لجريدة عمان:
2025-07-05@13:29:30 GMT

الفلسفة تعيننا على فهم أنماطنا الاستهلاكية

تاريخ النشر: 29th, May 2024 GMT

الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -

ربما لن يكون من المبالغة القول: إن الفلاسفة لم يهتمّوا حقًّا بموضوع الاستهلاك. وبالمقابل، من النّادر (مع الأسف) أن يحدّثك مديرٌ لعلامةٍ تجارية عن أرسطو أو سبينوزا. ومع ذلك، كيف يتأتّى لنا أن نفكّر بشكل لائق في موضوع الاستهلاك دون خلفية فلسفية؟ لأن السلع التي نستهلكها تثير أسئلة ذات طبيعة فلسفية: أي معنًى لها في حياتنا؟ ما القيمة التي نمنحها لها؟ وما الذي تخبرنا به عن العلاقات بين الناس؟

بعيدًا عن مسألة الاستعمال

لقد حظي موضوع الاستهلاك بالتحليل منذ فترة طويلة من المنظور المزدوج للمنفعة والأخلاق، غير أن علاقتنا بالسلع ليست علاقة أداتية وحسب.

وحتى لو بدا من الصّعب استبعاد القيمة الاستعمالية للسلع تمامًا (كما اقترح من قبل الفيلسوف جون بودريار (Jean Baudrillard) على سبيل المثال)، فإن السلع لا يمكن اختزالها في وظيفتها العملية.

إن المعنى الذي تُحيل إليه سلعة ما قد يكون شخصيًّا أو عائليًّا أو اجتماعيًّا أو ثقافيًّا... وبعيدًا عن مسألة الاستعمال، فإن قضية المعنى هي التي توجد هنا على المحكّ. من المؤكّد أن جميع السلع تملك خصائص ملموسة (الأشكال والألوان والمواد)، إلا أن معناها لا يقتصر على هذا البعد الجوهري. ولا قيمة للسلع إلا بمقتضى المعنى الذي نسقطه عليها. وهذا الذي يسمح لها بأن تلعب دور وساطاتٍ جوهرية (فيزيقية ورمزية في الوقت ذاته) في علاقاتنا مع الآخرين ومع أنفسنا.

البعد الأخلاقي

بصرف النّظر عمّا إذا كانت السوق محايدةً من الناحية الأخلاقية أم لا، فإننا سوف نترك جانبا مسألة الآداب العامة (morality) التي تطمس البعد الأخلاقي للاستهلاك. ولنعتبر، أسوةً بالفيلسوف بول ريكور (Paul Ricoeur)، أن الأخلاق (ethics) تحيل إلى ما يعدّه الفرد خيِّرًا، في حين أن الآداب العامة تشير إلى ما يفرض نفسه على أنه إلزامي بالنظر إلى أننا نعيش في مجتمعات تحكمها قواعد وقوانين تفرض قيودًا على الأفراد.

إن النظر إلى الأخلاق وفقًا لهذه الرؤية يعني افتراضًا مفاده أن العلامات التجارية التي يتفاعل معها هؤلاء الأفراد تزعم مبادئ (وقناعات) وتُزاوج بين مواقف وأفعال متعلقة بالمنتجات المعروضة، وعمليات الإنتاج، وظروف العمل، والخطابات الإعلانية، وغير ذلك. كما أن الحديث عن الأخلاق يعني أيضًا الانطلاق من مبدأ مفاده أن الأفراد الذين يشترون السلع لا يبحثون فقط عن القيمة النّفعية لهذه السلع؛ إنهم يختارون ويقرّرون وفقًا لما يعدّونه خيّرًا.

السعادة باعتبارها أفقًا

من الممكن إذن تحديد استراتيجيات استهلاكية بوسع الأفراد أن يلجأوا إليها. وللقيام بذلك، يجب علينا بدايةً أن ننطلق من هذا المحرّك الأول المتمثل في السعادة. لقد أنشأ علم التسويق، من خلال محاولة الربط بين قيم أداتية (سهولة الاستخدام، السرعة، السعر المنخفض) وقيم نهائية (الحب، التواجد معًا، السعادة)، ما يشبه سلّمًا للكينونات يتوجّه نحو البحث عن السعادة.

إن السلع التجارية قد تُبرز أو تُخفي بشكل أو بآخر الرّغبة في السعادة. تلك إحدى الأساطير المؤسّسة لمجتمع الاستهلاك الجامح. لكن هل يمكننا تحقيق السعادة من خلال الاستهلاك؟ هذا ما لا تنفكّ العلامات التجارية تحدّثنا عنه.

لننطلق، على سبيل المثال، من حملة إعلانية لعلامة تجارية. إنها تقول لنا بشكل صريح ودون مواربة: «من الجيّد أن نمتّع أنفسنا!». ما الأهمية الفلسفية لمثل هذا الادّعاء؟ وما الذي تقوله لنا عن الرغبة الاستهلاكية؟

إضاءة أبيقورية

لنعد إلى ما يخبرنا به الفيلسوف الإغريقي أبيقور (Epicurus) عن الرغبة، وكيف أنه من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار خاصيّتين: هل هذه الرغبات طبيعية؟ وهل هي ضرورية؟ وبناءً على مفتاح القراءة المزدوج هذا، يمكننا تسليط الضوء على أربع استراتيجيات استهلاكية ممكنة.

• الحفاظ على الاعتدال:

تتمثل أول استراتيجية في تفضيل الرغبات التي تكون طبيعية وضرورية في آن الوقت. إنها ببساطة استراتيجية استهلاكية تقوم على أخلاقيات الاعتدال.

يتوافق هذا المنطق النّقدي للمتع مع الفكرة الأبيقورية التي تقول: إنه من الأفضل الابتعاد عن الأشياء التي يمكن أن تتسبّب لنا عاجلا أم آجلا في الألم أو الاستعباد. ويشجّع هذا التمثّل للاستهلاك الابتعاد عن التّرف والأشياء السخيفة والتافهة. إننا نقدّر الخير في بعده الوظيفي مختزلين إيّاه غالبًا في قيمته الاستعمالية. والأساس الأيديولوجي هنا هو أن بإمكانك دائمًا فعل المزيد بموارد أقل، ومن الضروري أن نبقي أنفسنا دومًا في منأًى عن الفوران والحماسة والإسراف غير المجدي والإنفاق غير المنتج الذي يميز الاقتصاد العام وفقًا للفيلسوف جورج باتاي (Georges Bataille).

تقوم أخلاقيات البساطة هذه على مبدأ اقتصادٍ مقيَّد يركّز على العمل وإنتاج الثروة والمنفعة (على عكس الاقتصاد العام الذي يحكمه مبدأ إنفاق فائض الثروة). ومن السهل أن نفهم حدود تعميم مثل هذا النهج لأسباب أنثروبولوجية (الحاجة الماسّة إلى الإنفاق من أجل حيويّة النظام الاجتماعي)، واقتصادية (خلق القيمة)، ونفسية (الشعور بالتقييد). وسرعان ما تتحطّم هذه الأخلاقيات مصطدمةً بحدود المنفعة.

• البحث عن المتعة:

تركّز الإستراتيجية الثانية على الرغبات التي تكون طبيعية غير أنها ليست ضرورية. والفكرة هنا هي ألا نسعى سوى وراء الرغبات الطبيعية التي لا يسبّب عدم إشباعها أي ألم. وتحيل هذه الإستراتيجية إلى البحث عن المتعة، وهي متع بسيطة في كل الأحوال لا تؤدي إلى الإدمان أو التبعيّة. يرى أبيقور أن هذه الرغبات لا تعدو أنها تنوّع المتعة وليست ضرورية من أجل إزالة الألم (مثل الأطعمة الشهية).

في كتابه الموسوم «زلبادوني» (Zilbadone) الذي يحتوي على نظرية في المتعة، يُبرز المفكر الإيطالي الكبير جياكومو ليوباردي (Giacomo Leopardi) على نحوٍ جيد الغرور الكامن وراء مثل هذا المسعى. إن الرغبة في المتعة أمر فطري وهي غير محدودة، لكن الموجود يكون دائمًا فرديا، أي محدودا. وبالتالي فلا يمكن لسلعة ما أن تمنح سوى متعة محدودة في الزمن. وفضلا عن ذلك، ليس ثمّة متعة أبدية فهي لا تدوم إلا لفترة قصيرة ولا بد من تنويع محتواها، وإلا فإنها تتآكل بسبب التعوّد.

ويذهب ليوباردي أبعد من ذلك قائلا: إنه لا وجود للمتعة، فالذي يوجد هو هذه المتعة بعينها أو تلك، والتي تكون دائمًا محدودة ومحدّدة. وإلى هذا ترجع الطبيعة المؤلمة للحياة، لأن هذه الأخيرة تطمع في متعة غير محدودة لكنها لا تجد بين الفينة والأخرى سوى متعة محدودة لا تروي ظمأها ولا ترقى إلى إرضائها. إن كل ما نفعله باستمرار هو تحويل انتباه «الرغبة غير المحدودة» كما يقول ليوباردي. ولهذا فإن كل المتع بلا استثناء ممزوجة بالألم. ولا وجود للمتعة غير المحدودة في الواقع، بل هي موجودة في الخيال فقط، ومن هنا تأتي أهمية الصور والمظاهر التي تملأ المجتمع الاستهلاكي.

• تكثيف العواطف:

تركّز الاستراتيجية الثالثة على الرغبات التي ليست طبيعية ولا ضرورية، أو ما يسمّيه أبيقور بالملذّات العقيمة التي لا طائل منها مثل التشريفات أو مراكمة الثروات. تتعلّق هذه الاستراتيجية بتكثيف المتع والعواطف، وبوسعنا أن نطلق عليها بشكل مشروع اسم النّزعة التكثيفية.

يبحث الناس عن السلع لأنها تبعث الأحاسيس والعواطف فيهم، سواء كانت ممتعة لهم أم لا. إن الفكرة هنا هي أننا نعيش حقًا من خلال ما هو استثنائي وغير مألوف وغير متوقع. لقد أبرز داني روبير دوفور (Dany-Robert Dufour) من خلال دراسة تاريخ الرأسمالية في عمله الموسوم «السوق الإلهية»، كيف أننا انتقلنا من أوامر تحرّم علينا الاستمتاع بالملذّات إلى واجب الاستمتاع بأي ثمن. ومن المؤكّد أن الماركيز دو ساد (Marquis de Sade) مثال على حركة تحرير المشاعر هذه، التي دعمت الرأسمالية باعتبارها اقتصادًا للاستمتاع.

• استراتيجية رابعة:

أخيرًا، لا يتناول أبيقور مسألة المتع الضرورية التي ليست طبيعية. يمكن أن نطلق على هذه الاستراتيجية «نزعة التأنّق» (dandysme)، وهي هذه الرغبة «النّادرة جدًا بين المعاصرين، لمحاربة التّفاهة وتدميرها»، والتي تحدّث عنها شارل بودلير (Charles Baudelaire) في «رسّام الحياة الحديثة».

يؤسّس المتأنّق لضرورة ما هو غير طبيعي، أي التميّز و»الأناقة المدفوعة إلى حدّها الأقصى» وهذه «البساطة المطلقة»، التي يراها بودلير كأفضل طريقة للتميّز عن الآخرين. إن نزعة التأنّق هي إذن مثال عن خدعة كبيرة في المجتمع الاستهلاكي تتمثل في التطبّع مع ما هو مصطنع، أي الرغبات غير الطبيعية.

يثير الكشف عن هذه الأنواع من الرغبات عدة أسئلة: كيف يمكننا التوفيق بين المقاربة المقتصدة للاستهلاك والحاجة المستمرة إلى خلق قيمة اقتصادية؟ كيف يمكن أن نشحذ رغبة الأفراد دون أن نسقط في نظام نزوي بحت، ودون أن تؤدي الحياة اليومية والتكرار إلى ابتذال السلع التجارية؟ ما هو الدور الذي تلعبه السلع المادية والخيال في خلق الرغبات التجارية ونشرها؟ كيف يمكن للعالم التجاري التوفيق بين الرغبة في اللامحدود التي تميز البشر ومحدودية السلع التجارية؟

على هذه الأسئلة وغيرها ينبغي أن تنصبّ نظرة الفيلسوف من أجل التفكير حقًا في موضوع الاستهلاك.

بونوا إلبرون أستاذ علم التسويق بمدرسة باريس العليا للتجارة

عن موقع The Conversation

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

كيف يؤثر تراجع الدولار على اقتصادات ومواطني الدول العربية؟

لم يكن الدولار الأميركي مجرد عملة وطنية ضمن نظام نقدي عالمي متعدد فحسب، بل تحوّل خلال العقود السبعة الماضية إلى ركيزة رئيسية للاقتصاد الدولي ووسيط مهيمن في حركة التجارة والتمويل.

فقرابة 80% من المعاملات التجارية العالمية تُسعَّر به، مدعومة ليس فقط بثقل الاقتصاد الأميركي، بل أيضًا بارتباط معظم السلع الإستراتيجية والعقود السيادية من النفط والمعادن إلى الشحن والتسليح بهذه العملة.

ومع احتفاظ البنوك المركزية حول العالم بجزء كبير من احتياطاتها بالدولار، اكتسبت العملة الأميركية نفوذًا يتجاوز حدود الاقتصاد إلى التأثير الجيوسياسي والقدرة على رسم ملامح النظام المالي العالمي.

وتُقدَّر قيمة التجارة العالمية المرتبطة بالدولار بنحو 33 تريليون دولار سنويًا (بيانات عام 2024)، منها ما يقرب من 24 تريليون دولار في تجارة السلع، مثل الطاقة والمواد الغذائية، ونحو 9 تريليونات دولار في قطاع الخدمات، كالسياحة، والنقل، والتكنولوجيا، والخدمات المالية.

وتسعير هذه المعاملات بالدولار يجعل أي تراجع في قيمته ينعكس مباشرة على تكاليف الاستيراد، واستقرار العملات المحلية، خصوصًا في الدول التي تربط عملاتها به أو تعتمد عليه تجاريًا وتمويليًا.

 

وفي العالم العربي، يُشكّل الدولار حجر الزاوية في المنظومة الاقتصادية والمالية، سواء على مستوى الاحتياطات، أو الواردات، أو العقود التجارية.

بَيد أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا في المؤشرات المقلقة المرتبطة بالدولار، أبرزها فقدانه حوالي 11% من قيمته خلال النصف الأول من عام 2025، في أسوأ أداء نصف سنوي له منذ 1973، إلى جانب تراجع الثقة الدولية وانتشار استخدام عملات بديلة.

في هذا التقرير، نسلّط الضوء على أبرز أسباب هذا التراجع، ونحلّل انعكاساته المختلفة على الدول العربية، وشركاتها، ومواطنيها، في ظل تحوّلات مالية وجيوسياسية متسارعة.

هوامش أرباح الشركات المُصدّرة تتآكل عند تحويل الإيرادات الدولارية إلى العملات المحلية (شترستوك) أسباب تراجع الدولار

رغم صموده لعقود كعملة احتياطية عالمية، فإن عدّة تطورات هيكلية بدأت تنال من مكانة الدولار عالميًا وتدفع الدول نحو إعادة النظر في الاعتماد عليه:

إعلان الإفراط في الطباعة دون غطاء إنتاجي

منذ جائحة كوفيد-19، ضخت الحكومة الأميركية نحو 5 تريليونات دولار في الاقتصاد عبر برامج تحفيزية عُرفت بسياسة "التيسير الكمي"، وهي تعني ببساطة ضخ سيولة جديدة في السوق دون أن يقابلها إنتاج فعلي.

هذه السياسة ساهمت في رفع معدلات التضخم، وأضعفت الثقة في استقرار الدولار على المدى الطويل.

تضخم الدين العام الأميركي

بلغ الدين العام الأميركي نحو 37 تريليون دولار منتصف عام 2024، في أعلى مستوى له تاريخيًا. ومع استمرار الاعتماد على طباعة النقود لتمويل هذا الدين، وفرض زيادات ضريبية، تعاظمت المخاوف الدولية من هشاشة أساسات الدولار.

الاستخدام السياسي للعملة

تسببت إجراءات مثل تجميد الأرصدة الروسية عام 2022 في تعزيز الشكوك حول حيادية الدولار كعملة عالمية. هذا دفع عدة دول كبرى إلى التفكير جديًا في فك الارتباط بالدولار خوفًا من استخدامه أداة ضغط جيوسياسي.

صعود عملات بديلة

شهدت السنوات الأخيرة توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية والإقليمية بين دول كبرى، تُستخدم فيها العملات المحلية بدلًا من الدولار. كما تُجري مجموعة "بريكس" مشاورات لإنشاء عملة احتياطية جديدة، مما يُضعف التفرد التاريخي للدولار ويمهّد لنظام مالي عالمي متعدد الأقطاب.

نتائج تراجع الدولار عالميًا

بعد استعراض العوامل المسببة، ننتقل الآن إلى تداعيات هذا التراجع، والتي تطال الاقتصاد العالمي برمّته:

الدول المستوردة، خاصة المرتبطة بالدولار، ستواجه ارتفاعًا في تكلفة السلع المستوردة، وضعفًا في قيمة الإيرادات عند تحويلها لعملاتها المحلية. البنوك المركزية التي تحتفظ باحتياطيات ضخمة بالدولار ستشهد تراجعًا في القيمة الحقيقية لهذه الأصول. أسعار السلع الأساسية، مثل النفط والذهب والقمح، قد تصبح أكثر تقلبًا في غياب مرجعية موثوقة ومستقرة. الأسواق الناشئة ستتأثر باضطرابات في تدفقات الاستثمار وتذبذب العملات المحلية.

ورغم أن هذا التراجع لا يعني بالضرورة انهيار الدولار، فإنه يرمز إلى تغير تدريجي في قواعد اللعبة الاقتصادية الدولية.

عجز الموازنات العامة في الدول العربية يتأثر مباشرة بانخفاض القوة الشرائية للدولار (شترستوك)

 

تأثير الدولار على الاقتصاد العربي

يرتبط الاقتصاد العربي بالدولار بشكل وثيق، ما يجعل أي تراجع في قيمته يترك أثرًا مباشرًا على الاستقرار المالي والتجاري في المنطقة.

1- الاعتماد العربي على الدولار

منذ اتفاق "البترودولار" في السبعينيات، ربطت معظم دول الخليج صادراتها النفطية بالدولار، وهو ما جعل العملات الخليجية تُربط به رسميًا.

أما الدول غير النفطية مثل مصر، وتونس، والمغرب، فترتبط به بشكل غير مباشر من خلال تسعير الواردات، والاعتماد على القروض الدولية، والتحويلات، وتسديد الالتزامات الدولية.

وتحتفظ البنوك المركزية العربية بمئات المليارات من الدولارات، أغلبها على هيئة سندات خزانة أميركية، فيما تُسعّر أغلب الصادرات والواردات بهذه العملة، ما يجعل الاقتصاد العربي مكشوفًا لأي تقلبات فيها.

وفقًا لصندوق النقد الدولي، يشكّل الدولار حوالي 59% من الاحتياطات الرسمية العالمية، ما يجعل تراجعه مصدر تهديد مباشر لقوة هذه الاحتياطات.

2- انعكاسات مباشرة على الدول العربية

تآكل الاحتياطات
مع تراجع قيمة الدولار، تفقد الأصول المقوّمة به جزءًا من قدرتها الشرائية، ما يستدعي مبالغ أكبر لتمويل الاستيراد أو دعم السلع الأساسية، خصوصًا في فترات الأزمات. عجز الموازنات
اعتماد الدول على الدولار في تسعير الصادرات والاقتراض يجعله عنصرًا حاسمًا في الميزانيات العامة. وعندما تتراجع قيمته، تنخفض الإيرادات الحكومية الحقيقية بينما ترتفع تكلفة الواردات وخدمة الدين، وهو ما يؤدي إلى فجوات تمويلية وضغوط مالية. ضغوط معيشية داخلية
ارتفاع تكلفة الاستيراد بسبب ضعف الدولار ينعكس على أسعار السلع في الأسواق المحلية، مما يُضعف القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في البلدان ذات الدخول المحدودة. انتقال التضخم العالمي
ربط العملات بالدولار يجعل الدول العربية مكشوفة أمام التضخم المستورد. فعندما ترتفع الأسعار عالميًا، تنتقل التأثيرات إلى الداخل دون أن تكون لدى الحكومات أدوات نقدية كافية لاحتوائها. إعلان تأثيرات الدولار على الشركات العربية

ولفهم التأثير بدقة، نُحلّل انعكاس تراجع الدولار على الشركات العاملة في العالم العربي:

اضطراب التكاليف: تعتمد أغلب الشركات على الاستيراد بالدولار، سواء للمواد الخام أو المعدات. فتقلب سعر الصرف يربك الميزانيات، ويقلّص الهوامش، ويُضعف القدرة التنافسية. خسائر العقود: المشاريع المرتبطة بعقود طويلة الأجل مقوّمة بالدولار، مثل قطاعي الطاقة والإنشاء، تواجه تراجعًا في العوائد الحقيقية، مما قد يؤدي إلى خسائر أو الحاجة لإعادة التفاوض. تنافسية مختلطة: تراجع الدولار قد يُحسن قدرة بعض الشركات المُصدّرة على جذب المشترين الدوليين بأسعار منخفضة، لكنه في الوقت نفسه يُضعف الأرباح عند التحويل للعملة المحلية، خصوصًا إن كانت التكاليف محلية أو التمويل خارجيا.
التضخم المستورد ينتقل إلى الأسواق العربية بسبب ربط العملات المحلية بالدولار (شترستوك) انعكاسات على الأفراد

رغم الطابع الكلي لقضية الدولار، فإن المواطن العادي يتأثر بها بطرق ملموسة:

تآكل قيمة التحويلات: الأسر التي تعتمد على تحويلات المغتربين بالدولار تفقد جزءًا من قدرتها الشرائية حينما تنخفض قيمته. ضعف المدخرات: الادخار بالدولار يصبح أقل أمانًا عندما تتراجع قيمته الفعلية رغم ثباته الرقمي. تذبذب الرواتب: في بعض الدول، الرواتب تُصرف بالدولار أو تُربط به. ومع انخفاض قيمته، تقل القوة الشرائية دون تغيير الرقم. زيادة الأسعار: تكلفة السلع المستوردة بالدولار، خصوصًا الغذاء والدواء والطاقة، ترتفع، مما يؤثر على ميزانية الأفراد. صعوبة التخطيط المالي: تقلب الدولار يُربك قرارات الاستثمار، والتعليم، والسفر، ويخلق حالة من انعدام اليقين. كيف نتكيّف مع تراجع الدولار؟

على الدول العربية، وشركاتها، وأفرادها، الاستعداد لواقع جديد عبر خطوات عملية:

الحكومات تنويع الاحتياطيات: عبر تعزيز حصة اليورو، اليوان، الذهب، أو وحدات السحب الخاصة. اتفاقيات العملات المحلية: توقيع اتفاقيات مع شركاء تجاريين تعتمد على العملات المحلية للحد من الاعتماد على الدولار. تعزيز الإنتاج المحلي: الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل الغذاء، الطاقة، والدواء لتقليل الاستيراد وتقوية الاستقلال الاقتصادي. الشركات التحوّط المالي: استخدام أدوات مالية مثل العقود الآجلة، وصناديق العملات، والحسابات متعددة العملات لحماية الأرباح من تقلبات السوق. مراجعة العقود: تعديل العقود طويلة الأجل لتشمل سلال عملات بدلًا من الاعتماد الأحادي على الدولار. تنويع التمويل والموردين: الابتعاد عن الاعتماد الحصري على الدولار في الشراء أو الاقتراض الخارجي. الأفراد تنويع المدخرات: توزيع الادخار على عدة أصول مثل العملات البديلة، الذهب، العقارات، أو شهادات الاستثمار. مراقبة التحويلات: متابعة أسعار الصرف واختيار الوقت المناسب لتحويل الأموال، أو الاحتفاظ بجزء منها محليًا. ضبط الإنفاق: ترشيد الاستهلاك وتحسين التخطيط المالي لمواجهة ارتفاع الأسعار وتقلبات السوق.

لم يعد تفوّق الدولار مضمونًا كما في السابق. فالتغيير جارٍ، وعلى الجميع التفاعل معه بحكمة. والتحول نحو عالم مالي متعدد الأقطاب لم يعد سيناريو افتراضيًا، بل واقعًا في طور التشكل.

إن الدول العربية مطالبة اليوم بإعادة تقييم انكشافها على هذه العملة، ليس فقط لمواجهة التقلبات المالية، بل للتحصين من تداعيات جيوسياسية أعمق. فالأزمات لا تنذر قبل وقوعها، بل تتسلل تدريجيًا إلى أن تُفرض كأمر واقع.

وعلى الحكومات، والشركات، والأفراد أن يبدؤوا اليوم خطوات عملية للتحوّط، قبل أن تصبح كلفة التأخير باهظة.

مقالات مشابهة

  • منصة قبول تحذر من أخطاء شائعة عند إدخال رغبات التقديم الجامعي 1447
  • الحسان من كربلاء: الاستقرار الذي تحقق بالعراق لم يأتِ بالصدفة
  • تنسيق الجامعات 2025.. 800 جنيه رسوم حجز اختبارات القدرات وتسجيل الرغبات إلكترونيًا
  • كيف يؤثر تراجع الدولار على اقتصادات ومواطني الدول العربية؟
  • وفاة الفيلسوف الليبي نجيب الحصادي.. مسيرة أكاديمية وفكرية حافلة
  • المواصفات: ضبط 4 أطنان من السلع منتهية الصلاحية بمحلية مروي
  • قبول: غدًا آخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروطًا خاصة
  • منصة قبول: غدًا آخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصة
  • قبول : غداً اخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصة
  • عاجل - قبول : غداً اخر يوم لإضافة الرغبات التي تتطلب شروط قبول خاصة