الفساد السلطوي والمعركة الوطنية
تاريخ النشر: 27th, May 2024 GMT
تعطي دولة ٢٠١٩م ، منذ قيامها، “الرأي العام العالمي” أهمية أكثر بكثير مما تعطيه للمحلي. والرأي العام بالنسبة إليها هو الخليج و منصاته و شبكاته ، وقد ساندته أكثر مما ساندت الإعلام المحلي من دون انقطاع، أو تردد، أو مراجعة.
في ذات المنحى ، بات واضحاً أن هناك أكثر من مركز للقرار داخل الدولة ، قبل أسابيع سحبت وزارة الإعلام تراخيص قنوات خليجية ، و اوقفتها عن البث من داخل السودان ،استجابة لضغط شعبي و جماهيري وبعد يومين فقط تراجعت عن القرار.
لعل من الأزمات الكثيرة في السودان استغلال النفوذ لتحقيق أهداف ذاتية، ويجدر الذكر أن بعض الموظفين بمجلس السيادة ومكاتب الجنرالات قد استغلوا الحرب لتحقيق مكاسب خاصة تسببت في ضرر كبير للبلاد، و عطلوا عمل مؤسسات و سحبوا صلاحياتها و تغولوا على مهامها، أحدهم يتحكم في إعلام القصر الرئاسي منذ عهد البشير، وآخر غارق في قضايا فساد من رأسه حتى أخمص قدميه، كلما ظهرت ملفات فساد مالي أو إداري أو تلقي رشاوى إلا وظهر اسمه لامعا كالشمس، ولكنه يحظى بحماية الرئيس الذي يمنحه حصانة مفتوحة أبعدت عنه مخالب القضاء، مما جعله أحد معاول هدم الدولة.
كل هذه الانتكاسات لم تمنع الشجعان من الصدح بالحق وتصحيح المسار، لن نسمح على الإطلاق بأن تُستغَلّ المناصب لتحطيم الدولة، فلطالما كانت أزمة الدولة في تلبُّك سلطاتها، بجانب ذلك نعلم أن الكشف عن عرابي الفساد المحمي بسلطات الدولة وهي تخوض حرباً ضد عدوان مدعوم أجنبياً قرار صعب ولكنه مهم لإنقاذ البلد وتأمين مصالحه العليا.
المدهش في الأمر أن تلفزيون الدولة الرسمي تقدم باكثر من طلب لإجراء مقابلات مع أعضاء مجلس السيادة الانتقالي ، ثلاثة فرق من الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون تكبدوا المشاق حتى ام درمان لإجراء مقابلة مع “العطا” لم تجد استجابة أو حتى رد إيجاباً أو رفضاً ، ولكن بعض كبار الموظفين بمجلس السيادة ممن تربطهم علاقات مشبوهة مع دوائر أجنبية، اوفدوا فريق قناة “الحدث” التي تبث من الامارات الى الخطوط الأمامية للقيام بمهمة كان أولى بها الإعلام الوطني الذي يعمل في ظروف بالغة التعقيد .
هو ذات المنهج التدميري لأجهزة الدولة ومنها الإعلام الذي ظل متبعا منذ خمس سنوات فلا يوجد زمن منفصل عن زمن، ولا حادث منبت عن سابقه، كل الحلقات في نهر الزمن يمسك بعضها برقاب بعض في أمواج التاريخ.
كل تلك المواقف الرسمية الإقصائية تجاه المؤسسات الوطنية تحتاج لأن نستوعب ما يجري في السودان، بصدق وعمق، اليوم، ومن هي الجهات التي تحرك هؤلاء الأشخاص ما هي محركاتهم،، وما هو الوقود الذي يحرك هذه الآلة السلطوية الضخمة…
ولكل هذا يصبح إنقاذ البلاد من الفوضى والانسداد متقدماً على اللحظة الراهنة والتي ترفع شعاراً مزيفاً (ما تشقوا الصف… نحن في حالة حرب) سنشقه ونحطمه أن استدعى ذلك، فمصير السودانيين ومستقبلهم فوق كل الاعتبارات، ليس بهذه الشعارات الزائفة يحيا الإنسان، بل بالاستقرار والأمان، فهذه الآلة السلطوية استخدمت وسائل متعددة للتكسب غير المشروع، وليس لتحقيق رفاهية الشعب السوداني.
محبتي واحترامي
رشان اوشي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
من حرية التعبير إلى “الطشة”.. الإعلام العراقي رهينة بين الديمقراطية والفوضى
1 أغسطس، 2025
بغداد/المسلة:
في لحظةٍ بدت كأنها قادمة من خلف الكواليس، خرج رئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، من صمته مُحذّراً مما سمّاه محاولات تكميم الإعلام الحرّ، في تغريدة بدت كما لو أنها تسعى لفتح جبهة دفاع استباقية وسط صراع سياسي وإعلامي يحتدم على عتبة انتخابات مصيرية.
وظهرت نبرة المالكي وكأنها تعبّر عن أزمة أكبر من مجرّد تقييد مؤسسات للدور الإعلامي، فهي تُلقي الضوء على ما يسميه البعض “تغوّل السلطة الرمزية”، عندما تتحوّل الدولة العميقة إلى لاعب خلف الستار في مشهد الإعلام الحرّ.
وبينما حمّل المالكي السلطات الثلاث مسؤولية ما وصفه بـ«الصمت المرعب»، فإنه في ذات الوقت لم يُسمِّ أسماءً، تاركاً الجمهور يقرأ في الفراغ، أو يبحث بين سطور الخريطة السياسية المتشابكة، خصوصاً أن الرجل نفسه، إلى جانب رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، يخوضان معركة رمزية في بغداد بصفتهما “الرقم واحد”، لا في السياسة فقط، بل في السيطرة على الخطاب العام.
يبدو حديث المالكي عن حرية الإعلام محمّلاً بشحنة رمزية أكثر من كونه موقفاً مبدئياً خالصاً. فالإعلام الذي عاش لعقود في كنف الحزب الواحد، ما بعد 2003، وجد نفسه في مواجهة “تعددية مفخخة” لا تحكمها قوانين؛ بل توازنات قوة واحزاب ومنصات بلا رقيب.
وها هو الواقع الإعلامي العراقي يراوح بين خطاب الدولة وخطاب السلاح، وبين احترافية جامعية تتهاوى على أبواب منصات “الطشة”، حيث التحشيد المجاني والتسقيط المهني يصنعان جمهوراً وهمياً، وشعبية زائفة، ومحتوى مشوّه، يخدم قوى تصنع من “الديمقراطية الموجهة” غطاءً لما يُمكن وصفه بـ”التعددية المرتابة”.
ويظل الإعلام في هذا السياق ساحة نزاع بين مفاهيم الدولة وممارسات اللادولة، بين ما هو حقّ دستوري وفق المادة 38، وما هو واقع تسوده فوضى قانونية وانفلات سياسي. ولذا، فإن التحذير، وإن حمل في مضمونه دعوة لحماية حرية التعبير، إلا أنه لا ينفصل عن صراع القوى المتشابكة في العراق: صراع بين من يكتب التاريخ، ومن يملك أدوات كتابته.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts