صراع المعلومات.. كيف تعيق الأخبار الزائفة حق معرفة الحقيقة في المغرب؟
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
كبسة زر واحدة، كافية لتصل لكم هائل من المعلومات. ففي عصر تهيمن فيه وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، أصبحت المعلومات سهلة الوصول ومتاحة بشكل غزير ومجاني، دون الحاجة إلى بذل مجهود يذكر.
وعلى الرغم من أن طابع هذا التطور الإيجابي، إلا أن هذه السهولة تفتح بابا واسعا أمام انتشار الأخبار الزائفة، حيث يجد الجمهور صعوبة في التمييز بين المعلومات الحقيقية والموثوقة وبين الأخبار الزائفة والمضلّلة، مما يعرقل حق المواطنين في التعبير والمشاركة السليمة في الحياة العامة.
تجار الأزمات يقتاتون على الأخبار الزائفة
كما كرة الثلج، تنتشر الأخبار الزائفة بسرعة هائلة من شاشة إلى أخرى، بوتيرة تصل إلى ستة أضعاف مقارنة بالمعلومات الصحيحة، وهو ما خلصت إليه دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بعنوان "الأخبار الزائفة: من التضليل الإعلامي إلى المعلومة الموثوقة والمتاحة" المنشور في شباط/ فبراير 2023، فإن النقص في أدوات وتقنيات التحقق بالمعلومات يؤدي إلى إلى سهولة انتشار الأخبار الزائفة، إضافة إلى أن إمكانية الوصول إلى المعلومات الرسمية والموثوقة تظل محدودة، على الرغم من أن المغرب يلتزم بضمان الحق في الحصول على المعلومات، كما ينص عليه القانون رقم 31.13.
ففي حين كانت السلطات والمواطنون يتسارعون لإنقاذ المتضررين من تحت الأنقاض عقب زلزال الحوز، استغل تجار الأزمات والمقتاتين على المآسي، قلق الناس وتعطشهم إلى المعلومة، لاختلاق أخبار تهول من الوضع وتثير الهلع والقلق لدى المواطنين، بهدف زيادة المتابعين والأرباح.
ولم يكن زلزال الحوز الحدث الأول الذي شهد انتشار الأخبار الزائفة، فقد عاش المغاربة تسونامي الأخبار الكاذبة خلال جائحة كورونا، كما نعيشه حاليا إثر انتشار الأخبار الزائفة حول تعديلات مدونة الأسرة.
في هذا السياق، يؤكد رئيس مؤسسة الأثر الجماعي للشباب، نوح بحدة، على أن الأخبار الزائفة خلال فترة ما بعد زلزال الحوز لم تؤثر فقط على سكان المناطق النائية، بل تركت أيضا تأثيرا سلبيا واضحا على المتطوعين والمساعدين، مدخلة الجميع في حالة من الذعر والقلق مما أثر على سلوكهم وتفاعلهم مع الأزمة والنقاش العام.
تسلح ضد المعلومات الزائفة
ما زالت ممارسة تدقيق الأخبار في المغرب في مراحلها الأولى، حيث تتجلى جهودها في الفضاء الرقمي بشكل متقطع. لكن جائحة كورونا فرضت تدخلا حقيقيا وفعالا لمحاربة الأخبار الزائفة والتلاعب الإعلامي. وفي هذا الصدد بدأ المغرب في وضع آليات مستعجلة وإجراءات لمحاربة التضليل الإعلامي.
شرع متعهدي الاتصال السمعي البصري العموميين والخواص في الجهود المبذولة لمحاربة الأخبار الزائفة. وقد أطلقت المنصة الإخبارية SNRTnews، التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، خانة بعنوان "واش بصح" لكشف الأخبار الزائفة وتصحيحها، بينما قامت وكالة المغرب العربي للأنباء بإطلاق خدمة SOS FAKE NEWS في عام 2018، لمعالجة وتصحيح الأخبار الزائفة في الوقت المناسب.
وللمنصات الرقمية دور فعال في مكافحة الأخبار الزائفة، حيث ظهرت أول منصة رقمية مغربية لهذا الغرض باسم "تحقق". وقد انضمت مواقع إخبارية أخرى لهذه الجهود، حيث قامت بتخصيص بعض المقالات لتكذيب الأخبار الزائفة. وفي هذا السياق، يؤكد الصحفي والباحث في الإعلام، سعيد أهمان، أن المشرع المغربي اتخذ بالفعل عدة آليات لمكافحة الأخبار الزائفة، بهدف حماية الأفراد والمؤسسات والحفاظ على الأمن العام.
تضييق على حرية التعبير؟
بلغ عدد الملفات القضائية التي عرضت على أنظار محاكم المملكة حول الأخبار الزائفة 226 ملفاً قضائيا، وذلك خلال الفترة من سنة 2019 إلى نهاية آب/ غشت 2022.
فوفقًا للمادة 72 من قانون الصحافة والنشر، يتم معاقبة من يقوم بنشر أخبار زائفة بغرامة تتراوح بين 20,000 و200,000 درهم، بهدف حماية النظام العام ومنع إثارة الفزع بين الناس. بالإضافة إلى ذلك، ينص الفصل 447 من القانون الجنائي المغربي على عقوبة السجن والغرامة لمن ينشر معلومات تشكل انتهاكًا للحياة الخاصة للأشخاص أو يشهر بهم، بغرامة تتراوح بين 2,000 و20,000 درهم، والحبس لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.
قوانين تطرح تخوفات لدى المواطنين والحقوقيين حول المس والتضييق على حرية التعبير في المغرب، وفي هذا الصدد يقول سعيد أهمان: "طبعا، هذا يثير قلاقل من لدن الحقوقيين، الذين عبروا عن عدم رضاهم على طريقة تدبير ملف شائك وصعب، خاصة في فترة الأزمات (أزمة كورونا نموذجا)، حيث تم توقيف العشرات من الأشخاص، تجاوز العدد المائة، وتمت متابعتهم قضائيا، منهم من توبع في حالة سراح، وآخرون في حالة اعتقال صدرت في حقهم أحكام قضائية، كانت وما تزال مثار نقاش حقوقي تتهم فيه الدولة بأنها "تقوّض حرية الرأي والتعبير".
القانون وحده لا يكفي
"القانون وحده غير كاف لأجل التصدي لانتشار الأخبار الزائفة"، يعبر أهمان بلا تردد ويضيف قائلا: "حتّى في الأنظمة التي تعتبر نفسها ديمقراطية لم يسعفها القانون وحده، غير أن مناخ الحرية أمر لازم لتحقيق ذلك، ينضاف إليه حرية التعبير والرأي الملازمة للمسؤولية والمهنية، وهذا أمر معقد ومتشابك، يرتبط أيضا بالحقّ في الحصول على المعلومة. فكلما كان الأمر سلسلا كلما كان التواصل وانتشار المعلومة الصحيحة والخبر اليقين هو الرائج، وكلما تقلص هذا الهامش الحقوقي كلما تفشت المعطيات والمعلومات الزائفة بين الناس، وفي المجتمع."
تكاثف الجهود من كل من الدولة والمجتمع المدني لضرورة ملحة من أجل التصدي لانتشار الأخبار الزائفة، مما يجعل التواصل الفعال وتعزيز حق الحصول على المعلومة ركيزة أساسية. وفي هذا السياق يسترسل أهمان: "وينضاف إلى ذلك، البعد التواصلي، فأهم ما يطلب هو التواصل الجيد والناجع المنظم والمنتظم، حتى يعي كل واحد ما له وما عليه، و"لّي فرّط يكرّط" (من يتهاون سوف يجني الثمن)، كما يقول المثل الدارج".
لعل فترة الأزمات تعتبر تطبيقا ميدانيا فعالا للتوعية ضد انتشار الأخبار الزائفة، في هذا الصدد يرى بحدة أن فترة الأزمات تعتبر تمرينًا فعالًا لتوعية المواطنين بخطورة انتشار الأخبار الزائفة، حيث أصبحوا مجبرين على التحقق من مصداقية المعلومات بعد زلزال الحوز، مما يشير إلى ضرورة تطوير الصحافة المواطنة كوسيلة لزيادة الوعي بأهمية التحقق من المعلومات.
محاربة انتشار الأخبار الزائفة متوقف على تظافر الجهود بين جميع مكونات المجتمع بدء من مؤسسات الدولة وقوانينها وصولا إلى المواطن البسيط وفي هدا السياق ترى نعيمة التشيشي، وهي صحافية مستقلة، أنه رغم ما تقوم به الحكومة والمجتمع المدني من إجراءات للحد من انتشار الاخبار الزائفة، إلا أن الصحفيين في حاجة ملحة للتدريب والتوعية.
وتضيف قائلة: إننا نعيش في عصر رقمي سريع التطور، لذلك فإن تدريب وتوعية الصحفيين حول الأخبار الزائفة أصبح ضرورة ملحة، واستثمارا في الجودة والمصداقية الإعلامية، مما يساهم في بناء ثقة الجمهور وضمان حق المجتمع في الحصول على معلومات صحيحة وموثوقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الذكاء الاصطناعي الأخبار الزائفة المغرب المغرب الذكاء الاصطناعي الأخبار الزائفة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة زلزال الحوز الحصول على وفی هذا فی هذا
إقرأ أيضاً:
خبراء: صراع ترامب مع كاليفورنيا يهدد أسس النظام الفدرالي
أجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن التصعيد الحالي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولاية كاليفورنيا يمثل أزمة دستورية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي.
وحذروا من أنها تهدد أسس النظام الفدرالي، وتثير تساؤلات جدية حول حدود السلطة الرئاسية والحقوق الدستورية للولايات.
وشهدت مدينة لوس أنجلوس تصعيداً بدأ بعمليات مداهمة واعتقال نفذتها السلطات الفدرالية ضد مهاجرين، وتطورت إلى مواجهات عنيفة بين المحتجين والشرطة.
وبحسب مراسل الجزيرة ناصر الحسيني من لوس أنجلوس، فإن الأحداث شهدت مشاركة مجموعات بالآلاف من المهاجرين والمواطنين الذين يرفضون سياسة الترحيل والاعتقال والمداهمات التي بدأها الرئيس.
وقد تطورت الأوضاع بشكل خطير عندما انضم الكثير من الشباب المهاجر إلى الاحتجاجات معبرين عن غضبهم بالتهجم على السلطات.
وقد حوّل هذا التصعيد -وفق الحسيني- المظاهرات من احتجاجات سياسية سلمية إلى مظاهرات وأعمال شغب حقيقية شملت حرق سيارات الشرطة والاعتداء على المحال التجارية، مما دفع السلطات المحلية لفرض حظر التجمع وسط المدينة.
وانطلاقاً من هذه التطورات الميدانية، يرى الكاتب الصحفي المختص بالشأن الأميركي محمد المنشاوي أن ما يحدث ليس مفاجئاً على الإطلاق، بل يعكس إستراتيجية محسوبة من الرئيس ترامب.
إعلانوأوضح أن الرئيس يؤمن بأنه ينفذ ما تم تكليفه من أغلب الناخبين في فترة الحكم الثانية، حيث وعد خلال فترة الانتخابات بأن يكون قاسياً جداً في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين (النظاميين).
تصحيح خطأ بايدن
كما لفت الكاتب إلى أن ترامب يحاول تصحيح ما يراه خطأ كبيرا من إدارة سلفه جو بايدن بفتح الحدود على مصراعيها أمام المهاجرين.
ولفت إلى بُعد أيديولوجي آخر "فترامب يرى نفسه ونائبه جيه دي فانس المسؤولين الوحيدين المنتخبين من الشعب كله" وهذا ما يمنحه شعوراً "فرعونياً" في حجم السلطات التي يريد أن يقوم بها.
وهذا التصور للسلطة الرئاسية يعكس رغبة ترامب في "تضخيم" الجهاز التنفيذي للدولة والسلطة التنفيذية التي يرأسها، بحسب الكاتب.
وبناءً على هذا الفهم للدوافع العامة، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الله الشايجي أن العلاقة بين ترامب وكاليفورنيا تتجاوز الخلافات السياسية لتصل إلى مستوى الصراع الشخصي.
وأوضح أن ترامب لديه عقدة تجاه كاليفورنيا والولايات التي يحكمها من ينتمون إلى الحزب الديمقراطي.
وتمثل كاليفورنيا تحدياً خاصاً لترامب لعدة أسباب موضوعية، فهي -كما يشير الأكاديمي- أهم وأكبر ولاية في الدخل القومي، حيث تساهم بالضرائب الفدرالية للحكومة بـ50 مليار دولار.
وأكثر من ذلك، أن أكثر من ثلث عدد سكان كاليفورنيا لم يولدوا داخل الولاية، وأكثر نسبة من السكان يتحدثون في منازلهم اللغة الإسبانية، مما يجعلها رمزاً لأميركا متعددة الثقافات التي يعارضها ترامب أيديولوجياً.
انتهاك دستوري
وفي ظل هذا الصراع الشخصي والأيديولوجي، أوضح الدكتور الشايجي أن ترامب استند -في إرسال قوات فدرالية إلى لوس أنجلوس- إلى قانون عام 1807 الذي يسمح للرئيس بأن يرسل قوات فدرالية لمساعدة الولاية إذا احتاجت إلى ضبط الأمن ومواجهة من يهددون السلم والأمن.
إعلانولكن -كما يؤكد الشايجي- فإنه لا حاكم الولاية ولا عمدة المدينة ولا شريف مقاطعة لوس أنجلوس طلبوا ذلك من ترامب، مما يجعل إرسال القوات انتهاكاً دستورياً واضحاً.
وأوضح أن هذا الانتهاك لا يعد مجرد خلاف إجرائي، بل يمس جوهر النظام الفدرالي، فالدستور يفصل في التعديل العاشر صلاحيات للولاية لا يحق للحكومة الفدرالية أن تتجاوزها دستورياً، لكن ترامب "يضرب عرض الحائط" بهذه القيود الدستورية.
وفي سياق متصل بهذا الانتهاك الدستوري، تكشف الأرقام الاقتصادية عن تناقضات صارخة في سياسات ترامب.
فوفقاً لمكتب إحصاءات العمل، فإن خطة ترامب لطرد المهاجرين ستكبد القطاع الخاص تريليون دولار خلال عقود في صورة أجور ضائعة وتباطؤ بالإنتاج وتراجع بالاستهلاك.
وفي كاليفورنيا وحدها، يساهم المهاجرون غير الموثقين بـ8.5 مليارات دولار ضرائب سنوية ويمثلون جزءاً من الناتج المحلي للولاية التي تمثل 14% من الناتج المحلي للولايات المتحدة، كما أن ترامب سيحتاج 80 مليار دولار لتنفيذ هذه الخطة.
وتطرح هذه الأرقام تساؤلات جدية حول منطق ترامب الاقتصادي -كما يشير الدكتور الشايجي- فإن هذا التصعيد يحدث في وقت هو في حرب مع الملياردير إيلون ماسك، وحرب مع الجامعات الأميركية الكبرى، ويخوض حروباً كثيرة مع دول العالم فيما يتعلق بالرسوم الجمركية.
ونتيجة لهذه التكاليف الاقتصادية الباهظة، يوضح الشايجي أن كثيراً من الأميركيين يشعرون بالندم، خاصة اللاتينيين من الأصول المكسيكية، على أنهم انتخبوا ترامب.
دوافع أيديولوجية
ولفهم الأسباب الجذرية وراء هذا السلوك رغم تكاليفه الاقتصادية والسياسية، يجب النظر إلى الأيديولوجية التي تحرك ترامب -حسب المنشاوي- الذي ذهب للقول إن ترامب لا تحكمه إلا النزوات الشخصية والمصالح الخاصة، وبما أنه ليس لديه انتخابات أخرى مستقبلية فهو لا يكترث بما يعانيه المواطن.
إعلانوتتمثل رؤية ترامب الأيديولوجية في تنفيذ أجندة اليمين الذي يدعمه، و"أميركا العظيمة" التي يقصدها هي أميركا البيضاء التي تتحدث الإنجليزية ويكون فيها عدد قليل جداً من المهاجرين.
ولفت الكاتب إلى أن هذه الرؤية تدفع ترامب لاعتبار أن ما قام به الرئيس السابق من ترك الباب مفتوحا أمام الهجرة غير النظامية كان هدفه تغيير المكون السكاني الأميركي.
وبدوره حذر الشايجي من أن التداعيات طويلة المدى لهذا الصراع قد تكون كارثية على النظام السياسي الأميركي، مؤكدا أن ما يحدث يضرب النظام الدستوري الفدرالي الديمقراطي الذي كان يروج له بأنه النموذج لحكم شؤون العالم.
كما لفت إلى أن الخطر الأكبر هو إمكانية تطور الوضع نحو حركات انفصالية، خاصة أن القبضة الحديدية التي يمارسها ترامب فيها نوع من الشوفينية ومصادرة حق الولاية، وهذا التطور المخيف يذكر بالأزمات التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية، وفق الشايجي.