المصلحة الوطنية لأمريكا لم تعد تتوافق مع مصلحة إسرائيل!
تاريخ النشر: 18th, May 2024 GMT
ماريو ديل بيرو
الترجمة عن الفرنسية:
حافظ إدوخراز
على الرغم من قرار تعليق تسليم القنابل لإسرائيل، والذي أكّده البيت الأبيض في الثامن من شهر مايو الجاري، إلا أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تظل علاقة «خاصّة». لا ريب أن هذه العلاقة قد تطّورت مع التغيّرات الحاصلة في السياقين الدولي والخاص لكلا البلدين، وعلى إثر بعض التحوّلات الحاسمة.
لقد دعمت الولايات المتحدة نشأة الدولة العبرية في عام 1948 على الرغم من كل التحفّظات التي أبداها مسؤولون داخل وزارة الخارجية خاصة، الذين كانوا يخشون أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقات مع العالم العربي. وخلال السنوات العشرين الأولى من الحرب الباردة، لم تخلُ العلاقة بين البلدين من لحظات التوتّر. ولم تصبح هذه العلاقة أوثق لتصير إسرائيل بحقّ حليفًا استثنائيًا للولايات المتحدة يستفيد من مساعدات عسكرية ضخمة إلا في ستينات القرن الماضي، وخاصة بعد حرب الأيام الستة في عام 1967.
لقد أسهمت المصداقية العسكرية لإسرائيل، التي تعزّزت إلى حدّ كبير بفضل نجاحاتها، إلى جانب دينامية الحرب الباردة في الشرق الأوسط، بتحويل إسرائيل إلى شريك رئيسي للولايات المتحدة في سعيها إلى خلق التوازن مع الأنظمة الموالية للاتحاد السوفييتي في المنطقة. وقد صمدت هذه الوظيفة بعد نهاية الحرب الباردة، إذ انتقلت إسرائيل من لعب دور حصنٍ مناهض للاتحاد السوفييتي إلى وظيفة أعيد تشكيلها من أجل مواجهة ما تبقّى من القومية العربية أو الإسلام السياسي الراديكالي الذي شرع في البروز على الساحة.
بُررّت الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل بسرديات أيديولوجية أكّدت على الروابط «الحضارية» المُفترض كونها طبيعية بين البلدين. وتتركّز هذه السرديات حول محورين. يتعلق الأول منها بالمحور الديمقراطي والغربي، والذي تشكّل إسرائيل بالنسبة إليه قلعة الغرب الليبرالي المحاصَرة التي يجب الدفاع عنها. أما المحور الثاني فهو ديني؛ لأن جزءًا من الحركة الإنجيلية الأمريكية كان يرى على الدوام في المشروع الصهيوني إمكانيةً لتحقّق نبوءات أخروية (إسكاتولوجية).
وقد اكتسب هذا الموقف نفوذًا كبيرًا داخل الولايات المتحدة منذ سبعينات القرن الماضي، عندما قام عدد من مكوّنات هذه الحركة بتنظيم نفسه في إطار لوبيات مؤيدة لليمين الجمهوري، وتبنّت موقف الدعم الكامل لإسرائيل بعد أن تحرّرت من معاداتها للسامية. وتُرجم هذا التحول، في بعض تمظهراته المتطرفة، إلى نزعةٍ صهيونيةٍ مسيحيةٍ تربط حروب إسرائيل بتحقق نبوءتها المتعلقة بآخر الزمان. وقد أسهمت هذه النزعة، على نحوٍ عام، في تعزيز العلاقات الإسرائيلية الأمريكية.
يقودنا هذا إلى الحديث عن جانب آخر في العلاقة «الخاصة» بين الولايات المتحدة وإسرائيل، باعتبار هذه الأخيرة وكيلًا سياسيًا. يرتبط هذا الجانب بالجانبين الآخرين، غير أن له بُعدًا خاصًّا يميزه، وهو نتاج لتحولٍ حصل في النظام السياسي الأمريكي ولنشوء منظمات مؤيدة لإسرائيل قادرة على التأثير في الحملات الانتخابية (وخصوصًا لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية التي تأسست عام 1963).
تملك العلاقة بين الصهيونية والنزعة التقدّمية الأمريكية جذورًا عميقةً. فلطالما تابع جزء كبير من النّخبة المثقّفة في صفوف الديمقراطيين المختبر السياسي الإسرائيلي بإعجاب. وقد تمّت موازنة هذا الإعجاب، من جهة الجمهوريين، بتقديم الدعم لإسرائيل التي كانت تتحرّك بخطوات ثابتة نحو اليمين وكانت تُشارك التيار المحافظ داخل الولايات المتحدة مخاوفه الأمنية.
لم يسلم أي جانب من هذه الجوانب التي أتينا على ذكرها من الاعتراضات، واحتجّ عليها مستعربو وزارة الخارجية بشدّة. ومن ريتشارد نيكسون إلى جيمي كارتر، ومن جورج بوش الأب إلى باراك أوباما، جرت محاولات في سبيل تغيير شروط العلاقة. وقد أدان خبراء مؤثّرون بشدة التأثير المفسد للدعم الأعمى للحليف الإسرائيلي على الديمقراطية الأمريكية.
غير أن الاحتجاج القوي والحازم من الناحية السياسية على العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والقادر على ممارسة ضغوط غير متوقعة على إدارة الرئيس بايدن لم يظهر إلا في الآونة الأخيرة. إن الرد الإسرائيلي غير المتناسب على مذبحة السابع من أكتوبر والمأساة الإنسانية المريعة في غزة قد ألقيا بظلالهما على العلاقة. لكن استطلاعات رأي عديدة قد أظهرت أن التغيير كان جاريا حتى قبل السابع من أكتوبر. فوفقًا لاستطلاعات معهد غالوب السنوية بين عامي 2013 و2022، ارتفعت نسبة المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في صفوف الديمقراطيين من 19% إلى 49%، وهو ما يتجاوز بشكل واضح نسبة أولئك الذين لا يزالون منحازين لإسرائيل.
كيف يمكن تفسير هذا التغيير؟ يتعيّن علينا، لكي نجيب عن هذا السؤال، أن ننطلق من المزيج المعقّد من العوامل التي حدّدت العلاقة الإسرائيلية الأمريكية وسرديّتها. وبينما يصبح الشرق الأوسط أقل أهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، تبدو إسرائيل بشكل متضائل كعامل استقرار في المنطقة أو كشريك رئيسي من أجل احتواء التهديدات لأمن الولايات المتحدة. إن الفكرة القائلة بأن المصلحة الوطنية للولايات المتحدة لم تعد تتوافق مع مصلحة إسرائيل آخذة في الانتشار على نحوٍ متزايد.
لقد شرع الأسمنت الأيديولوجي للماضي أيضا في التآكل تدريجيًا مع مرور الوقت. وأصبحت الأشكال التقدمية للتعاطف الأمريكي القديم المؤيد للصهيونية متجاوزة الآن. أما التّعاطف الديني فقد صار فئويًّا وأكثر إثارة للانقسام. كما أن تأثير جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل يقابله اليوم نشاط الجماعات التي تدين السياسة الإسرائيلية، فضلًا عن ظهور جمعيات، في أوساط اليهود الأمريكيين، تنتقد بشدّة الحكومة الإسرائيلية.
تعدّ الانعطافة الراديكالية للحكومة الإسرائيلية نحو اليمين في حدّ ذاتها متغيّرًا حاسمًا، ومن دونها لن نتمكّن أبدًا من فهم التحوّل الجاري. إن سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، والاستخدام غير المتناسب للقوة، والتخلي النهائي عن حل الدولتين، كل ذلك قد أدّى إلى إبعاد جزء من الأمريكيين عن إسرائيل. وقام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من جانبه، وعن عمد بجرّ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى المعترك السياسي المختل للديمقراطية الأمريكية، فبدعمه لحزب سياسي محدد، ساهم في الدّفع بإسرائيل إلى دائرة المواجهة السياسية والاستقطاب في الولايات المتحدة.
ماريو ديل بيرو أستاذ التاريخ في معهد العلوم السياسية بباريس
عن صحيفة لوموند الفرنسية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بین الولایات المتحدة وإسرائیل العلاقة بین
إقرأ أيضاً:
حرب 1812.. صراع ناري على الهوية والسيادة بين الولايات المتحدة وبريطانيا
في صيف عام 1812، وبينما كانت أوروبا مشتعلة بنيران الحروب النابليونية، اندلعت حرب جديدة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، بين الولايات المتحدة الأمريكية والإمبراطورية البريطانية.
حرب قصيرة نسبياً، لكنها كانت مفصلية في رسم ملامح الهوية الأمريكية، وترسيخ استقلالها الناشئ.
جذور الصراع..سيادة مهددة ومصالح متشابكةبدأت الحرب نتيجة تراكم طويل من التوترات، أبرزها فرض البحرية البريطانية لحصار اقتصادي على فرنسا خلال الحروب النابليونية، ما أثّر على التجارة الأمريكية.
كما عمدت بريطانيا إلى تجنيد البحارة الأمريكيين قسرًا للخدمة في صفوفها، وهي سياسة أغضبت الإدارة الأمريكية واعتبرتها إهانة للسيادة الوطنية.
بالإضافة إلى ذلك، اتُهمت بريطانيا بدعم القبائل الهندية في الغرب الأمريكي بالسلاح، ما زاد من حدة الصراع في الداخل.
كل هذه الأسباب دفعت الرئيس الأمريكي جيمس ماديسون إلى إعلان الحرب في يونيو 1812.
حرب بلا نصر حاسمشهدت الحرب معارك متفرقة عبر الأراضي الأمريكية والكندية، من بينها محاولة فاشلة للولايات المتحدة لغزو كندا، ومعركة بحرية شهيرة بين السفينتين USS Constitution الأمريكية وHMS Guerriere البريطانية.
وفي عام 1814، أحرقت القوات البريطانية العاصمة الأمريكية واشنطن، بما في ذلك البيت الأبيض، ردًا على هجوم أمريكي على مدينة يورك.
ورغم ذلك، فشلت بريطانيا في كسر المقاومة الأمريكية في معركة بالتيمور.
سلام بلا منتصرانتهت الحرب رسميًا بتوقيع معاهدة غنت في ديسمبر 1814، والتي أعادت الأوضاع لما كانت عليه قبل الحرب، دون أن يحقق أي طرف انتصارًا صريحًا.
لكن المعاهدة لم تصل إلى أمريكا إلا بعد أسابيع، وخلال ذلك الوقت خاض الطرفان معركة نيو أورلينز في يناير 1815، حيث حقق الجنرال الأمريكي أندرو جاكسون نصرًا مدويًا زاد من شعبيته وأدى لاحقًا إلى انتخابه رئيسًا.
تُعد حرب 1812 نقطة تحول في التاريخ الأمريكي، فقد أثبتت قدرة الولايات المتحدة على الصمود أمام قوة عظمى.
كما تراجعت بعدها المقاومة الهندية في الغرب، وبدأت أمريكا عصر التوسع نحو الغرب