الشيخ العلامة عبد المجيد الزنداني رحمه الله تعالى رأيته في منى في أول حجة لي عام 1403 وأنا – حينذاك – طالب في الجامعة الإسلامية، وقد حججت في معسكر يضم جامعات الخليج العربي، حيث ألقى علينا الشيخ محاضرة فريدة تناولت ضروباً من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وختم محاضرته بحثِّنا على التبرع للجهاد حينها في أفغانستان.

زرته بعدها – بنحو من خمس وعشرين سنة – في مكتبه بجامعة الإيمان بصنعاء؛ فرأيت رجلاً فارع الطول قوي البنية حاضر الذهن سريع البديهة دائم التبسُّم، يلقى زواره بحفاوة ويكرم وفادتهم ويقبل عليهم مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفرد لنا من وقته نحواً من ثلاث ساعات يحادثنا ويداعبنا ويفيض علينا مما رزقه الله من علم نافع وخبرة واسعة.
وحين كنت رئيساً لقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم اتصلت به أستأذنه في طباعة كتابه (بينات الرسول صلى الله عليه وسلم) ليستفيد منه طلاب الجامعة، فلم يتردد رحمه الله تعالى في القبول دون قيد أو شرط، بل رحب بذلك منشرح الصدر قرير العين، يرجو ما عند الله من أجر وثواب.

وحين ألقيت عصا الترحال في استنبول تتابعت لقاءاتي بالشيخ المبارك بعدما وهن عظمه وكبرت سنه، لكن الابتسامة ما فارقت محياه والبشر لم يبرح وجهه الوضاء، وكنت – حين ألقاه – أشعر أني مع الأب الشفوق الحاني، لما يشيِّعك به من كلمات التشجيع وما يشعرك به من اهتمام وإقبال.

وكان رحمه الله تعالى فتى الفتيان حين يُدعى إلى أمر فيه نصر للإسلام؛ فحين أسِّست الهيئة العالمية لأنصار النبي صلى الله عليه وسلم ودعي إلى المشاركة في مسيرة رداً على الرسوم المسيئة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وكان أقصى أمل شيخنا محمد الصغير أن يظهر الشيخ في مقدمة المسيرة – لما له من رمزية وتاريخ – لكنه رحمه الله أبى إلا أن يكون متحدثاً رغم ما اعترى صحته من ضعف وعلل، ومن آخر اللقاءات التي جمعتنا مسيرة لنصرة غزة في الحرب الأخيرة التي ما تزال تدور رحاها، ورأيته – رحمة الله عليه –يهتز باكياً حين يسمع آيات من صدر سورة الإسراء تتلى في تلك المسيرة، فهو الأواه الحليم الخاشع، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا

وما زال أهل الفضل يعرفون للشيخ قدره ومكانته؛ حتى إن الرئيس رجب أردوغان – حين لقيناه قبل نحو عام – كانت له حفاوة خاصة بالشيخ الزنداني وإقبال عليه؛ وما ذاك إلا اعتراف بالفضل لأهله فهو العالم العامل، والناصح الأمين، والمجاهد المتفرد، والساعي بالإصلاح في الأرض، والداعي إلى الله على بصيرة

وقد خلَّف الشيخ ذرية صالحة من أهل العلم والفضل، يكونون – بإذن الله تعالى – امتداداً لدعوته واستمراراً لمسيرته، وصدقة جارية يثقل الله بها ميزانه

فيا آل الزنداني: إن في الله تعالى خلفاً من كل هالك وعوضاً من كل تالف، وإنما المصاب من حرم الثواب، فما كان هُلْك الشيخ بالأمر الهين، بل نعلم يقيناً أن علماً غزيراً قد ذهب وقدوة حسنة قد أَفَلَت، لكنها سنة الله في الأولين والآخرين؛ فاستعينوا بالله واصبروا، وليكن عزاؤكم في كثرة الداعين لشيخنا والمترحمين عليه والذاكرين إياه بالخير من صفوة المسلمين، وصدق نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال (أنتم شهداء الله في الأرض)؛ فأحسن الله عزاءكم، وعظم أجركم، وغفر لشيخنا، وأجزل له المثوبة، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وجيراناً خيراً من جيرانه، وجعل مرضه كفارة وطهورا، والحمد لله على ما قضى وقدر.

الدكتور عبدالحي يوسف

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الله تعالى الله علیه رحمه الله

إقرأ أيضاً:

ما حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب؟ وهل وقوفهما بعرفة على هذه الحالة صحيحٌ شرعًا؟.

حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي: لا تُشتَرَط الطهارة لصحة الوقوف بعرفة؛ فإذا وقف الحاجُّ بعرفة وهو جُنُبٌ أو وقفت المرأة وهي حائضٌ فالوقوف صحيحٌ شرعًا، وقد أدركا الحجَّ، ولا شيء عليهما في ذلك ولا حرج.

وأوضحت ان الحج ركنٌ مِن أركان الإسلام، وفرضٌ على كلِّ مكلَّفٍ مستطيعٍ في العُمر مرةً واحدة؛ قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].

كيف تغسّل المرأة إذا ماتت وهي حائض؟.. الإفتاء توضح الطريقة الشرعية الصحيحةهل يجوز للمرأة الحائض أداء جميع مناسك الحج؟.. أمينة الفتوى تجيبماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض في الحج؟.. عويضة عثمان يجيبما حكم الطواف للحائض؟.. واعظة بالأوقاف تجيب

وجاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» أخرجه الشيخان.

الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم

وبينت ان الوقوف بعرفة هو أعظمُ أركان الحج وأهمُّها؛ فقد فسَّر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم الحجَّ بأنه الوقوف بعرفة، كما جعل تمامَ الحج الوقوفَ به؛ فعن عبد الرحمن بن يَعْمَرَ الدِّيلِيِّ رضي الله عنه قال: شهدتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقفٌ بعرفة، وأتاه ناسٌ مِن أهل نَجْدٍ، فقالوا: يا رسول الله، كيفَ الحجُّ؟ قال: «الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» أخرجه أصحاب "السنن" واللفظ لابن ماجه.

وأجمعَت الأُمةُ على كون الوقوف ركنًا في الحج؛ كما قال علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 125، ط. دار الكتب العلمية).

طباعة شارك حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم

مقالات مشابهة

  • فضل صلاة الضحى.. فوائد عظيمة اغتنمها ولا تتكاسل عن أدائها
  • هل الحج يكفر الكبائر ؟الشيخ الخثلان يجيب .. فيديو
  • لماذا نحر الأضحية في العيد الكبير .. 7 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • الكوكب الذي غاب عن السماء.. زاهر البوسعيدي في ذمة الله
  • ما حكم الوقوف بعرفة للحائض والجنب؟.. الإفتاء تجيب
  • هل هناك فرق بين سجود وصلاة الشكر؟.. دار الإفتاء تجيب
  • آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي
  • حرم المرحوم شفيق عبنده في ذمة الله تعالى
  • ماذا نقول عند الحر الشديد؟ كلمات تنجيك من حر جهنم
  • السباعي في ذمة الله