كيف تريد روسيا إقامة منطقة عازلة في خاركيف؟
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
موسكو- في خضم معارك ضارية، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن بلاده بدأت في إنشاء منطقة عازلة بمقاطعة خاركيف لمنع هجمات القوات الأوكرانية على المدن الحدودية في روسيا، في خطوة لم تتضح معالمها بعد، ويستبعد محللون روس أن تؤدي إلى الحماية الكاملة.
وشدد بوتين على أن القيادة الروسية ليس لديها خطط للاستيلاء على خاركيف، واصفًا التحركات الحالية للقوات الروسية في المقاطعة بأنها جاءت ردا على الهجمات المنتظمة التي تشنها القوات الأوكرانية على المناطق الروسية.
وأوضح ديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي، أن كلام بوتين يدور حول الحاجة إلى منطقة عازلة على الحدود مع أوكرانيا، بحيث تكون الأراضي الروسية بعيدة عن متناول أي أسلحة معادية، على حد تعبيره.
جدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها بوتين عن ضرورة إنشاء منطقة أمنية لحماية بيلغورود ومناطق أخرى داخل روسيا من هجمات القوات المسلحة الأوكرانية.
ففي مارس/آذار 2023، أشار الرئيس الروسي إلى أن موسكو "ستضطر في مرحلة ما، عندما ترى ذلك مناسبا، إلى إنشاء منطقة عازلة معينة في الأراضي الحالية التابعة لنظام كييف، والتي سيكون من الصعب التغلب عليها بوسائل التدمير التي يستخدمها العدو".
لكن ما لم يكن واضحًا في كلام بوتين هو حدود هذه المنطقة العازلة، وهل يمكن أن تتوسع مع الوقت؟ وما الذي سيعنيه إنشاؤها بالنسبة إلى الجانب الأوكراني؟
يشير مراقبون روس إلى أن إنشاء منطقة عازلة بمقاطعة خاركيف، لن يكون كافيا لصد الهجمات على المناطق الروسية الحدودية مع أوكرانيا بنسبة 100%، ولكن يمكن التقليل منها عن طريق حرمان القوات الأوكرانية من فرصة توجيه القصف بالمدفعية وراجمات الصواريخ.
ولهذا الغرض، لا مفر من السيطرة على مدن "فولتشانسك" و"ليبتسي" و"فيليكي بورلوك"، وإنشاء منطقة أمنية على شكل دائرة نصف قطرها يتراوح بين 25 و40 كيلومترًا.
في نفس الوقت، يرى مراقبون عسكريون آخرون أن نطاق المنطفة العازلة يجب أن لا يقل عن 300 كلم، نظرا لاستخدام أوكرانيا المسيرات في شن الهجمات على المناطق الحدودية الروسية، فضلا عن احتمال اللجوء للصواريخ بعيدة المدى ضدها.
وكما يوضح للجزيرة نت محلل الشؤون العسكرية، نيكيتا غروموف، فإن تحريك الحدود مسافة 25 كلم داخل العمق الأوكراني، سيؤدي إلى حل مشكلة قصف بيلغورود باستخدام الطائرات بدون طيار والمدفعية الخفيفة وقذائف الهاون.
حسابات عسكرية
لكن الحماية الكاملة من استخدام قذائف من عيار 155 ملم أكثر صعوبة، إذ يبلغ مدى إطلاق بعض النماذج الغربية منها حوالي 40 كلم، وهو ما يعني أن إجراء حسابات عمق المنطقة العازلة يجب أن يكون على هذا الأساس، يوضح غروموف.
بموازاة ذلك، يلفت المحلل الروسي إلى ضرورة عدم استبعاد عامل الطيران الحربي الأوكراني وإمكانية استخدام راجمات صواريخ هيمارس، وعليه، فإن حماية المناطق الروسية من احتمال استخدام هذه الأنواع من الأسلحة ضدها تتطلب تحريك الجبهة مسافة 60 أو حتى 80 كيلومترًا، وإشباعها بأسلحة الدفاع الجوي.
ويؤكد المتحدث على أهمية منطقة ليبتسي لخلق نقاط ضغط على المنشآت العسكرية في خاركيف، موضحًا أن نشر أسلحة روسية فيها سيؤدي إلى فقدان القوات الأوكرانية فرصة استخدام وسط وشمال خاركيف كمركز لوجستي.
أما السيطرة على فيليكي بورلوك الواقعة في الوسط بين فولتشانسك وكوبيانسك، فستسمح للقوات الروسية بخلق نفس نقطة الضغط على كوبيانسك نفسها، مما يمكن أن يؤدي بدوره إلى انسحاب القوات الأوكرانية من مناطق أكبر.
رسائل سياسيةمحلل الشؤون السياسة، سيرغي بيرسانوف، يشير إلى رسالة سياسية تضمنها حديث بوتين عن المنطقة العازلة، إذ جاء حديثه من الصين التي تتنازع مع واشنطن على قيادة العالم، لا سيما في الاقتصاد.
ويتابع بأن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يواصل تزويد القوات الأوكرانية بالأسلحة، ولهذا السبب يشير الرئيس الروسي إلى ضرورة إنشاء وتوسيع منطقة عازلة.
ووفقًا له، من السابق لأوانه تحديد كيف ستبدو هذه المنطقة، وكيف ستكون حدودها، لكن الرسالة بحد ذاتها واضحة للغاية وتحمل لهجة التصميم على تحرك عسكري جاد.
ويتابع بأن بوتين لم يعط أرقاما محددة، لكنه أوضح مبدأ تشكيل هذه المنطقة. ووفقاً لهذا المنطق، إذا قام الغرب بتزويد أوكرانيا بصواريخ يصل نصف قطرها إلى 300 كلم، فسوف تقوم روسيا بتعميق المنطقة العازلة كذلك إلى 300 كلم.
وحسب بيرسانوف، فهذا الكلام يعني وجود احتمال أن تضطر روسيا إلى إنشاء منطقة "آمنة" تكون خاركيف داخل نطاقها.
ويشير إلى أن طول الحدود الروسية الأوكرانية يبلغ آلاف الكيلومترات بتضاريس مختلفة تماما، تشمل غابات وسهولا ومستنقعات، وبالتالي يجب أن تكون هناك "منطقة رمادية" حيث لن يكون هناك مدنيون ولا وحدات "معادية"، ويضيف "مثل هذه المنطقة ستجعل من الممكن إبقاء الجانب الأوكراني بعيدا، فضلا عن القضاء على مخاطر تسلل المجموعات التخريبية وهجمات قذائف الهاون".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات القوات الأوکرانیة المنطقة العازلة إنشاء منطقة منطقة عازلة هذه المنطقة
إقرأ أيضاً:
بعد انتقاده بوتين.. هل يمهّد ترامب لتجاهل التسوية السياسية للحرب الأوكرانية؟
موسكو – في وقت بدت فيه العلاقات الروسية الأميركية كأنها تبتعد عن خطاب المواجهة وتقترب من الحوار السياسي لحل الأزمات العالقة بينهما، لا سيما ملف الحرب الأوكرانية، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب "النارية" ضد نظيره الروسي فلاديمير بوتين لتطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التصريحات مقدمة للعودة إلى التوتر بين البلدين.
وكان الرئيس الأميركي صرّح يوم 27 مايو/أيار الجاري بأن "بوتين لا يفهم أنه لولا ترامب لكانت روسيا قد تعرضت لأمور سيئة للغاية"، وقال إن الرئيس الروسي "يلعب بالنار".
وجاءت انتقادات ترامب لبوتين في ظل الغارات الروسية المكثفة على أوكرانيا، وما اعتبره ترامب عدم إحراز أي تقدم في محادثات إنهاء الحرب، مضيفا كذلك أن بوتين "جنّ جنونه" وأنه "يقتل الكثير من الناس دون داعٍ".
ردود مقابلةمن جانبها، سعت موسكو إلى "امتصاص" الهجوم الكلامي لترامب، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن "لكل دولة مصالحها الوطنية التي تحميها، وهذه المصالح فوق كل اعتبار".
وذهب المتحدث في تصريحه إلى ما تشبه إشارات الغزل بقوله إن "الولايات المتحدة، التي تبذل جهودا حثيثة في إطار التسوية السلمية، ترغب في إحراز تقدم في هذه العملية"، مؤكدا أن موسكو ممتنة لواشنطن على هذه الجهود، وأنها تستعد للجولة المقبلة من المفاوضات مع كييف وستحافظ على الاتصالات مع الإدارة الأميركية.
إعلانومن بين جميع المسؤولين الرسميين الروس، وحده ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي غرّد خارج السرب، وقال إن "كلام ترامب عن لعب بوتين بالنار، والأمور السيئة للغاية التي قد تحدث لروسيا.. أعرف شيئا واحدا سيئا للغاية، الحرب العالمية الثالثة. آمل أن يفهم ترامب هذا".
كلام ميدفيديف رد عليه في اليوم نفسه المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوغ بقوله إن "زيادة المخاوف بشأن الحرب العالمية الثالثة تصريح مؤسف وغير مسؤول من ميدفيديف، ولا يليق بقوة عالمية"، مضيفا أن "الرئيس ترامب يعمل على وقف الحرب ووضع حد لأعمال القتل. ونحن في انتظار استلام مذكرة التفاهم من روسيا التي وعدتم بها قبل أسبوع. أوقفوا إطلاق النار فورا".
تعبير عن فشليبدو أن ما أعطى تصريحات ترامب الأخيرة صدا واسعا هو أنها لم تقتصر على توجيه انتقادات لاذعة لبوتين، بل حملت تهديدات باحتمال فرض عقوبات جديدة على روسيا. فهل بدأ العد التنازلي لتراجع الإدارة الأميركية عن مقاربتها للصراع الروسي الأوكراني وتفاهماتها الأخيرة مع موسكو؟
وفق وجهة نظر الباحث في الشؤون الدولية ديمتري كيم، فإن التصريحات "القاسية" التي أدلى بها ترامب ضد بوتين تُظهر يأس الولايات المتحدة من محاولة إجبار روسيا على الخضوع للمقاربة الأميركية لوقف الحرب على أوكرانيا.
ويضيف في تعليق للجزيرة نت، أن ترامب يتمتز بفقدانه القدرة على ضبط النفس في التعابير والتوصيفات السياسية. فقد وصف بوتين بـ"المجنون"، وفولوديمير زيلينسكي وكير ستارمر وإيمانويل ماكرون ودونالد توسك وفريدريش ميرز بـ"المُحرِّضين على الحرب"، لكن عجزه عن ضبط انفعالاته هذه المرة مرتبط بفشل واشنطن في مواجهة روسيا وهزيمة بوتين شخصيا.
ويوضح أن واشنطن كانت تأمل أن تتمكن من جرّ أوكرانيا إلى المعسكر الغربي وتوسيع حلف الناتو وإجبار روسيا على الاستسلام، لكن كان ذلك رهانا خاسرا؛ فقد كانت هذه قضية محورية بالنسبة لروسيا عندما ساعدت الولايات المتحدة في الإطاحة بحكومة موالية لموسكو في أوكرانيا، ثم بنت أكبر جيش في أوروبا هناك ودعمته في مواجهة القوات الروسية، حسب قوله.
إعلانعلى هذا الأساس، يضع المتحدث هجوم ترامب على بوتين في سياق التمهيد للتراجع عن الوعود التي قطعها بوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث كان رهانه الحقيقي على أن موسكو المنهكة من الحرب والتي لم تعد قادرة على تحمل المزيد من العقوبات، ستتجاوب بسرعة، لكن تبيّن العكس.
"حفظ ماء الوجه"
من جانبه، يرى الخبير في النزاعات الدولية فيودور كوزمين أن ترامب يتظاهر بالغضب الشديد من روسيا، ويحاول الإيحاء بأن بوتين على وشك إحراق "الجسر الذهبي" الذي بناه له، لكن على الأرجح وبالعكس من ذلك، ستؤدي إجراءات محددة إلى تصعيد ضد أوكرانيا.
ويضيف للجزيرة نت أن "ترامب على ما يبدو لا يتلقى معلومات كافية ودقيقة بشأن الصراع في أوكرانيا، إذ يتكلم ويوجه الاتهامات للرئيس الروسي وكأنه لا يعرف بحصول هجمات إرهابية ضخمة تنفذها أوكرانيا كل يوم تقريبا ضد المدن الروسية المسالمة".
ويقرّ المتحدث بأن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات جديدة على روسيا، ولكنه مع ذلك يرى أن هذه القيود ستكون رمزية إلى حد ما بهدف الإظهار "لصقور أوروبا" أن واشنطن تمارس ضغوطا على موسكو.
ويلفت إلى أن ترامب يدرك تماما أن العقوبات الجسيمة لا تضرّ إلا بالمصالح الأميركية لأنها تُقرّب روسيا والصين. لكن إذا فرضت فلن تشمل عقوبات مصرفية جديدة.
ومع ذلك، لا يستبعد كوزمين خيارات أخرى للضغط على روسيا لتقديم تنازلات، بما في ذلك الموافقة على وقف إطلاق نار لمدة 30 يوما.