عربي21:
2025-10-14@13:02:00 GMT

الخذلان عند الشدّة.. مرارةٌ وعاقبةٌ وخيمة

تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى أُحدٍ في ألف رجل مِن أصحابه، وقبل طلوع الفجر بقليل أدلجَ أي سار بالجيش في تلكم العتمة، حتى إذا كان بمقربة جدا من العدو الذي احتشد بثلاثة آلاف مقاتل مدجج، وكان يراهم ويرونه، في تلك اللحظة الحاسمة أعلن عبد الله بن أبي بن سلول تمرّده على الجيش، فانسحب بثلاثمائة مقاتل، وهو ما يقارب ثلث الجيش، قائلا:‏ ما ندري علام نقتل أنفسنا؟‏ مسوغا تخاذله في أحرج السّاعات بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك رأيه وأطاع غيره‏ من الشباب الذين كانوا متحمسين للقاء العدو.



انخذل عنهم عبد الله بن أبي بن سلول بثلث القوات المقاتلة، فقال: أطاعهم فخرج وعصاني، والله ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيُّها النَّاس؟ فرجع بمن اتَّبعه مِن قومه مِن أهل النِّفاق وأهل الرِّيَب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام، أخو بني سلمة رضي الله عنه، يقول: يا قوم أذكِّركم الله أن تخذلوا نبيَّكم وقومكم عندما حضر مِن عدوِّهم. فقالوا: لو نعلم أنَّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنَّا لا نرى أن يكون قتال. فلمَّا استعصوا عليه، وأبوا إلَّا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم، ومضى.

إنّه الخذلان الذي يأتي في أحرج الساعات ليزلزل الأقدام، ويفرّق الصفوف، ويطعن في الظهر، ويثير البلبلة، ويثبّط الهمم، ويبعث اليأس والإحباط في النّفوس، وهذا ما كادت تفعله حركة الخذلان التي قام بها رأس المنافقين مع فريقه
من الجليّ لكلّ ذي بصرٍ أن انخذال ابن أبيّ بن سلول بثلث المقاتلين لم يكن للسبب الذي ذكره، فقد كان يمكنه أن يفعل ذلك قبل الخروج مع الجيش أو قبل الوصول إلى ساحة المعركة، أما أن يفعل ذلك في أحرج الساعات عندما يتراءى الجيشان فهذا له دلالته الخاصّة.

إنّه الخذلان الذي يأتي في أحرج الساعات ليزلزل الأقدام، ويفرّق الصفوف، ويطعن في الظهر، ويثير البلبلة، ويثبّط الهمم، ويبعث اليأس والإحباط في النّفوس، وهذا ما كادت تفعله حركة الخذلان التي قام بها رأس المنافقين مع فريقه. فقد همت طائفتان وفرقتان من الجيش النبويّ وهما بنو حارثة من الأوس، وبنو سلمة من الخزرج أن تفشلا، وهمّتا بالرّجوع والانسحاب ولكنّ الله تولاهما وثبّتهما بعد أن زعزعهما الخذلان وسرى فيهما الاضطراب، وعنهما يقول الله تعالى في سورة آل عمران: "إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ".

إنّ الخذلان مرّ في الأحوال كلّها، وأشدّ ما يكون في ساعات الشدّة، وفي لحظات المواجهة، وعند لقاء العدوّ، وأقبح ما يكون الخذلان عندما يحاول تسويغ الجريمة بتحمل المخذول سبب الخذلان كما فعل ابن أبيّ بن سلول محاولا تحميل النبي صلى الله عليه وسلّم المسؤولية عن الخذلان، ومبررا ذلك بتبريرات واهية منها قوله لعبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه: لو نعلم أنَّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنَّا لا نرى أن يكون قتال، وهذا منهج الخاذلين في كلّ زمان؛ تحميل المخذول مسؤوليّة الخذلان، والتشكيك في وقوع الضرر عليه بسبب الخذلان. وقد ردّ البيان الإلهي على هذه الفرية والتسويغ السمج في سورة آل عمران، فقال الله تعالى: "وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ".

إنّ خذلان المظلوم ساعة الشدة وفي أحرج ساعات احتياجه للنصرة إثمٌ عظيم وجريمة أخلاقيّة وإنسانيّة، وفوق ذلك هو خذلان للذات، وإيذان بعاقبة السوء على المجموع كلّه، وقد عبّر طالب بن أبي طالب عن هذا حين قال:

أَلَا إنَّ كَعبا فِي الحرُوبِ تَخَاذَلُوا
 وَأَردَاهُم ذَا الدَّهرُ وَاجتَرَحُوا ذَنبا

وكم كان الشّاعر الأمويّ عبيد بن أيوب العنبري صادقا حين قال:

إِذا ما أَرادَ اللَّهُ ذُلَّ قَبيلَةٍ
رَماها بِتَشتيتِ الهَوى وَالتَّخاذُلِ
عاقبة هذا الخذلان التي بينها الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام أن يخذل الله هذه الشعوب ولا يهيّئ لها من يذبّ عنها أو يدافع عن حرماتها وأعراضها، وأن تذوق لباس الخوف والجوع والذل والهوان
وَأَوَّلُ عَجزِ القَومِ عَمّا يَنوبُهُم
تَدافُعُهُم عَنهُ طولُ التَّواكُلِ

ألا إنّ خذلان الشعوب المسلمة لأهل غزة ينذر بعاقبة وخيمة، فالخذلان من أعظم المحرمات، قال النووي: "فقال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ". وقال المناوي في فيض القدير: "خِذْلانُ المُؤمِنِ حرامٌ شديدُ التَّحريمِ؛ دُنيويّا كان، مثلَ أن يَقدِرَ على دفعِ عَدُوٍّ يريدُ البَطشَ به، فلا يَدفَعَه".

وعاقبة هذا الخذلان التي بينها الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام أن يخذل الله هذه الشعوب ولا يهيّئ لها من يذبّ عنها أو يدافع عن حرماتها وأعراضها، وأن تذوق لباس الخوف والجوع والذل والهوان، فقد قال صلى الله عليه وسلّم: "ما من امرئٍ يخذل امرءا مسلما في موطنٍ يُنتَقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمتِه، إلا خذله اللهُ تعالى في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرتَه".

فهلّا أفاقت شعوبنا قبل أن تدور عليها الدائرة؟!

twitter.com/muhammadkhm

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الخذلان المنافقين النفاق منافقين الخذلان سياسة صحافة صحافة سياسة رياضة اقتصاد صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه الخذلان التی الله بن فی أحرج بن أبی

إقرأ أيضاً:

طارق فهمي: لن يكون هناك دور لحماس لإدارة غزة أو حمل السلاح

أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أنه الآن يجري العمل في مرحلة الترتيبات الأمنية وتجميد سلاح حماس، مشيرا إلى أن مصر تدعو إلى فكرة قوى دولية لتحصين الاتفاق.

ترامب: إعادة إعمار غزة تتطلب نزع سلاح حماس جيش الاحتلال: مستعدون لعودة جميع المحتجزين ونتوقع من حماس الالتزام بشروط الاتفاق

وقال طارق فهمي، خلال لقاء له لبرنامج “مساء دي أم سي”، عبر فضائية “دي أم سي”، نحاول تحصين الإتفاق من خلال الموقعين عليه وهي مصر والولايات المتحدة وقطر وتركيا، مؤكدا أنه سيتم العمل على إطلاق مؤتمر لدعم إعادة إعمار غزة في نوفمبر المقبل وسيكون هناك مؤسسات دولية تشارك به.

وتابع طارق فهمي، أنه لن يكون هناك دور لحماس لإدارة قطاع غزة، أو حمل السلاح، خاصة أن هناك تخوفات من إندلاع حرب أهلية داخل قطاع غزة.

وأشار طارق فهمي إلى أنه  يوجد حوار بين حماس والإدارة الأمريكية لتسهيل تنفيذ الإتفاق، مؤكدا أنه سيتم حل جميع منشات حماس على الأرض لمنع إندلاع أعمال عنف

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الإثنين، أنّ حصيلة العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع ارتفعت إلى 67,869 شهيدًا و170,105 إصابة، منذ السابع من أكتوبر 2023، وذلك وفق التقرير الإحصائي الصادر عن الوزارة بتاريخ 13 أكتوبر 2025.

عدد من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات

وأضافت الوزارة أنّ مستشفيات القطاع استقبلت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية 63 شهيدًا، بينهم 60 تمّ انتشالهم من تحت الأنقاض، إضافة إلى 39 إصابة جديدة.

وأشارت إلى أنّ عددًا من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات، في ظل عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة، نتيجة الدمار الواسع واستمرار تعثّر الوصول إلى بعض المناطق المتضررة.


 

مقالات مشابهة

  • التنقل المستمر بين منصات العمل الرقمية قد يكون السبب الخفي لشعورك بالتعب
  • زيباري:من حق العراق ان يكون له صوت مؤثر
  • الفاشر تحت القصف.. وتنسيقية لجان المقاومة تؤكد: “الأرواح التي ماتت بصمت لن تُنسى وهذا الخذلان لن يُمحى”
  • طارق فهمي: لن يكون هناك دور لحماس لإدارة غزة أو حمل السلاح
  • هاتف آبل القابل للطي قد يكون أرخص مما نتوقع.. والسبب؟
  • الجميّل: كان يفترض أن يكون وجود لبنان أساسيًا في شرم الشيخ
  • ماكرون: يجب أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في حكم غزة
  • ترامب لـ «أكسيوس»: اتفاق غزة قد يكون أعظم إنجازاتي
  • علي جمعة: النبي ﷺ أنسب الناس والله أثنى عليه وشرَّف مكانه وزمانه
  • حين يكون المفاوضُ مقاوما!