كنت في إيران خلال ما سلف من أيام ضمن وفد يمني ثقافي لحضور فعاليات معرض طهران الدولي للكتاب في دورته الخامسة والثلاثين، وفد تم اختيار اليمن كضيف شرف للمعرض بعد عقد ونيف من الحصار الثقافي الذي تفرضه قوى العدوان على اليمن، وكانت مشاركة اليمن ذات تفرد وتميز وتفاعل كبير على المستوى الرسمي أو الدبلوماسي أو الشعبي.
زار جناح اليمن كل المسؤولين من أعلى هرم السلطة من القيادة الثورية الإيرانية إلى السلطة التنفيذية بدءا من رئيسها المرحوم إبراهيم رئيسي إلى أدنى هرم السلطة فضلا عن التفاعل الشعبي الكبير من أفراد المجتمع في عمومه والمجتمع الثقافي في خصوصه، وكانت مواقف اليمن الكبيرة من حرب الإبادة المشتعل أوارها في فلسطين حاضرة في أذهان الناس الكل يبدي تقديره وإعجابه بالقيادة الثورية اليمنية والكثير يحمل الوفد التحايا الصادقة لقائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك الحوثي .
ما أدهشنا خلال الرحلة التي استمرت ثلاثة عشر يوما هو المكانة الكبيرة التي يحتلها اليمني في مشاعر الناس بعد موقف اليمن من حرب الإبادة في فلسطين وحدثنا الكثير من المغتربين عن حجم التحول في التعامل معهم في مختلف دول العالم، ومثل ذلك شكل مصدر عزة وفخر لكل يمني غيور على كرامة الأمة ومقدساتها ومقدراتها، كما أن القيادة الثورية تحتل مكانة كبيرة في قلوب الشرفاء في كل بقاع العالم, الكل يريد أن يعرف عنها الكثير، عرفنا ذلك من خلال السؤال المكثف لكل من يزور جناح اليمن في معرض طهران الدولي للكتاب سواء كان من ايران أو من غيرها .
كانت السفارة بطهران قد ترجمت عددا من الكتب إلى الفارسية والعدد نفد منذ اليوم الأول لتعطش الناس إلى معرفة كل شيء في اليمن وعن اليمن، وخاصة عن القيادة الفتية التي لفتت أنظار العالم إليها، وبدا لنا أن القارئ الإيراني كان متعطشا كي يقرأ الكثير عن اليمن عن تاريخه، وحضارته، وثقافته، وعن مشهده الثقافي، وهو الأمر الذي يضعنا أمام مسؤولية كبيرة في قابل الأيام حتى نكون عند مستوى ظن الناس بنا .
السؤال الذي كان يتكرر دائما على لسان كل مسؤول إيراني يزور المعرض من أعلى الهرم إلى أدناه هو :
ما هو حجم التفاعل الثقافي والأدبي في اليمن المؤازر لموقف اليمن من فلسطين ؟
لم نكن نحمل سوى ديوان ” لستم وحدكم ” الذي طبعته هيئة الكتاب بصنعاء بالتعاون مع هيئة الأوقاف والذي تضمن عددا كبيرا من القصائد الفصحى لشعراء اليمن – طبع في ثلاثة أجزاء – وحين نخبرهم بذلك نقرأ الدهشة على وجوههم, ويباركون الخطوة، ويتمنون المزيد، ويسدون النصائح في ضرورة التكامل في تسجيل موقف اليمن المشرف من فلسطين في المستويات المتعددة، ويعللون ذلك الحرص من واقع تجربتهم، فهم يقولون : من المهم أن تقرأ الأجيال كل شيء حتى لا يخونون تاريخهم في المستقبل ولا يفرطون بالتضحيات .
ايران دولة كبيرة وقوية وبنيتها الثقافية أكثر اتساعا مما نتخيل، فهي تطبع خلال العام ما يزيد عن مليون عنوان في مختلف العلوم والفنون والآداب، وتطبع هيئة الكتاب وحدها في العام مئة وعشرين الفا من العناوين في مختلف الفنون والمجالات، وكل فرد من مواطنيها يحمل بطافة اشتراك في مكتبتها الوطنية، ولديها مكتبة أطفال كبرى تستفيد من التقنيات المعاصرة، والطفل في ايران معني بشراء كتاب من كتب الأطفال بمعدل كتاب كل شهر، ولابد أن يخبر معلمته أو مدرسته عن قيامه بشراء الكتاب، فالوعي يبدأ مع النشأة ومتزامنا معه، وعلاقة الشخص بالكتاب عندهم علاقة عضوية لا يمكن الفصل بينهما .
إيران لا تعيش بمعزل عن العالم، ففي خلال العام المنصرم – وفق كلام رئيس هيئة الكتاب الإيراني السيد علي رمضاني – قاموا بترجمة خمسة وعشرين الف عنوان وطبع كل ذلك العدد وأصبح متداولا، وهو عدد كبير كما نرى، فالعلوم والمعارف حالة إنسانية تكاملية ويمكن للدول الاستفادة من تجارب الآخرين والإضافة إليها، فالحضارة الأوروبية المعاصرة لم تقم إلا على أكتاف الحضارة الإسلامية من خلال الاستشراق والترجمة وهي حركة ثقافية بدأت في عصر النهضة الأوروبية .
كان معرض طهران كبيرا ومتسعا من حيث عدد دور النشر المشاركة فيه سواء الإيراني أو غير الإيراني، كما أن حجم التفاعل الجماهيري كان كبيرا جدا، وحركة التداول كبيرة تفوق المتوقع، وهناك عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية التي صممت لها استديوهات في المعرض لنقل كل التفاصيل التي تدور في المعرض، وشكل المعرض حدثا ثقافيا كبيرا أدهش الكثير من الذين زاروا الكثير من معارض الكتاب الدولية، كما أن الأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض لم تتوقف على مدار الساعة في أربع قاعات مخصصة لذلك فضلا عن العروض المسرحية للأطفال والكبار والمسرح الصامت كان حاضرا .
في ايران تجربة ثقافية رائدة وبنية ثقافية كبيرة ولذلك حارت القوى المعادية للنظام الإيراني في اختراقها أو القدرة في تفكيك هويتها الثقافية أو الحضارية أو النيل من نظامها السياسي، فالوعي ركيزة أساسية لبقاء أي نظام في العالم، والكتاب والاهتمام به من أهم الأدوات في الزمن المعاصر .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي
يمانيون|| كتابات:
ليست كل المعارك تخاض بالسلاح وليست كل الآيات تتلى من كتاب. هناك في غزة المحاصرة حيث لا مكان للترف ولا متسع للتراجع تنبعث من تحت الركام أعظم الشواهد على حضور الله في واقع البشر. غزة التي اختارها الله لتكون ساحة التجلي لا تكتب سطورها بالحبر بل تحفرها بالدم وتوشّيها بصبر شعب يرفض أن ينكسر.
في هذا العالم التي تزداد فيه العتمة وتتكالب فيه قوى الطغيان على الشعوب المستضعفةتتوهج غزة كنجم لا يخبو لا لأنها تملك من العتاد ما يُرهب العدو بل لأنها تحمل في قلبها يقينا لا يتزعزع وتقاتل بثبات الجبال وإيمان الأنبياء. منذ ما يزيد عن ستمئة يوم متواصل يشهد العالم بأبصاره وقلوبه فصول ملحمة لا نظير لهاملحمة سُطّرت على تراب غزة بالدماء والصبر بالدمع والدعاء وبعزيمة رجال كأنهم خرجوا من كتب القداسة.
ليست غزة مجرد مدينة محاصرة بل هي مسرح لحدث إلهي مستمر حيث يتجسد الإيمان في أبهى صوره وحيث تصطف قلوب المجاهدين مع السماء في عقد لا ينفصم. هناك في كل زقاق وركن وركام تتنزل المعاني الربانية وتتكشف الحقائق الكبرى. رجالها ليسوا فقط أصحاب سلاح بل حملة رسالة يواجهون النار والموت باليقين والخذلان الأممي بثبات الموقنين. لم تفتّ في عضدهم المجازر، ولم تزعزعهم المجاعات، ولم تجرح كبرياءهم خيانة القريب والبعيد.
نرى في عيونهم تجلي الصبر المحبوب من الله ونلمح في جراحهم بشائر النصر الآتي. التاريخ – الذي عادة ما يكتبه المنتصرون – سيتوقف عندهم طويلاً لا ليُحصي فقط أسماء الشهداء بل ليكتب كيف يصبح الألم معراجا وكيف يتحول الحصار إلى ميثاق إيمان وكيف يُعاد تعريف الكرامة من خلال غزة.
ما يجري هناك ليس حدثا عابرا بل هو برهان لا يُدحض وإشارة كونية لا تُخطئ على أن الطريق إلى الله قد يكون مفروشا بالدم والركام لكنه موصل لا محالة إلى النصر الذي وعد به الصادقون. وعلى هذه الأرض وفي هذا الركن الصغير من العالم تتجلى أعظم آيات العصر… آية عنوانها: “غزة لا تنكسر”.
بقلم/عبدالمؤمن جحاف*
غزة.. الآية التي يتجلى فيها الوعد الإلهي