أزمة البحر الأحمر تُظهر تراجع القيادة الأمريكية: “الفرقة” تهدد الحلفاء
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
الجديد برس:
أظهر فشل الولايات المتحدة في حشد الدعم الإقليمي والدولي لعملية “حارس الازدهار”، وفقاً لتقرير لمركز الأبحاث الأمريكي “المجلس الأطلسي”، من أجل مواجهة هجمات قوات صنعاء في البحر الأحمر، تآكل القيادة الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي يكشف عن صعوبات متزايدة تواجه واشنطن، ويُظهر بشكل عام عجز الولايات المتحدة عن حشد شركائها وحلفائها خلف قيادتها.
وقال مركز الأبحاث الأمريكي، “المجلس الأطلسي”، في تقرير تحليلي للباحث “جان لوب سمعان”، إنه “بعد ستة أشهر من إطلاق إدارة جو بايدن عملية (حارس الازدهار) لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، فإن أكبر مشكلة تواجه البيت الأبيض ليست تهديد الحوثيين، بل فشل الولايات المتحدة في حشد الشركاء والحلفاء خلف قيادتها”.
وأضاف أن “الرد الدولي على تهديد الحوثيين لا يمثل قصة نجاح، حيث كافحت إدارة بايدن لحشد الدعم الدبلوماسي والمساهمات العسكرية”.
وفي فقرة حملت عنوان “إحباطات أوروبية وخليجية من الاستراتيجية الأمريكية” قال التقرير إن “الحلفاء الأوروبيين كانوا متشككين، حيث أعربوا عن عدم موافقتهم على دعم واشنطن للعملية الإسرائيلية في غزة وشككوا في الأهداف الاستراتيجية لعملية (حارس الازدهار)، ونتيجة لذلك، في 19 فبراير، أعلن الاتحاد الأوروبي عن عملية اسبيدس، وهي عملية أمنية بحرية خاصة به”.
وأوضح التقرير أن “إنشاء عملية اسبيدس أثار التوترات بين المسؤولين من جانبي المحيط الأطلسي”، مشيراً إلى أن “مسؤولين أمريكيين قالوا إن اسبيدس تبعث برسالة الفرقة بين حلفاء الناتو بدون تقديم بديل موثوق به على المستوى العسكري”.
وبحسب التقرير فإن “العملية الأوروبية لها مشكلاتها، خصوصاً فيما يتعلق بالقدرات البحرية المتواضعة التي توفرها الدول المساهمة، فحتى اليوم، تعتمد العملية فقط على أربع سفن حربية لمواجهة هجمات الحوثيين، ويعاني الأوروبيون أيضاً من محدودية قدرات الدفاع الجوي”.
وتابع: “استخدمت البحرية الفرنسية مراراً وتكراراً صواريخ (أستر- أرض جو) لمواجهة الصواريخ الباليستية الحوثية المتعددة. كانت عمليات الاعتراض ناجحة، لكن تكلفة صاروخ استر الواحد تبلغ حوالي 1.1 مليون دولار، ومن المشكوك فيه، من حيث الخدمات اللوجستية والمالية، أن تمتلك القوات البحرية الأوروبية الوسائل اللازمة لمواصلة حملة مدتها أشهر بهذا الحجم، وهذا يسلط الضوء على الانفصال بين الطموحات الأوروبية في مجال الأمن البحري وواقع مواردها العسكرية”.
وأضاف أن “رد الولايات المتحدة على أزمة البحر الأحمر قوبل بعدم الثقة من جانب الشركاء في الخليج، ومن بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة، انضمت البحرين فقط إلى عملية حارس الازدهار، وعلى وجه التحديد، رفضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العملية الأمريكية بسبب خلافهما مع واشنطن حول الصراع في اليمن الذي سبق أزمة البحر الأحمر”.
ويرى التقرير أن “السعودية والإمارات شعرتا بالإحباط من تطور موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب في اليمن، ومن وجهة نظرهما، دعمت واشنطن في البداية العملية التي قادتها السعودية في اليمن خلال إدارة باراك أوباما، ولكن بعد ذلك تغير الكونجرس وانتقد دول الخليج عندما واجهت طريقاً مسدوداً في ساحة المعركة مع الحوثيين”.
وقال إنه “يُنظر إلى الحملة الأمريكية الحالية ضد الحوثيين في الرياض وأبو ظبي على أنها عملية محدودة التصميم ومن غير المرجح أن تحل معضلات السعوديين والإماراتيين، والأسوأ من ذلك أن مشاركتهم قد تنقلب ضدهم، وتؤدي إلى استئناف هجمات الحوثيين على مدنهم، وإخراج المحادثات الهشة في اليمن عن مسارها”.
وبخصوص موقف دول آسيا، قال التقرير إن “الأنشطة البحرية الهندية لم تدفع بحكومة الهند إلى الانضمام إلى العملية الأمريكية أيضاً. ويعود هذا في الغالب إلى رغبة نيودلهي في الحفاظ على تقاليد عدم الانحياز، على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري”.
وأضاف أنه “على المستوى العملياتي، تريد البحرية الهندية الاحتفاظ بحرية العمل، والتي يمكن تقليصها إذا انضمت البلاد إلى عملية تقودها الولايات المتحدة”.
وتابع: “الأهم من ذلك أن الصين واقتصادها يعتمدان أيضاً بشكل كبير على البحر الأحمر، لكن بكين امتنعت عن التدخل في الأزمة ورفضت العروض الأمريكية للتعاون، ويرتكز موقفها على الاعتقاد بأن الأهداف الأساسية للهجمات هي الولايات المتحدة وحلفاؤها”.
وبحسب التقرير فإن “أزمة البحر الأحمر بشكل عام، تسلط الضوء على عجز الولايات المتحدة عن حشد شركائها خلف قيادتها”.
واختتم التقرير بالقول إنه “في نهاية المطاف، فإن تآكل القيادة الأمريكية يدفع كل لاعب إلى الدفع نحو أجندته الخاصة على حساب إيجاد إطار عمل جماعي، ومن ثم يؤدي هذا إلى تفاقم الانقسام السياسي، ليس فقط في البحر الأحمر، بل في جميع أنحاء الخليج والشرق الأوسط، وهذا الاتجاه يضع المؤسسات الإقليمية القائمة جانباً ويفضل التحالفات المخصصة التي قد تتنافس مع بعضها البعض، وهذا يهدد بإهدار الموارد الدبلوماسية والعسكرية لأصحاب المصلحة، وهو ما له آثار مباشرة على نجاح عملية حارس الرخاء، وعلى المدى الطويل، تنبئ هذه التطورات في البحر الأحمر أيضاً بالصعوبات المتزايدة التي تواجهها واشنطن في تشكيل البنية الأمنية للشرق الأوسط”.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: أزمة البحر الأحمر الولایات المتحدة فی البحر الأحمر حارس الازدهار فی الیمن
إقرأ أيضاً:
“بي بي سي”: قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية يعد تغيّراً في السياسة البريطانية
يُعدّ إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية، تغيراً كبيراً في السياسة الخارجية للمملكة المتحدة.
على الرغم من أن ستارمر عرض تأجيل هذا الاعتراف في حال اتخذتْ إسرائيل “خطوات جوهرية لإنهاء الوضع المروّع في غزة، ووافقت على وقف إطلاق النار، والتزمت بسلام مُستدام وطويل الأجل، على نحو يُحيي حَلّ الدولتين”.
ويعني الرفضُ الإسرائيلي الفوريّ لبيان رئيس الوزراء البريطاني، أنّ بإمكان مَن يكتبون خطابات ستارمر أن يبدأوا في العمل من الآن على ما سيقولُه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول.
إنّ قرار اعتراف المملكة المتحدة بدولة فلسطينية يبدو “لا رجعة فيه”، وفقاً لمسؤول بريطاني رفيع المستوى.
وليس في توقعات ستارمر أن يُثمر هذا التغيير في السياسة البريطانية عن دولة فلسطينية مستقلة في أي وقت قريب، أمّا من وجهة نظر كثير من الإسرائيليين، فإن توقيت قيام مثل هذه الدولة الفلسطينية المستقلة يبدو مستحيلاً.
لكن النوايا البريطانية، بحسب مصادر دبلوماسية، تتمثل في تمكين المعتدلين من الجانبين – الإسرائيلي والفلسطيني؛ حيث يأمل البريطانيون في دفع الجميع إلى الاعتقاد بأن السلام يمكن أن يتحقق.
على أن ذلك لن يكون سهلاً، ليس فقط لأن حماس قتلت حوالي 1,200 شخص، بينهم مئات المدنيين الإسرائيليين، واحتجزت رهائن في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لتنطلق إسرائيل في حملة انتقامية أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين وتركت غزة أنقاضاً.
ولكنْ أيضاً لأن كلّ المحاولات لكي يحلّ السلام باءت بالفشل – سنوات من محادثات السلام في حقبة التسعينيات انتهت بإراقة الدماء، كما انهارت كل محاولات إحياء هذه المحادثات بعد ذلك.
وجاء رفض إسرائيل لبيان ستارمر بعد دقائق من الإعلان عنه من مقرّ الحكومة البريطانية في داوننغ ستريت، ففي وقت لاحق من مساء اليوم ذاته، جاء رفْض رئيس الوزراء الإسرائيلي شديد اللهجة.
وكتب نتنياهو على وسائل التواصل الاجتماعي يقول إن “ستارمر يكافئ الإرهاب الوحشي لحماس ويعاقب ضحايا هذا الإرهاب. إن دولة جهادية على حدود إسرائيل اليوم ستهدد بريطانيا غداً”.
وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن محاولات “ترضية الإرهابيين الجهاديين دائماً تبوء بالفشل. وستفشل معكم أيضاً. لن تحدث”.
ويُنكر نتنياهو وقوف إسرائيل وراء الجوع والوضع الكارثي في غزة. ولو أنّه قبِل بشروط بريطانيا الخاصة بالتأجيل، لانهار ائتلافه الحاكم.
ويعتمد نتنياهو على دعم متشددين يرغبون في ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة وإخراج الفلسطينيين منها بالقوة، وعدم مَنْحهم أيّ شكل من أشكال الاستقلال.
على أنّ هؤلاء ليسوا مَن يمنعون نتنياهو؛ وهو الذي بنى إرثه السياسي على أساس رفْض حَلّ الدولتين، وفكرة أن السلام يمكن أن يَحلّ بقيام دولة فلسطينية مستقلة جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال نتنياهو إن دولة فلسطينية تعني “منصّة تنطلق منها” هجمات كثيرة، على غرار هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لتدمير إسرائيل.
ويعقِد نتنياهو آمالاً على دعم الولايات المتحدة، التي ترى أن الاعتراف بدولة فلسطينية الآن يُعتبر مكافأة لإرهاب حماس.
وفي أثناء عودته إلى بلاده، قادماً من اسكتلندا، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين إنه لا يدعم الخطوة البريطانية.
ويمكن لقضية السيادة الفلسطينية أن تصبح بمثابة نقطة خلافية جديدة على صعيد العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة.
وحتى أسابيع قليلة ماضية، لم يكن رئيس الوزراء البريطاني ستارمر مقتنعاً أن الوقت المناسب قد حان للاعتراف بدولة فلسطينية، لكنّ صور الأطفال الفلسطينيين في غزة وهم يقضون جوعاً كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد كل تلك الدماء وذلك الدمار.
هذا التوجّه لم يَشِع في مقرّ رئاسة الحكومة ومكتب الخارجية البريطانية وفقط، وإنما امتدّ إلى حزب العمال، ليجد طريقه إلى دوائر أوسع في عموم المملكة المتحدة.
ويأتي قرار بريطانيا الانضمام إلى فرنسا في الاعتراف بفلسطين بمثابة علامة أخرى على زيادة عُزلة إسرائيل دبلوماسياً.
وتُعدّ فرنسا وبريطانيا، حليفتين غربيتين كُبرَيين لإسرائيل، كما أنهما تمتلكان عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد رفضت الدولتان محاولة إسرائيل عرقلة اعترافهما بفلسطين في أُثناء انعقاد الجمعية العامة بنيويورك في سبتمبر/أيلول.
وفي نيويورك أيضاً، بعد بيان ستارمر، حظي وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بموجة من التصفيق الحاد فور إعلان قرار بلاده في مؤتمر الأمم المتحدة بخصوص حلّ الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية.
ورفض لامي الاتهام بأن الاستقلال الفلسطيني ستكون له تبعات مدمّرة على إسرائيل، وقال وزير الخارجية البريطاني إن “العكس هو الصحيح؛ فلا تَعارُض بين دعم أمن إسرائيل ودعم قيام دولة فلسطينية”.
اقرأ أيضاًتقارير“قصر كوير” أو قصر حارة البيبان: أنموذج فريد لتطور بيئة مكة العمرانية
وأضاف لامي: “دعوني أكون واضحاً، إن حكومة نتنياهو مخطئة في رفضها حلّ الدولتين – خطأً أخلاقياً واستراتيجياً”.
وقال مسؤول بريطاني إن الأجواء كانت مشحونة بالحماس عندما أخبر وزير الخارجية الوفود بأن إعلان بلاده اتُّخذ “وعلى أكتافنا يدُ التاريخ” تدلُّنا وتوجِّه خُطانا، على حدّ تعبيره.
ومضى لامي متحدثاً عن الماضي الاستعماري لبريطانيا في فلسطين، هذا الماضي المتشابك بقوة مع جذور الصراع بين اليهود والعرب للسيطرة على الأرض التي كانت تحت التاج البريطاني ذات يوم.
واستولتْ بريطانيا على القدس من رُقعة الإمبراطورية العثمانية في عام 1917 وظلتْ تسيطر على فلسطين حتى عام 1948، قبل أن تُسلّم مسؤولية هذه الأرض للأمم المتحدة وتغادرها ساحةً لصراع شامل آنذاك بين العرب واليهود.
وعلى الفور، أعلن ديفيد بن غوريون، أوّل رئيس وزراء لإسرائيل، استقلال الأخيرة التي تمكنت لاحقاً من صدّ هجوم شنّتْه الجيوش العربية وإنزال الهزيمة بتلك الجيوش.
وفي رواق الأمم المتحدة، استدعى ديفيد لامي من التاريخ وَعْد بلفور، وزير الخارجية البريطانية في عام 1917، الذي أمهر بتوقيعه خطاباً مكتوباً على الآلة الكاتبة انطوى على وعْد “بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.
على أنّ وعْد بلفور، نَصّ أيضاً على “عدم الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية في فلسطين”، دون استخدام لفظة “عرب”، لكنّ هذا هو ما كان مَعنياً.
وقال لامي إنّ لبريطانيا أنْ تفتخر بالطريقة التي أسهمتْ بها في تأسيس إسرائيل، لكنّ الوعد للفلسطينيين لم يُحفَظ، وهذا “ظُلمٌ تاريخيٌّ لا يزال قائماً”.
وقد غذّت الوعود المتضاربة من جانب بريطانيا هذا الصراع على الأرض وشَكّلتْ قوامه، ولو أنّ مسافراً عبر الزمن استطاع الذهاب إلى فلسطين في حقبة العشرينيات من القرن الماضي لتسنّى له أنْ يلمس أجواء العُنف والتوتر بشكل مثير للإحباط.
ومن أجل علاج هذا الظُلم التاريخي، وصف لامي حلّ الدولتين؛ حيث تأمل المملكة المتحدة في إنهاء الوضع البائس في غزة، وفي إحلال السلام في الشرق الأوسط.
وكانت فرنسا والسعودية تترأسان مؤتمر نيويورك الذي شهد حديث وزير الخارجية البريطاني. وأثمر المؤتمر عن بيان من سبع صفحات يستهدف تمهيد الطريق لإحياء حلّ الدولتين.
وانطوى هذا البيان على إدانة من جانب دول عربية لحركة حماس وهجومها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل.
إنّ نافذة السلام عبر حلّ الدولتين تبدو موصَدة بقوة بعد انهيار عملية السلام التي بدأتْ محادثاتها في حقبة التسعينيات، ويأتي قرار بريطانيا الخاص بالاعتراف بفلسطين بمثابة خطوة “دبلوماسية” على طريق إعادة فتْح هذه النافذة.