أحمد بن موسى البلوشي

تُشكل المجلات العلمية ركيزة أساسية في منظومة البحث العلمي، فهي منصّة لنشر المعرفة وتبادل الأفكار والاكتشافات الجديدة بين الباحثين من مُختلف أنحاء العالم، وتلعب هذه المجلات دورًا حيويًا في دفع عجلة التقدم العلمي من خلال نشر الأبحاث والدراسات المُحكمة التي تُثري المعرفة وتُساهم في حلّ التحديات التي تُواجه البشرية، فتتيح هذه المجلات للباحثين نشر نتائج أبحاثهم ودراساتهم، ممّا يُسهم في مشاركة المعرفة مع الباحثين الآخرين والجمهور المهتم، وتشجعهم على الحوار والنقاش العلمي بين الباحثين، ممّا يُؤدّي إلى تبادل الأفكار وتطوير نظريات جديدة، وتُساهم في توجيه مسار البحث العلمي من خلال تحديد أولويات البحث واحتياجاته، وتعمل على توثيق التقدّم العلمي وتُحافظ على السجل العلمي للأجيال القادمة.

ويُمثل نشر الأبحاث في هذه المجلات إنجازًا هامًا للباحثين، وخاصةً للطلبة الذين يسعون لتأسيس مسيرتهم البحثية. ومع ذلك، يُواجه الطلبة العديد من التحديات في رحلة نشر أبحاثهم، بدءًا من فهم متطلبات النشر المُختلفة لكل مجلة، مرورًا بعملية التحكيم والتقييم، وصولًا إلى صعوبة الوصول إلى الموارد العلمية، وصعوبة إيجاد المجلة المُناسبة وغيرها من التحديات؛ حيث تضع كل مجلة علمية شروطًا ومعايير محددة لنشر الأبحاث، تتعلق بهيكلة البحث، وأسلوب الكتابة، وعدد الصفحات، وطريقة توثيق المراجع، وغيرها، وقد يواجه الطلبة صعوبة في فهم هذه المتطلبات، خاصةً مع اختلافها بين المجلات، مما يتطلب جهدًا كبيرًا من أجل التكيف مع كل مجلة على حدة. وتتلقى هذه المجلات طلبات نشر هائلة من الباحثين من جميع أنحاء العالم، مما يزيد من صعوبة قبول الأبحاث للنشر، وفي كثير من الأحيان يتم رفض طلبات النشر دون إعطاء ملاحظات كافية، مما يُحبط الطلبة ويُفقدهم الثقة ببحوثهم. ومع وجود عدد هائل من المجلات العلمية في مختلف المجالات، قد يفتقر الطلبة إلى المعرفة أو الخبرة الكافية لتقييم جودة وملاءمة المجلات المُختلفة، ويواجهون صعوبة في اختيار المجلة المُناسبة لنشر أبحاثهم ممّا قد يُؤدي إلى نشر بحوثهم في مجلة غير مناسبة، وبالتالي لا يحظى بالاهتمام الكافي من قِبل الباحثين المهتمين.

كذلك تعد تكلفة نشر الأبحاث في بعض المجلات العلمية مرتفعة، خاصةً بالنسبة للطلبة الذين يعتمدون على موارد مالية محدودة، فبعض المجلات تفرض رسومًا عالية للنشر أو للوصول المفتوح، مما يجعل النشر تحديًا ماليًا كبيرًا، وقد يفتقر بعض الطلبة إلى التمويل اللازم لإجراء أبحاثهم بشكل كامل، مما يُؤثر على جودة البحث وبالتالي يُقلل من فرص قبوله للنشر، وكذلك كتابة ورقة بحثية تتطلب مهارات متقدمة في الكتابة الأكاديمية، وهي مهارات قد يفتقر إليها بعض الطلبة، ويتطلب ذلك القدرة على تنظيم الأفكار بشكل منطقي، وعرض النتائج بوضوح، واتباع أسلوب كتابة مناسب، مما يُؤثر على جودة الورقة ويتم رفضها، ومن التحديات التي يُواجهها الطلبة كذلك في نشر أبحاثهم الوقت الطويل الذي تأخذه بعض المجلات للرد على قبول البحث من عدمه مما يصبح تحدياً قوياً للكثير منهم.

وتمثل نسبة التشابه في الأبحاث العلمية معيارًا مهمًا تفرضه العديد من المجلات العلمية لضمان الأصالة والجودة العالية للمحتوى المنشور. يتعين على الباحثين، بما في ذلك الطلبة، الالتزام بنسب التشابه المحددة من قبل المجلات لضمان قبول أبحاثهم، ولكن تحقيق هذه المتطلبات يمكن أن يمثل تحديًا لهم، فبعض المجلات تطلب نسبة تشابه تقل عن 10%، مما يشكل تحديًا كبيرًا للباحثين، خاصة عند مناقشة المفاهيم الأساسية والأساليب البحثية المشتركة التي تستخدم عبارات وتقنيات متعارف عليها، وقد يتطلب الالتزام بهذه النسبة تعديل العبارات أو حذف بعض المعلومات الهامة، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على وضوح البحث ودقته، ويرجع الأمر هنا في الكثير من الأحيان لطموح هذه المجلات للوصول للتصنيف العالمي دون مراعاة أهداف الباحثين في بناء سيرتهم البحثية، والأثر النفسي الذي يجعله يتراجع خطوة للخلف في النشر العلمي.

وختامًا.. نقول إنَّ المجلات العلمية تؤدي دورًا حيويًا في نشر المعرفة وتطوير البحث العلمي. ومع ذلك، يُواجه الطلبة تحديات كبيرة في الاستفادة منها، وعلى الرغم من هذه التحديات التي يواجهها الطلبة في نشر بحوثهم، إلا أنّ نشر الأبحاث في المجلات العلمية يظلّ إنجازًا مُهمًا يُساهم في نشر المعرفة وتبادل الأفكار وتطوير البحث العلمي. ولذا، لا بُدّ من تضافر الجهود من قِبل الجامعات والمؤسسات البحثية والناشرين العلميين لتوفير الدعم اللازم للطلبة، وتذليل الصعوبات التي تواجههم، وتمكينهم من المشاركة بفعالية في رحلة البحث العلمي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صناعةُ الألبان في سلطنة عُمان تملك إمكانات نموّ كبيرة مدفوعة بالطلب المتزايد

العُمانية: يُعد قطاع الألبان في سلطنة عُمان أحد القطاعات الواعدة التي تسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز القيمة المحلية المضافة، ويشهد القطاع حاليًّا تطوّرًا ملحوظًا في ظل الطلب المتزايد على المنتجات المحلية عالية الجودة، مدعومًا باستثمارات متنامية في خطوط الإنتاج والتوسع في أسواق التجزئة، ووسط التزام متزايد بالمعايير العالمية في الجودة والاستدامة.

وتُعد شركة مصنع الألبان الحديثة التابعة لمجموعة المطاحن العُمانية، من أبرز الجهات الفاعلة في هذا القطاع؛ إذ حققت الشركة إيرادات بلغت 1.45 مليون ريال عُماني خلال النصف الأول من عام 2025م، بزيادة نسبتها 142 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما يعكس قوة الأداء ونموّ الحصة السوقية للمنتجات الوطنية.

وأعلنت الشركة عن بدء تشغيل مصنعها الجديد في منطقة الرسيل الصناعية، ضمن خطة توسعية تهدف إلى مضاعفة الطاقة الإنتاجية، وتطوير خطوط الإنتاج، وإطلاق مجموعة واسعة من المنتجات الجديدة لتلبية احتياجات السوق المحلية وتعزيز فرص التصدير.

وأكد هيثم بن محمد آل فنه الرئيس التنفيذي لشركة المطاحن العُمانية، أن المصنع الجديد يُعد نقلة نوعية في تقنيات التصنيع، ويعتمد على عمليات متقدمة للبسترة والتجانس والتخمير، إلى جانب أنظمة أتمتة حديثة في التعبئة والتغليف، ما يسهم في رفع الكفاءة التشغيلية وضمان سلامة وجودة المنتجات النهائية.

وأشار في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية إلى أن الشركة تلتزم بتطبيق أنظمة الجودة المعتمدة دوليًّا، واعتماد إجراءات النظافة ومراقبة الجودة في جميع مراحل الإنتاج، بدءًا من استلام المواد الخام وحتى التوزيع، مع الاعتماد على موردين محليين معتمدين.

وأوضح أن الاستدامة تمثل محورًا رئيسًا في استراتيجية الشركة، من خلال تقليل استهلاك الطاقة والمياه، وتطبيق حلول فعالة لإدارة النفايات، والعمل على إدخال تقنيات الطاقة المتجددة بالتعاون مع مجموعة "المطاحن العُمانية"، في خطوة تهدف إلى تعزيز الكفاءة البيئية للمرافق الإنتاجية.

وقال: إنه في إطار التوجه نحو الابتكار، تعمل شركة مصنع الألبان الحديثة على تطوير منتجات جديدة تلائم أنماط الحياة الصحية، كما تُعزّز الشركة جهودها في البحث والتطوير لإثراء محفظة منتجاتها وتعزيز القيمة المضافة للصناعة المحلية.

وحول المسؤولية الاجتماعية، أضاف هيثم آل فنه: إن شركة الألبان الحديثة تواصل دعم المجتمع المحلي من خلال التوريد من المؤسسات العُمانية، وتوفير فرص العمل الوطنية، والمشاركة في حملات التوعية الصحية، إلى جانب تطوير شراكات مع المؤسسات التعليمية لدعم التثقيف الغذائي ونشر ثقافة الغذاء الصحي بين فئات المجتمع.

مقالات مشابهة

  • العراق في دائرة الخطر.. جانب مظلم وتحديات مركبة تهدد حياة الشعب
  • صناعةُ الألبان في سلطنة عُمان تملك إمكانات نموّ كبيرة مدفوعة بالطلب المتزايد
  • ناصر الدين: الوزارة فعلت اللجان العلمية بكل طاقاتها
  • قمة تركية ليبية إيطالية تبحث ملف الهجرة وتحديات حوض المتوسط
  • بين تقشف واشنطن وتحرك أوروبا: هل تنتقل قيادة الأبحاث البيئية إلى القارة العجوز؟
  • أكاديمية البحث العلمي تعلن فتح باب التقديم في مسابقة أفضل مشروع تخرج لـ طلاب الجامعات
  • القومي للبحوث يعلن بدء إنشاء مركز الذكاء الاصطناعي لدعم البحث العلمي
  • مجدي أبوزيد يكتب: الجامعات الأهلية.. إحدى ركائز النهضة العلمية والاقتصادية في مصر
  • فرسان الحقيقة في زمن الحرب الكبرى.. صمود غزة وتحديات الأمة
  • “تريندز” و”إقامة دبي” ينظمان محاضرة بعنوان: “من الملاحظة إلى النشر: رحلة البحث العلمي”