مقتل “صلاح” تحت التعذيب ردة إنسانية وقانونية
تاريخ النشر: 12th, May 2024 GMT
أمل محمد الحسن
لا أستطيع أن أمنع نفسي من الغوص في ذلك الجسد المنهك! كلما سمعت بقصة تعذيب إنسان. كأن روحي تسكن في جسد من تم تعذيبه، أكاد أشعر بالألم والعجز والخوار الذي يلم ببدنه!.
أرى كيف تثور روحه بشموخ أحيانا، وتنكسر وتستسلم في أحايين أخرى، ويكون الموت آخر شيء يقلق بشأنه؛ لأنه يراه وهو يحوم بين جسده وروحه؛ في روائح الدم الذي ينزل في الحلق والألم المتدفق الذي لا يكاد يغيب حتى ينعشه الجلادون، أغرق في ذاته، وأرى كيف تنهشه عباراتهم القذرة أكثر من ضربهم! هم يضطرون لبذل كثير من السباب ليبرروا لأنفسهم تلك الفعلة الشنيعة التي تبعدهم من مصاف البشر! يحتاجون إلى سبه وتحقيره واستفزازه ليقوم بأقل حركة واهنة أو حتى نظرة عين متحدية تبعث في دواخلهم قدرة على الاستمرار!
لا أعرف السبب الذي يجعلني أفكر في كل من تعرض للتعذيب بهذا العمق، وتلك الكثافة ربما كان لرواية “الطاهر بن جلون” التي حملت عنوان “تلك العتمة الباهرة” يدا في وضعي داخل الزنازين المحكمة الإغلاق، ومن ثم مضاعفة هواجسي وخوفي على كل من يوضع فيها!
منذ مقتل الأستاذ المحامي صلاح الطيب، رئيس دائرة (24) القرشي بحزب المؤتمر السوداني، ونومي قلق! أعيد تفاصيل متوهمة حول ما جرى له من تعذيب لم أكن شاهدة عليه، حتى وهنت روحي! لا أنظر مطلقا لوجه الجاني، ذلك الذي يقوم بهذه الفعلة الشنيعة في مواجهة أعزل لا حول ولا قوة له.
“الطاهر بن جلون” أبدع في روايته في سرد التفاصيل الدقيقة عن حياة مسجونين منسيين في سجن سري تحت الأرض، لكن الخطير في هذه الرواية أنها استندت على قصص حقيقية الأمر الذي زاد تفاعلي مع من يتعرضون للتعذيب كأنما هم يحتاجون للسان يَقوى على سرد تلك المعاناة بالإنابة عنهم. أما عندما يموت من يتعرض للتعذيب، فإن روايته لا تكون موجودة، تدفن مع جسده الذي لم يشهد شخص محايد ما حدث له، وتبقى قصة مبتورة وشائهة من وجهة نظر السجانين وبعض سطور يخطها الطبيب الشرعي لا تكاد تقول شيئا عن شعوره بطول زمن الثواني وثقلها تحت التعذيب، عن الأوجاع والآلام الرهيبة في الجسد والروح، عن القلق القاتل على من هم في الخارج يريد أن يطمئنهم عليه حتى وهو في تلك الحالة!
كم مرة فكر في مولوده الجديد وزوجته التي ما زالت عروسا! كان يريد أن يخرج ليفضح كل تلك الممارسات الخارجة عن القانون وهو المحامي، يا ترى هل خطرت في باله أفكارا حول تطوير القانون الجنائي بإضافة مواد متعلقة بحظر التعذيب؟ لكن قتله التعذيب والقلق والحزن والانكسار!
لا يجب النظر إلى جريمة التعذيب على أنها شيء عادي مثل الاختطاف أو الحجز أو حتى القتل! لا بد من التمعن فيما يحدث في أثناء التعذيب، كيف يجرد الإنسان من آدميته في الاتجاهين، لا بد من التمعن حول المجتمع الذي نريد أن نعيش فيه وضرورة ألا يكون فيه هؤلاء الوحوش يسيرون وسطنا وهم على استعداد لانتهاك حقوق الإنسان التي نصت عليها الشريعة والإنسانية والقوانين بلا تردد ولا حتى شعور بالخزي والندم.
جريمة قتل المحامي ردة هائلة في منظومة الحقوق، وفي احترام الإنسانية، وفي حرمة الروح المسلمة التي حرمتها أكبر من حرمة بيت الله المقدس!
كأنما 15 أبريل أعادت عقارب التاريخ إلى يونيو 1989 عندما أطلق نظام البشير يد الأجهزة الأمنية في التعذيب تلك التي غرست مسمارا في رأس طبيب في بداياته، وانتهى بتعذيب معلم واغتصابه حتى الموت! وبينهما 30 عاما من الانتهاكات في كل السودان وبيوت أشباح في كل السودان والكثير من القصص المؤلمة التي لم تُحكى بعد؛ مرتكبيها أحرار يعيشون ويتنفسون ومستعدون للعودة إلى ذات الممارسات؛ لأنهم لم يحاسبوا يوما على تلك الجرائم الخطيرة. مقتل صلاح بتلك الطريقة المتوحشة اللا إنسانية يؤكد عودتنا إلى ذلك العهد بكل ظلاماته وانتهاكاته وعدم تقديسه للحرمات ومجافاته لكل ما هو إنساني وأخلاقي!
ماذا كان شكل النظام الذي سمح بهكذا تعذيب وممارسات بربرية؟ كان نظاما فاشيا ديكتاتوريا تسلط على رقاب الشعب أفسد وأفسد حتى تهالك جسد الدولة، وما عاد قادرا على الصمود!
بالطبع أغفل القانون الجنائي عن ذكر هذه الجرائم بحسب المحامي “عبد الباسط الحاج” الذي أكد لي أن حكومة الفترة الانتقالية وقعت وصادقت على الاتفاقية الدولية لحظر التعذيب، والتي تلزم الدولة باتخاذ كافة التدابير لمنع تلك الممارسات من رجال القانون، وتمنع الدولة منعا باتا من استخدام التعذيب كطريقة لاستخلاص المعلومات أو لأي سبب آخر وتحت أي ظرف من الظروف بما فيها حالات الحرب!
حتى بالنسبة للأسرى من العدو لا يجوز ممارسة التعذيب، وتحميهم اتفاقية جنيف التي تجبر الجيوش على احترام حقوق الأسير بما فيها عدم تعرضه للسب والشتم والإهانة! فما بالك بالتعذيب حتى الموت! فكيف تمارس تلك الانتهاكات في مدني كل ما يحمله هو قلم وكلمة؟!
وأكد القانوني “الحاج” أن الوثيقة الدستورية التي بشكل ما يعتمد عليها النظام الحاكم الآن، على الرغم من انقلابه عليها في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ أكدت التزامها بكافة الاتفاقيات الدولية.
لا أعتقد أن “البرهان” الذي أصبح رئيسا للبلاد تحت سلطة الأمر الواقع؛ يهتم بترك إرث أخلاقي يشار إليه فيه بأنه أقام الحقوق القانونية، وأنصف الناس وهو من يمنع المساعدات الإنسانية للوصول لمناطق سيطرة الدعم السريع!
ولا أعتقد أن النيابة العامة التي تمنح نفسها حقاً فتح بلاغات في الصحفيين والمدنيين والسياسيين وتجريم مجهوداتهم لوقف الحرب يمكن أن يكون همها فعل الصواب، ولو من باب التغيير! وتقوم بفتح تحقيق شفاف ومعلن تحاسب عبره مرتكبي هذه الفعلة الشنيعة، وكل من حرض عليها، ومنح فيها الأذن.
لكن كما كانت هتافات الثورة تصدح بعبارة “الردة مستحيلة” سيكافح الشرفاء والشريفات من أبناء وبنات الشعب السوداني ضد هذه الظلامات التي تسلب المجتمع المدني كل حقوقه، ولن يهدأ لهم ولهن بال إلا بتحقيق العدالة لكل من تعرض لهذه الجريمة الوحشية البشعة ممزوعة الوجه الإنساني!
الوسومأمل محمد الحسنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
لازريني: لو أن جزءا ضئيلا من التريليونات التي حصل عليها ترامب تذهب للأونروا
حث المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) دول الخليج على إعطاء جزء بسيط من الأموال المذكورة في "الصفقات الكبرى" التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاجئين الفلسطينيين الذين يكافحون من أجل البقاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة والدول المجاورة.
وقال فيليب لازريني في حلقة قادمة من بودكاست "شاهد خبير" على موقع "ميدل إيست آي" ستبث لاحقا: "نحن نواجه أزمة مالية حادة للغاية، وإذا استمرت في المستقبل القريب، فسوف تجبرني على اتخاذ قرار صعب ومؤلم".
وتتعرض الأونروا، التي يتألف معظم موظفيها من لاجئين فلسطينيين، لهجمات إسرائيلية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد قُتل ما لا يقل عن 310 من موظفيها على يد الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر التسعة عشر الماضية، كما دُمر أكثر من 80% من مبانيها.
وفي كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، علّقت 18 ولاية تمويلها للأونروا في انتظار التحقيقات في مزاعم تورط 12 موظفًا في الهجمات التي قادتها حماس على إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ومع ذلك، بحلول تموز/ يوليو، أعادت جميع الدول باستثناء الولايات المتحدة تمويلها بعد أن لم يجد تحقيق للأمم المتحدة أي دليل على ارتكاب موظفي الأونروا أي مخالفات.
وقال لازاريني إنه حتى الآن لم تتدخل أي دولة لتعويض الوكالة عن نقص التمويل الأمريكي.
ودعا لازيريني الدول العربية الخليجية إلى تخصيص المزيد من التمويل للأونروا، قائلا إنه يتمنى أن تتضمن الاتفاقات التي تبلغ قيمتها عدة مليارات من الدولارات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته الخليجية الأخيرة تعهدات بدعم اللاجئين الفلسطينيين.
أسفرت جولة ترامب في الشرق الأوسط، والتي شملت توقفا في قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عن صفقات بقيمة تزيد عن 700 مليار دولار، حيث زعم البيت الأبيض أنه تم الاتفاق على صفقات بقيمة 2 تريليون دولار.
وقال لازريني في تصريح لموقع "ميدل إيست آي": "أتمنى أن يذهب جزء بسيط من كل هذه التريليونات من الدولارات المخصصة للاجئين الفلسطينيين".
قبل تعليق التمويل الأخير، ووفقًا للتعهدات المقدمة للأونروا حتى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2023، كانت الولايات المتحدة أكبر مانح مؤكد بمبلغ 422 مليون دولار، تليها ألمانيا (212.8 مليون دولار)، والاتحاد الأوروبي (120.165 مليون دولار)، وفرنسا (62.42 مليون دولار)، والسويد (48.8 مليون دولار)، واليابان (48.5 مليون دولار)، والنرويج (45.7 مليون دولار)، وهولندا (40.7 مليون دولار)، وكندا (39.3 مليون دولار)، والمملكة المتحدة (36.8 مليون دولار).
واحتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 17 بين الدول المانحة، بتعهدات بلغت 17 مليون دولار، في حين تعهدت الإمارات بـ15 مليون دولار، وتركيا بـ22.1 مليون دولار.
قبل قرار 2024، علق ترامب تمويل الأونروا خلال رئاسته السابقة في عام 2018، وتم استئناف جزء من التمويل في عام 2021 في ظل إدارة جو بايدن.
وقال لازريني إن الدول العربية لم تقدم بعد التمويل اللازم لعام 2025. ودعاها إلى الاستثمار في الوكالة مع المشاركة في الجهود الرامية إلى إقامة دولة فلسطينية فاعلة.
وأضاف: حصلنا على دعم من الدول العربية العام الماضي. وما زلنا ننتظر هذا العام ما سيسفر عنه القرار.
الأونروا قد "تنفجر"
وتوجه لازريني إلى العالم العربي والدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة، قائلاً إن إنقاذ الأونروا يتطلب إرادة سياسية.
وقال: نحن على مفترق طرق. إذا لم تعد لدينا موارد مالية، فهناك خطر انهيار الوكالة. وإذا انهارت، فهذا يعني في غزة أو في الضفة الغربية - حيث الوضع صعب وفوضوي ومقلق أصلاً - المزيد من المعاناة واليأس، كما قال.
"يمكن لأي شخص أن يتخيل ما قد يعنيه إذا تركت وكالة مثل وكالتنا فراغًا خلفها، ولكنها سترسل أيضًا موجات صدمة في البلدان المجاورة، فكل منها لديها ديناميكياتها الداخلية الخاصة التي يجب التعامل معها، أو نقاط ضعفها الداخلية".
وأضاف المفوض العام أن الأونروا حظيت بدعم متزايد من المجتمع المدني العالمي والمانحين من القطاع الخاص على مدار العام الماضي.
وقال "في العام الماضي وهذا العام، وصلنا إلى مستوى قياسي في جمع التبرعات عندما يتعلق الأمر بالمانحين الأفراد والقطاع الخاص"، مضيفا أن عددا من الدول من الجنوب العالمي تعهدت بالمساهمة في الوكالة لأول مرة في إظهار التضامن بعد وقف التمويل الغربي.
"ولكن هذا لا يعوض النقص الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة".
وبالنسبة لازريني، الذي يعد الرئيس الحادي عشر للوكالة، فإن الأونروا يجب أن تكون جزءا من أي خطة مستقبلية لإقامة الدولة الفلسطينية، بهدف إنهاء ولايتها بمجرد إنشاء دولة فلسطينية فاعلة.
"أود أن تنهي الوكالة مهمتها من خلال كونها جزءًا من الحل، بدلاً من أن تواجه وضعًا حيث ننهار وننهار".
وقال لازريني إنه على اتصال بالمملكة العربية السعودية بشأن التمويل لعام 2025. ولكن حتى الآن لم يتم تأكيد أي تعهدات.
وأوضح أن المملكة العربية السعودية، الرئيس المشارك للتحالف العالمي من أجل تنفيذ حل الدولتين، هي التي جلبت الأونروا إلى محادثات مع زعماء العالم لمناقشة خطط دمج عمل الأونروا في مجال التنمية البشرية تدريجيا مع الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وقال إن هناك وعيا بأهمية دعم الوكالة.