عندما نتأمل في مفردات وعبارات الصرخة التي صاغها الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي – رحمه الله- نجد القيم الإيمانية هي الأساس الذي يشكل أهم أركانها وبدايتها (الله أكبر)، فلا سلطان إلا الله ولا حاكمية، ولا سلطان إلا الله سبحانه وتعالى فهو (الأكبر والأعز) وهو الجبار والقهار، وهي بذلك تستمد بدايتها من نداء الصلاة (الله أكبر) وهي بهذا ترسخ مراقبة الله والخشية منه والعمل من أجل رضاه والفوز بالنعيم في الآخرة والفلاح في الدنيا، تمنح المؤمن الثقة بالله ومواجهة الطواغيت بكل أشكالهم وألوانهم في الداخل والخارج، فإذا قدَّس الناس المال قلنا لهم الله أكبر وإذا خضعوا للقوة والقهر والغلبة والسلطان قلنا لهم الله أكبر، فلا كبير إلا هو، ولا معبود إلا هو.
فإذا استشعر الإنسان معية الله وانه (الأكبر)، فلن يستسلم ولن يخضع لطواغيت الأرض والظلمة والمجرمين، لأنه يعي ويدرك أنه في معية وعناية من تفرد بالعزة والجلال والكبرياء.
وهي أيضا تحصين للمؤمنين من وساوس الشيطان ودعايات المجرمين الذين يريدون أن يمارسوا استعباد الخلق واستغلالهم والاستئثار بالخيرات من أموال ومتاع زائل بحكم ما يمتلكون من مال وجاه ونفوذ، وقد علم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كيف يكون الرد على المشركين حينما اعتزوا على المسلمين فقالوا (اعلوا هبل) فقال صلى الله عليه وآله وسلم «قولوا (الله أعلى وأجل)» وأعادوا الاعتزاز بالعزى «لنا العزى ولا عزى لكم»، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الله مولانا ولا مولى لكم) وكررها أئمة آل البيت -عليهم السلام- كشعار لمواجهة الطغيان والظلم (من أحب الحياة عاش ذليلا)، (هيهات منا الذلة).
إن الطواغيت في كل عصر وزمان يخضعون الناس لهم وذلك باستخدام القوة والقهر والظلم، وهو ما جعل أمريكا والخاضعين لها، يعلنون الحرب على شعار الصرخة ويسوقون الخاضعين لهم كي يقومون بالدور بدلا عنها، حتى أصبح التكبير تهمة تستوجب العقاب وتسن من أجل ذلك الأحكام.
أوغلت الإمبريالية الصهيونية في استحلال دماء الشعوب وثرواتها ونال الوطن العربي والإسلامي من الإجرام ما لم تنله الأمم والدول الأخرى، ومثل ذلك الشيوعية والصهيونية وغيرها من الدعوات العنصرية، وكان الأساس في الصرخة التحرر من الخوف والبطش، بإعلان الموت لأمريكا، فهي أكبر مجرم وسفاك للدماء في أمريكا ذاتها بإبادة الهنود الحمر واستعباد قارة إفريقيا، وفي اليابان بإلقاء القنابل الذرية وفي فيتنام والعراق وأفغانستان وسوريا وفلسطين، فهل ما تقدمه من إجرام وسفك للدماء يستوجب السكوت أو الصمت أم يستوجب المواجهة وذلك من باب تطبيق الحديث النبوي الشريف «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» وفي رواية أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر؟
وأما الموت لإسرائيل –فذلك أساس لمن تجرأ على الله سبحانه وتعالى ووصفه بما لا يليق به وهو رب العزة والجلال سبحانه، وأيضا لإجرامهم في قتل الأنبياء واستحلال دماء الشعوب وأموالها بواسطة الربا، وأما القتل فجرائمهم مشهودة ومعلومة، وها هو العالم يشهد عليها، مستندين في كل ذلك إلى التحريف والتزييف للتوراة والتي أجازوا إبادة الأمم الأخرى واستعبادها، فها هي تحاول إبادة الأشقاء على أرض فلسطين وغزة، ولا تراعي أي قانون أو عرف من مواثيق وقوانين الأمم المتحدة، فتقصف المستشفيات والمدارس والملاجئ وأماكن ومخيمات اللجوء الإنساني التي تشرف عليها وكالات الأمم المتحدة، متحدية بذلك المجتمع الدولي والإنسانية جمعاء، ومع إجرامهم القذر، فمازالوا يرددون في تظاهراتهم وصلواتهم «الموت للعرب» الذين أمنوهم بعد أن فتكت بهم الأمم ونكلت بهم لإجرامهم وطغيانهم، فلم يجدوا ملجأ وملاذاً آمنا سوى الخلافة الإسلامية التي أتاحت لهم العيش وتولي المناصب السياسية والتجارة وغيرها، ومع ذلك فها هم يجرعونها الويلات ويقتلون المسلمين والعرب في كل الأقطار العربية القريبة والبعيدة.
وتأتي الحتمية التي أكدها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وعلمها النبي الكريم صلوات الله عليه وآله وسلم لأصحابه وهي أن النصر للإسلام، وليس معنى ذلك الاتكال على الشعارات دون العمل، بل لا بد أن يترافق الأمران معا، فما أفرد الله الإيمان دون العمل، بل قرنه بالعمل في آيات القرآن الكريم، قال تعالى « وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ».
لقد أرَّق الشعار نفوس البعض وجعلهم يشنون الحملات والحروب للقضاء على من رفع الشعار ويحاربونه وأتباعه وهو مازال في قريته البعيدة والنائية، لكن لما استشعروا الخوف من مضامينه وأن القول مقترن بالعمل هناك أحسَّ أولئك الخطورة وتحركوا وأرادوا بذلك كيد المؤمنين- فرد الله كيدهم عليهم، وها هو اليوم شعار يردد في الآفاق وعمل يناصر قضايا المظلومين في أرض فلسطين وسوريا والعراق ولبنان، وبينما يتفرج الخونة والعملاء ويدعمون الصهاينة اليهود المغضوب عليهم بكل ما يملكون، تتحرك اليمن وأبناؤها يؤكدون صدق التوجه والعمل على مواجهة المجرمين أينما كانوا، رافعين شعار الله أكبر – براءة من موالاة الطغيان والمجرمين وإسنادا وعونا للمظلومين سواء بفرض الحصار على سفن الإمداد أو بالاشتراك المباشر في مواجهة القتلة ناقضي العهود وقتلة الأنبياء وحلف الشيطان الأكبر أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم من المجرمين، إضافة إلى ذلك المنافقين من الأعراب الذين هم (أشد كفرا ونفاقا) وأبرزهم الإمارات والسعودية وغيرهما من الدول التي تعمل جاهدة على مساعدة الصهاينة ودعمهم في مواصلة إجرامهم وإبادة الأبرياء من الأشقاء على أرض غزة وفلسطين عامة.
لقد وجهت الصرخة كشعار الأمة إلى أهم الأعداء الذين يسعون لإذلالها وتحطيمها وإبقائها عالة على الإنسانية من خلال نهب ثرواتها، واحتلال أراضيها وتنصيب الخونة والعملاء حتى يضمنون تحقيق مصالحهم واستمرار الضعف والهوان إلى ما لا نهاية، لكن نهضة الأمة من خلال المشروع القرآني والقيادة الربانية، كفيلة بتحطيم تلك الأوهام الزائفة ومواجهة الطواغيت من الخونة والمجرمين، لذلك هم يسلطون العملاء لمواجهة هذا المشروع، وهو ما عبرت عنه الحرب العدوانية على اليمن التي استمرت لأكثر من ثمان سنوات بواسطة الحلف الصهيوني السعودي الأمريكي، الذي أراد أن يحطم اليمن ويدمر أساسات النهوض والتقدم، لإداركه أن اليمن سيقضي على أوهام الشيطان ويعلي راية الإيمان ولن يترك الإفساد والفساد يعيث في أرض الحرمين ومهبط الوحي السماوي وفي أرض باركها الله واختصها لتحمل آخر الرسالات السماوية والهداية للعالمين قال تعالى « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ».
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا
إبراهيم برسي
في بلادٍ تكسّرت فيها البوصلات، ولم يتبقَّ للناس سوى البكاء على ما لا يُبكى عليه، وجدنا أنفسنا في زمنٍ تُحكمه مفردتان فقط: “الجَغِم والبلّ”. ليستا مجازًا، بل تقنية للقتل الشعبي، تُمارَس في وضح النهار، ويباركها العقل المغسول تحت إيقاع أناشيد الحرب.
“الجَغِم” لم يعد فعلاً بدائيًا لشخص يبتلع ما ليس له، بل تحوّل إلى ماكينة مؤسسية تلتهم الذهب، والنفط، والموتى، وتُنتج بلاغات وفتاوى.
أما “البلّ”، فقد صار طقسًا شعبيًا لإضفاء الشرعية على هذا الجشع. كلمة تُقال بصوت خافت، لكنها تحمل في طيّاتها استسلامًا جماعيًا. كأنك تقول: دع الأمر للقدر، فالعدو دائمًا هو الآخر، والحرب دائمًا هي الحل.
تقول عالمة النفس الفرنسية ماري فرانس هيريجوين:
“الأنظمة السلطوية لا تحتاج لإقناعك، بل فقط لإرباكك، لتخلق مساحة ذهنية تُمكِّنها من غرس أفكارها كحقائق.”
وهذا بالضبط ما فعلته الجبهة الإسلامية حين تسلّلت إلى المؤسسة العسكرية، لا كضيف، بل كمضيفٍ أعاد تعريف معنى الوطن، والعدو، والموت.
في بورتسودان، تُدار الدولة من ثكنة عسكرية، ويُحكم البلد عبر فتاوى القهاوي.
في نيالا، يُدفن الموتى دون أسماء.
في الفاشر، صارت المقابر أكبر من المدارس.
في أم درمان، تُخفي العائلات أبناءها لا من العدو، بل من الجيش.
ولفهم ما نحن فيه، لا بد أن نتذكّر ما حدث في رواندا عام 1994.
حينها، لم يكن السلاح هو المشكلة، بل الكلمة. في راديو “ميل كولين”، كانت الأغاني الشعبية تُغنّى، ثم تتبعها دعوة صريحة:
“اقطعوا التوتسي كالأنشاب.”
هكذا تبدأ المجازر: بمصطلحات تبدو عفوية، بعبارات يُردّدها الناس دون إدراك، ثم ينفجر العنف.
“بلّ بس”، اليوم، تُشبه تمامًا تلك العبارات. تُفتح بها أبواب الجحيم، وتُشرعن بها مجازر لا تُشبه المجازر، بل تُشبه النشيد الوطني بصيغة جنائزية.
يقول أنطونيو غرامشي:
“الهيمنة لا تتحقق بالعنف وحده، بل بالموافقة الصامتة للمقهورين.”
وهذه الموافقة هي ما تفعله الجبهة الإسلامية كل يوم، حين تحوّل المواطن إلى “متلقٍ”، ثم إلى “مُبرِّر”، ثم إلى “جلّاد”، باسم الدولة أو الدين أو القبيلة.
أما الذين يجغمون بالفعل، فهم ليسوا على الجبهات، بل في البنوك، في دبي، في أنقرة، في الدوحة، وفي القاهرة.
يجغمون العقود، والشركات، والذهب، والمستقبل.
يحرقون البلاد، ثم يتهمون المواطن بأنه لم “يبلّ بما فيه الكفاية”.
هل هذا وطنٌ أم مسرح عمليات؟
هل هذه حربٌ أم إعادة تموضع للجبهة تحت رايات جديدة؟
هل ما زلنا بشرًا، أم مجرّد وقود بين “الجَغِم والبلّ”؟
لكننا نعرف.
نعرف أن الجبهة لا تحارب لتنتصر، بل لتحكم.
وأن المواطن لا يموت فقط، بل يُعاد إنتاجه كأداة للقتل.
نعرف أن “الجَغِم” صار مصيرًا، و ”البلّ” صار عقيدة.
لكننا، رغم كل شيء، نعرف.
ومن يعرف، لا ينجو بالمعرفة… بل يُساق بها إلى النفي.
أشد أنواع الغسيل دموية، ليس ذاك الذي يُبيّض القميص، بل الذي يُغطّي الجريمة بلون الراية.
وحين تتدفق الأكاذيب من الشاشات إلى الدماغ، يتحوّل المواطن إلى جندي دون أن يرتدي الزي العسكري.
يضحّي بابنه، ويصفّق لمن نهب راتبه، ويقولها دون تفكير:
“بلّ بس… نحنا في معركة وجود وكرامة.”
تستعيد ذاكرتنا نموذج سيراليون، حيث تحوّل الأطفال إلى قتلة باسم “الوطن”.
تقول الباحثة الكندية نومي كلاين:
“حين يُعاد تعريف العنف كضرورة أخلاقية، تنهار البنية النفسية للإنسان، ويصبح القتل فعلَ طمأنينة.”
وهذا ما نراه:
مواطنون يتعاملون مع الحرب كأنها زواج مقدّس، ومع الموت كأنه استثمار مضمون في سوق الوطنية.
في “الخوي والنهود”، لم يعد الناس يتساءلون عمّن هو على حق، بل عمّن لا يزال على قيد الحياة.
في “دنقلا وكسلا”، لا يُسأل الأب عن حلم ابنه، بل عن موقعه على الخارطة:
في الجيش؟ في الدعم؟ أم في المقابر؟
السودان اليوم ليس بلدًا، بل سجن مفتوح يدور فيه الحارس والضحية في حلقة “بلّ وجَغِم”، بين رصاصتين، ورايتين، وبيانين.
نحن الذين كُتب علينا أن نعيش بين “الجَغِم والبلّ”، لا نملك حتى ترف الصمت.
لأن الصمت نفسه صار مشاركة في الجريمة.
لأن “البلّ” اليوم يعني أنك قبلت أن تُمحى،
و ”الجَغِم” يعني أنك صرت جزءًا من ماكينة المحو.
وحدهم الذين لا يبلّون ولا يجغمون، من يكتبون بأجسادهم معنى الوطن.
أما الباقون، فقد اختاروا شكلهم في الجنازة: بين قاتلٍ يبتسم، ومبرّرٍ يبرّر، وجثةٍ تصفّق في الغياب.