قال الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، إن الشَّبابِ في حاجة لأن يُتكلَّمَ إليهم ويُسمعَ منهم، وخاصَّةً بعد أن سيطرت التُّكنولوجيا الحديثةُ على بعضِ الشَّبابِ فهم لا يتكلَّمون إلَّا إلى الشَّاشاتِ، ولا يحاورون إلَّا المواقعَ والصَّفحاتِ.

 

وتابع محمود الهواري، في كلمته خلال منتدى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، تحت عنوان "اسمع واتكلم": ولا أُخفيكم سرًّا كم أنا سعيدٌ بهذه الفرصةِ، وبهذه الوجوهِ الَّتي أطالعُها فأقرأُ فيها مستقبلَ الأمَّةِ، وبقاءَها، وقوَّتَها، ونهضتَها، ولكن مع هذه السَّعادةِ الَّتي تغمرُني لوجودي بين جيلين: جيلِ العلماءِ والحكماءِ وجيلِ الشَّبابِ الأقوياءِ أُراني في حَيرةٍ من أمري، فما إن كُلِّفتُ بالحديثِ إليكم حتَّى تداعت القضايا المختلفةُ، والموضوعاتُ المتباينةُ، الَّتي لا يقدر البلغاءُ والفصحاءُ على أن يلمُّوا بأطرافِها في مدَّة يسيرةٍ.

وتسائل الهواري: هل أتحدَّثُ إلى الشَّبابِ عن الإيمانِ؟ أو عن الإلحادِ؟ أو عن العلمِ؟ أو عن العملِ؟ أو عن الأخلاقِ؟ إلى آخر القضايا الَّتي يجبُ أن نبيِّن فيها بيانًا صريحًا واضحًا بلا مواربةٍ أو مجاملةٍ.

وذكر محمود الهواري، أنه أمامَ هذه الحَيرةِ في اختيارِ موضوعٍ معيَّنٍ، آثرت أن يكونَ حديثي إليكم -أيُّها الشَّبابُ! - عن الشَّخصيَّةِ المسلمةِ و«مقوِّماتِها» إن صحَّت التَّسميةُ.

وأشار إلى أن الشَّخصيَّةَ المسلمةَ ترتكنُ إلى خلاصةِ وحيٍ، وعصارةِ تراثٍ، وثمراتِ تجربةٍ وسلوكٍ، وتكادُ هذه المقوِّماتُ المتناغمةُ تشبه المثلَّثَ المتساوي الأضلاع، بحيث لا يستغني أحدهم عن صاحبيه، تلك الثُّلاثيَّةُ هي: الوحيُ، والعقلُ، والأخلاقُ.

أمَّا الوحيُ الإلهيُّ الَّذي ترجمتْه آياتُ القرآنِ والأحاديثُ النَّبويَّةُ فهو المقوِّمُ الأوَّلُ لشخصيَّةِ المسلمِ، الَّذي يعيشُ في أنوارِه وهدايتِه عابدًا لله ربِّ العالمين، على أنَّ هذا الوحيَ الَّذي أمرَ المسلمين بعبادةِ اللهِ لم يأمرهم بلزومِ المحاريبِ والتَّخلِّي عن الدُّنيا لغيرهم، وإنَّما أمرَهم بأن يكونوا سادةً وقادةً، وهل تكون السِّيادةُ والقيادةُ والرِّيادةُ إلَّا بالعبادةِ والعملِ والإنتاجِ؟ وهؤلاءِ هم الَّذين مدحَهم رسولُ الله ﷺ فقال: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضَّعيفِ وفي كلٍّ خيرٌ»، وقال: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى».

 

وأوضح أن هذا الوحي هو الَّذي يجعلُ حركةَ المسلمِ كلَّها عبادةً يؤجرُ عليها، كما قال الله تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وبيَّن ذلك رسول الله ﷺ حين مَرَّ به رَجُلٌ فَرَأى أصْحابُه رضي الله عنهم مِن جَلَدِهِ ونَشاطِهِ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كانَ هَذا في سَبِيلِ اللَّهِ! فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى وَلَدِهِ صِغارًا فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى أبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى نَفْسِهِ يُعِفُّها فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى رِياءً ومُفاخَرَةً فَهو في سَبِيلِ الشَّيْطانِ».
ثمَّ يعوِّلُ هذا الوحيُ الشَّريفِ على العقلِ فيدعوه إلى التَّفكُّرِ والتَّدبُّرِ والتَّأمُّلِ والنَّظرِ، في مستوياتٍ متعدِّدةٍ، تبدأُ من النَّفسِ «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ»، وتنطلقُ إلى الكونِ الواسعِ: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

وتابع: ويرتقي الوحيُ بالعقلِ حتَّى يجعلَ عملَه من النَّظرِ والتَّفكُّرِ فريضةً، وحتَّى قال رسولُ اللهِ ﷺ في قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: «إنَّ في خلقِ السَّماواتِ والأرضِ»، «وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا»، ويرحمُ اللهُ عبَّاسَ العقَّاد الَّذي جعل أحدَ كتبِه تحت عنوان: «التَّفكيرٌ فريضةٌ إسلاميَّةٌ».

وأمَّا أخلاقُ الشَّخصيَّةِ المسلمةِ فأمرٌ مختلفٌ غايةَ الاختلافِ عن الأخلاقِ عند كثيرٍ ممَّن يتغنَّون بالحضارةِ، فالمسلمُ يدورُ بأخلاقِه حولِ رتبةِ الإحسانِ الَّذي كتبَه اللهُ على كلِّ شيءٍ، وحول الرِّفقِ الَّذي لا يَكونُ في شَيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شَيءٍ إلَّا شانَهُ كما قال رسول الله.

وقال الهواري، إنَّ أخلاقِ المسلمِ ثابتةٌ لا تتغيَّرُ، ولا تتأثَّرُ بالمصالحِ أو الأغراضِ، ولا تمشي على ساقٍ دون ساقٍ، ولا تعترفُ بالمبدأِ الميكيافيلي الَّذي تبرِّرُ فيه الغايةُ الوسيلةَ؛ فالاعتداءُ على الشُّعوبِ وسرقةُ مقدَّراتِ الأوطانِ سيظلُّ إثمًا دينيًّا وجُرمًا أخلاقيًّا مهما نظَّرَ له كتَّابٌ وفلاسفةٌ!

 

وتابع: لقد آثرتُ أن تكون كلمتي حول هذه الثُّلاثيَّةِ المتناغمةِ، والَّتي أظنُّ أنَّ الشَّخصيَّةَ المسلمةَ يجبُ أن تتحلَّى بها؛ أوَّلُها أن نعتصمَ بالوحيِ حتَّى نحفظَ عقيدتَنا من أيِّ إفراطٍ إلى تطرُّفٍ مغالٍ، أو تفريطٍ إلى إلحادٍ فاشلٍ، وحتَّى نعرفَ ماذا يريدُ اللهُ منَّا، وما هي وظيفتُنا في هذا الكونِ، وكيف صاغ اللهُ علاقةَ الإنسانِ بالكونِ من حولِه: إنسانًا وحيوانًا وحتَّى الجمادات.

وثانيها أن نحفظَ عقولَنا من أن يدورَ فيها فكرُ غيرِنا، فلا نسلِّمُ عقولَنا لكلِّ ناعقٍ، يحاولُ خداعَنا عن دينِنا وتراثِنا وقيمِنا بشبهةٍ عرجاء يجترُّها من حينٍ إلى حينٍ، وأن نُعمِلَ عقولَنا تدبُّرًا وتفكُّرًا وتأمُّلًا، فلا نحن مطالبون بإلغاءِ العقلِ ولا بتعطيلِه، ولا مطالبون بإعمالِه في غيرِ مجالِه، بل نحن مطالبون بأن نتخلَّى عن هذا الكسلِ العقليِّ الَّذي أتاحَ لغيرِنا أن يفكِّرَ نيابةً عنَّا، ومطالبون بإنتاجِ المعارفِ والعلومِ بدلًا من أن نكونَ عالةً على غيرِنا في موائدِ الفكرِ والثَّقافةِ والفلسفةِ والمخترعاتِ والتُّكنولوجيا.

وتابع: ونحن مطالبون بأن يتحوَّل هذا التَّعقُّلُ إلى سعيٍ في مناكبِ الأرضِ وفي ميادينِ العملِ المختلفةِ، لنحقِّقَ ريادتَنا، ولنقومَ بواجبِنا، ولنكون كما أرادَ ربُّ العالمين من خيرِ أمَّةٍ أُخرجت للنَّاسِ.

وثالثُ المقومات أن نفهمَ طبيعةَ أخلاقِنا المستقيمةِ ونتحلَّى بها، حتَّى لا يخدعونا بممارساتٍ مخجلةٍ، أو بشذوذٍ أحمقَ، أو بأخلاقٍ شائهةٍ، تخالفُ المكارمَ الَّتي بعثُ رسول الله ﷺ ليتمَّها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ا الوحی

إقرأ أيضاً:

74 مسيرة حاشدة في المحويت تأكيدا على الثبات في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع في غزة

الثورة نت/..

شهدت محافظة المحويت اليوم 74 مسيرة جماهيرية تحت شعار “ثباتًا مع غزة.. سنصعد في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع”، تأكيدا على مواصلة إسناد الشعب الفلسطيني.

وأدان أبناء المحويت في المسيرات التي شارك فيها وكلاء المحافظة والقيادات المحلية والتعبوية والعسكرية والأمنية والشخصيات الاجتماعية المجازر الوحشية التي يواصل العدو الصهيوني ارتكابها بحق المدنيين في غزة، والتي تستدعي تحركاً دولياً عاجلاً لوقف آلة القتل والدمار.

وأكد أبناء المحويت، خلال المسيرات الجماهيرية، موقفهم الثابت والمبدئي في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، واستعدادهم الكامل لتنفيذ الخيارات التي تتخذها القيادة الثورية والسياسية في إطار معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.. لافتين إلى أن القضية الفلسطينية ستظل قضية الشعب اليمني الأولى ولن يتخلوا عنها أو يتركوا الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الكيان الصهيوني.

وأعلنوا التأييد والتفويض لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، لاتخاذ القرارات والخيارات المناسبة لنصرة الشعب الفلسطيني.. مؤكدين أن هذا التفويض الشعبي يعكس مستوى الوعي والإدراك الذي وصل إليه أبناء اليمن تجاه طبيعة الصراع مع العدو.

واستنكرت الحشود استمرار صمت الدول العربية والإسلامية تجاه ما يتعرض له الأشقاء في غزة من جرائم إبادة جماعية وحصار خانق يمثل انتهاكا سافرا لكل المبادئ الإنسانية والأعراف والقوانين الدولية.. مطالبة بتحرك عربي وإسلامي عاجل يرقى إلى حجم الكارثة ويجسد أدنى مستويات التضامن مع شعب يُباد على مرأى ومسمع من العالم.

كما أعلنت الحشود جهوزيتها الكاملة لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، والوقوف صفا واحدا في معركة العزة والكرامة حتى تحقيق النصر واستعادة الحقوق المغتصبة.

وأوضح بيان صادر عن المسيرات أن الخروج المليوني يأتي انطلاقا من المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية وتأكيدا على الثبات على الموقف المشرف المساند للشعب الفلسطيني والتفويض للقيادة.. معلنا التأييد لكل القرارات والخيارات والعمليات العسكرية ضد كيان العدو الصهيوني.

وأشار إلى أنه وأمام أبشع جرائم الإبادة الجماعية في العصر الحديث، والتي تلطخ بها وجه هذا الجيل من البشرية، يؤكد الشعب اليمني المسلم أنه لن يقبل بأن يكون جزءاً من هذا العار، أو جزءاً من هذه الحقبة الحالكة السواد في تاريخ البشرية؛ بل يسجل موقفه أمام الله، وخلقه ودينه وكتابه الكريم، بأنه لم يقبل، ولن يقبل، ولن يسكت، ولن يتراجع، بل سيواصل بكل ثبات، ويقين، ووفاء، حتى يكتب الله النصر والفرج لغزة، ويتحقق وعد الله.

ودعا شعوب الأمة إلى التحرك والخروج العاجل من هذا العار، وتسجيل موقف عملي تجاه هذه الجرائم التي تنفطر لها القلوب والأكباد، ولغسل عار الصمت والتخاذل، وإلا فإن عذاب الله في الدنيا والآخرة، هو النتيجة المحتومة لكل متآمر، أو متخاذل.

وجدد التأييد المطلق والفخر والاعتزاز بالعمليات العسكرية لقواتنا المسلحة ضد كيان العدو الصهيوني، والتي ألحقت به الضرر الكبير.. داعيا الله سبحانه وتعالى بأن يوفق القوات المسلحة إلى تطوير القدرات، والارتقاء بها، لفعل ما هو أكبر وأشد بهذا العدو المجرم الظالم الكافر، وصولاً إلى ردعه ودفعه لوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، ثم تحرير فلسطين والأقصى الشريف بإذن الله.

وعبر عن الاعتزاز بالصمود التاريخي والصبر العظيم والملاحم البطولية التي يسطرها أبناء غزة مقاومة وشعباً.. داعيا الأمة لاستلهام دروس الثبات والصبر والعطاء منهم، وأن يعلموا بأن غزة اليوم – وهي في أصعب وأقسى الظروف – ترفض الاستسلام وتفشل وتحبط العدو من تحقيق أي هدف، فما هو مبرر من يتخاذل ويستسلم بحجة العجز وهو يمتلك الإمكانات الكبيرة والمقومات الهائلة للمواجهة بما لا يقارن مع غزة

مقالات مشابهة

  • «البحوث الإسلامية» يفتتح البرنامج التدريبي لترقي مبعوثي الأزهر في دول العالم
  • وكيل الأزهر في ختام تحدي القراءة العربي: القراءة تصنع الإنسان وتصون الأوطان
  • "القوى المدنية" تدين قمع مليشيا الانتقالي لمظاهرة نسوية في عدن وتعتبرها "جريمة أخلاقية"
  • عضو البحوث الإسلامية: الظواهر الكونية آية من أيات الله
  • الشيباني: على المتظاهرين في طرابلس الحذر من سرقة ثورتهم 
  • دعاء الامتحان من القرآن.. 10 آيات تساعدك على الإجابة مهما كان صعبا
  • في لبنان.. حديقة كادت تشهدُ جريمة! (صورة)
  • 77 مسيرة حاشدة في عمران تأكيدا على الثبات في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع في غزة
  • “الشؤون الإسلامية” تقيم حفل توديع ضيوف برنامج خادم الحرمين من بولندا للحج
  • 74 مسيرة حاشدة في المحويت تأكيدا على الثبات في مواجهة جريمة الإبادة والتجويع في غزة