"كولومبيا" لها تاريخ نضالي من فيتنام إلى غزة... كل ما تريد معرفته عن جامعة الثوار في أمريكا
تاريخ النشر: 24th, April 2024 GMT
تعد جامعة كولومبيا أحد أعرق الجامعات الأمريكية، خصوصا وأن لها تاريخ طويل مع النضال الطلابي لكافة قضايا العالم، كيف لا، وهي أول من اتخذت موقفاً مطالباً بمقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولطلابها مواقف منددة بحرب فيتنام، إنها جامعة كولومبيا في نيويورك، ثم عادت الجامعة لتكشف عن تاريخها النضالي، مع بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث أشعلت الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية، وأبرزها جامعة كولومبيا، التي شهدت، يوم الخميس 18 أبريل، اقتحام شرطة نيويورك لحرم الجامعة واعتقال أكثر من 100 من طلابها، بدعوة من رئيسة الجامعة، نعمت مينوش شفيق، وهي أكاديمية من أصل مصري.
عمرها 270 عاما وكان اسمها جامعة الملك.. ورائدة بنوبل
اسمها الرسمي جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك ويرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1745 (قبل 270 عاماً)، وكان اسمها جامعة الملك، نسبة إلى الملك جورج الثاني، ملك بريطانيا العظمى، وظهرت تلك الجامعة الأهلية الخاصة للنور قبل ثورة الاستقلال الأمريكية، وظل اسمها جامعة الملك حتى عام 1854 (أي لمدة قرن من الزمان)، حين تغير الاسم إلى جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، وهي مشهورة بتخريج أعداد كبيرة من السياسيين وعلماء الاقتصاد الأمريكيين، كما تخرج فيها عدد كبير من الحائزين على جائزة نوبل، وهو عدد أكبر من خريجي أي جامعة أمريكية أخرى.
ومن أبرز من درسوا في جامعة كولومبيا، التي أصبحت في صدارة مشهد الاحتجاجات المنددة بإسرائيل وما ترتكبه بحق الفلسطينيين في غزة منذ أكثر من 200 يوم، هناك باراك أوباما وثيودور روزفلت وفرانكلين روزفلت (رؤساء أمريكيون سابقون)، ووارين بوفيت (ملياردير ورجل أعمال بارز)، وقائمة طويلة من السياسيين والاقتصاديين والفنانين وغيرهم.
احتجاجات حرب فيتنام
ربما يتبادر إلى الذهن أن دخول الشرطة إلى حرم جامعة كولومبيا للتصدي للمتظاهرين من طلاب وطالبات جامعة كولومبيا يمثل سابقة، لكن هذا ليس الواقع، فلجامعة كولومبيا تحديداً تاريخ طويل من المظاهرات والاحتجاجات والتعرض للاقتحام من جانب أفراد شرطة نيويورك، حيث يقع مقر الجامعة، ففي عام 1968، أي قبل نحو 56 عاماً، شهدت ساحات ومباني جامعة كولومبيا مشهداً قد يبدو متطابقاً مع ما تشهده اليوم، فبعد أسابيع من الاحتجاجات ضد حرب فيتنام والعنصرية المتفشية في المجتمع الأمريكي وقتها، قرر الطلاب تصعيد احتجاجاتهم، في ظل ما اعتبروه تجاهلاً من إدارة الجامعة والإدارة الأمريكية لمطالبهم، فسيطروا على 5 من مباني الجامعة وأقاموا فيها اعتصاماً مستمراً، واتخذ رئيس الجامعة وقتها، الدكتور غريسون كيرك، قراراً بالسماح لشرطة نيويورك باقتحام حرم الجامعة وفض الاعتصام والتظاهرات، وهو القرار الذي وصف الرجل لاحقاً بأنه أكثر قرار مؤلم اضطر لاتخاذه طوال حياته".
كان ذلك ليلة 30 أبريل 1968، ورصد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، مشاهد الاقتحام والاعتقالات في صفوف المحتجين، وهي مشاهد أقرب لساحة حرب وليست ساحة حرم جامعي أمريكي، حيث يحظر على أفراد الشرطة أو الأجهزة الأمنية أن يطأوا المكان من الأساس، أكثر من ألف من أفراد شرطة نيويورك، يساعدهم أفراد شرطة في رداء مدني ويخفون هوياتهم، بدأوا في اقتحام الجامعة وفض التجمعات الطلابية في المباني الخمسة، واحداً تلو الآخر، بطريقة عنيفة وصفت بأنها "وحشية شرطية غير مسبوقة"، وتعرض صحفيون ومصورون لعنف الشرطة وتحطيم الكاميرات ما نتج عنه إصابات عديدة، منها مراسل لنيويورك تايمز أصيب بجرح عميق في رأسه، إجمالاً، تعرض أكثر من 148 شخصاً للإصابة، منهم 132 طالباً و4 من أعضاء هيئة التدريس و12 من أفراد الشرطة، وتم اعتقال 720 شخصاً من المعتصمين والمحتجين، وجهت لهم تهم التعدي على ملكية خاصة وارتكاب سلوك مخالف للنظام العام.
نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا
وبعد نحو عقدين من الزمان، عادت ساحات ومباني جامعة كولومبيا لتصدر المشهد في قضية أخرى هي الكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ففي 5 أبريل عام 1985، قام 7 طلاب أعضاء في "الائتلاف من أجل جنوب أفريقيا حرة" بإغلاق مدخل المبنى الإداري للجامعة "هاميلتون هول Hamilton Hall" – أحد المباني الخمسة التي شهدت أحداث احتجاجات حرب فيتنام، حيث قيدوا أنفسهم بأغلال وسلاسل في مدخل المبنى وعلى الدرج المؤدي إليه، ولم تكن تلك الخطوة المشهد الأول في الاحتجاجات ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فساحات الحرم الجامعي في كولومبيا شهدت على مدى أسابيع وأشهر بل وسنوات سابقة مظاهرات شارك فيها آلاف الطلاب بالفعل. لكن هذه الخطوة (في شهر أبريل، الذي يبدو مرتبطاً بالتصعيد الطلابي منذ حرب فيتنام وحتى الحرب على غزة) كانت على مسار التصعيد لتحقيق المطلب الأساسي وهو قطع جامعة كولومبيا أي تعاون أو استثمارات مع بريتوريا العنصرية.
استمر هذا التصعيد وازداد حجماً على مدى نحو 3 أسابيع، حتى جاء النصر للحركة والطلاب يوم 25 أبريل 1985، حين قررت إدارة جامعة كولومبيا أخيراً الاستماع لمطالب طلابها واتخاذ قرار وقف التعامل مع نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا بشكل كامل، على الصعيد الأكاديمي والأصعدة الأخرى، وكان "الائتلاف من أجل جنوب أفريقيا حرة" قد تأسس في عام 1982، ونجح في إقناع "مجلس شيوخ طلاب جامعة كولومبيا" بعدالة المطالب ليقوم المجلس بالتصويت لصالح تلك المطالب والمشاركة بقوة في المظاهرات الهادفة للضغط على إدارة الجامعة، حتى تحققت الأهداف في نهاية المطاف.
الحرب على غزة تشعل كولومبيا
وبحسب ما جاء بتقرير صحيفة "عربي بوست"، فقد كانت جامعة كولومبيا في طليعة الحركة الطلابية المنددة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وشهد الحرم الجامعي بها مظاهرات واحتجاجات شبه يومية، كما تعرض كثير من السياسيين الأمريكيين الكبار (مثل هيلاري كلينتون) إلى مواقف احتجاجية من جانب الطلاب في مناسبات عديدة، وتحركت إدارة الجامعة بشكل عدواني تجاه هذه الحركات الطلابية الداعمة للفلسطينيين والمنددة بإسرائيل، فعلقت أنشطة البعض منها، واتخذت قرارات بفصل بعض الطلاب، بحسب تقارير صادرة عن منظمات طلابية خلال أبريل الجاري، ولكن هذه التحركات من جانب إدارة الجامعة، لم تؤد إلا إلى مزيد من التصعيد من جانب الطلاب والجماعات الداعمة لفلسطين، ثم جاء استدعاء رئيسة الجامعة لشرطة نيويورك ليدخلوا الجامعة ويعتقلوا أكثر من 100 طالب ليصب الوقود على النيران المشتعلة بالفعل.
والإثنين 22 أبريل قررت إدارة جامعة كولومبيا في نيويورك إلغاء حضور الفصول الدراسية والتحول إلى التعليم عن بعد حتى نهاية الفصل الدراسي الجاري، بغرض تهدئة التوترات في الحرم الجامعي، وهو القرار الذي نددت به الجماعات الطلابية وعدد من الأساتذة، وأدى إلى ثورة شملت 12 جامعة أمريكية.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
هارفارد في مرمى الاستبداد.. معركة التعليم والفكر الحر في وجه إدارة ترامب
في زمنٍ تتصاعد فيه التحديات السياسية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة، تبرز المؤسسات الأكاديمية الكبرى ليس فقط كمراكز للعلم والمعرفة، بل كحصون للديمقراطية ومراكز لمقاومة تغول السلطة. وتتحول هذه الجامعات، في لحظات الصراع، من قاعات دراسية إلى جبهات دفاع عن حرية الفكر واستقلال التعليم. واليوم، تتعرض جامعة هارفارد، أعرق مؤسسات التعليم العالي في أمريكا والعالم، لهجوم سياسي غير مسبوق من إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مما يجعل صمودها اختبارًا حاسمًا لمستقبل الحريات الأكاديمية في البلاد.
شهد حفل التخرج السنوي في جامعة هارفارد، يوم الأحد 1 يونيو 2025، أجواءً مشحونة بالقلق والتحدي، رغم الاحتفال المعتاد بالأثواب والقبعات القرمزية. فقد ألقى رئيس الجامعة، آلان جاربر، كلمة رحّب فيها بالخريجين والمجتمع الأكاديمي، وضمّنها رسائل ضمنية حازمة أكدت على أهمية الطلاب الدوليين ودورهم الحيوي في بقاء الجامعة صرحًا عالميًا.
جاءت تصريحاته ردًا غير مباشر على تهديدات إدارة ترامب الهادفة إلى تقليص الوجود الدولي في مؤسسات التعليم الأمريكية.
منذ تأسيسها عام 1636، وقبل أن تولد الدولة الأمريكية نفسها، كانت هارفارد رمزًا للحرية الأكاديمية والتفوق المعرفي. واليوم، تواجه إدارة ترامب هذه المؤسسة التاريخية بوابل من الإجراءات العقابية، ضمن حملة أوسع لتطويع المؤسسات التي تُتهم بمناهضة أجندتها السياسية. ويتجلى هذا الصراع في محاولات للسيطرة على برامج القبول، وفرض رقابة خارجية على مناهج التعليم، وهو ما اعتبره الأكاديميون محاولة خطيرة لكسر استقلال الجامعات الحرة.
في خطابه خلال الحفل، وصف نجم كرة السلة الأمريكي السابق، كريم عبد الجبار، هارفارد بأنها "حصن للمعارضة ضد ترامب"، مشيرًا إلى أنها تمثل صمام الأمان الأخير للحرية وسط موجة من الضغوط التي تستهدف الدستور الأمريكي في جوهره.
اتهمت إدارة ترامب الجامعة بالتمييز والإخفاق الأمني، وهو ما اعتبره محللون مبررات واهية لهجوم سياسي ذي طابع انتقامي. ففي أبريل الماضي، وجهت الإدارة طلبات صادمة بإجراء عمليات تدقيق خارجية وإعادة هيكلة البرامج، الأمر الذي رفضه رئيس الجامعة واعتبره انتهاكًا خطيرًا للحرية الأكاديمية. كما أقدمت الإدارة على تجميد تمويلات فيدرالية بقيمة 3 مليارات دولار كانت مخصصة للأبحاث التي تقودها الجامعة، ما أدى إلى اندلاع معركة قضائية حامية.
ضربة لقلب الجامعةضمن أدوات الضغط، قررت إدارة ترامب وقف قبول الطلاب الدوليين في جامعة هارفارد، وإجبار المقيدين حاليًا على الانتقال إلى جامعات أخرى تحت طائلة فقدان الوضع القانوني في البلاد. ويُشكل الطلاب الأجانب أكثر من ربع طلاب الجامعة، ويعدون مصدرًا رئيسيًا للإبداع العلمي والاستقرار المالي. ويرى النقاد أن هذه الخطوة تهدد بتقويض مكانة أمريكا كوجهة للعلم والبحث، وستدفع أفضل العقول نحو دول أخرى أكثر ترحيبًا.
صراع تمويل ومعركة قانونيةرفعت جامعة هارفارد دعوى قضائية حصلت بموجبها على وقف مؤقت لتلك الإجراءات، لكنها ما زالت في خضم معركة قانونية طويلة. وتلوّح إدارة ترامب بخطوات تصعيدية، منها سحب الإعفاءات الضريبية التي تستفيد منها الجامعة، ما قد يكبدها خسائر مالية كبيرة ويؤثر سلبًا على قدرتها على دعم الطلاب محدودي الدخل. وتشير تقارير إلى تورط شخصيات سياسية مثل جيه دي فانس وستيفن ميلر في هذه الهجمات، ضمن مساعٍ لتخويف الجامعات التي تُعد معاقل فكرية معارضة.
فيما اختارت بعض الجامعات تقديم تنازلات لتفادي قطع التمويل، تصرّ جامعة هارفارد على الصمود، مستندة إلى صندوق مالي ضخم يتجاوز 53 مليار دولار، ما يمنحها هامشًا أكبر للمقاومة القانونية والسياسية. ويرى الأكاديميون أن القضية تتجاوز هارفارد، وتمثل اختبارًا لمستقبل التعليم العالي الحر في أمريكا.
وتُشير الإحصائيات إلى أن ترامب خسر 96% من القضايا المرفوعة ضده في المحاكم الفيدرالية، وهو ما يمنح أنصار الجامعة أملًا في أن تنتهي هذه المعركة لصالح سيادة القانون والحريات.
إن ما يجري اليوم بين جامعة هارفارد وإدارة الرئيس ترامب ليس مجرد خلاف إداري، بل معركة فاصلة بين منطق الاستبداد ومبدأ الحرية، بين قمع التنوع وتمجيد الانغلاق. وإذا كانت هارفارد قد عاشت مئات السنين شاهدة على ميلاد الديمقراطية الأمريكية، فهي اليوم تخوض معركة من أجل إنقاذها. وسواء انتهت ولاية ترامب أم لا، فإن صمود هذه الجامعة العريقة سيبقى رمزًا لمنارة علمية وفكرية تتحدى الرياح العاتية، حاملة شعارها الأبدي: "الحقيقة".