قائد الجيش البريطاني: يجب على الولايات المتحدة الوقوف بحزم ضد التهديدات العالمية
تاريخ النشر: 8th, May 2024 GMT
وجه القائد العسكري الأعلى في بريطانيا، الأدميرال السير توني راداكين، نداء حازما للولايات المتحدة؛ للحفاظ على قوتها ووحدتها في مواجهة التحديات العالمية المتصاعدة.
وشدد راداكين، في خطاب ألقاه خلال زيارته لـ"واشنطن" العاصمة، وفقا للجارديان، على أهمية التضامن وسط عالم محفوف بالمخاطر بشكل متزايد، وحث على مقاومة إغراءات الانعزالية الأمريكية في المستقبل، خاصة في ضوء الصراعات المستمرة في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وفي كلمته بمؤتمر "آش كارتر"، أكد راداكين على اعتقاده بأن العالم أصبح أكثر خطورة بشكل لا لبس فيه، مستشهداً بالتضحيات البطولية التي قدمت خلال يوم الإنزال كتذكير مؤثر بحتمية المشاركة المستمرة ضد الأنظمة الاستبدادية.
وفي معرض تأمله للغزو التاريخي لنورماندي، سلط راداكين الضوء على الجهود الموحدة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة والقوات المتحالفة، والتي يوحدها هدف مشترك لهزيمة الاستبداد وتأمين الحرية.
ورغم امتناعها عن الإشارة إلى إشارات مباشرة، جاءت تصريحات راداكين بعد وقت قصير من موافقة الكونجرس الأمريكي على حزم مساعدات عسكرية كبيرة لأوكرانيا وإسرائيل، مما يشير إلى الالتزام المتجدد بدعم الحلفاء في مواجهة التهديدات الناشئة.
واعترافًا بالوضع المتصاعد في أوكرانيا، شدد راداكين على أهمية دعم الدولة المحاصرة ضد العدوان الروسي، مسلطًا الضوء على قدرة الغرب على تقديم المساعدة الحاسمة في شكل معدات عسكرية وموارد استراتيجية.
وفي سياق أوسع، أكد راداكين على الترابط بين التحديات العالمية، وربط الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط بالديناميكيات الجيوسياسية الأوسع التي تشمل الصين.
وحذر من معركة أفكار بين القوى الاستبدادية والدول الديمقراطية، وحث على اتخاذ إجراءات منسقة لدعم القيم المشتركة ومواجهة التهديدات المتزايدة.
ولفت راداكين الانتباه إلى الجهود المشتركة الأخيرة مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين للدفاع عن إسرائيل ضد العدوان الإيراني، مؤكدا أهمية العمل الجماعي في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومنع المزيد من التصعيد.
وفي ظل خلفية من التوترات المتزايدة وعدم اليقين، شدد راداكين على الحاجة إلى البصيرة الاستراتيجية والعزم الثابت في اجتياز عالم قتالي بشكل متزايد.
ويتردد صدى رسالة "راداكين" فإن يتردد صداها باعتبارها دعوة لحمل السلاح من أجل شراكات أوثق، واتخاذ إجراءات حاسمة، والتزام لا يتزعزع بدعم القواعد والقيم التي تدعم المصالح المشتركة للغرب.
وقال راداكين، إنه في مواجهة التهديدات والتحديات المتطورة؛ فإن المهمة التي تنتظرنا، على نحو مناسب، هي "البقاء أقوياء، والتكاتف، وإنجاز المهمة".
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
متى تتراجع الولايات المتحدة؟
لم تُعرف الولايات المتحدة يوما بتقديم تنازلات سياسية أو إنسانية طوعية، لا تجاه الشعوب ولا حتى تجاه حلفائها. سياستها الخارجية قائمة على منطق الهيمنة، واستخدام كل أدوات الضغط: الحروب، والحصار، والانقلابات، والقواعد العسكرية، والإعلام، والابتزاز الاقتصادي، والاغتيالات. ومع ذلك، يعلّمنا التاريخ الحديث أن هذا الوحش الجبّار لا يعرف الانحناء إلا إذا كُسرت إحدى أذرعه، ولا يتراجع خطوة إلا إذا أُجبر على التراجع.
من فيتنام إلى العراق، ومن أفغانستان إلى غزة واليمن.. أمريكا لا تفاوض إلا تحت النار، ولا تعترف بالخصم إلا إذا فشلت في سحقه.
في غزة.. قنابل أمريكا لا تنتصر
منذ أكثر من عام ونصف، تشنّ إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة، بدعم مباشر من أمريكا عسكريا وسياسيا. مئات آلاف القنابل أُلقيت على السكان المدنيين، عشرات آلاف الشهداء، وتجويع وتدمير ممنهج، ومع ذلك لم تُحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية: لا القضاء على حماس، ولا تحرير الأسرى، ولا إعادة السيطرة على غزة.
صمود المقاومة مستمر، والقدرة القتالية لم تنهَر، بل أُعيد تنظيمها رغم شدة الضربات.
الدعم الأمريكي بلغ ذروته: حاملات طائرات، جسر جوي عسكري، فيتو سياسي، ومع ذلك.. الفشل واضح.
ثم جاءت لحظة الاعتراف: "أمريكا تفاوض حماس!" الصفعة الكبرى لهيبة أمريكا جاءت عندما بدأت واشنطن، عبر مدير "CIA" وغيره من الوسطاء، التفاوض غير المباشر مع حماس نفسها -من كانت تصفها بالإرهاب المطلق- بهدف تحرير أسير أمريكي لدى المقاومة.
هنا انكسر القناع: من تقصفه بالصواريخ وبالفيتو، تجلس إليه لتفاوضه من أجل رهينة أمريكية واحدة! وكأن أرواح آلاف الفلسطينيين لا تهم.
وفي اليمن.. من نار الحرب إلى موائد التفاوض
1- الدعم الأمريكي لحرب اليمن: منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في 2015، دعمت الولايات المتحدة التحالف السعودي- الإماراتي سياسيا وعسكريا ولوجستيا، عبر صفقات سلاح ضخمة، وتزويد الطائرات بالوقود، وتوفير الغطاء الدولي في مجلس الأمن. الحرب أدّت إلى أكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث، قُتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين، ودُمرت البنية التحتية، وفُرض حصار خانق على الشعب اليمني. ورغم كل هذه الأدوات، لم تستطع أمريكا ولا حلفاؤها القضاء على أنصار الله (الحوثيين) ولا السيطرة على الشمال اليمني. بل على العكس، تطورت قدرات الحوثيين لتصل إلى ضرب العمق السعودي والإماراتي، واستهدفت حتى مواقع استراتيجية في أبو ظبي والرياض.
الحصيلة: القوة المفرطة والنتائج الهزيلة.
2- فشل الاستراتيجية الأمريكية وتحول الموقف: مع تراكم الفشل، والانقسام داخل التحالف، والضغوط الحقوقية والإعلامية العالمية، بدأت أمريكا تغير خطابها، وانتقلت من مربع "دعم الحرب" إلى مربع "الدعوة للسلام"، ومن تصنيف الحوثيين كـ"إرهابيين" إلى التفاوض معهم بشكل غير مباشر. تراجعت واشنطن، ودعمت اتفاقيات الهدنة، وبدأت تروج لخطاب "إنهاء الحرب" حفاظا على ماء وجهها، في وقتٍ لم تحقق فيه أية نتائج استراتيجية تبرر كل هذا الدمار والدماء.
3- التفاوض مع الحوثيين بعد التجاهل والتصنيف: من كانت أمريكا تنكر شرعيتهم وتدعو لعزلهم، باتت ترسل عبر وسطاء من سلطنة عمان رسائل تفاوضية مباشرة، بل وتضغط على السعودية للقبول باتفاقات طويلة المدى معهم، بعد أن فشلت في إخضاعهم بالقوة. هذا التراجع لا يعكس تغيرا في المبادئ، بل هو ترجمة عملية لفشل الخيارات العسكرية، وكأن أمريكا تقول: "نحن لا نتحدث معكم إلا إذا فشلنا في سحقكم"، وهذا ما حدث.
أفغانستان والعراق
في أفغانستان: بعد 20 عاما من الاحتلال، وإنفاق تريليونات الدولارات، انسحبت أمريكا ذليلة من كابل، ووقّعت اتفاقية مع "طالبان"، بعد أن فشلت في إنهائها رغم كل التفوق الجوي والتكنولوجي.
وفي العراق: رغم الاحتلال الشامل، ما زالت أمريكا غير قادرة على فرض إرادتها السياسية كاملة، واضطرت إلى الانسحاب جزئيا، بينما تتعرض قواعدها لضربات متواصلة حتى اليوم.
ما الذي نتوقعه؟
من المقاومة:
- الثبات والتطوير.
- عدم الاستسلام للضغوط الدولية.
- تطوير أدوات المقاومة، إعلاميا وعسكريا.
- فضح التناقض في المواقف الأمريكية أمام العالم.
- استخدام كل انتصار ميداني لفرض وقائع سياسية جديدة.
من الشعوب:
- كسر الوهم الأمريكي.
- فضح الهيمنة الأمريكية بوصفها مصدر الحروب والفقر في منطقتنا.
- دعم قضايا التحرر لا كـ"تضامن إنساني" بل كـ"صراع وجودي".
- الضغط على الحكومات المتواطئة، ورفض كل تطبيع أو اصطفاف مع واشنطن.
ومن الحكومات:
- عدم الثقة بالقاتل.
- من يتخلى عن عملائه في كابل وبغداد لن يدافع عنكم إن حانت لحظة الحقيقة.
- الاعتماد على القوة الذاتية والشراكات العادلة، لا على الوعود الأمريكية.
- دعم المقاومة لا يضعف الأمن، بل يُعزز التوازن ويمنع الانهيار الكلي أمام إسرائيل.
الخلاصة: ما جرى ويجري في فيتنام، والعراق، وأفغانستان، وغزة، واليمن؛ يؤكد نفس المعادلة: أمريكا لا تتراجع إلا إذا عجزت عن التقدم خطوة أخرى. فما تسميه "تفاوضا" هو غالبا نتيجة لهزيمة ميدانية أو مأزق سياسي لا مخرج منه إلا ببوابة من كانت تحاربه، بينما التوسل إلى "عدالة واشنطن" هو وهْم سقط في كل الميادين.