العرب القطرية:
2025-12-01@07:18:40 GMT

من صور التمكين في السيرة النبوية

تاريخ النشر: 25th, July 2025 GMT

من صور التمكين في السيرة النبوية

حاول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوسع مجال دعوته؛ فخرج إلى الطائف وعرض الإسلام على زعمائها إلا أنهم رفضوا ذلك وبالغوا في السفه وسوء الأدب معه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم، وقصد مكة ليواصل تبليغ الرسالة وأداء الأمانة ونصح الأمة، ولم يدخل مكة بدون تخطيط أو دراسة مستوعبة لكل الملابسات والظروف المحيطة به، بل درس الأمر وخطط للمرحلة القادمة، ورأى بثاقب بصره وبعد نظره أن يتصل بمطعم بن عدى سيد قبيلة بنى نوفل بن عبد مناف وطلب جواره، فاستجاب لطلب النبي صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله ومعه زيد بن حارثة في حراسة بنى نوفل الذين تحلقوا حوله بالسلاح، وهو يصلي في البيت الحرام وذهبوا في حراسته حتى دخل بيته.


لقد كان بنو نوفل مؤسسة قوية في المجتمع القرشي الذي له أعرافه وتقاليده المقدسة، فاستفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من تلك القوانين الموجودة ووظفها بكل دقة وحنكة وسياسة لمصلحة الدعوة (1).


هكذا دخل رسول الله صلى عليه وسلم إلى مكة بعد رجوعه من الطائف، وبدأ يعرض نفسه على القبائل في المواسم: يشرح لهم الإسلام، ويطلب منهم الإيواء والنصرة، حتى يبلغ كلام الله عزَّ وَجَلَّ وكان رسول الله يتحرك في المواسم التجارية ومواسم الحج التي تجتمع فيها القبائل وفق خطة دعوية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، وكان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل على أنه حامل دعوة من الله من أجل حمايته لكي يتمكن من تبليغ دعوة الله إلى الناس، ومن أجل نصرته فيما يسعى إليه من إقامة سلطان لتلك الدعوة، ويوفر لها ولأتباعها الحماية والأمن، ومن ثم يمكنها من الانطلاق في الأرض داعية كل جنس ولون إلى الاستجابة لأمر الله.


ومن توفيق الله لدعوته أن المدينة المنورة كانت تعيش ظروفًا خاصة ترشحها لاحتضان دعوة الإسلام، وتجتمع فيها عناصر عديدة لا تجتمع في غيرها:
1- منها التشاحن والتطاحن الموجود بين قبيلتي المدينة: الأوس والخزرج، وقد قامت بينهما الحروب الطاحنة كيوم بعاث وغيره، وقد أفنت هذه الحرب كبار زعمائهم، ممن كان نظراؤهم في مكة والطائف وغيرهما حجر عثرة في سبيل الدعوة، ولم يبق إلا القيادات الشابة الجديدة المستعدة لقبول الحق
2- ومنها مجاورتهم لليهود مما جعلهم على علم - ولو يسيرًا - بأمر الرسالات السماوية، وخبر المرسلين السابقين، وهم - في مجتمعهم - يعايشون هذه القضية في حياتهم اليومية، وليسوا مثل قريش التي لا يساكنها أهل كتاب، وإنما غاية أمرها أن تسمع أخبارًا متفرقة عن الرسالات والوحي الإلهي، دون أن تلح عليها هذه المسألة، أو تشغل تفكيرها باستمرار، فلما أراد الله إتمام أمره بنصر دينه، قيض ستة نفر من أهل المدينة للنبي صلى الله عليه وسلم فالتقي بهم عند العقبة - عقبة منى - فعرض عليهم الإسلام، فاستبشروا وأسلموا، وعرفوا أنه النبي الذي توعدهم به اليهود، ورجعوا إلى المدينة، فأفشوا ذكر النبي في بيوتها (3)، وكان هذا هو «بدء إسلام الأنصار» كما يسميه أهل السير (4).


لقد كانت المدينة المنورة تربة صالحة لانتشار الإسلام، فاليهود يهددون بنبي أظل زمانه يتبعونه ويقتلون الأوس والخزرج قتل عاد وإرم، والعرب أهل فراسة ونخوة أضاءت بعض شموع الحق بينهم، وكأنها إرهاصات للنصرة والنجدة وقام الوفد بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة.
ولما جاء وقت العام التالي وافى الموسم ضِعف العدد الأول - اثنا عشر رجلاً من المؤمنين- فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يشركوا بالله شيئًا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه في معروف، وتعرف هذه البيعة ببيعة العقبة الأولى.
ولقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم مع المبايعين مصعب بن عمير يعلمهم الدين ويقرؤهم القرآن، فكان يسمى في المدينة المقرئ وكان يؤمهم في الصلاة (6).


وكانت دعوة مصعب رضي الله عنه في المدينة موفقة وحققت أهدافها، وشرع يشرح للناس تعاليم الدين الجديد وتعاليم القرآن الكريم وتفسيره، وتقوية الروابط الأخوية بين أفراد القبائل المؤمنة من ناحية، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بمكة المكرمة، لإيجاد القاعدة الأمنية لانطلاق الدعوة. لقد كان الدور الإعلامي والتعليمي والتوجيهي الذي قام به مصعب في المدينة له أثر كبير لتهيئة الظروف للمرحلة التي بعدها، لقد فتحت المدينة بالقرآن وبالدعوة إلى الله.


لقد اهتم عليه الصلاة والسلام ببناء الفرد المسلم الذي يحمل تكاليف الدعوة ويضحى من أجلها، ولذلك نجد جعفرًا يقوم بدور عظيم في تبليغ الدعوة وأداء الأمانة في أرض الحبشة، ونجد مصعبًا يفتح الله على يديه المدينة ويدخل كثير من أهلها في دعوة الإسلام.
إن النبي صلى الله عليه وسلم في طور المرحلة المكية قام بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة على خير قيام وكانت عناية الله وحفظه له وتأييده ظاهرة للعيان.


ولقد سار على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ الرسالة وأداء الأمانة كثير من الدعاة على مر العصور وكر الدهور، ومكن الله لهم بين الناس حتى أدوا واجبهم في الدعوة إلى الله.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: أخبار مقالات الكتاب فيديوهات الأكثر مشاهدة النبی صلى الله علیه وسلم رسول الله صلى

إقرأ أيضاً:

فضل الأذان وثواب المؤذن للصلاة بالشرع

يعد الأذان شعيرة من شعائر الإسلام؛ قد رغَّب فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحثَّ عليه، ورتَّب الأجر العظيم على القيام به؛ حيث ورد في السنة المطهرة فضل الأذان وأجر المؤذنين؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» متفقٌ عليه.

الأذان 


قال العلامة ابن رجب في "فتح الباري" (5/ 286، ط. مكتبة الغرباء): [فقوله: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول)، يعني: لو يعلمون ما فيهما من الفضل والثواب، (ثمَّ لم يجدوا) الوصول إليهما إلَّا بالاستهام عليهما -ومعناه: الإقراع-؛ لاستهموا عليهما؛ تنافسًا فيهما، ومشاحَّة في تحصيل فضلهما وأجرهما] اهـ.

وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه مسلم في "صحيحه".

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (4/ 92، ط. دار إحياء التراث العربي): [فقيل معناه: أكثر الناس تشوفًا إلى رحمة الله تعالى؛ لأن الْمُتَشَوِّفَ يُطيلُ عنقه إلى ما يتطلع إليه، فمعناه: كثرة ما يرونه من الثواب] اهـ.

الكيفية الصحيحة لترديد الأذان عند سماعه

ورد في السنة المطهرة ما يدل على استحباب متابعة المؤذن وإجابته بترديد الأذان خلفه لكلِّ من سمعه؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ» متفقٌ عليه.

الأذان والمؤذن

فيُسَنّ لمَن يسمع الأذان أن يقول مثل ما يقول المؤذِّن إلَّا في الحيعلتين، وهي قول المؤذِّن: "حي على الصلاة، حي على الفلاح"، فيقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، وعند قول المؤذِّن في صلاة الفجر: "الصلاة خير من النوم"، يقول السامع: "صدقت وبررت".

شروط الأذان:

هناك مجموعة من الشروط لصحة الأذان والمؤذن، كما أن هناك مأثور عن رسول الله ﷺ، يردد عند سماع الأذان؛ إذ قال سيدنا رسول اللهِ ﷺ : «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ». [أخرجه أبو داود].

شروط الأذان

- أن تكون كلماته متوالية؛ بحيث لا يفصل بينهما بسكوت طويل أو كلام كثير.

- وأن يقع كله بعد دخول الوقت، فلو وقع بعضه قبل دخول الوقت لم يصح، إلا في أذان الصبح فإنه يصح قبل دخول الوقت على تفصيل في المذاهب.

- وأن تكون كلماته مرتبة، فلو لم يرتبها؛ كأن ينطق بكلمة حي على الفلاح قبل حي على الصلاة لزمه إعادة ما لم يرتب فيه، فإن لم يعد لم يصح أذانه.

- وأن يقع من شخص واحد، فلو أذن مؤذن ببعضه ثم أتمه غيره لم يصح، كما لا يصح أذان تناوبه اثنان أو أكثر بحيث يأتي كل واحد بجملة غير التي يأتي بها الآخر.

- وأن يكون باللغة العربية، إلا إذا كان المؤذن أعجميًّا ويريد أن يؤذن لنفسه أو لجماعة أعاجم مثله.

- ويشترط النية؛ فإذا أتى بالألفاظ المخصوصة بدون قصد الأذان لم يصح.

شروط المؤذن:

وأضافت الإفتاء أن هناك شروط أيضًا للمؤذن، وهى:

- أن يكون مسلمًا؛ فلا يصح من غيره.

- وأن يكون عاقلًا؛ فلا يصح من مجنون أو سكران أو مغمى عليه، ولا من صبي غير مميز.

- وأن يكون ذكرًا؛ فلا يصح من أنثى أو خنثى.
 

مقالات مشابهة

  • لماذا سمي الصحابة بهذا الاسم؟.. لـ8 أسباب لا يعرفها كثيرون
  • تعرف على الأحاديث التي تبيّن فضل الصدق وثماره
  • أوقات يستحب فيها الصلاة على الرسول الكريم
  • دعاء لمن تراكمت عليه ديون.. 7 كلمات تقضي عنك ولو كانت مثل جبل
  • من هم ورثة الأنبياء؟
  • آداب اتباع الجنائز وحكم الظهور فيها بمظاهر السعادة
  • فضل الأذان وثواب المؤذن للصلاة بالشرع
  • التحصينات النبوية عند الخروج من المنزل.. تقي المسلم من الشرور والأذى
  • كيف تبدأ الدعاء؟.. 4 خطوات تستجاب بها الدعوة وتكون أقرب للقبول
  • ننشر.. نص خطبة الجمعة اليوم بعنوان توقير كبار السن وإكرامهم