صحيفة التغيير السودانية:
2025-05-28@11:05:10 GMT

السباحة في البحر القديم

تاريخ النشر: 6th, May 2024 GMT

السباحة في البحر القديم

عمر العمر

التفوق العسكري في المعارك يصب الماء على النار لكنه لا يكتب الانتصار الحاسم في الحروب . فوفقاً للمؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز (لا يمكن تقييم الحرب تقييما عسكريا بحتا لأنها عملٌ سياسيٌ بحت). لذلك يصبح التنافس على حتمية كسب الحرب بمعزل عن الشعارات والغايات السياسية ضرب من أعراض القصور العقلي.

ابن خلدون أدرج الحرب في(البغي الفتنة ،الجهاد والعدل) حسب معايير أخلاقية جذّرها في الإنتقام عدواناً أو دفاعاً. لا تتباين التصنيفات الحديثة للحرب بعيدا عن الإطار الخلدوني حتى عندما تجنح لتأطيرها بين حرب عادلة أو حرب ظالمة.. كما يُقسّم الاستراتيجيون الحروب إلى أربعة أجيال؛ الجيل الأول قوامه حشود الرجال،الثاني يعتمد على فعالية السلاح، الثالث يرتكز إلى الخطط والمناورات.
*****

أما الجيل الرابع فيوظّف كل شبكات السياسة، الإقتصاد، الإجتماع بالإضافة إلى العسكرية .هذا جيل يطمس الفواصل بين القتال والسياسة،بين الحرب والسلام،بين الجنود والمدنيين كما بين جبهات المعارك والمناطق الآمنة. حربنا القذرة إبنة مشوّهةٌ لهذا الجيل .مصطلح الجيل الرابع برز على عتبة ثمانينيات القرن السابق. هي حرب تستهدف حسب الأكاديميين تهشيم مؤسسات الدولة،تفتيت عضدها بغية تحويلها إلى( دولة فاشلة). الجماعات المتطرفة والمنطمات الإرهابية أعطت المصلح نمازج حية على الأرض.
*****

هكذا أمست الجيوش مضطرة إلى البحث عن معينات خارج الكاتالوغ العسكري التقليدي. هناك حالات استعانت فيها جيوش دولٍ كبرى بميلشيات أو تكتيكاتها. كما فعلت روسيا. هناك دول أخرى استعانت بوكلاء لخوض حروبها، كما في العراق ،اليمن وسوريا. لكن العديد من الدول أخفقت في استيعاب مستحدث حرب الجيل الرابع المتمثل في تبني أدوات الحرب الناعمة بغية استهداف تقويض تماسك قاعدة الدولة. هو هدفٌ يسهل في ظل الغفلة السياسية والإنغماس في مستنقع الفساد العام.
*****

غفلتنا الوطنية الكبرى أننا لم نر في هدم جدار برلين في العام١٩٨٩ نهاية الأنظمة الشمولية كما إزاحة الفكر الايديولوجي التقليدي من على الحلبة السياسية. ذلك التحول أسماه المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما مغاليا ً(نهاية التاريخ) .فعقب هدم الجدار انتشرت مفاهيم الديمقراطية وقيم الليبرالية مقابل انحسار قبضات أجهزة القمع أمام صعود موجات النضال السلمي. نحن سبحنا عمدا مع سبق الإصرار في البحر القديم فغرقنا في الشمولية حد بلوغ قاع الاستبداد الفردي. كما توغلنا في مصادرة حقوق التفكير والتعبير حد تعذيب حملة الرأي الآخر. غلّظنا أجهزة القمع فشكّلنا وحدات عسكرية وميليشيات تفننت في صنوف التعذيب ،الإذلال والإبادة بالمفرّق والجملة.
*****

حتى إذا ما أفقنا من ثباتنا الطويل الأمد ما استطعنا فرك غفلتنا الملبّدة عن أعيننا . لذلك لم نستبصر سبيلاً لغدٍ متوقع أو مأمول .فانطلقنا نتدافع في زحام بالمناكب دون تحديد محطات للإنجاز على خارطة طريق لواقع متخيل أو مشتهى.
مرة أخرى عدنا نسبح ضد التيار في البحر القديم.إذ أننا لم نحسن قراءة التاريخ بينما تتعالى أصوات بعض المنظرين – ياللمفاقة المبكية- بضرورة إعادة كتابة التاريخ .فنحن لم نقرأ ما مضى لنستوعب ماجدّ . لازلنا نعيش بأدمغة ماقبل هدم سور برلين. لا نزال مطالبين بإعادة قراءة أحداث ثورتنا السلمية لنستوعب كيف أتاحت أمواج بناة الغد وجموع الكادحين لأشباه الساسة الانتهازيين الإمساك بزمام الأحداث ليُدخلوا الشعب والوطن في جب بلا قاع.
*****

نحن أبناء الخيبات الثلاث – اكتوبر ، أبريل وديسمبر -مطالبون قبل الآخرين من المبتئسين التفكير بصوت جهور ناقد لعجزنا أزاء قراءة التاريخ ومن ثم مواصلة السباحة عكس التيارات المعاصرة، وفي البحر القديم ذاته. أبعد من ذلك نحن ملاحقون للاعتراف بدورنا ،بل سلبيتنا ، تجاه دفع الشعب إلى نفق الاستبداد الشرس والفساد الشره طوال عقودا ثلاثة. ما استوعبت نخبنا المستنيرة انتقال مراكز القوة الموجهة من صالونات الساسة- غالبيتهم انتهازيون – و من رموز التنوير والتثقيف إلى قيادات الميادين الجماهيرية الشابة ودور النقابات ومنظمات المجتمع المدني. تلك هي أبرز خلاصات حركة الثورات الشعبية السلمية نهار انبثاق قيم الديمقراطية ومفاهيم الليبرالية عقب هدم حائط برلين.
*****

النخب لم تفقد أمكنتها التقليدية في هرم المجتمع .لكن المتغيرات المعاصرة فرضت عليها استبدال أدوارها .في البدء أصبح عليها التخلي عن مقاعدها الفوقية والتجرد من أنانيتها المفرطة. لكن المهمة الجديدة المكلفة لا تتمثل فقط في بث الوعي بل أكثر من ذلك نشر ثقافة النقد بالتزامن مع تقديم قدوات حيوية على الأرض في تنفيذ هذه المهام . هذه الأدوار تتطلب النزاهة والشفافية في الأداء العام كما تشترط الزهد في المغانم.هذه الثقافة باتت المعيار الحاسم لقياس الوعي على المستوى الفردي وإيقاع ترقي المجتمع على درج الحضارة.
*****

فعمليات التقتيل المتوحشة ،التفحش في انتهاكات حقوق الإنسان والتدمير العشوائي للممتلكات العامة والخاصة هي ليست فقط ضرب من العدوان .بل كذلك أحد صنوف ممارسة الإنتحار الجماعي. فبغض النظر عن التوصيفات المتباينة لهذه العدوانية الوحشية ضد بنات وأبناء الوطن فهي في الحقيقة ليست غير صراع بدائي على السلطة يجسّد مقولة فرويد (الإنسان كالذئب في تعامله مع أخيه الإنسان حتى يمتنع عن عدوانيته ووحشيته.) حتماً لاسبيل إلى الخروج من من فرو الذئب مع استمرار إذكاء غرائز التوحّش ،إلهاب العصبية وضخ هستيريا الشعور العدواني في عُلب الشحن الديني.على درج الرقي الحضاري لا موطئ قدم للكهنة حرسة كراسات الأيديولوجيات العتيقة وحارقي البخور في المقامات والأضرحة الوهمية .
*****

من دفعنا على هذه الطريق الوعرة لا يملك الرؤية أو الجرأة من أجل إخراجنا منها أو إعادتنا إلى حيث كنا.نحن دفعنا ،ولا نزال ، فاتورة باهظة .لكن لايزال في وسعنا بذل تضحيات بغية وضع نهاية حاسمة لهذه الكارثة وصنعتها. فقط علينا الإستعصام بأحلام طازجة يطبخها أصحاب رؤى ثاقبة وإرادة فتية. كما علينا إعادة قراءة التاريخ القريب أولا بعيون شابة.ربما هذه أبسط مؤهلات الخروج من البحر القديم.

الوسومعمر العمر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: عمر العمر فی البحر القدیم

إقرأ أيضاً:

تيم هاورد.. من الاضطرابات العصبية إلى كتابة التاريخ في كأس العالم

في بلد لا تُعَد كرة القدم فيه اللعبة الشعبية الأولى، صنع حارس المرمى الأميركي تيم هوارد التاريخ، وتحوّل إلى حالة خاصة في عالم الساحرة المستديرة على مستوى البلاد.

لحظة واحدة فقط في صيف 2014، كانت كافية ليكتب هوارد اسمه في سجلات كأس العالم، بعدما تصدى ببسالة لـ15 تسديدة من المنتخب البلجيكي، ليصنع رقما قياسيا ويثير إعجاب العالم أجمع.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2المكافآت المالية لفرق "البريميرليغ" بعد الترتيب النهائيlist 2 of 2رونالدو يكشف عن الدوري الأصعب في تسجيل الأهدافend of list

وُلد تيموثي ماثيو هوارد في 6 مارس/آذار 1979 في بلدة نورث برونزويك بولاية نيو جيرسي، حيث نشأ فتى مُفرط النشاط في شقة صغيرة، يعاني من متلازمة توريت التي جعلت من الجلوس ساكنا تحديا يوميا، ومن الأصوات والضوضاء معركة عصبية مستمرة.

View this post on Instagram

A post shared by Tim Howard (@timhow1)

في عمر 6 سنوات وبينما كان أقرانه يلعبون ويضحكون دون قيود، كان هوارد يكافح لاحتواء حركاته اللاإرادية وتشنجاته العصبية، بدعم أم صلبة تعمل ليلا ونهارا لتوفير الحد الأدنى من العيش له ولأخيه.

لكن خلف تلك العوائق الصحية والاجتماعية، وُلد شغفٌ بكرة القدم، وتحديدا بحراسة المرمى، رغم أنه لم يكن خياره الأول في البداية، إذ كان يُفضّل الركض وتسجيل الأهداف، لكنه سرعان ما أدرك أن قدره يقبع في المرمى.

إعلان

وبينما يرى البعض أن حراسة المرمى تعني الوقوف في الظل، رأى هوارد فيها تحديا يُعيد له السيطرة على ما عجز جسده عن التحكم به خارج الملعب. على الرغم من ظروفه الصعبة، شق هوارد طريقه إلى برنامج التطوير الأولمبي، وتجاوز التوقعات في كل محطة.

في عام 2003، خطا أولى خطواته في أوروبا عندما وقّع مع مانشستر يونايتد، ليُصبح من أوائل حراس المرمى الأميركيين الذين يرتدون قميص نادٍ إنجليزي كبير.

وبينما شكّك البعض في قدرته، خاصة بعد أن وصفته إحدى الصحف بـ"الحارس المعاق"، أصرّ هوارد على إثبات نفسه، مجسدا روح المثابرة التي نشأ عليها منذ الصغر.

لكن ذروة تألقه جاءت في مونديال 2014 بالبرازيل، عندما وقف سدا منيعا أمام منتخب بلجيكا، متصديا لـ15 تسديدة في أداء بطولي حطم الأرقام القياسية، وجعل من اسمه رمزا للصلابة الذهنية والبدنية.

كان ذلك اليوم بمثابة رسالة للعالم أن الإعاقة لا تُقاس بتشنج في الجسد، بل بالعجز عن الحلم.

اعتزل هوارد كرة القدم في عام 2019، وهو في قمة مستواه، بعد مسيرة امتدت من أحياء نيوجيرسي إلى ملاعب كأس العالم، لكن إرثه الحقيقي لا يتمثل فقط في عدد المباريات أو الألقاب، بل في كونه مصدر إلهام لكل طفل يعاني من اضطراب أو يُقال له "لن تستطيع".

لقد أثبت تيم هوارد أن الصعوبات قد تُقيّد الجسد، لكنها لا تقف عثرة أمام تحقيق الطموحات.

مقالات مشابهة

  • تيم هاورد.. من الاضطرابات العصبية إلى كتابة التاريخ في كأس العالم
  • ياسر إدريس يقود خطة شاملة لتطوير السباحة المصرية استعدادًا للأولمبياد
  • محافظ الدقهلية يُكرم بطل أفريقيا.. « حاتم أشرف» يُلهم الشباب بإنجازاته في السباحة
  • محافظ الدقهلية يكرم بطل أفريقيا في السباحة حاتم أشرف كامل
  • محافظ الدقهلية يكرم حاتم أشرف كامل بطل إفريقيا في السباحة
  • في هذا التاريخ.. انتخابات عامة للمجلس التنفيذي لاتحاد النقل الجوي
  • كي لا تتكرر مأساة راين وزياد.. إحذروا من ان تتحوّل أوقاتكم على البحر إلى كارثة
  • مصرع « طالب» غرقا بالبحر اليوسفي في المنيا أثناء تعلم السباحة.
  • 7 طرق تدعم من خلالها T4Trade الجيل الجديد من المتداولين ذوي الرؤى والأهداف
  • حزب الجيل: منتدى الأعمال المصري الأمريكي ركيزة للشراكة الاستراتيحية بين البلدين