لجريدة عمان:
2025-10-12@23:25:37 GMT

عندما يكون الفنان مثقّفًا كبيرًا

تاريخ النشر: 27th, April 2024 GMT

يُجمع كل من عرف الفنان المصري الكبير صلاح السعدني (الذي رحل عن عالمنا قبل أسبوع عن ثمانين عامًا ونيّف) أنه كان من أكثر الفنانين العرب ثقافةً واطلاعًا وقراءة، وانعكس ذلك على حواراته الفنية القليلة التي ينبهر المرء بما يسمعه خلالها، من رؤية واضحة في الحياة، ووعي سياسي عالٍ، وحسّ فنّي متقد. ولذا فقد كان الممثل المفضّل لدى عدد غير قليل من المخرجين في أدوار «المثقفين»، من هؤلاء مثلًا المخرج إبراهيم الشقنقيري الذي أسند إليه دور المثقف اليساري في الفيلم التلفزيوني «فوزية البرجوازية»، وأسماء البكري التي اختارته في دور المثقف في فيلمين من إخراجها؛ الأول «شحاتين ونبلاء» وجسّد فيه دور أستاذ الفلسفة الذي يدفعه وعيه الحادّ بمجتمعه وانقلاب موازين النظر إلى الأمور، إلى ترك وظيفته واعتزال العالم مفضّلًا العمل في أحد بيوت المتعة، والثاني «كونشرتو في درب سعادة» في دور الموظف في دار الأوبرا المنجذب لسماع الموسيقى الكلاسيكية.

وأفتح هنا قوسًا لأقول إن أول دور جذبني لصلاح السعدني كان أيضًا دور مثقف، وتحديدًا كاتب مسرحي شاب، في المسلسل الدرامي الجميل «سفر الأحلام» وما زلت حتى اليوم لا أنسى مشهد تمزيق محمود مرسي مسرحية الكاتب الشاب ورمي قصاصاتها في الشارع من الطابق الثالث أو الرابع؛ بحجة أن نهايتها مأساوية! وأظنني سأحب العناوين الطويلة عندما أصبح كاتبًا بعد سنين من هذا المسلسل بسبب العنوان العجيب لهذه المسرحية: «الخمس دقائق الأخيرة قبل وصول البوليس».

على أن الممثل المثقف قادر على الأداء المبهِر في كل الأدوار وليس فقط أدوار «المثقفين»، ومنها طبعًا أدوار الفلاحين والناس البسطاء. وما أكثر هذه النوعية من الأدوار التي أدّاها السعدني باقتدار، بدءًا من دوره المبكر في مسلسل «الضحية» سنة 1964 الذي تقمص فيه دور رجل أخرس، وليس انتهاء بدور الفلاح الفقير في فيلم «الأرض» ليوسف شاهين (1970)، وهو أحد أهم الأفلام السينمائية العربية.

لكن أكثر شخصيتين دراميتين للسعدني باقيتين في ذاكرة المشاهد العربي اليوم هما: العمدة سليمان غانم في مسلسل «ليالي الحلمية»، وحسن النعماني في مسلسل «أرابيسك». ورغم أننا لن نجانب الصواب إن قلنا إن سبب نجاحه الكبير في تأديتهما هي الكتابة الدرامية المتقنة لأسامة أنور عكاشة، فإنه ينبغي أن نضيف إلى ذلك اجتهاد الفنان نفسه، بالاشتغال العميق على تقمص الشخصيتين. يؤكد ذلك إجابته على سؤال الناقد طارق الشناوي: «كيف تختار أعمالك؟» حيث يقول: «أقرأ ثلاثين مسلسلًا لأختار دورًا واحدًا، ورغم ذلك كثيرًا ما أضطر لإعادة كتابة دوري بنفسي». إن إعادة كتابة الدور هنا لا تعني الاعتداء على نصّ المؤلف، بل البحث عن مفاتيح الشخصية المكتوبة، والغوص في دواخلها النفسية، وإضافة لمسات إبداعية لها؛ «إنك تحسّ وهو يلعب أمامك شخصية، أو يؤدي مشهدًا منها، أنه يكتب الشخصية في ذهنك مثلما الكاتب يكتبها» كما يصف الروائي المصري خيري شلبي أداءه التمثيلي في كتابه «حديقة المضحكين». يُروى عنه مثلًا أنه قبل أن يدخل تصوير مسلسل «أرابيسك» قضى شهرًا كاملًا في تعلّم صنعة الأرابيسك مع «حسن أرابيسك» الحقيقي. أما أداؤه في «ليالي الحلمية» فيلفتنا إلى أهميته الكاتب العراقي إبراهيم البهرزي في مقال له بعنوان «صلاح السعدني أم سليمان غانم؟» بالقول إنه «في الأعمال ذات الأجزاء المتعددة يراقب الكاتب والمخرج وجِهَةُ الإنتاج تأثير شخصيات العمل على الجمهور في جزئه الأول ليعيدوا تقييم المسار الدرامي للأحداث في الأجزاء التالية»، ويَخْلُص البهرزي بعد هذه المقدمة إلى أن أداء الفنان صلاح السعدني في كل جزء من أجزاء «الليالي» كان يُضيف لعكاشة عدة دسمة تساهم في تطور الشخصية، مؤكِّدًا أن شخصية سليمان غانم لو كان أدّاها ممثلٌ آخر «فربما كان سيدفع أسامة أنور عكاشة إلى أسلوب قتل الشخصية الذي يلجأ إليه مؤلفو الدراما حين تستنفد بعض الشخصيات في الأعمال المطولة قدرتها على النمو، وما كان سيوصِل هذه الشخصية إلى أرذل العمر، وتظل مع ذلك تجسِّد الخرف بأصدق تعابيره المعجزة كما أدّاها السعدني».

بالنظر لحجم موهبته كان يمكن لصلاح السعدني أن يكون اليوم في مكانة فنية أعلى بكثير، لولا العرقلة التي مُنِيَ بها في بداية مشواره في السبعينيات. وشخصيًّا كنتُ أظن مع كثيرين أن السبب الوحيد لهذه العرقلة هو سجن شقيقه الكاتب الساخر محمود السعدني لمواقفه السياسية، وانعكاس ذلك على فرص أخيه، لكن الكاتب بلال فضل روى في برنامجه «الموهوبون في الأرض» أن السبب الحقيقي هو نقدٌ سياسي وجهه صلاح السعدني خلال جلسة بجامعة القاهرة سنة 1972 لمناقشة فيلم «أغنية على الممر»، والذي أدّى فيه واحدًا من أجمل أدواره السينمائية، إضافة إلى أنه -أي صلاح السعدني- كان والفنانة محسنة توفيق الممثلَيْن الوحيدَيْن اللذَيْن وقّعا بيان المطالبة بإنهاء حالة اللا سلم واللا حرب ضد إسرائيل من المثقفين المصريين، ونُشِرَ في جريدة الأنوار اللبنانية في 9 يناير 1973.

إن فنانًا مثقفًا كصلاح السعدني، وملتزمًا تجاه وطنه وفنّه وجمهوره، لا يمكن أن تكون نهايتُه خبرًا حزينًا من سطرين في الصفحة الأخيرة من صحيفة الأهرام، كما كان يتخيّل في حياته نهاية أي فنان. بل سيبقى واحدًا من الفنانين العرب القلائل الذين كتبوا بفنِّهم الجميل ومواقفهم المشرّفة صفحة جميلة في تاريخ الفنّ العربي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلاح السعدنی

إقرأ أيضاً:

مصادر: ضمانات ترامب الشخصية مهدت لوقف إطلاق النار في غزة

غزة – كشف مسؤولون أمريكيون لموقع “أكسيوس” أن الرئيس دونالد ترامب قدم ضمانا شخصيا بعدم السماح لإسرائيل بالتراجع عن الاتفاق مع حركة الفصائل الفلسطينية أو استئناف الحرب على غزة، ما مهد الطريق أمام الاتفاق.

وقال المسؤولان إن ضمانات ترامب كانت عاملا حاسما في إقناع حركة الفصائل بقبول الاتفاق، مشيرين إلى أن وقف إطلاق النار دخل رسميًا حيّز التنفيذ بعد مصادقة مجلس الوزراء الإسرائيلي عليه.

وأوضح المسؤولون أن جزءا من ضمان ترامب تمثل في إنشاء قوة مهام عسكرية بقيادة الولايات المتحدة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار والتعامل مع أي انتهاكات محتملة.

وأضافوا أن الجيش الإسرائيلي مطالب بسحب قواته إلى محيط متفق عليه داخل غزة خلال 24 ساعة من تصويت الحكومة الإسرائيلية، على أن تقوم حركة الفصائل، خلال 72 ساعة من ذلك، بالإفراج عن جميع الرهائن المتبقين وعددهم عشرون شخصً”ا، بينهم أحياء، على أن تكتمل العملية بحلول يوم الاثنين.

وقال أحد المسؤولين الأميركيين لموقع “أكسيوس” إن أحد العوامل التي ساهمت في تحقيق الاختراق هو أن حركة الفصائل بدأت تنظر إلى الرهائن كعبء أكثر منهم ورقة تفاوضية”، ما دفع الجانب الأمريكي للاعتقاد بأن الحركة أصبحت مستعدة للإفراج عنهم مقابل ضمانات تنفيذ الاتفاق من الجانب الإسرائيلي.

وأشار المسؤولون إلى أن ترامب كان يتابع سير المفاوضات عن كثب، وقد سأل مبعوثيه جاريد كوشنر وستيف ويتكوف عن احتمالات نجاح الاتفاق قبل مغادرتهما إلى مصر يوم الثلاثاء، فأجابه كوشنر بثقة: “100%”، مبررًا ذلك بالقول: “لأننا لا نستطيع أن نفشل”.

وبعد وصولهما إلى القاهرة يوم الأربعاء، عقد كوشنر وويتكوف اجتماعا مع الوسطاء من مصر وقطر وتركيا، حيث نقلا إليهم، ومن خلالهم إلى حركة الفصائل، رسالة واضحة بأن الرئيس ترامب يقف خلف كل بند من بنود خطته المكونة من 20 نقطة، وأنه سيتولى شخصيا ضمان تنفيذها بالكامل.

وأكد أحد المسؤولين أن “مستوى انعدام الثقة بين الأطراف كان مرتفعا، والرئيس أراد أن يوضح أن هذا الاتفاق يعني له الكثير، وأنه يريد إنهاء إراقة الدماء والتأكد من التزام الجميع بالاتفاق”.

وأوضح المسؤولان أن ترامب كان منخرطا مباشرة في المفاوضات، إذ أجرى ثلاث مكالمات على الأقل مع أطراف مختلفة لتقديم ضماناته شخصيا، مشيرين إلى أن خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار السابق في مارس جعل هذه الضمانات أكثر أهمية.

وأضاف أحد المسؤولين أن الفريق الأمريكي كان يهدف في البداية إلى التوصل إلى اتفاق بنهاية الأسبوع، لكن التفاهمات بدأت تتشكل تدريجيًا يوم الأربعاء، وقال: “بدأت الأطراف تتحرك نحو نقطة الوسط”.

وذكر المسؤولون أن جزءا أساسيا من ضمان ترامب هو إنشاء آلية مراقبة بقيادة أمريكية  لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار. وأكد أحد المسؤولين أن هذه الخطوة عززت الثقة في ضمانات ترامب، مشيرًا إلى أن نحو 200 ضابط وجندي أمريكي سيشاركون في قوة مهام دولية لمراقبة وقف إطلاق النار، دون وجود مباشر لهم داخل غزة. وستضم القوة ضباطا من مصر وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة.

وقال المسؤولان الأمريكيان إن المرحلة التالية بعد نشر “قوة الاستقرار الدولية” (ISF) ستشمل تفكيك المنشآت العسكرية في غزة وإزالة الأسلحة الثقيلة، مؤكدين أن هذه الخطوات ستتابع بدقة لضمان التنفيذ الكامل للاتفاق.

وأوضح المسؤولون أن كوشنر وويتكوف شاركا في اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي لحشد الدعم للاتفاق، وأنهما سيبقيان في المنطقة حتى وصول الرئيس ترامب في مطلع الأسبوع المقبل لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق، بما في ذلك انسحاب القوات الإسرائيلية والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين.

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين إن الهدف هو “ضمان وفاء جميع الأطراف بالتزاماتها ومنع أي سوء فهم قد يعرقل مسار الاتفاق”، مضيفا أن ترامب يعتزم البناء على هذا الزخم من أجل توسيع “اتفاقات أبراهام” وتعزيز عملية السلام الإقليمي.

المصدر: “أكسيوس”

مقالات مشابهة

  • صلاح عبد الله: محمد صلاح يستحق أن تُدرّس قصته في المدارس
  • بعد تعيينه بمجلس الشيوخ.. أفلام في مسيرة الكاتب أحمد مراد
  • تعيين الكاتب أحمد مراد عضوا بمجلس الشيوخ 2025
  • حين يكون المفاوضُ مقاوما!
  • وظائف شاغرة ومدعوون للمقابلات الشخصية
  • أمير صلاح الدين يثمن جهود السيسي في وقف الحرب على غزة
  • لازلو كراسناهوركاي.. الكاتب الذي عبر من الأدب إلى السينما وصولا إلى نوبل
  • غدا.. الكاتب إيهاب الحضري يوقع الطبعة الثانية من «نساء وراء الجدران»
  • مصادر: ضمانات ترامب الشخصية مهدت لوقف إطلاق النار في غزة
  • طرح برومو فيلم ولنا في الخيال حب بطولة أحمد السعدني