خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
المناطق_واس
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي المسلمين بتقوى الله عزوجل حق تقاته لنيل رضوانه والبعد عن سخطه سبحانه وتعالى.
أخبار قد تهمك خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي 26 أبريل 2024 - 1:49 مساءً أكثر من 5,9 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي الأسبوع الماضي 25 أبريل 2024 - 3:29 مساءً
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام : قد بَيَّنَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ الغَايَةَ العظمى والهَدَفَ الأسمى الذي من أجله خُلِقْنا، فقال جل شأنه: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ وعبادة الله تعالى تتضمن كمالَ المحبةِ والإجلالِ له تعالى مع كمالِ الذُّلِّ والخُضوع، فمتى أحبَّ العبدُ ربَّه ولم يخضع له فليس بعابد، ومتى خضع له بلا محبة فليس بعابد كذلك، فلا بد من أن يكون العبد محبًا خاضعًا لله حتى يصدُقَ عليه وصفُ العابد ويجب على المؤمن أن ينقاد انقيادًا تامًا لأمر الله تعالى ليُحقق العبوديةَ الكاملةَ قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا﴾ عن زيد بن أسلم قال: وكان ابن عمر يحدّث أن النبي ﷺ رآه وعليه إزار يتقعقعُ فقال من هذا؟ فقلت: أنا عبدُالله، فقال: إن كنت عبدالله فارفع إزارك قال: فرفعته.
وبين فضيلته ان العبادة لاتسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته. وأما قوله تعالى: ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ فالمراد به الموت بإجماع المفسرين، وهو المعنى الذي في قوله تعالى: ﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ وهذا أشرفُ الخلق وأكملُهم عبوديةً، ظل يعبد ربه حتى وافته المنية، وخرج على الصحابة في مرض موته وهم يصلون فصلى بهم صلى الله عليه وسلم.
وأشار إلى إن العبودية لله عِزٌّ وشرف يستحقه كلُّ من أتى بها على وجه التمام والكمال، وليس شيء أشرف ولا أتمّ للمؤمن من الوصف بالعبودية فقد وصف الله بها نبيه ﷺ فِي أَشْرَفِ أَحْوَالِهِ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ، فَقَالَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾، والأصفياء الأخيار من عباد الله لا يَأْنَفُونَ ولا يترفعون أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا له تعالى، بل عبوديتهم لربهم أقْصى مَراتِبِ الشَّرَفِ ﴿لَّن یَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِیحُ أَن یَكُونَ عَبۡدࣰا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ وَمَن یَسۡتَنكِفۡ عَنۡ عِبَادَتِهِ وَیَسۡتَكۡبِرۡ فَسَیَحۡشُرُهُمۡ إِلَیۡهِ جَمِیعࣰا﴾
وَقَدْ ذَمَّ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ عِبَادَتِهِ فَقَال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ وكلُّ من استكبر عَنْ عِبَادَةِ اللهِ فلَا بُدَّ أَنْ يَخْضَعَ وَيَذِلَّ لِغَيْرِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ مُلَاحَظٌ، كَيْفَ ذَلَّ عِبَادٌ لِعِبَادٍ مثلِهم وَأَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ رَبِّ الْعِبَادِ، وَكَانَتِ النَّتِيجَةُ أن وقعوا في الرق والعبودية لهم.
وأضاف الدكتور الغزاوي شتان بين حياة الإنسان عابدًا لله وعابدًا لغيره: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، فمن الناس من يعبد هواه، كما قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ فهذا العبد الذي يأتمر بأمر هواه فما رآه حسنًا فعله وما رآه قبيحًا تركه، فهو مطيع لهوى نفسِه يتبع ما تَدعُو إليه، فكأنه يعبده كما يعبدُ الرجلُ إلهَه. ومن الناس من تعلق قلبه بالدنيا ومتاعِها الفاني، فالدنيا أعظم في قلبه من الدين، أصبحت الدنيا أكبرَ همه، ومبلغَ علمه، فإن أُعْطِيَ منها رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ منها سخط، يُوالي ويُعادي من أجلها قال صلى الله عليه وسلم: (تعِس عبدُ الدينارِ، تعِس عبدُ الدرهمِ، تعس عبدُ الخميصةِ، تعس عبدُ الخميلةِ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ)، وهذه أمثلة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا كل من تعلق قلبه بشيء غيرِ الله من أهواء نفسه، فهو عبدُ ما يهواه، رقيق له؛ إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام ان حقيقة العبودية تستلزم أن يشعر الإنسان بالعبودية والرق لله عز وجل، وهذا الشعور معناه التحرر من عبادة المخلوق، وإن من المُهِمَّات المُتَحَتِّمَات أن يلتزم المرء عبودية ربه من الذل والخضوع والإنابة، وامتثال أمر خالقه، واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه، واللجأ إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وعِياذ العبد به، ولِياذه به، وأن لا يتعلق قلبه بغيره محبة وخوفًا ورجاءً، ولنعلم أن من غفل عن هذه المهمة في حياته فقد غفل عن كل شيء. وأن أعظم الناس ضلالًا وخسارًا مَن تعلّق قلبه بغير الله تعالى والعبودية الحقة هي عبودية القلب.
وأكد فضيلته في خطبته ان مِنَ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ أَنْ يُحْسِنَ الْعَبْدُ الظَّنَّ بِاللهِ وَيَثِقَ بِأَقْدَارِهِ، وَأَنْ يَأْمَلَ فِي رَحْمَتهِ وَأَلْطَافِهِ، وكلما قوي طمعُ العبد في فضل الله ورحمته ورجائه لقضاء حاجته ودفع ضَرُورَتِه قَوِيت عبوديتُه له، وحُرِّيَّتُه مِمَّا سِواه و إن من الأحوال التي تتجلى فيها لدى العبد حقيقةُ عبوديته لربه ودلائلُ صدق إيمانه ما يبتليه الله به من المصائب والابتلاءات.
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن علي الحذيفي المسلمين بتقوى الله، واتباع أوامره، وتعظيم شعائره، مذكراً بوجوب تعظيم الأشهر الحرُم، التي هي من مواسم الطاعات، يتزود فيها العبد المؤمن من الطاعات والعبادات، فيها فريضة الحج، المناسبة الإيمانية العظيمة، كما جاءت الآيات والأحاديث بتعظيمها، وبيان مكانتها العلية في الدين، وفي قلب كل مؤمن.
وأوضح الشيخ الحذيفي، أن حكمةَ اللهِ البالغةَ وتشريعَه البديعَ اقتضى أن يُعقب شهرَ رمضان بأشهر الحج، لينتقلَ المسلم من موسمٍ إيمانيٍّ إلى مثله، ومن مرتعٍ رُوحانيٍّ إلى آخر، يتنقل بين أفياءٍ إيمانية، وظلالٍ ربانية، فتبقى جذوةُ الإيمان في قلبه مشتعلة، فلا يكون اتصالُه بربه وعلاقته بخالقه مرتبطةً بمناسبات الزمانِ والمكان، بل ببقاء جذوةِ الإيمان في قلبه على تغاير الأحوال، وتقلُّباتِ الزمان، مبيناً أن ذلك حكمةُ ربانيةُ في التشريع، وإحكامُ إلهي من الخالق البديع.
وأشار فضيلته إلى إن ذلك يَلفِتُنا إلى أن حياة المسلم كلَّها لله، كما قال جل شأنه: “قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ”، وقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا قام إلى الصلاة قال: “وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك”.
وبيّن أن العبد المؤمن يحيا حياتَه كلَّها لله، فإذا أحبّ أحبّ لله، وإذا أبغض أبغض لله، وإذا أعطى أعطى لله، وإذا منع منع لله، فكانت له نيةٌ صالحةٌ في كل فعل أو ترك، فحينئذ يستكمل الإيمان، قال – صلى الله عليه وسلم – : “من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان”، موضحاً أن مراد العبد المؤمن من أعماله، تحقيقُ عبوديةِ خالقه، وامتثالُ أمره، وبلوغُ رضوانِه، وتحقيق مراده، إنها منزلةٌ من الإيمان علِيَّة، ودرجةٌ من العبودية سَنِيَّة، حين يكون اللهُ تعالى هو قرةَ عينِ العبد، وسُلوانَ قلبِه، ثم يكون هو مطمحَ نَظَره، ومنتهى آمالِه، ومقصودَ أعمالِه، وذلك حين تعظُم في القلب محبتُه وتستحكمُ عروتُها.
وأورد الشيخ الحذيفي قول الحق تبارك وتعالى عن أهل الإيمان : “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ . وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ” ، مبيناً أن الله سبحانه أحَقُّ من خفقت القلوبُ بمحبته، وأَوْلى من تحرّكت الجوارحُ في طاعته، وكفى بمحبة الله حادياً لنفس المؤمن إلى مرضاة محبوبه تعالى.
وبيّن الشيخ أحمد الحذيفي أن من الحِكَم التي تلوح للمتأمل من تشريع أشهر الحج، ما يُوقع ذلك في النفوس من تعظيم شعائرِه، وتهيُّبِ مناسكِه، فكما جعل الشارع سبحانه للمناسك حَرَماً مكانياً، جعل لها حَرَماً زمانياً، تعظيماً لشعيرة الحج في القلوب، وترسيخاً لحُرمتها في النفوس، ولذلك كانت بعضُ أشهرِ الحج من الأشهر الحُرُم، وذلك شهر ذي القعدة كلِّه، وشهر ذي الحجة كلِّه أو عشرٌ منه أو ثلاثةَ عشر، على اختلاف أهل العلم، فهي من أشهر الحج ومن الأشهر الحُرُمِ معاً، وما ذلك إلا لمزيد تعظيمِ هذه الشعيرةِ الجليلة، وزَرْعِ هيبتِها في القلوب، فلا تتجاسَرُ على إحداث ما يمسُّ حرمتَها أو ينالُ من قُدْسِيَّتِها.
وختم فضيلته الخطبة أننا في أيامٍ عظيمةٍ وموسمٍ جليلٍ من مواسم الطاعات، ينهل فيه المؤمن من مَعِينِ فُراتِه، وفي بلدٍ مباركٍ يتفيأ ظلالَه وينعم بخيراتِه، مذكراً بوجوب حمدِ الله وشكرِه، وتعظيمِ شعائرِه، واتباعِ أمرِه، وتعظيم هذه الأيام وحُرمتَها، ومعرفة هذه البلادِ وقُدْسِيَّتَها.
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: المسجد الحرام المسجد النبوي خطبتا الجمعة صلى الله علیه وسلم المسجد الحرام المسجد النبوی الله ورسوله لله تعالى له تعالى إلا أنت ق قلبه
إقرأ أيضاً:
المفتي: المملكة هيأت العلماء لبيان أداء الحج وفق منهج النبي
أوصى سماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء الرئيس العام للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، حجاج بيت الله الحرام بإخلاص الحج لله تعالى، واتباع سنة نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وأن يعظموا حرمات الله وشعائره في آدائهم النسك.
جاء ذلك في كلمة توجيهية لسماحته بمناسبة دخول عشر ذي الحجة قال فيها: إنّ الله -سبحانه وتعالى- فضّل بعضَ الشهور والأيام، وجعلها مواسم للخيرات، وفضّل بعض البقاع والبلدان، فاشكروا الله تعالى أنْ بلّغكم هذه الأيام الفاضلة، أيام العشر، والأيام المعلومات، في هذه الأماكن المباركة.
حفاوة الاستقبال وتيسير الإجراءات يشعلان مشاعر الشكر والانبهار.. "#اليوم" ترصد مشاعر حجاج #المغرب القادمين إلى #المملكة عبر "#طريق_مكة"
أخبار متعلقة من الغد.. حظر أسطوانات الغاز بالمشاعر المقدسة خلال موسم الحجأبواب المسجد النبوي.. تصاميم معمارية فريدة تجسد الهوية الإسلاميةللمزيد | https://t.co/IMgFAkGG8j#الحج | #موسم_الحج | #مبادرة_طريق_مكة | #اليوم@MakkahRoute pic.twitter.com/DXnCNi6y8X— صحيفة اليوم (@alyaum) May 27, 2025
وقد اختص الله -جل وعز- هذه الأيام بعبادات عظيمة؛ منها: الحج إلى بيت الله الحرام، والطواف، والسعي، وأداء المناسك، وسائر الأعمال الصالحة، كالإكثار من ذكر الله تعالى.حجاج بيت الله الحرام:إنكم تؤدون في هذه الأيام المباركة مناسك الحج، وكلٌّ له أجره بإذن الله تعالى، متى ما أخلص العبدُ المسلمُ العبادةَ لله تعالى، وحده لا شريك له، اقتداءً بخليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- الذي نادى بالحج كما قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)، وقال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، أمَا وقد وصلتم إلى هذه البقاع المباركة؛ فإنّ من الواجب على كل حاجٍ أن يلتزم بأداء العبادة على وجهها الصحيح، وأنْ يخلص العمل لله جل وعلا مستشعرًا عِظم هذه الأماكن، والأدب فيها، مستذكرًا قوله تعالى: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ"، فإذا أحرمتم بالحج وجب عليكم تعظيم هذا النسك، والبعد عن كل ما يفسده من الرفث والفسوق والجدال.
إخواني حجاج بيت الله الحرام:
إن أمامكم أيامًا مباركة يأتي فيها الحاج مقتديًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ويتذكر معها ما ورد في حجة الوداع التي أبان فيها -صلى الله عليه وسلم- من قوله وفعله النسك الصحيح على ما يريده الله جل جلاله، والذي كان يوصي صحابته فيها بقوله: "خذوا عني مناسككم".أخي الحاج المبارك:اليوم الثامن من ذي الحجة هو يوم التروية، قف فيه بمنى كما وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح يوم التاسع من ذي الحجة، كان يؤدي الصلاة فيه في أوقاتها يقصر الرباعية، ومع إشراقة يوم عرفة تتجهون بعون الله إلى عرفة للوقوف فيها، حتى غروب شمس هذا اليوم، متذللين خاشعين مُلبّين، تسألون الله تعالى، وترجون غفرانه، وقبول حجكم وأعمالكم، وعودتكم مغفورًا ذنبكم، ثم تتجهون بعد الغروب إلى المزدلفة -المشعر الحرام-، وتقضون ليلتكم فيها، تؤدون صلاة المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا للعشاء عند وصولكم إليها، وعليكم السكينة والوقار، وتلتقطون الجمار، حيث يبدأ الحجاج مع يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة برمي جمرة العقبة والتوجه إلى المسجد الحرام للطواف فيه طواف الإفاضة، وتعودون إلى منى لقضاء أيام التشريق ورمي الجمرات الثلاث، وعليكم بالاقتداء بالنبي -صلى عليه وسلم-.
وأعمال يوم النحر: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، والذبح، والطواف، ومن قدّم بعضها على بعضٍ فلا شيء عليه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "افعل ولا حرج"، أسأل الله أن يكتب أجركم، وأن يتقبل منكم طاعتكم وأعمالكم.إخواني الحجاج:أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل- والإخلاص لله في العبادة بعيدًا عن البدع والشركيات التي قد يقع فيها بعض العوام، هدانا الله وإياهم، وقد هيأت حكومة خادم الحرمين الشريفين -بقيادتها المسددة والموفقة- العلماء والمرشدين والموجهين والدعاة لبيان المنهج الصحيح وأداء هذا الركن العظيم وفق منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، التي أبان فيها كل أمر يحتاجه المسلم حينما قال لهم: "خذوا عني مناسككم"، والعلماء قد استعدوا لبيان ما يشكل على المسلم في أداء هذا النسك، ومراكز الإرشاد والتوجيه موجودة، وبلغات متعددة، وكتب ميسرة.
أخلصوا عملكم لله في كل ما تأتون من هذه المناسك، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ}، فالإخلاص الإخلاص، وسؤال العلماء فيما يشكل عليكم.
إخواني تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجزي ولاة الأمر على هذا التيسير للحج، وتهيئة جميع الإمكانات؛ ليؤدي الحجاج حجهم بالراحة والطمأنينة.
وفّق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله-، وأجهزة الأمن، ومؤسسات الدولة، على ما يقدمون من جهود مباركة، على كل الأصعدة، وما يقومون به من خدمة حجاج بيت الله الحرام، وما يشهده الحرمان الشريفان من تنظيم وترتيب لتسهيل وصول الحجاج، وقضاء مناسكهم بيسر وسهولة، كتب الله أجرهم وأعانهم ووفقهم لكل ما فيه خير للإسلام والمسلمين.