بعد جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال.. «قرارات إدانة» متوقعة من «الجنائية الدولية» تقلق نتنياهو وحكومته
تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT
يعيش قادة إسرائيل حالة رعب، في ظل «قرارات إدانة» مرتقبة من المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف جالانت ورئيس الأركان هيرتسي هاليفي، بسبب ارتكابهم أبشع جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، تدينها القوانين الدولية وتخضع لولاية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
الولايات المتحدة الأمريكية أعطت إشارات إلى أنها لن تتدخل في الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لإصدار تقارير وقرارات بعينها لصالح نتنياهو وجنرالاته المتورطين في مئات الوقائع التي جرت على أرض غزة منذ أكتوبر الماضي.
على مدار أكثر من سبعة أشهر تورطت حكومة إسرائيل في قتل أكثر من 35 ألف فلسطيني من أبناء غزة وإصابة نحو 70 ألفا آخرين وكان أكثر من 90% من هؤلاء الضحايا من المدنيين الذين لا يحملون سلاحا كما أن أكثر من ثلثي هؤلاء الضحايا هم من الأطفال والنساء.
ملف الإدانة الموجه لنتنياهو ووزير دفاعه ورئيس أركانه متخم بوقائع موثقة شديدة الوضوح منها اعترافات على ألسنة المسئولين الإسرائيليين بارتكاب جرائم الحرب المنصوص عليها حصرا في القوانين الدولية وهو ما أثار كثيرا من الخوف والارتباك لدى نتنياهو وأعضاء حكومته مما جعلهم يكثفون من اتصالاتهم بعدد كبير من أعضاء الكونجرس والسياسيين الدوليين الذين يمكنهم التأثير على المحكمة الجنائية الدولية بما يؤدي إلى تجنب قرارات تدينهم وتجعلهم معرضين للمطاردة دوليا في الدول الموقعة على انشاء وتأسيس المحكمة ويبلغ عددها نحو 124 دولة.
تصاعد الغضب الشعبي الغربي (الأوروبي- الأمريكي) خاصة بين طلاب الجامعات، مؤخرا، أدى إلى تعقيد الموقف السياسي الرسمي الأمريكي الذي كان يدعم الكيان المحتل على طول الخط وبعد تصاعد الرأي العام العالمي الرافض لجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة على مدى أكثر من سبعة أشهر، كل هذه الجرائم بدأت تسبب حرجا للرئيس الأمريكي جو بايدن.
كان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان قد أشار إلى أن تحقيقا كان قد تم فتحه في عام 2021 في اتهامات بجرائم حرب ضد اسرائيل وأن هذا التحقيق قد تم تطويره ليشمل ما جرى من وقائع إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تم رصدها منذ 7 أكتوبر الماضي ويتم التحقيق فيها الآن لإعداد مذكرة إدانة لمرتكبي هذه الجرائم.
كان نتنياهو قد هدد المحكمة الجنائية الدولية، قائلا: لن يتم تحت قيادتي السماح بإدانة أي مسئول أو عسكري إسرائيلي.. وإذا حدث فستكون سابقة خطيرة في تاريخ إسرائيل لن نقبل بها، ولكنه في الوقت نفسه كثف من اتصالاته بواشنطن من أجل منع صدور قرار إدانة ضده من المحكمة الجنائية الدولية.
توقعت دوائر سياسية وإعلامية إسرائيلية قرب صدور القرار خلال أيام قليلة وانتقد سياسيون بيان نتنياهو الذي هدد فيه المحكمة الجنائية الدولية واعتبروا أن هذا البيان يمكن أن يعقد الأمور أكثر ويظهر قادة اسرائيل بشكل متعجرف فوق القانون الدولي ويقلل من حجم التعاطف الدولي معها.
ومن أبرز الجرائم التي من المتوقع أن تنظرها المحكمة الجنائية الدولية هي جرائم الإبادة الجماعية والقتل العشوائي للمدنيين بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والتجويع عن عمد ومنع الماء والكهرباء والاتصالات وهدم دور العبادة والمنشآت الأممية والمدارس وآبار المياه كما ستتناول المحكمة الشهادات الموثقة لموظفي مستشفيي الشفاء وناصر وغيرها من المنشآت والمراكز الطبية التي تم استهدافها بمن فيها من مرضي وعاملين، كما توثق المقابر الجماعية التي عثر عليها في باحات تلك المستشفيات وغيرها من الأماكن.
جرائم سفاح إسرائيل على طاولة الجنائية الدولية.. الإبادة الجماعية والتجويع ومجازر أهل غزة أبرز الخطايا.. وشهادات موظفى مستشفيي الشفاء وناصر والمركز الطبى توثق جرائم نتنياهو.. والمقابر الجماعية دليل مادى كبير، ويمكن أن تؤدي إدانة نتنياهو بجانب مطاردته دوليا إلى رفض استقباله في البيت الأبيض مستقبلا حتى لا يظهر بايدن أمام الرأي العام المحلي والعالمي غير مكترث بتطبيق القانون ومستهينا به وهو ما يمكن أن يضعه في نفس الوقت تحت ضغوط اللوبي الصهيوني في أمريكا خلال الانتخابات الرئاسية.
كما أن إدانة نتنياهو من جانب المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يجر أمريكا إلى نفس المستنقع، خاصة أن الأسلحة التي ارتكبت بها اسرائيل جرائمها كانت معظمها أسلحة أمريكية منحتها أمريكا مجانا لإسرائيل لضرب المدنيين الفلسطينيين بها، وهي إدانة أخلاقية غير مباشرة إذا لم تكن إدانة قانونية مباشرة تتمثل في الاشتراك بالدعم المادي بالسلاح، ولذلك يتوقع مراقبون أن يقف الكونجرس ضد إصدار مذكرة الإدانة ضد نتنياهو وأفراد حكومته حتى لا يتم جر المسئولين الأمريكيين أيضا إلى القضية.
يرى مراقبون أن إدارة بايدن ستحاول أن تتعامل مع الأمر بشكل براجماتي بحيث تساوم نتنياهو على عدم اقتحام رفح بريا مقابل دعمه أمام المحكمة الجنائية الدولية ومنع صدور مذكرة اعتقال ضده وهو ما يمكن أن يحقق استفادة لبايدن أمام جماعات الضغط اليهودية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجري وقائعها هذه الفترة، وفي الوقت الذي تحمي فيه حليفتها في الشرق الأوسط.
في حين يرى مراقبون أن كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ليستا عضوتين في المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي فيمكن لكل منهما عدم الالتزام بقرارات المحكمة وبالتالي يمكن لنتنياهو السفر إلى واشنطن دون ملاحقتها جنائيا لأن واشنطن هنا ليست ملزمة باعتقاله أو تسليمه كونها غير موقعة على تأسيس المحكمة وبالتالي ليست ملزمة بتنفيذ قراراتها، ولكن عدم عضوية اسرائيل في المحكمة لا يمنع اعتقال مسئوليها حال وجودهم في أي دولة من الدول الأعضاء في المحكمة وعددها نحو 124 دولة.
يأتي هذا في الوقت الذي تصر فيه المحكمة على عدم الادلاء بأي تصريحات صحفية أو بيانات بشأن التحقيقات الجارية أو مذكرة الاعتقال المتوقعة فيما عدا تصريح المدعي العام للمحكمة المشار إليه والذي أدلى به منذ أيام بشأن التحقيقات بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبت في قطاع غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر الماضي، ولذلك فإن معظم المعلومات الواردة في هذا الشأن هي مجرد تكهنات أو تسريبات غير رسمية من داخل المحكمة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: بايدن جرائم حرب اسرائيل غزة الكونجرس نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية قضية فلسطين الانتخابات الرئاسية الأمريكية العدوان على غزة المحکمة الجنائیة الدولیة جرائم الحرب یمکن أن أکثر من
إقرأ أيضاً:
النرويج التي أصبحت غنية أكثر من اللازم.. حين يتحول الازدهار إلى عبء
في عام 1969 كانت النرويج على وشك أن تفوّت فرصة تغيير مصيرها الاقتصادي، حينها قررت شركة "فيليبس بتروليوم" حفر بئر أخيرة في الجرف القاري النرويجي قبل الانسحاب من المشروع، لتكتشف حقلا نفطيا غيّر تاريخ البلاد إلى الأبد.
منذ ذلك اليوم بدأت رحلة النرويج نحو التحول إلى واحدة من أغنى دول العالم، ومن رحم تلك الثروة وُلد الصندوق السيادي النرويجي الذي تديره الدولة، ويعد اليوم الأكبر عالميا، بإجمالي أصول تقارب التريليوني دولار، أي ما يعادل 340 ألف دولار لكل مواطن نرويجي، وفق تقرير أوردته وكالة بلومبيرغ.
ولسنوات طويلة، بدا أن البلاد وجدت معادلتها الذهبية: اقتصاد مزدهر، بطالة شبه معدومة، دين حكومي منخفض، ونظام رفاه اجتماعي من بين الأوسع في العالم.
لكن، في الأعوام الأخيرة بدأت الأسئلة تتصاعد بصوت أعلى: هل يمكن لثراء مفرط أن يُفسد حيوية أمة؟ هل تجعل الموارد الغزيرة الشعوب أقل إنتاجية وأكثر اتكالا وأقل حافزية للتطور؟
هذه الأسئلة لم تبق مجرد همسات اقتصادية، بل وجدت صداها في كتاب مثير للجدل صدر مطلع هذا العام بعنوان "الدولة التي أصبحت غنية أكثر من اللازم" لمارتن بيك هولته الخبير الاقتصادي والمستشار السابق في "ماكينزي".
بيع من الكتاب أكثر من 56 ألف نسخة، وأصبح مادة نقاش رئيسية في الجامعات والمؤتمرات ومصدر جدل واسع في وسائل الإعلام.
يرى هولته أن "النرويج كان ينبغي أن تكون مغناطيسا للفرص والمواهب، لكنها اليوم عكس ذلك تماما"، مضيفا أن انعدام الطموح القومي سببه المباشر هو صندوق النفط.
هولته لا يهاجم الثروة ذاتها، بل طريقة إدارتها، والتي يراها تُنتج اقتصادا كسولا ومجتمعا استهلاكيا ومؤسسات مشبعة بالمال لكنها فاقدة للرؤية.
مشاريع متضخمة ونظام ضريبي طارد
من الأمثلة التي يسوقها هولته في كتابه مشاريع البنية التحتية المتضخمة التي لا تحقق قيمة حقيقية، مثل مشروع مترو يربط شبه جزيرة على أطراف أوسلو تجاوز ميزانيته الأصلية بـ6 أضعاف، أو مشاريع التقاط الكربون التي تكلف مليارات الدولارات دون ضمان جدوى تجارية، مثل مشروع "نورذرن لايتس".
إعلانكما يشير إلى أن السياسات الضريبية تشجع الاقتراض الاستهلاكي بدلا من الادخار، مما أوصل معدل الدين الأسري إلى 220% من الدخل السنوي، وهو الأعلى بين دول منظمة التعاون والتنمية.
ورغم كل هذه المؤشرات المقلقة فإن النقد الذي يتعرض له هولته لا يقل حدة عن انتقاداته، فالرئيس السابق للبنك المركزي النرويجي أويستين أولسن اتهمه بالمبالغة وتجاهل العوامل الخارجية التي تؤثر على اقتصاد بلد صغير مثل النرويج.
لكن اقتصاديين آخرين مثل إسبن هنريكسن رأوا أنه رغم بعض الهفوات الرقمية في الكتاب فإنه يلامس قلقا حقيقيا في وجدان النرويجيين "ربما كان العنوان الأنسب للكتاب هو: الدولة التي كان يجب أن تكون أغنى مما هي عليه"، كما كتب هنريكسن في مقال رأي.
ورغم إنفاق النرويج أكثر من 20 ألف دولار سنويا على كل طالب -وهو أعلى معدل في العالم بعد لوكسمبورغ- فإن نتائج اختبارات الطلاب النرويجيين تشهد تراجعا مستمرا، فبين عامي 2015 و2022 تراجعت نتائج طلاب الثانوية في الرياضيات والعلوم والقراءة.
وذهبت زعيمة المعارضة إرنا سولبرغ إلى القول إن البلاد "على شفير كارثة في العلوم الطبيعية".
ولا يتوقف الأمر عند التعليم، النرويجيون يحصلون على إجازات مرضية بمعدل 27.5 يوما في السنة للفرد، وهي النسبة الأعلى في الدول المتقدمة، والدولة تدفع رواتب كاملة خلال الإجازات المرضية حتى 12 شهرا، وهو ما وصفه صندوق النقد الدولي بأنه "نظام مكلف ومشوه"، وهذه السياسات تكلف الدولة نحو 8% من ناتجها المحلي، 4 أضعاف متوسط الإنفاق في الدول المماثلة.
والأخطر -وفق الخبراء- هو التباطؤ المستمر في نمو الإنتاجية، والذي يجعل النرويج تسجل أدنى معدلات نمو في هذا المؤشر بين الدول الغنية خلال العقدين الماضيين، ويبدو أن الابتكار أيضا بدأ يخبو.
فمنذ جائحة "كوفيد-19" انخفضت نسبة الإنفاق على البحث والتطوير، ووفقا لتقرير صادر عن الجمعية النرويجية لرأس المال الاستثماري فإن عدد المشاريع الناشئة التي حصلت على تمويل أولي عام 2024 هو الأدنى على الإطلاق.
وفي ظل هذه المؤشرات بدأت بعض رؤوس الأموال تهاجر، وقد غادر عدد من أثرياء النرويج البلاد نحو سويسرا هربا من النظام الضريبي الذي يعتبرونه عقابا للنجاح.
وعبّر بال رينغهولم مدير الاستثمار في مؤسسة "فورمو" عن ذلك بقوله "اخترنا نموذجا لا يُلهم الاستثمار رغم أننا نعيش في واحدة من أغنى دول العالم".
ومع أن إنتاج النفط والغاز بلغ ذروته قبل 20 عاما فإن الحرب في أوكرانيا أعادت الروح إلى هذا القطاع، خصوصا مع ارتفاع الطلب الأوروبي على الغاز.
وحاليا، يشكل قطاع النفط والغاز 21% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيه أكثر من 200 ألف نرويجي، لكن هذا الازدهار مهدد على المدى البعيد مع التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، مما يثير تساؤلات بشأن قدرة الاقتصاد النرويجي على التكيف في عالم ما بعد النفط.
إعلانفي العمق، يشير بعض الاقتصاديين مثل هيلدي بيورنلاند إلى أن النرويج تعاني من "نسخة هادئة من مرض هولندا"، حيث تؤدي الثروة الطبيعية إلى تضخم داخلي يضعف القدرة التنافسية للصناعات الأخرى.
ورغم أن الصندوق السيادي وُضع أصلا لتفادي هذا السيناريو -عبر توجيه الفوائض نحو استثمارات خارجية ومنع تسربها إلى السوق المحلي- فإن النمو الضخم في قيمته منذ عام 2012 سمح للحكومات بسحب ما يصل إلى 20% من الميزانية السنوية من عائدات الصندوق، دون أن تخرق القواعد الرسمية.
وفي أحد تصريحاته شبّه هولته الاقتصاد النرويجي بالوريث المدلل الذي ورث 6 أضعاف راتبه السنوي في حسابه المصرفي، مما دفعه إلى القول خلال مؤتمر صحفي "لقد أصبحنا نأخذ الطريق السهل، ونهدر أكبر فرصة حصلت عليها دولة غربية في العصر الحديث"، مشيرا إلى أن الحلول التي يقترحها تشمل تخفيض الضرائب والإنفاق الحكومي وفرض قيود صارمة على السحب من الصندوق السيادي.
ورغم كل التحديات فإن النرويج تظل دولة ذات مستوى معيشة مرتفع ونظام مالي مستقر، لكنها أيضا -كما يلمّح تقرير "بلومبيرغ"- تمثل تحذيرا للدول الغنية بالموارد: إدارة الثروة قد تكون أصعب من تكوينها، والغنى إذا لم تتم إدارته بعناية قد يتحول من نعمة إلى عبء.