قضى وقدر.
الدكتور عبدالحي يوسف
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الله تعالى الله علیه رحمه الله
إقرأ أيضاً:
خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف
مكة المكرمة
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: “في زمان كشفت الفتن فيه قناعها، وخلعت عذارها، لا يندّ عن فهم الأحوذي، ولا يشذّ عن وعي الألمعي، استشراف الحوادث وتفحص الأحداث، فالتأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي، وأمر إلهي، قال جل وعلا: “لقد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”، وإن استهلال عام هجري جديد ليذكرنا بأحداث عظيمة جليلة، كان فيها نصر وتمكين، وعز للمرسلين والمؤمنين، تبعث في النفس التفاؤل والأمل، وحسن الظن بالله مع إتقان العمل، إنها قصة موسى -عليه السلام-، وهجرة المصطفى سيد الأنام -عليه أفضل صلاة وأزكى سلام-، ويوم عاشوراء ذلك اليوم الذي أنجى الله فيه نبيه موسى -عليه السلام- من فرعون وملئه”.
ولفت الشيخ السديس النظر إلى أن الله -عز وجل- أوحى إلى موسى وهارون -عليهما السلام- ليذهبا إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد والإيمان وهذا درس عظيم في الدعوة إلى الله تعالى، وهو أن يلتزم الداعي إلى الله الرفق واللين والحوار، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فخرج موسى ببني إسرائيل وتبِعهم فرعون وجنوده، فنظر بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردِفهم، وقالوا: “إِنَّا لَمُدْرَكُونَ”، فكان الرَّدُّ الحازم من موسى -عليه السلام-: “كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ”، وهذا درس آخر في اليقين وحسن الظن بالله، موصيًا فضيلته بإحسان الظن بالله، والأخذ من تلك القصص والأحداث والأنباء الدروس والعبر والإثراء، وأنه على قَدْرِ اليقين الراسخ والإيمان الثابت لنبي الله موسى -عليه السلام- كانت الإجابة الفورية: “فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ”، فأغرق الله فرعون وقومه جميعًا، وكان ذلك في يوم عاشوراء، فكانت نعمة عظيمة على موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل، فصام موسى -عليه السلام- هذا اليوم شكرًا لله تعالى، وصامه بنو إسرائيل، وهكذا تحقق النصر المبين والعاقبة للمتقين.
وبين الشيخ السديس أن في حدث الهجرة النبوية ما يُقرّر هذه السنة الشرعية والكونية: “إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”، قال أبو بكر -رضي الله عنه-: “والله يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا”، فقال -عليه الصلاة والسلام- بلسان الواثق بنصر ربه: “يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا”.. إنه اليقين بنصر رب العالمين، ولهذا كان من أهمية هذا الحدث العظيم أن أجمع المسلمون في عهد عمر -رضي الله عنه- على التأريخ به اعتزازًا بالهوية الدينية والتاريخية والوطنية، مما ينبغي اقتفاء أثره والاعتزاز به فنحن أمة لها تاريخ وحضارة ورسالة على مر الأيام وتعاقب الأعوام.
وأوضح فضيلته أن منهج المسلم عند حلول الفتن الاتجاه إلى الله بالدعاء، وكثرة التوبة والاستغفار، وعدم الخوض فيما لا يعنيه، ورد الأمر إلى أهله، والإسلام يدعو إلى نبذ العنف وتحقيق الوئام والتفرغ للبناء والإعمار، والتنمية والإبهار والبعد عن الخراب والفساد والدمار، فما أحوج الشعوب إلى نبذ الحروب، وما أحوج البلاد والعباد إلى الأمن والسلام والرشاد، وفي قصة نبي الله موسى -عليه السلام- وهجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنموذج عملي متكامل للنجاة من الفتن بالتمسك بشرع الله تعالى، وحسن الظن به، وجميل التوكل عليه.
وقال فضيلته: “فموسى ومحمد -عليهما السلام- حتى في لحظة الانتصار، أدَّيا حقَّ الشُّكرِ لربِّ العالمين، فكانا يصومان هذا اليوم -يوم عاشوراء- شكرًا لله على عظيم نِعْمَتِهِ”، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قَدِمَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- المدينةَ فرأَى اليهودَ يصومونَ يومَ عاشوراءَ فقال لهم: ما هذا اليومَ الذي تَصومونهُ؟ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومٌ نَجَّى اللهُ فيه بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى -عليه السلام-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنا أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بصومه”.
كما أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير المسلمين في خطبة الجمعة اليوم بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا.
وقال فضيلته: “ذكر الله تعالى رواء الأرواح وشفاء الجراح وعلامة الصلاح وداعية الانشراح وعين النجاح والفلاح قال جل وعز: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومن واظب على ذكر الله تعالى أشرقت عليه أنواره وفاضت عليه آثاره وتوافدت عليه خيراته وتواصلت عليه بركاته، والذكر هو الزّاد الصالح والمتجر الرابح والميزان الراجح فضائله دانية القطوف وفوائده ظاهرة جليّة بلا كسوف.
ومضى فضيلته قائلًا: “وقد أمر الله عباده بكثرة ذكره وتسبيحِهِ وتقديسِهِ، والثناءِ عليه بمحامدِهِ وجعل لهم على ذلك جزيل الثواب وجميل المآب قال جل وعزّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)، وعن عبدالله بن بسر -رضي الله عنه-: أنَّ رجلًا قَالَ: يَا رسولَ الله، إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيءٍ أَتَشَبثُ بِهِ قَالَ: «لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطبًا مِنْ ذِكْرِ الله» أخرجه الترمذي، فاذكروا الله في البيع والشراء والأخذ والعطاء والعلن والخفاء والصباح والمساء وعلى وجه الأرض وفي جوّ السماء”.
وأشار فضيلته أن الذكر يرضي الرحمن ويطرد الشيطان ويقوي الإيمان ويبدد الأحزان ويمنح النفوس الطمأنينة والسكينة والأمان، والذّكر يزيل الوحشة ويذيب القسوة ويذهب الغفلة وينزل الرحمة ويشفي القلوب قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه:” لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل”، والذكر غياث النفوس الظامئة وقوت القلوب الخالية ونور الدروب الشائكة، وبه تستجلب الخيرات والبركات وتستدفع الكربات والنقمات وبه تهون الفواجع النازلات والحوادث المؤلمات فما ذكر الله عز وجل في مصيبة إلا هانت ولا في كربة إلا زالت.
وأبان إمام وخطيب المسجد النبوي في ختام الخطبة أن الأجور المترتبة على الذكر عظيمة لا يعبِّر عن عظمتها لسان ولا يحيط بها إنسان مطالبًا فضيلته المسلمين بالمحافظة على الأدعية والأذكار الصحيحة الواردة في الأحوال المختلفة والإكثار من ذكر الله تعالى في كل حين وأوان.