جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-23@21:47:08 GMT

عُمان والكويت.. والعِنَاق الصادق

تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT

عُمان والكويت.. والعِنَاق الصادق

 

 

حمد بن سالم العلوي

عندما يتعَانق الزَّعيمان على أرض الكويت، يكُون قد سبقهما عِناق الشعبيْن العُماني والكويتي بعقود؛ بل وقرون طويلة من الزمن الجميل، وعندما لَجَأ العُمانيون إلى الكويت قبل العام 1970 طلبًا للرزق والعمل الشريف، فقد استقبلهم الكويتيون برحابة صدر، وفتحوا لهم أفق المستقبل، فعملوا ودرسوا وتعلموا وطببوا مرضاهم، وكأنهم أفراد من أبناء الشعب الكويتي العزيز، وقد سبق هذه العلاقة الطيبة بين الشعبين الكريمين في عُمان والكويت، رابطة الجغرافيا والتاريخ المشترك والعلاقات الاجتماعية وحسن العشرة، فكانا يتعاونان كدولتين مطلتين على البحر من خلال شعبي البلدين، وذلك في شد أزر بعضهم بعضًا من خلال الرحلات التجارية المشتركة بين الهند والمناطق التجارية الأخرى على ضفاف الخليج العربي.

وكان ذلك يقوم على التعاون والتعاضد لا التنافر والتحاسد، كما هي حال بعض الدول الأخرى. إذن؛ العلاقات العُمانية-الكويتية قديمة قِدم التاريخ والجغرافيا، والترابط الاجتماعي بين الشعبين يحكمه نسيج من المصاهرة، والعلاقات الإنسانية الوطيدة، والنسب الممتد في عمق التاريخ.

لتأتي هذه الزيارة اليوم، وهي في تصنيف "زيارة دولة"، لتُمثل أرفع أنواع الزيارات بروتوكوليًّا بين الدول، والتي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عُمان، لأخيه حضرة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، كدليل على عُمق أواصر الأخوة بين شعبي البلدين، وصدق المحبة وعظيم التآخي بين الزعيمين العُماني والكويت، وتوثيقًا لأواصر الأخوة الرائعة، فقد حضر سمو أمير دولة الكويت إلى سلطنة عمان في شهر نوفمبر الماضي ليُشارك في افتتاح أكبر مشروع اقتصادي مشترك بين دولة الكويت وسلطنة عمان، ألا وهو مشروع مصفاة الدقم الكبرى، لتكرير النفط في مدينة الدقم الاقتصادية، وكان يكفي أن يرسل وفدًا من المختصين لحضور المناسبة، ولكنَّه فضَّل-حفظه الله- أن يحضر بنفسه إلى السلطنة ليعطي للافتتاح الكثير من البهجة والدعم الشخصي.

وهي بالمناسبة مدينة بحرية قريبة من ساحل الشويمية، الذي أحبه سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الأسبق -طيب الله ثراه- والذي كان يجد فيه راحة النفس على الساحل العُماني الجميل والهادئ، والمطل على بحر العرب، وهذا البحر منحه العُمانيون هذا الاسم بحكم القوة والسيطرة العُمانية عليه أيام التاريخ العُماني القديم.

إنَّ عُمان التي تمتد بها جغرافيتها في الجزء الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية إلى رأس مسندم عند مدخل الخليج العربي، والكويت التي تستقر بها جغرافيتها على رأس هذا الخليج، لم تكن الجغرافيا لتفرِّق بين شعبي البلدين؛ وذلك بحكم التواصل البحري بين السفن العُمانية في المنطقة من ظفار في أقصى جنوب عُمان مرورًا بمدينة صور وساحل الباطنة إلى قلب الخليج، وصولًا إلى دولة الكويت والبصرة في العراق.

وقد كان العُمانيون ينظرون إلى الدول العربية على ضفاف الخليج، نظرة الأخوة الصادقة، وترى نفسها المُلزَم عليها -أدبيًّا وأخويًّا- حماية أشقائها من الطامعين فيهم، وكانوا إذا لزموا أنفسهم بحماية أي بلد آخر شقيق، يقومون بتشييد القلاع والحصون الدفاعية، وذلك بهدف الحماية والسيطرة، وإذا اطمأنوا باستقرار تلك البلاد سلَّموها لأهلها، وغادروها عائدين إلى مسقط، عرين العروبة في ذلك الزمان، وقد فعلوا مثل ذلك غير مرة مع أهل البحرين والبصرة، وذلك عندما طردوا الجيش الفارسي بقيادة كريم خان من البصرة العراقية، وقد كان الفرس قد أغلقوا شاطئ العرب بسلاسل الحديد، فقام الأسطول البحري العُماني بقطع سلاسل الحديد، وطرد الفرس من البصرة، وسُلِّمت البصرة إلى أهلها، وعاد الأسطول البحري العُماني إلى مسقط غير طامع في توسعة جغرافية عُمان على حساب أشقائه.

وعندما هدَّد عبدالكريم قاسم باحتلال دولة الكويت في مطلع ستينيات القرن الماضي، التزم العُمانيون المقيمون على أرض الكويت بالدفاع عنها، وكأنها وطنهم الأول، ولما دارت الأيام واحتل العراق الكويت في عام 1990، كان الجيش العُماني أول الواصلين إلى قلب الكويت، وذلك لأن عُمان ترفض الظلم والاعتداء منذ نشأتها الأولى قبل آلاف السنين.

لذا؛ فنحن لا نستغرب مشاعر الود والاحترام الكبيرين بين الشعب العُماني والكويتي، كون علاقتهما تقوم على إرث عظيم من المودة والأخوة الصادقتين منذ زمن بعيد، وأن زيارة سلطان عُمان إلى دولة الكويت، إنما جاءت تتويجًا لعلاقات قديمة وأزلية، وتوطيدًا لاستمرار نهج المحبة والأخوة الصادقة، ليس بين الزعيمين في البلدين وحدهما، وإنما بين الشعبين الذين ينعمان بدفء المحبة والاحترام المتبادل.

ولا شك أنَّ الكويت وعُمان قد أبعدتا عن شعبيهما نكبة الطائفية والتنابز بالألقاب، وهذه الآفة مدسوسة على العرب من اليهود أعداء الله ورسوله، وذلك لبث بذور الفرقة والتفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، بُغية إشعال فتنة التناحر بين شعوب الأمة العربية، وقد تعهَّد بعضُ الجهلة ممن نصَّبوا أنفسهم وكلاء عن الله في الأرض، فصاروا يُعطون صكوك الغفران لمن يحبون، والحكم بالنار على من يُبغضون والعياذ بالله، وهذه آفة خطيرة ومُدمِّرة للتسامح والتصالح مع الذات.. حفظ الله عُمان والكويت، وأعز زعيميهما عزة مباركة دائمة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (3)

 

 

 

 

 

د. سلام محمد سفاف **

dr.salamsafaf@gmail.com

 

الاستشراف الاستراتيجي: كيف تقود الشركات العُمانية صناعة المستقبل؟

ماذا لو استطعتَ رؤية تحولات السوق العُماني بعد 5 سنوات؟ كيف ستغير استراتيجيتك لو عرفت أن الطلب على الطاقة المتجددة سيتضاعف بحلول 2030، وأن 40% من الوظائف الحالية ستختفي بسبب الذكاء الاصطناعي؟
والآن، تخيل أن لديك خيارين:

الخيار الأول: أن تنفق مليون ريال عُماني على التكيف مع أزمة انقطاع سلاسل التوريد بعد وقوعها. الخيار الثاني: أن تستثمر 100 ألف ريال في الوقت الحاضر لتوقع الأزمة قبل 3 سنوات وتجنبها تمامًا.
الاستشراف الاستراتيجي هو الخيار الثاني، وهو الفرق بين القائد الاستراتيجي والمدير.

بعد أن ناقشنا في المقالتين السابقتين كيف نخطط ونصمد، حان الوقت لنعرف كيف نُشكّل المستقبل؟

 تعتمد العديد من الشركات في السوق العُماني على التخطيط وتهمل جانب الاستشراف الاستراتيجي، وقد يعتبره البعض تكاليف غير ربحية على الرغم من أنها تشكل حزام الأمان في وجه مطبات المتغيرات المتسارعة في السوق وتطوراته وعدم استقراره أحياناً، كما أننا نواجه أيضاً إشكالية التحليل التقليدي المعتمد على أدوات مثل  SWOT Analysisأو PESTEL Analysis، حيث يقع معظم قادة الشركات في فخ الاكتفاء بهذه الأدوات فقط خلال عملية تحليل البيئة الداخلية والخارجية، والتركيز على دراسة البيانات في الوقت الحاضر وعدد من السنوات الماضية كتحليل الطلب على مشتقات النفط، وبالتالي تَوقع نمو قطاع النفط دون مراعاة التحول العالمي للطاقة، وهذا يعني إهمال إشارات المستقبل.

إذاً، ما الفرق بين الاستشراف الاستراتيجي والتخطيط؟

يدرس الاستشراف الحالة المستقبلية "ماذا بعد؟"، بينما يركز التخطيط على الحالة الراهنة "ماذا لو؟". يبني الاستشراف سيناريوهات مستقبلية مثل محاكاة تأثير الذكاء الاصطناعي، بينما يعتمد التخطيط على تحليل البيانات الحالية والتاريخية فقط باستخدام أدوات مثل SWOT.

ويواجه مستقبل الشركات العُمانية تحديات خاصة، أهمها:

ثقافة "الانتظار والترقب" ونقص البيانات المستقبلية. فخ التكنولوجيا: التركيز على الأدوات بدلاً من الرؤية المستقبلية، فالتحول الرقمي أداة وليس هدف. الاستشراف الانعزالي: عدم مشاركة النتائج مع الجهات الحكومية وعقد ورش لمحاكاة الأزمات.

خارطة طريق الاستشراف الاستراتيجي: كيف تبدأ؟

تدريب 20% من الموظفين على التفكير الاستشرافي، وتشكيل وحدة استشراف داخلية من الثلاثة الأكثر كفاءة منهم. اعتمد أداة تحليل الاتجاهات الكبرى "Megatrend Analysis"، وهي تقنية تُمكّن الشركات من توقع التغيرات المستقبلية في السوق من خلال تحليل الاتجاهات الحالية والتنبؤ بالتطورات المستقبلية التي سيكون لها تأثير كبير على الأعمال، ويتم استخدامها في دفع عجلة الابتكار وتحسين الاستراتيجيات. تابع ثلاثة اتجاهات عالمية تؤثر على قطاعك، واختر سيناريو واحد وحضّر له.

نموذج عُماني ناجح في استشراف المستقبل: كيف تقود OQ "أوكيو" التحول نحو الطاقة الخضراء والابتكار؟

في عام 2024، برزت مجموعة أوكيو العُمانية كنموذجٍ رائد في استشراف المستقبل، حيث نجحت في الجمع بين الابتكار التكنولوجي والتحول الطاقي المستدام، مدعومةً برؤية استراتيجية تواكب تطلعات سلطنة عُمان لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050. ومن أبرز محطات هذا النجاح:

تأسيس وحدة الابتكار: (OQX) أطلقت أوكيو هذه الوحدة كذراعٍ بحثي وتطويري يهدف إلى معالجة التحديات التشغيلية والبيئية عبر تقنيات مبتكرة. وفي عام 2024، نفذت الوحدة 3 مشاريع تجريبية متوقع أن توفر 2.6 مليون دولار من التكاليف، إلى جانب تطوير أول ملكية فكرية للشركة في عُمان مع التركيز على مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.

2- التحول نحو الطاقة الخضراء: تبنت أوكيو مشاريع استراتيجية لقيادة التحول الطاقي، أبرزها:

مشروع "هايبورت الدقم" للهيدروجين الأخضر. تطوير 300 ميجاوات من مشاريع الطاقة الشمسية والرياح في محافظتي الوسطى وظفار. مشروع مرسى للغاز الطبيعي المسال في صحارالذي سيعمل بالكهرباء المتجددة بنسبة 100% ليصبح أحد أقل المصانع كثافةً للانبعاثات عالميًا. شراكات دولية ودعم الاقتصاد المحلي: عززت أوكيو التعاون مع لاعبين عالميين مثل توتال إنرجيز كما رفعت إنفاقها على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحلية إلى 900 مليون دولار، مما يدعم التنويع الاقتصادي.

تمثل أوكيو نموذجًا فريدًا للشركات الوطنية التي تدمج بين الابتكار والاستدامة، لتصبح عُمان وجهةً رائدة في اقتصاد الطاقة الجديدة، وهي تقدم لنا مجموعة من الدروس المستفادة:

التحول يبدأ قبل أن تضطر إليه. السوق المستقبلي لا يشبه سوق اليوم. أعد تعريف هويتك قبل أن يبدأ الأخرون.

أخيراً، المستقبل ليس مكانًا نصل إليه بالصدفة؛ بل هو مساحة نصنعها بالخيارات الاستراتيجية اليوم. في هذه السلسلة، انتقلنا من التخطيط إلى الصمود ثم إلى القيادة، وها نحن ندرك أن الفرق بين الشركات التي تنجو وتلك التي تزدهر يكمن في قدرتها على استشراف الغد قبل أن يُطل برأسه.

كما علمتنا "أوكيو"، التحول يبدأ عندما نرفض أن نكون رهائنَ للماضي، ونختار أن نكون مهندسين للمستقبل. والسؤال الآن: هل ستكون أنت القائد الاستراتيجي الذي يقرأ اتجاهات السوق، أم المدير الذي يلهث وراءها؟

الفرصة بين يديك.. والأرض العُمانية مليئة بالموارد والرؤى. تذكر فقط: أن العالم يتغير، لكن المستقبل يُبنى دومًا بأفكار الجريئين.

*************

** سلسلة مقالات تحوّل المفاهيم النظرية إلى أدوات عملية، تنقلك من أساسيات التخطيط الذكي إلى فنون الصمود أمام العواصف الاقتصادية، وصولًا إلى استشراف المستقبل بجرأة، نقدم لك خلاصة الخبرة الاستراتيجية لتحول التحديات إلى فرص نمو واعدة.

ونأمل أن تكون هذه المقالات دليلًا عمليًا لكل قائد يُريد أن يصنع مستقبله بيده في السوق العُماني الواعد.

 

** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم

** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الصادق: أُعيد تنشيط المدينة الرياضية بأبسط الإمكانات
  • السالمية يتفوق على العربي.. والكويت يكتسح كاظمة في الجولة التاسعة
  • الشيخة فاطمة تعزي السيدة الجليلة حرم سلطان عمان في وفاة والدتها وذلك بقصر البركة العامر في مسقط
  • فنربخشة يقترب من ضم ماني
  • الرئيس السيسي يدعو أمير الكويت لحضور حفل افتتاح المتحف المصري الكبير
  • رحيل أحمد رضا دهيب.. صوت المسرح السوداني الصادق يترجل
  • بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (3)
  • سفيرة الكويت بواشنطن والرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول يبحثان مع وزير الداخلية الأمريكي تعزيز التعاون الاستراتيجي
  • القضاء العراقي والعُماني: إيران تجمعنا
  • الصادق الرزيقي يكتب: 4 تحديات مصيرية تواجه رئيس وزراء السودان الجديد