لا يعكس قرار الإدارة الأميركية تعليق تسليم شحنة ذخائر شديدة الانفجار إلى إسرائيل تراجعا في التأييد الأميركي للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بقدر ما هو محاولة للنأي عن مجازر قد لا يستطيع الرئيس جو بايدن تحمل تداعياتها، كما يقول محللون.

فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في جلسة استماع أمام الكونغرس تعليق شحنة الذخائر بسبب مخاوف تتعلق بمصير المدنيين في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، لكنه قال في الوقت نفسه إن واشنطن لم تتخذ قرارا نهائيا بشأن مصير هذه الشحنة.

وتشير الخطوة الأميركية -حسب المسؤول السابق في وزارة الدفاع البنتاغون مايكل مونروي- إلى رفض إدارة بايدن "عملية واسعة" في رفح خصوصا وأن الأسلحة التي حصلت عليها إسرائيل خلال هذه الحرب "لم تستخدم بشكل يحترم القوانيين الأميركية خصوصا في مدينة غزة".

وخلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، قال مونروي إن حديث أوستن عن أن القرار ليس نهائيا "يعني أنه مرتبط برفح، وقد يكون للضغط على إسرائيل للمضي قدما في صفقة الأسرى".

انتقاد لاذع لواشنطن

ورغم الخلافات التي تضرب حكومة الحرب الإسرائيلية، فإن القرار الأميركي الأخير استدعى انتقادات لاذعة من حزب بيني غانتس -خصم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اللدود الذي يوصف بأنه رجل واشنطن في مجلس الحرب- مما يعكس الإجماع الإسرائيلي على عملية رفح، كما يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين.

ويرى جبارين أن هذا الموقف يؤكد حقيقة أن الحصول على دعم أميركي كامل وغير مشروط في هذه الحرب "يحظى بإجماع إسرائيلي"، ويعكس أن الاختلافات على إستراتيجيات الحرب اليومية وليست على الحرب نفسها.

لذلك فإن نتنياهو سوف يذهب إلى أبعد مما يمكن للولايات المتحدة أن تتخيله في هذه الحرب لا سيما وأنه لا يزال متحكما في كل شيء داخل إسرائيل حتى اليوم، على حد قول جبارين، الذي يعتقد أن واشنطن "لن تقترب من الخطوط الإستراتيجية مع إسرائيل في نهاية المطاف".

بدوره، يقول المحلل السياسي أحمد الحيلة إن الولايات المتحدة ليست مختلفة على عملية رفح وإنما هي توفر لنتنياهو فرصة تحقيق كل ما يريده من هذه الحرب.

أما قرار تعليق شحنة الذخائر فهو "يتعلق بصفقة محدودة قد تؤدي لمجازر ضد المدنيين لن تتحملها إدارة بايدن، خصوصا وأنها تعرف أن نتنياهو استعمل كل أنواع الأسلحة دون أي خطوط حمراء"، برأي الحيلة.

كما أن أوستن -يضيف المتحدث- "أكد الدعم الكامل لعملية رفح وقال إن الخلافات تتعلق بالطريقة، فضلا عن استخدام هدف القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس لفعل كل شيء بالقطاع".

كما أن حديث المسؤولين الأميركيين عن أن حماس لم توافق على مقترح الهدنة وإنما أبدت بعض التعديلات عليه "يعكس تراجعا من إدارة بايدن، ويجعلها تبدو وكأنها تمنح نتنياهو ضوءا أخضر لدخول رفح"، حسب المتحدث.

ليس هذا وحسب، بل إن سلوك الولايات المتحدة بعد قبول حماس لمقترح الهدنة، "تبدو وكأنها تمنح نتنياهو فرصة لدخول مفاوضات جديدة، جنبا إلى جنب مع السيطرة على كافة المعابر وفرض شكل جديد لإدارة القطاع مستقبلا"، كما يقول المحلل السياسي.

في المقابل، يعتقد مونروي أن إدارة بايدن تريد وقفا قريبا لهذه الحرب لكنها لا تملك فرض هذا الأمر على مجلس الحرب الإسرائيلي، معربا عن اعتقاده بأن الوسطاء ربما يخرجون بمقترح جديد يمزج بين متطلبات الطرفين خلال الأيام المقبلة.

إسرائيل في مفترق طرق

ومن وجهة نظر جبارين، فإن إسرائيل تقف في مفترق طرق حاليا لأن عليها أن تقرر سريعا إما دخول رفح وإما صفقة الأسرى، مشيرا إلى أن "مشكلة تل أبيب أنها لا تعرف كيف ستخرج من رفح إن هي واصلت الحرب، ولا كيف ستخرج من الصفقة إن قبلت بها، لذلك هي لم تتخذ قرارا نهائيا".

لكن جبارين يرى أن هناك قراءة خاطئة لتصرفات نتنياهو خلال هذه الفترة، قائلا "إنه لا يبحث فقط عن إطالة أمد الحرب وإنما عن هدف إستراتيجي يميني يمثل جزءا من تكوينه السياسي اليميني، فضلا عن أن خصومه في مجلس الحرب لم يثبتوا حتى الآن أنهم يقفون ضد خططه جديا".

ويضيف جبارين أن مواصلة الحرب محل إجماع داخل إسرائيل سياسيا وشعبيا، وأن المسألة كلها تتعلق باستعادة الأسرى ثم مواصلة القتال، مؤكدا أن "المجتمع الإسرائيلي لا يتحرك من منطلقات أخلاقية أبدا، ولا يكترث بما يرتكب من جرائم في غزة".

وحتى الجيش والمؤسسات الأمنية تبدي أحيانا استعدادا للتماهي مع رغبة نتنياهو في إطالة الحرب لأنها ستحاسب هي الأخرى في نهاية الأمر، كما يقول جبارين.

عملية مدتها سنة

وبعد ساعات من إعلان واشنطن قرار تعليق شحنة الذخائر، نقلت يديعوت أحرونوت عن مصادر أن حكومة الحرب أقرت عملية مدتها عام كامل في رفح.

وتعليقا على هذا التسريب، قال مونروي إن إدارة بايدن لا تملك سوى تعليق بعض شحنات الأسلحة أو الامتناع عن استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن أو الضغط على إسرائيل من خلال الأمم المتحدة في حال قرر نتنياهو دخول حرب طويلة الأمد في رفح.

أما الحيلة، فيرى أن الحديث عن عملية طويلة الأمد في رفح "يؤكد ان نتنياهو يريد إدارة جديدة لمعبر رفح بعيدة تماما عن حماس والبحث عمن يتسلم المساعدات ويوصلها للسكان تحت مظلة إسرائيل".

وختم الحيلة بالقول إن نتيناهو "يغير السياقات بموافقة أميركية لأن بايدن ضعيف جدا أمامه وأمام اللوبيات الصهيونية والكونغرس الذي يؤيد إسرائيل في مجمله"، مؤكدا أن القادم "لن يكون فرض واقع عسكري إنما واقع سياسي، مما يعني أن الفلسطينيين لم يعد أمامهم إلا المواجهة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات إدارة بایدن هذه الحرب کما یقول فی رفح

إقرأ أيضاً:

3 أحفاد يهود.. هل تؤثر روابط بايدن العائلية على دعمه لإسرائيل؟

واشنطن- "أهم من يؤثر على الرئيس الأميركي جو بايدن فيما يتعلق بإسرائيل هو بايدن"، تتكرر هذه العبارة في النقاشات بالعاصمة واشنطن في محاولة لتفكيك موقف إدارة بايدن مما يجري من عدوان إسرائيلي غير مسبوق على قطاع غزة.

وللرئيس بايدن روابط عائلية يهودية عميقة رغم كونه مسيحيا كاثوليكيا ملتزما، وذلك عن طريق 3 زيجات لأولاده نتج عنها إنجاب 3 أحفاد يهود.

ولا يستبعد عدد من المراقبين أن يكون لهذه الروابط العائلية دور في اتخاذ بايدن مواقف "متطرفة" في تأييد إسرائيل، على الرغم من اتهامها -من خبراء القانون الدولي- بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب.

بايدن (يمين) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز) ارتباط عاطفي

قبل أسابيع، تساءلت مجلة "ذا نيويوركر"، "لماذا تتلقى أقوى دولة في تاريخ البشرية أوامر من بلد يعتمد عليها للحصول على المساعدات؟"، لكنها لم تقدم أية إجابة شافية.

وطرحت المجلة هذا السؤال على الدبلوماسي المخضرم، آرون ديفيد ميلر، مبعوث عملية السلام في الشرق الأوسط بعدة إدارات أميركية، وتساءلت لماذا يقبل جو بايدن جرائم الحرب الإسرائيلية، ويتعايش معها؟.

وردّ ميلر بالقول إن السبب في ذلك هو أن بايدن هو الوحيد بين الرؤساء الأميركيين المعاصرين، الذي لديه علاقة عاطفية مع فكرة إسرائيل وأمنها وشعبها.

وأكد هذا الرأي ريتشارد هاس، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، والمسؤول بعدة إدارات أميركية. وقال في حديث للإذاعة الوطنية إنه "في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة موازنة دعمها لإسرائيل وخلافاتها مع سياسة الحكومة الإسرائيلية، أعتقد أن الرئيس بايدن -على وجه الخصوص- يشعر برابطة عاطفية معها".

ومنذ تأسيس إسرائيل عام 1948، واعتراف الولايات المتحدة الفوري بها، دعمتها واشنطن، إلا أنها دأبت على الضغط على تل أبيب لتغيير سياستها بصوة جذرية إذا تعارضت مع مصالح واشنطن، كما حدث في عهد الرئيسين السابقين  داويت آيزنهاور إبان حرب 1956، وريتشارد نيكسون إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

إحراج داخلي

ومع سقوط أكثر من 35 ألف شهيد فلسطيني وإصابة نحو 100 ألف آخرين في غزة، إضافة إلى تدمير البنية التحتية للقطاع، يكرر بايدن دعم إدارته الحديدي لإسرائيل، ولما يراه حقها في الدفاع عن نفسها.

في الوقت ذاته، يتعرض بايدن للإحراج الداخلي بسبب تفاقم عدد الشهداء المدنيين والمعاناة الإنسانية في غزة، وكذلك تعقيد عمليات الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين بمن فيهم مواطنون أميركيون.

وعندما التقى جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومجلس الحرب المصغر، خلال زيارته إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال لهم بايدن "لا أعتقد أنه يجب أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، وأنا صهيوني".

ومنذ الساعات الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، اتخذ بايدن موقفا حادا وصارما في دعمه تل أبيب عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ومعنويا، فيما امتنع -حتى الآن- عن المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار.

وقد تكون هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي يمتنع فيها رئيس عن مطالبة أطراف نزاع عسكري خارجي -سقط فيه آلاف الضحايا المدنيين- بوقف القتال.

يُذكر أنه وخلال 36 عاما في مجلس الشيوخ الأميركي، كان بايدن أكبر متلقٍ للتبرعات من الجماعات الموالية لإسرائيل في المجلس، حيث حصل على 4.2 مليونات دولار، وفقا لقاعدة بيانات موقع "أوبن سيكريتس" (Open Secrets).

وينسب بايدن الفضل جزئيا في نظرته المؤيدة لإسرائيل إلى والده، الذي أصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية، على أنه "لم يكن هناك شك في عدالة إقامة إسرائيل كوطن لليهود في عام 1948″، حسب تقديره.

أحفاد يهود

نشأ بايدن كاثوليكيا متدينا ولا يزال يحضر قداس الأحد كل أسبوع في كنيسة بمنطقة جورج تاون بواشنطن. وامتدت عائلته لتضم الكثير من اليهود عن طريق علاقات الزواج، إذ تزوج 3 من أبنائه الأربعة من يهود، ولدى الرئيس 3 أحفاد (ولدان وفتاة) ديانتهم اليهودية.

والبداية كانت مع زواج ابنه الراحل "بو" من هالي أوليفير، وكانت أول شخصية يهودية تنضم لعائلة الرئيس الأميركي، وكان بايدن يعرف والدة أوليفير أثناء نشأته.

وأنجب الزوجان طفلين، ناتالي (20 عاما)، وروبرت (18 عاما). وتوفي والدهما بعد إصابته بسرطان الدماغ سنة 2015.

وتزوج نجل بايدن الآخر، هانتر، من المخرجة اليهودية الجنوب أفريقية ميليسا كوهين، في عام 2019. وتصف كوهين نفسها بأنها "يهودية متدينة"، وللزوجين ابن واحد "بو" (4 سنوات).

وأخيرا ارتبطت أشلي، ابنة بايدن، أيضا بزوج يهودي، هو هوارد كرين، وهو طبيب وأخصائي للأنف والأذن والحنجرة في مستشفى بمدينة فيلادلفيا.

وكان بايدن سعيدا برؤية ابنته تتزوج من يهودي، وقال ساخرا في حفل الزفاف الكاثوليكي اليهودي المختلط، عام 2012 "أنا الكاثوليكي الأيرلندي الوحيد الذي حقق حلمه بأن تتزوج ابنته من جراح يهودي". وليس لأشلي أطفال بعد.

مقالات مشابهة

  • واشنطن ونيامي تعلنان في بيان مشترك بدء انسحاب القوات الأمريكية من النيجر
  • محللون سياسيون: مهلة غانتس لنتنياهو تعقّد المشهد بإسرائيل
  • قادة فلسطينيون: غانتس ونتنياهو متفقان على تصعيد العدوان بغزة
  • محللون: خطاب غانتس مناورة سياسية لكسب الناخبين
  • غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب ويشترط.. ونتنياهو يرفض
  • تفكك كابينت الحرب قريب والعلاقات بين المسؤولين تدهورت ونتنياهو في ورطة .. تفاصيل
  • 3 أحفاد يهود.. هل تؤثر روابط بايدن العائلية على دعمه لإسرائيل؟
  • "واشنطن بوست": الحرب من أجل الحرب تلبي هدف نتنياهو بالبقاء في السلطة لكنها لا تلبي أهداف أمريكا
  • صندوق النقد ينتقد رفع إدارة بايدن الرسوم الجمركية على السلع الصينية
  • إيكونوميست: إسرائيل تمزق نفسها.. فشل إدارة الحرب فجّر صراعاتها